المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أما الرد على أقوال المستشرقين السابقة فهو على النحو الآتي: - دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه - جـ ١

[إسحاق السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌ في التفسير وعلوم القرآن:

- ‌ وفي السنة النبوية وشروحها:

- ‌ وفي الفقه وما يتصل به:

- ‌ وفي السيرة النبوية:

- ‌ وفي العقيدة والتوحيد:

- ‌ وفي مجال الدراسات المعاصرة المتميزة:

- ‌مقدمة الدراسة: بين يدي تميز الأمة الإسلامية

- ‌المقدمة

- ‌ظاهرة التميز بين التاريخ والدين:

- ‌الدراسات السابقة في تميز الأمة الإسلامية:

- ‌المنهج في دراسة تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه وخطة البحث فيه:

- ‌أولًا: جمع المادة العلمية:

- ‌ثانيًا: خطة البحث:

- ‌فكرة تقسيم الدراسة في خمسة كتب:

- ‌الفصل الأول مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌اشتقاق التميُّز اللغوي

- ‌من مجموع هذه النقول يتضح الآتي:

- ‌صلة التميُّز بالأمة الإسلامية

- ‌ مصطلح التميُّز

- ‌مدلول (الأمَّة) في معاجم اللغة العربية

- ‌مدلول الأُمَّة في القرآن الكريم

- ‌جاءت الأمة في القرآن الكريم:

- ‌خلاصات لمعاني (الأُمَّة) في اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واستنتاجات

- ‌نماذج من تعريفات العلماء والمفكرين لمدلول (الأمَّة) في الفكر الإسلامي وتحديد مصطلح (الأمَّة) في البحث

- ‌مفهوم الأمَّة الإسلامية

- ‌معنى الإسلام

- ‌الإسلام إذا وصفت به الأمة

- ‌منزلة تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌كون التميز سنة من سنن اللَّه في خلقه

- ‌الأمر به والثناء على من حققه والوعد المترتب عليه

- ‌التعريض بمن لم يرعَ التميُّز والوعيد المترتب على عدم تحقيقه

- ‌الحالة الأولى: حالة المن والعطاء:

- ‌الحالة الثانية: حالة الجحود، أو موقف بني إسرائيل من هذا المن ومن ذلك العطاء:

- ‌الحالة الثالثة: حالة الانتقام والجزاء:

- ‌النهي عن التشبه بأهل الكتاب وأهل الجاهليَّة

- ‌1 - المراد بالتشبه المنهي عنه

- ‌2 - النهي عن التشبه في مجال العقيدة:

- ‌3 - النهي عن التشبه في مجال العبادة:

- ‌4 - النهي عن التشبه في مجال الشعائر والمظهر العام:

- ‌ضرورة‌‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌تجسيد القدوة في ذاتية الأمة الإسلامية وإظهارها للإنسانية

- ‌بناء قدرة الأمة الإسلامية على مواجهة الصراع الحضاري

- ‌الفصل الثانى الاستشراق والمستشرقين

- ‌مفهوم الاستشراق والمستشرقين

- ‌تعريف الاستشراق:

- ‌أ- تعريفه لغة:

- ‌ب- تعريفه اصطلاحًا:

- ‌مسلمات حول مفهوم الاستشراق والمستشرقين وملحوظات:

- ‌لمحة موجزة عن تاريخه

- ‌جذور نشأة الاستشراق

- ‌ومن هنا نشأت حركة الاستشراق لتحقيق الآتي:

- ‌الاستنتاجات والملحوظات حول نشأة الاستشراق:

- ‌الصلات الثقافية بين الإسلام والغرب في الأندلس وصقيلية

- ‌أثر الاستشراق في الحروب الصليبية وأثرها في الاستشراق

- ‌تطور الاستشراق

- ‌العوامل التي ساعدت على تطور الاستشراق

- ‌وفيما يأتي إبراز لأهم تلك العوامل والتطورات:

- ‌ومن أبرز ما يمثل هذا الاتجاه:

- ‌وفيما يأتي توضيح لأبرز هذه المستجدات:

- ‌دوافع الاستشراق ومظاهر نشاطه

- ‌أولًا: الدوافع الاستشراقية:

- ‌1 - الدافع الديني:

- ‌2 - الدافع السياسي:

- ‌3 - الدافع الاقتصادي:

- ‌4 - الدافع العلمي:

- ‌ثانيًا: مظاهر النشاط الاستشراقي:

- ‌حاضر الاستشراق ومستقبله وعوامل قوته واستمراره

- ‌1 - نقد الساسة الغربيين للاستشراق والمستشرقين

- ‌2 - وجهة نظر الباحث حول حاضر الاستشراق والمستشرقين ومستقبلهم:

- ‌3 - عوامل قوة الحركة الاستشراقية واستمرار المستشرقين:

- ‌العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌تعريف العقيدة لغة واصطلاحًا

- ‌خصائص العقيدة الإسلاميَّة

- ‌أ- كونها عقيدة الفطرة:

- ‌ب- الوضوح واليسر:

- ‌ج- استقلال منهجها في الاستدلال عن الطرائق الفلسفيَّة:

- ‌فالأدلة الكونية:

- ‌والأدلة النفسية:

- ‌والأدلة العقليَّة:

- ‌د- الانضباط وملازمة الحق والانتصار له:

- ‌أثر العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌ويُمكن رصد بعض آثار العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة في الآتي:

- ‌موقف المستشرقين من العقيدة الإسلامية

- ‌أولًا: صورة العقيدة الإسلاميَّة لدى الغرب في العصور الوسطى:

- ‌ثانيًا: نماذج من آراء المستشرقين في العقيدة الإسلاميَّة:

- ‌ثالثًا: الرد على أقوالهم:

- ‌أمَّا الرد على أقوال المستشرقين السابقة فهو على النحو الآتي:

- ‌الشريعة

- ‌تمهيد

- ‌‌‌تعريف الشريعة لغةواصطلاحًا

- ‌تعريف الشريعة لغة

- ‌تعريف الشريعة اصطلاحًا:

- ‌أهمية النظام في الكون والحياة

- ‌حاجة البشرية إلى النظام

- ‌ويدفع البشر إلى التجمع دوافع عدة من أهمها:

- ‌أولًا: الدافع النفسي:

- ‌ثانيًا: الدافع المادي:

- ‌ثالثًا: الدافع الأمني:

- ‌وهنا يأتي السؤال من الذي ينظم

- ‌قصور العقل البشري عن تشريع النظم

- ‌لمحة موجزة عن حال الأمم في ظل بعض النظم البشرية

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية

- ‌موقف المستشرقين من الشريعة الإسلامية

- ‌ويعالج البحث هنا الدعوى من جانبين:

- ‌الجانب الأول:

- ‌أولًا: القانون الروماني:

- ‌ثانيًا: التلمود اليهودي:

- ‌ثالثًا: التعاليم النصرانية:

- ‌رابعًا: أعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الجانب الثاني: نقد أقوال المستشرقين حول الشريعة:

- ‌وفي ضوء ما سبق يمكن نقد أقوال المستشرقين واستدلالاتهم في النقاط الآتية:

- ‌نقد الدعوى الأولى: دعوى التأثر بالقانون الروماني:

- ‌نقد الدعوة الثانية: دعوى التأثر بالتلمود اليهودي:

- ‌نقد الدعوى الثالثة: دعوى التأثر بالتعاليم النصرانية:

- ‌الدعوى الرابعة: دعوى التأثر بأعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الأخوة في اللغة والاصطلاح

- ‌منهج الإسلام في تقرير الأخوة، ووحدة الأمة

- ‌أثر الأخوة في تميز الأمة الإسلامية، ووحدتها

- ‌موقف المستشرقين من الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

الفصل: ‌أما الرد على أقوال المستشرقين السابقة فهو على النحو الآتي:

أعظم مظهر في حياته، وهو بذاته أكبر دليل على صدق رسالته وأمانة نبوته، ولعل هذا البرهان من أوضح الأدلة على إن الإسلام وحي من اللَّه، فإنَّ مفهوم (التوحيد) الإسلامي عقيدة تميَّز بها الإسلام عن غيره) (1).

