الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوصال وصيام عاشوراء، ونحو ذلك مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفًا لأعمال اليهود والنصارى والمشركين وكافة أمور الجاهلية (1).
ومما يدل على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان عليه أهل الجاهليَّة ما حدث منه في حجَّة الوداع، فقد أَخَّرَ بعض المناسك كنفرة الحجيج من عرفة، وعجل الإفاضة من مزدلفة، وعمل أعمالًا أخرى على خلاف ما كان عليه أهل الجاهليَّةِ، وَنَصَّ على كون عمله -ذلك- جاء مخالفة لما عليه أهل الجاهليَّةِ من حيث كونهم اعتادوه، وجاءت مخالفَتُهُ لهم إحياء لمناسك الحجِّ على ما كانت عليهِ الحنيفيَّة السمحاء من ناحيةٍ وأخذًا بها إلى التمام والكمال من ناحية أخرى، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرات يوم النحر وهو على راحلته ويقول:"لتأخذوا مناسككم"(2).
4 - النهي عن التشبه في مجال الشعائر والمظهر العام:
أما ما يتعلق بالشعائر الدينية مثل الناقوس والبوق ورفع الصوت في الحرب والذكر والجنائز والقيام لها والشق في القبر. . . أو ما يتعلق بالمظهر العام والعادات، مثل الاحتفال بالأعياد، وما يصحبها من بدع ومنكرات، وقص الشعر، ولبس الحرير والذهب، وكذلك استعمال آنية الذهب والفضة، والزيِّ واللِّباس، ونحو ذلك من العادات والمظاهر التي يحدث فيها التشبه. . . فقد وردت جملة من الأحاديث تنهى عن ذلك، منها:
- الأحاديث الواردة في مشروعية الأذان، ومنها ما ورد في الصحيحين
(1) انظر: المرجع السابق نفسه: (1/ 181 - 200)، وانظر: الغماري: الاستنفار: ص: (39 - 69)، المرجع السابق نفسه.
(2)
أخرجه مسلم: صحيح مسلم: (2/ 943)، كتاب الحج، باب:(51)، رقم الحديث:(1297)، بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مرجع سابق.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنًا مثل قرن اليهودِ. فقال عمر: أولا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فنادِ للصَّلاةِ" (1).
قال ابن تيمية: (ما يتعلق بهذا الحديث من شرع الأذان. . . ليس هذا موضع ذكره وذكر الجواب عما يستشكل منه، وإنَّما الغرض هنا: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كره بوق اليهود المنفوخ بالفم، وناقوس النصارى المضروب باليد، علَّلَ هذه بأَنَّهُ من أمر اليهود، وعلَّلَ هذا بِأَنَّهُ من أمر النصارى. . وهذا يقتضي نهيه عما هو من أمر اليهود والنصارى. . . وإنَّما شعار الدين الحنيف الأذان المتضمن الإعلان بذكر اللَّه؛ الذي به تفتح أبواب السماء، فتهرب الشياطين، وتنزل الرحمة)(2).
- ما أثر عن الصحابة أنهم (كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر، وعند القتال وعند الجنائز)(3).
(1) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: 1/ 219، كتاب الأذان - باب [بدء الأذان] رقم الحديث [579] بتحقيق: مصطفى ديب البُغا، (مرجع سابق)، وأخرجه مسلم، صحيح مسلم: 1/ 285، كتاب الصلاة - باب [بدء الأذان] رقم الحديث [377]، بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 313، 314)، تحقيق: عبد الكريم بن ناصر العقل، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: الغماري: الاستنفار: ص 30، 31، (المرجع السابق نفسه).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة: المصنف: (2/ 474)، كتاب الجنائز، باب:(60)، رقم الحديث:(11201)، الطبعة الأولى:(1416 هـ - 1995 م)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.
قال ابن تيمية: (وكذلك سائر الآثار تقتضي أنهم كانت عليهم السكينة في هذه المواطن، مع امتلاء القلوب بذكر اللَّه، وإجلاله وإكرامه، كما أن حالهم في الصلاة كذلك، وكان رفع الصوت في هذه المواطن الثلاث من عادة أهل الكتاب، والأعاجم)(1).
- ما ورد عن القيام للجنازة وعن الشق في القبر. . . ومن ذلك ما روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان أهل الجاهلية يقومون لها، يقولون إذا رأوها: كنت في أهلك ما كنت مرتين)(2)، وما رواه أهل السنن الأربعة عن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّحدُ لنا والشَّقُ لِغيرنا"(3).
قال ابن تيمية: (وفيه التنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب، حتى في وضع الميت في أسفل القبر)(4).
- الأحاديث والآثار الواردة في النهي عن التشبيه بهم في المزي واللِّباس، واستعمال الآنية، وقص الشعر، والأمر بصبغ الشيب لمخالفتهم
(1) اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 315، 316)، المرجع السابق نفسه.
(2)
أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (3/ 1394)، كتاب فضائل الصحابة - باب:(56)، رقم الحديث:(3625)، بتحقيق: مصطفى ديب البُغا، مرجع سابق.
(3)
أخرجه الترمذي: الجامع الصحيح: (3/ 363)، كتاب الجنائز - باب:(53)، حديث رقم:(1045)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مرجع سابق، والنسائي: سنن النسائي: 4/ 384، كتاب الجنائز - باب [85] حديث رقم [2008]، (مرجع سابق) وأخرجه ابن ماجه: سنن ابن ماجه: (1/ 496)، كتاب الجنائز - باب (39)، حديث رقم:(1555)، عن ابن عباس.
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 204)، تحقيق: ناصر بن عبد الكريم العقل، المرجع السابق نفسه.
والأمر بمخالفتهم في عامة الأمور الظاهرة (1)، وقد استفاضت الأدلة من السنة بذلك، ومنها ما يأتي:
- ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" (2).
- ما ورد في الصحيحين -أيضًا- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:(قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب" (3)، وفي رواية أخرى لدى مسلم:"جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس"(4).
- ما رُويَ عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: (قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهليَّةِ")(5).
- ما روي عن عبد اللَّه بن عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة"(6).
(1) انظر: ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. . .: (1/ 168)، المرجع السابق نفسه.
(2)
أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (3/ 1663)، كتاب الأنبياء - باب:(15)، رقم الحديث (3275)، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، مرجع سابق.
(3)
صحيح البخاري: (5/ 2209)، كتاب اللباس - باب:(62)، رقم الحديث:(5553)، المرجع السابق نفسه.
(4)
صحيح مسلم: (1/ 222)، كتاب الطهارة - باب:(116)، رقم الحديث:(260)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (المرجع السابق نفسه).
(5)
أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (1/ 436)، كتاب الجنائز - باب:(37)، رقم الحديث:(1235)، المرجع السابق نفسه.
(6)
أخرجه البيهقي: السنن الكبرى: (9/ 234)، فهرس الأحاديث: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، طبعة دار المعرفة، بيروت:(1413 هـ/ 1992 م).
- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فرق ما بيننا وبين المشركين: العمائم والقلانس"(1).
- وعن وصل الشعر أخرج البخاري: (أن معاوية قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهى عنه. . . ويقول: "إنما هلكت فهو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم" (2).
- وعن لبس الثياب ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو قال: قال عمر: "إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلَّا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود"(3)، وما رواه مسلم عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما قال:(رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها" (4).
والقاعدة الشاملة في الزي واللباس كما قررها علماء الشريعة هي مخالفة الأمم الأخرى غير الإسلامية من اليهود والنصارى والمجوس وأهل الجاهلية وغيرهم والنهي عن التشبه بهم، مستدلين بمثل ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن التشبه بالأعاجم، وقال:"من تشبه بقوم فهو منهم"(5)،
(1) أخرجه أبو داود: سنن أبي داود: (4/ 340، 341)، كتاب اللباس - باب: في العمائم، حيث رقم:(4078)، مرجع سابق.
(2)
صحيح البخاري: (5/ 2216)، كتاب اللباس، باب (81)، رقم الحديث:(5588)، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، (المرجع السابق نفسه).