وعلى الرغم من كون قول (كارلايل) لا يرقى إلى الإنصاف الكامل، إذ ليست الكثرة والاستمرار دليل على الحق، وإنَّما الحق أولى بالاتباع، وكذلك قول (سافاري) ينطوي على خطأ وهو قوله بأنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم أسس ديانة عالميَّة، والحقيقة أنه جاء مرسلًا من عند اللَّه إلى الناس جميعًا وهو خاتم الأنبياء وسيد المرسلين. وعلى الرغم من هذا وذاك فإن قولهما يُعَدّ أقرب إلى الإنصاف قياسًا إلى ما ذكر من أقوال المستشرقين الآخرين، أمَّا قول (هنري دي كاستري) فإنَّه أكثر إنصافًا، ولعل مسلكه العام ظل مستمرًّا على هذا النحو، واللَّه أعلم.

‌أمَّا الرد على أقوال المستشرقين السابقة فهو على النحو الآتي:

1 -

إنَّ تلك الأقوال التي تشكك في تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة من خلال نسبة عقيدتها إلى اليهودية أو النصرانية أو الوثنية لا تقوى على حجب حقيقة تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة المرتكز على عقيدة صحيحة واضحة فذَّة جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه، ومهما أثاروا حولها من ضباب كثيف، فإن اللَّه متم نوره ولو كره الكافرون، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، وقال تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]، وقال تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].

يقول عبد اللطيف الطيباوي عن كتابات المستشرقين في هذا المجال:

(1) نقلًا عن نذير حمدان: الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابات المستشرقين، ص 71، (مرجع سابق).

ص: 289

(إن ما أريق من مداد سود صحائف المجلدات المتعددة عن (أصول) الإسلام لا يقدم دليلًا مقنعًا بالمعنى التاريخي الصارم بحيث يثبت أن مثل هذا الاقتباس قد حدث فعلًا، بل على العكس، فإن الشاهد المعاصر الوحيد الذي ما يزال باقيًا هو (القرآن الكريم) وهو يستبعد مثل هذا الاحتمال بأقطع عبارة، ومن المستغرب أن هذا الشاهد الوحيد يُطرح في الغالب جانبًا) (1).

2 -

يخلط هؤلاء المستشرقين المتحاملون على تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة في دراساتهم لعقيدتها الإسلاميَّة بين العقيدة الصافية النقية الحقة التي بينها القرآن الكريم والسنة النبوية (القولية والفعلية والتقريرية) وبين واقع المسلمين بعامة وواقع الفرق الضَّالة بخاصة، وكان من نتائج هذا الخلط أن جاءت دراسات المستشرقين في مسائل العقيدة (جهلًا مركبًا) كما سماها بذلك أحد المفكرين لأنهم درسوها في ضوء مناهج زائغة، وقدموها للناس مشوهة مزورة ومكذوبة (2).

فقد تركزت أقوالهم على دعوى؛ أن العقيدة الإسلاميَّة تأثرت باليهودية أو النصرانية أو الوثنية أو هي مزيج من ذلك كله، والرد على ذلك يتركز في الآتي:

أ- لو كان المراد بأن عقيدة الإسلام وبخاصة توحيد اللَّه وحده لا شريك له وإخلاص العبادة له هي العقيدة التي جاءت بها أنبياء بني إسرائيل، وجاء بها المسيح عليه السلام في صورتها الصحيحة التي أرادها اللَّه فإن ذلك حق وصحيح (3).

(1) المستشرقون الناطقون بالإنجليزية. ص 33، ترجمة: قاسم السامرائي، (مرجع سابق).

(2)

انظر: أحمد محمد جمال: نقد كتاب جولدزيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام: ص 17، (مرجع سابق)، وقد عزا هذه التسمية للغزالي.

(3)

انظر: شوقي أبو خليل: كارل بروكلمان في الميزان: ص 53، (مرجع سابق).

ص: 290

ومن المعلوم بالضرورة في دين الإسلام أن الدين واحد من لدن آدم عليه السلام وحتى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه:". . . والأنبياء إخوةٌ لعلّات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"(1)، ولكن أولئك المستشرقين لا يقصدون ذلك، بل يقصدون التراث اليهودي والنصراني كما قال أحدهم:(إن على الإسلام أن يقر بحقيقة أصله: ذلك التأثير التاريخي للتراث اليهودي النصراني)(2)، ومن المسلَّم به (أنه لا توجد أقوال ثابتة تبين لنا حقيقة التوحيد وماهيته في اليهودية؛ لأن اليهود قد ضمنوا التوراة كثيرًا من المتون المتعارضة، التي لا يُمكن الجمع أو التوفيق بينها، وهذا يدل على أن أفكار مؤلفي هذه الأسفار كانت متشتتة، وموزعة بين الوثنية المتمثلة في تجسيد اللَّه وتشبيهه بخلقه، وجعل الأنداد والنظائر له، وبين عقيدة التوحيد الخالصة التي جاء بها أنبياء اللَّه المذكورون في توراة اليهود، وفي القرآن والسنة عند المسلمين)(3).

وكذلك النصرانية التي ترتكز عقيدتها بعد التحريف على التثليث، ومنيت بالشرك بدلًا من التوحيد ورد في مقدمة كتاب (هيم ماكبي): بولس

(1) أخرجه البخاري: صحيح البخاري 3/ 1275 الحديث رقم [3259]، بتحقيق مصطفى ديب البُغا (مرجع سابق).

(2)

مونتغومري وات: نقلًا عن عبد اللطيف الطيباوي: المستشرقون الناطقون بالإنجليزية، ص 34، ترجمة: قاسم السامرائي، (مرجع سابق).

(3)

عزية طه: من افتراءات المستشرقين. . . ص 36 - 37، (مرجع سابق). ولمزيد من الاطلاع على العقيدة اليهودية انظر: عبد الستار فتح اللَّه سعيد: معركة الوجود بين القرآن والتلمود، ص 116 - 121، (مرجع سابق).

ص: 291

وتحريف المسيحية: (كانت مأساة السيد المسيح الحقيقية أنه ولد في قوم أعظم مواهبهم تزوير التاريخ)(1).

ويتساءل (جون هك): (كيف وصل اليهود مع الأمميين من المسيحيين إلى عبادة كائن بشري محطمين هكذا فكرتهم في وجود إله واحد بطريقة أودت بهم إلى الميتافيزيكية المعقدة للتثليث؛ ففي تعاليم المسيحية الباكرة، كما نقلنا عنها من الكتاب الخامس للعهد الجديد -للقديس لوقا-؛ أعلن يسوع أنَّه إنسان أرسله اللَّه إليكم مؤيدًا بأعمالٍ ضخمة وأمارات، وبعد ثلاثين سنة فقط أفتتح إنجيل (مرقص) بهذه الكلمات: (ابتداءً إنجيل يسوع المسيح ابن اللَّه)؛ وفي إنجيل (يوحنا) الذي كتب بعد ثلاثين سنة أخرى، عُزِيَ هذا الكلام إلى يسوع نفسه وصور على أنَّه إله يمشي على الأرض!) (2).

وفي إجابة (هِكْ) على سؤاله يستشهد بقول آخر: (كم كانت منشرة فكرة التجسيد الإلهي في الحياة البشرية للعالم القديم؛ لذا فليس من المستغرب البتة تأليه يسوع في تلك البيئة الثقافية؛ ففي اليهودية نفسها، كانت فكرة تسمية الإنسان (ابن اللَّه) تستند إلى تقليد قديم) (3).

(1) سميرة عزمي الزين: مقدمة كتاب هيم ماكبي: بولس وتحريف المسيحية، ص 8، 9، الطبعة العربية الأولى 1411 هـ - 1991 م، من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية، وقد جاء في التعريف بهذا الكتاب في ظهر غلافه:(قارئ هذا الكتاب سيتأكد بالحجة التاريخية أن عيسى عليه السلام وحوارييه براءٌ من كل هذه المسيحية التي اخترعها بولس ولفق عقائدها من وثنيات العالم القديم وخرافاته وأساطيره. . ألفه أستاذ تاريخ الأديان في معهد (ليوبايك) بلندن، وهو واحد من ألمع مؤرخي الأديان في عصرنا).

(2)

جون هك: أسطورة تجسد الإله في السيد المسيح، تعريب: نبيل صبحي، ص 18، الطبعة الأولى 1405 هـ - 1985 م، عن دار القلم - الكويت.

(3)

المرجع السابق نفسه: ص 19، وعن تأثر الديانة المسيحيَّة بالوثنية، انظر: محمد =

ص: 292

وللمرء أن يتساءل أيضًا أين التوحيد في هذا التراث اليهودي النصراني، وصدق اللَّه القائل:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 30 - 31].