(3)
أخرجه أبو داود: سنن أبي داود: (1/ 169)، كتاب الصلاة، الحديث رقم:(635)، (المرجع السابق نفسه).
(4)
أخرجه مسلم: صحيح مسلم: (3/ 1647)، كتاب اللباس والزينة، الحديث رقم:(2077)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مرجع سابق.
(5)
أخرجه أبو داود: سنن أبي داود: (4/ 43)، كتاب اللباس، الحديث رقم:(4031)، المرجع السابق نفسه.
(وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين)(1).
- وعن لبس الحرير والذهب واستعمال آنية غير المسلمين، وردت عدَّة أحاديث منها؛ حديث حذيفة بن اليمان قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"(2)؛ ولذلك (كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة، تشبهًا بالكفار)(3).
- وعن الأعياد وأنواعها وما يصاحبها من البدع والشركيات عند الأمم الأخرى من غير الأمة الإسلامية، ساق العلماء -وبخاصة ابن تيمية- كثيرًا من الأدلة النقلية والعقلية، وتوسعوا في شرحها ومناقشتها وبحثها، وتقصي جزئياتها، وخلصوا إلى القول بأن الأعياد:(من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر)(4)، وأنه لا يجوز التشبه في ذلك بغير المسلمين من الأمم الأخرى سواء اليهود أو النصارى أو الروم أو الفرس أو غيرهم، ولا تجوز مشاركتهم فيها؛ لأن ذلك يندرج تحت قوله تعالى:{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67]، (فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج. . . كالقبلة والصلاة والصيام)(5)، وفي تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
(1) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. . .: (1/ 239)، تحفيق: ناصر بن عبد الكريم العقل، المرجع السابق نفسه.
(2)
أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (5/ 2070)، كتاب الأطعمة، باب:(28)، رقم الحديث:(5110)، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، مرجع سابق.
(3)
ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. . .: (1/ 317)، تحقيق: ناصر بن عبد الكريم العقل، مرجع سابق.
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم. . .: (1/ 471)، المرجع السابق نفسه.
(5)
ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. . .: (1/ 471)، المرجع السابق نفسه.
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]. قال بعض المفسرين: (لا يشهدون الزور: أعياد المشركين)(1)، وعن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال:"ما هذان اليومان؟ " قال: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن اللَّه تعالى قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"(2).
وفي هذا الحديث ما يؤكد تميُّز الأمة الإسلامية حتى في الشعائر ومظاهر الفرح وموجبات ذلك وغاياته وارتباطاته بما يجعلها ذات هوية مستقلة غاية الاستقلال عن متابعة الآخرين وتقليدهم، ولضمان هذه المنزلة لتَمَيُّز الأُمَّة الإسلامية، وبالنظر لمقاصد الشريعة الإسلامية أكد العلماء بأن (استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها دال على أن ما أفضى إلى الكفر -غالبًا- مُحرَّم، وما أفضى إليه على وجه خفي حُرِّمَ)(3)، (وما أفضى إليه
(1) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (3/ 328، 329)، مرجع سابق، وممن فسره بذلك من السلف:(ابن سيرين والضحاك وطاوس وأبي العالية. . . وغيرهم)، انظر: المرجع السابق نفسه: (3/ 328، 329).
(2)
أخرجه الإمام أحمد: مسند الإمام أحمد بن حنبل: (3/ 250)، رقم الحديث:(3210)، بترتيب طبعة دار إحياء التراث العربي، الجزء الرابع، مرجع سابق، وأبو داود:(1/ 295)، كتاب الصلاة، باب: صلاة العيدين، رقم الحديث:[1134]، المرجع السابق نفسه، وأخرجه الحاكم المستدرك. . .:(1/ 434)، كتاب صلاة العيدين، رقم الحديث:(1091/ 4)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، مرجع سابق.