ب- أمَّا قولهم بأن عقيدة الإسلام تأثرت بالوثنية فإن هذا القول مجاف لحقيقتها وما هو إلَّا نتيجة ما يسمى الإسقاط النفسي أو على حد المثل العربي (رمتني بدائها وانسلت)(1)، ولئن تسربت الوثنية إلى اليهودية وإلى النصرانية كما سبق ذكره؛ فإنَّ الإسلام ما جاء إلَّا لمحارتجها والقضاء عليها ونشر عقيدة التوحيد الخالص للَّه جل وعلا؛ رُوِيَ عن ابن عمر رضي الله عنه؛ أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلَّا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلَّا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه"(2).

وإذا كان بعض المستشرقين يربط بين شعائر الحج والعمرة في الإسلام وبين الوثنية، ويزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبقى على بعض شعائر الوثنية، وبخاصة تقبيل الحجر الأسود، فإنَّ الرد على ذلك من وجوه:

= طاهر التنير: العقائد الوثنيَّة في الديانة النصرانية، عن إدارة القرآن والعلوم الإسلاميَّة، كراتشي، باكستان، الطبعة الثالثة، 1414 هـ.

(1)

أورده ابن منظور: لسان العرب، مادة (سلل)، مرجع سابق، وانظر: أبا هلال الحسن العسكري: كتاب جمهرة الأمثال: 1/ 387، بتحقيق: أحمد عبد السلام وآخر، الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988 م، عن دار الكتب العلمية، بيروت.

(2)

سبق تخريجه: ص 86، (البحث نفسه).

ص: 293

أولها: إن ما كان من بقية الحق المتمثل في بعض الآثار الدينية التي تعود إلى الحنيفية السمحة فإن عقيدة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم لاتناقضها بل تجلوها وتبقي على ما كان حقًّا منها، وفي مقدمة ذلك بعض شعائر الحج والعمرة من طواف وسعي وغيرهما (1)، قال تعالى:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161].

ثانيًا: رد بعض الباحثين على زعم (بروكلمان) في هذا بقوله: (كان على بروكلمان أن يعرف مكانة الحجر الأسود عند عرب الجاهليَّة، وسبب تقديسه بعد الإسلام، وكان عليه أن يميَّز بين الوثن والصنم من جهة، وبين الحجر الأسود الذي لم نسمع في الروايات التاريخية شيئًا عن عبادة العرب له، لقد اتخذ العرب آلهتهم في الجاهليَّة من أشياء لا تحصى، ومع ذلك لم يرد مطلقًا أن الحجر الأسود كان ضمن آلهتهم، بل كانت له منزلة محترمة؛ لأنَّه من بقايا بناء إبراهيم للكعبة، وبناء على ذلك فالإسلام لم يقر وثنية كانت في الجاهليَّة، واستلام الحجر الأسود في الحج يرجع إلى اعتبار رمزي، لا إلى تقديس الحجر ذاته، لقد أعادت قريش بناء الكعبة، واختلفت بطونها على من يعيد الحجر مكانه، وأقبل محمد الأمين قبل البعثة بخمس سنوات، فدعوه لرجاحة عقله وحبِّهم له، فهو الأمين؛ ليفصل في الأمر فبسط رداءه، ووضع فيه الحجر، وجاء من كل بطن رجل، حمل من طرف الرداء، حتى أوصله عليه الصلاة والسلام إلى موضعه، فوضعه بيده الشريفة، وأنهى مشكلة حرجة، وسبب احترامه أنه

(1) انظر: عزية طه: من افتراءات المستشرقين على أحاديث التوحيد، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية: ص 53، (مرجع سابق).

ص: 294

من بقايا بناء إبراهيم للكعبة، ولم يكن في يوم من الأيام وثنًا يعبد، لا في الجاهليَّة ولا في الإسلام. . .) (1).

ثالثًا: إنَّ تقبيل الحجر الأسود عبادة للَّه له دلالات ومقاصد لا تخدش عقيدة التوحيد فهو حجر لا يضر ولا ينفع بذاته، وهذه عقيدة المسلمين فيه كما علمهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فهذا عمر بن الخطاب يقول عند تقبيله للحجر الأسود:(إني أعلم أثك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)(2)، ولعلماء المسلمين في قول عمر رضي الله عنه هذا أقوال عديدة، منها: قول ابن جرير الطبري: (إنَّما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهَّال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهليَّة)(3).

وقال ابن حجر: (وفي قول عمر هذا: التسليم للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع

(1) شوقي أبو خليل: كارل بروكلمان. . ص 31، (مرجع سابق)، وانظر: عبد الكريم علي باز: افتراءات فيليب حتي وكارل بروكلمان على التاريخ الإسلامي، ص 91 - 94، الطبعة الأولى 1403 هـ - جدة. ولمزيد من الاطلاع على مصادر قصة وضع الحجر الأسود. . . انظر: السيرة النبوية لابن هشام بتعليق عمر عبد السلام تدمري: 1/ 218 (مرجع سابق).

(2)

أخرجه البخاري: صحيح البخاري 2/ 579، كتاب الحج، الحديث رقم [1520]، ترتيب: مصطفى البُغا، (مرجع سابق). وانظر: ابن حجر: فتح الباري. . . 3/ 462، (مرجع سابق).

(3)

أورده ابن حجر: فتح الباري: 3/ 462 - 463، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: عزية طه: من افتراءات المستشرقين. . .: ص 45، (مرجع سابق).

ص: 295

لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر، ويوضح ذلك) (1).

وهناك روايات عديدة عن أصل ذلك الحجر وما يرمز إليه أورد جملة منها ابن حجر وبين ما في أسانيدها من ضعف، ولكن يستفاد من مجموعها الآتي:

1 -

إن عمر رضي الله عنه في بعض الروايات رفع قوله: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه قاصمة الظهر لـ (كارل بروكلمان) ومن سار على نهجه في هذا الزعم.

2 -

إن تقبيل الحجر -وقد فعله رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أمر من لدن الحكيم الخبير- شبيه بأمر اللَّه الملائكة أن تسجد لآدم، فكان السجود طاعة لأمر اللَّه وعندما عصى إبليس كتبت عليه اللعنة (2)، فاستلام الحجر وتقبيله عبادة للَّه وتعظيم للَّه وليس لذات الحجر، وهذا التعليل يقبله العقل السليم ولا يعارض الشارع.

3 -

رُبَّمَا كان الحجر الأسود بمثابة الشاهد على التوحيد يقدم شهادته يوم القيامة لمن حجَّ البيت أو اعتمر أو زاره وطاف به، وحينما يقبل يكون (ذلك امتثالًا لأمر اللَّه رمزًا للتوحيد والعبودية للَّه كما ترمى الجمار بالحجر رمزًا لعداوة الشيطان ومجافاته)(3).

(1) فتح الباري: 3/ 463، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: عزية طه: المرجع السابق نفسه؛ ص 54.

(2)

انظر: ابن حجر: المرجع السابق نفسه: ص 462، 463، 475، 476.

(3)

انظر: عبد الكريم علي باز: افتراءات فيليب حتي وكارل بروكلمان. .: ص 92، (مرجع سابق).

ص: 296

وخلاصة القول: (إن فكرة وثنية الحجر الأسود هي فكرة غربية بثتها حركة الاستشراق. . وسعت لترويجها منذ زمن بعيد. . فقد سبق بروكلمان إليها بعض المستشرقين، مثل (درايكت) و (بورشورت سمث). .) (1)، في محاولتهما نفي تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة والطعن في أهم مقومات ذلك التميُّز وهي عقيدة التوحيد الخالص، كما عبَّرَ عن ذلك (الكونت هنري دي كاستري)؛ بقوله:(فظهور هذا الاعتقاد -يعني: توحيد اللَّه وإفراده بالعبادة دون سواه- بواسطته -يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم دفعة واحدة هو أعظم مظهر في حياته، وهو بذاته أكبر دليل على صدقه في رسالته وأمانته في نبوته، ولعل هذا البرهان من أوضح الأدلة على أن الإسلام وحي من اللَّه فإن مفهوم التوحيد الإسلامي عقيدة تميُّز بها الإسلام عن غيره)(2).

وهناك ردود أخرى تتعلق بمصدر العقيدة سيجري إيرادها في مجال أقوال المستشرقين حول الربانية، ويبقى هنا الالتفات إلى مقولة (جولدزيهر) بأن مسائل الخلاف العقدية التي برزت في القرنين الأولين عند الكلام الإسلاميين (كان) تحت تأثير النشاط العقدي داخل الكنائس والفرق المسيحية الشرقية) (3).