(3)
ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. .: (1/ 482)، تحقيق: ناصر بن عبد الكريم العقل، المرجع السابق نفسه، وقد وضع الفقهاء قواعد تضبط أحكام ما يفعله المكلفون في عباداتهم ومعاملاتهم وعاداتهم. . .، منها قولهم: إما لا يتم الواجب إلَّا به فهو واجب)، وقولهم:(المشقة تجلب التيسير)، وما يسمى بـ (سد الذرائع)، ونحو ذلك مما سيأتي عنه.
في الجملة ولا حاجة تدعو إليه حُرِّمَ) وفي هذا محافظة تامة على هوية الأُمَّةِ الإِسلامِيَّةِ، ووصف دقيق لمنزلة تميزها.
ومما ينبغي الإشارة إليه في ختام هذا المطلب أن تَميُّز الأمة الإسلامية كان محل إجماع سلف الأمة قولًا وعملًا بعد أن أرسى الرسول صلى الله عليه وسلم مقوماته في حياة الأمة، ورسخ خصائصه، وحدد أهدافه ووسائل تحقيقه، وسار الخلفاء الراشدون على هديه صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم في القرون المفضَّلة، وعلي الرغم مما حدث بعد ذلك من افتراق في مناهج الأمة أثر على تميزها، فإن التميز سيستمر فيها وذلك بثبات طائفة منها على ذلك، دون تردد أو مداهنة للمخالفين حتى يأتي أمر اللَّه، وقد دلت على ذلك نصوص عدة وسجلتها كثير من الوقائع التاريخية المقرِّرة، التي توضح فهم الأمة الإسلامية لتميزها وتطبيقها التاريخي له.
ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
- ما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه حين رأى امرأة لا تتكلم وسأل عنها (قالوا: حجَّت مصمتة، قال لها: (تكلَّمي، فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية)(1)، وهذا دليل على حرص أبي بكر على تميُّز الأمة، ونهيه عن أي مظهر من مظاهر غير المسلمين (2).
- واتخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من التدابير والسياسات ما يؤكد منزلة
(1) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (3/ 1393)، كتاب فضائل الصحابة، باب:(أيام الجاهلية)، رقم الحديث:(3622)، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، مرجع سابق.
(2)
انظر ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. . .: (1/ 326، 327، 328)، تحقيق: ناصر بن عبد الكريم العقل، مرجع سابق.
التميز وأهميته وبخاصة فيما يتعلق بأهل الذمة، ومما يوضح ذلك شروطه مع أهل الذمة (1) فإنه لم يكتف فيها (بأصل التمييز) بل بالتميز في عامة الهدي على تفاصيل معروفة في هذا الموضع) (2).
- وسار الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه ومن بعده الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ما شرطه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الذمة، ووافقه عليه المؤمنون (3)(وسار العلماء بعدهم، ومن وفقه اللَّه تعالى من ولاة الأمور على منعهم من أن يظهروا في دار الإسلام شيئًا مما يختصون به، مبالغة في أن لا يظهروا في دار الإسلام خصائص المشركين)(4).
وخلاصة القول في ذلك: إن منزلة تميُّز الأمة الإسلاميَّةِ محل إجماع المسلمين، مما يحدد هذه المنزلة إجماعهم على النهي عن التشبه بغير المسلمين، ولزوم مخالفتهم (في الجملة، وإن كانوا قد يختلفون في بعض الفروع، إما لاعتقاد بعضهم أنه ليس من هدي الكفار، أو لاعتقاده أن فيه دليلًا راجحًا، أو لغير ذلك، كما أنهم مجمعون على أتباع الكتاب والسنة، وإن كان قد يخالف بعضهم شيئًا من ذلك لنوع تأويل، واللَّه سبحانه أعلم)(5).
* * *
(1) انظر: ابن قيم الجوزية: أحكام أهل الذمة: ص: (113 - 249)، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، مرجع سابق.
(2)
ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 322)، المرجع السابق نفسه.
(3)
انظر: ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 333، 340، 343، 345، 346، 355)، تحقيق: ناصر بن عبد الكريم العقل، المرجع السابق نفسه.
(4)
المرجع السابق نفسه: (1/ 325).
(5)
ابن تيمية: المرجع السابق نفسه ص: (359).