وهذا القول ينطبق إلى حدٍّ كبير على واقع الفرؤا الإسلاميَّة الضَّالَّة فإنَّ كل بدعة ظهرت في دين الاسلام سلكت مسلكًا مشابهًا لليهود أو النصارى، وهذا ما يصرح به علماء الأُمَّة الإسلاميَّة ويدركونه، وهو كذلك من دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ ورد عنه أحاديث كثيرة تخبر بذلك منها قوله

(1) انظر: عبد الكريم علي باز: افتراءات فيليب حتي وكارل بروكلمان. .: ص 93، 94، (المرجع السابق نفسه).

(2)

نقلًا عن نذير حمدان: الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابات المستشرقين: ص 71، (مرجع سابق)، وسبق إيراده فيما سبق.

(3)

انظر: جولدزيهر: مذاهب التفسير الإسلامي، ص 171، (مرجع سابق).

ص: 297

-صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة"(1)، وأخبر صلى الله عليه وسلم بأن ثنتين وسبعين فرقة في النَّار من تلك الفرق التي تنقسم إليها أمته صلى الله عليه وسلم وأنها تسلك مسلك أهل الكتاب (اليهود والنصارى) واستثنى فرقة واحدة أو ملة أو طائفة أو أُمَّة -كما يسبق ذكره- هي التي تلزم الحق وتبقى على هديه صلى الله عليه وسلم:"ولن تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"(2). وفي بعض الروايات: "وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين مِلَّة كلهم في النار إلا ملة واحدة"، قالوا: من هي يا رسول اللَّه؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"(3).

قال ابن تيمية عند إيراده حديث: "ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة" الحديث: (وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: يشير إلى أن الفرقة والاختلاف لا بُدَّ من وقوعهما في الأمة، وكان يحذر أمته منه لينجو من الوقوع فيه من شاء اللَّه له السلامة)(4).

ولكن (جولدزيهر) يلبس الحق بالباطل ويكتم الحق وهو يعلم، وهذا هو المنهج المذموم الذي عابه اللَّه على أهل الكتاب واليهود بخاصة، قال

(1) أخرجه الترمذي: الجامع الصحيح: 5/ 25، 26، كتاب الإيمان، الباب [18]؛ ما جاء في افتراق هذه الأمة، الحديث رقم [2640]، وقال:"حديث حسن صحيح"، تحقيق: كمال يوسف الحوت، (مرجع سابق).

(2)

سبق تخريجه في روايات بالفاظ أخرى، انظر: مقدمة البحث ص 21، وص 98، (البحث نفسه)، وأمَّا روايته هنا فلفظها للإمام أحمد بن حنبل في مسنده: 5/ 35، الحديث رقم [19849]، بترتيب: دار إحياء التراث العربي، (6/ 12)، (مرجع سابق).

(3)

أخرجه الترمذي: المرجع السابق نفسه: 5/ 26، الحديث رقم [2641]، سبق ذكر جزء منه وتخريجه، انظر: ص 98 (البحث نفسه).

(4)

ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. . .: ص 35؛ تحقيق: محمد حامد الفقي، (مرجع سابق).

ص: 298

تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]، إنَّ المتتبع لمنهج (جولدزيهر) يلمس هذا التلبيس والكتمان فهو ينتزع عقيدة الإسلام من مجريات التاريخ الإسلامي في القرنين الأولين مع التركيز على مقولات الفرق الضَّالَّة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يخفي بطريقة ماكرة منهج السلف الصالح وما كانوا عليه من عقيدة التوحيد الخالص. . وقد سلك هذا المسلك عند دراساته للحديث النبوي الكريم، وسيأتي مزيدٌ من الرد عليه لاحقًا (1)، بيد أنَّ ما كتمه (جولدزيهر) هو تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة المرتكز على عقيدة التوحيد التي أخفق فيها اليهود والنصارى وهدى اللَّه إليها الأُمَّة الإسلاميَّة.

* * *

(1) انظر: الفصل الثاني: موقف المستشرقين من خصائص التميُّز: موقفهم من خصيصة الربانية.

ص: 299