الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يوجد بينهما توافق (في المنابع والغايات، أو تشابه في الحقوق والواجبات، أو تقارب في المبادئ والعقوبات)(1).
وقبل هذا وبعده فإنَّ هناك فرقًا جوهريًّا بينهما (حيث بدأ القانون عادات. . ونما وازدهر عن طريق الدعوى والإجراءات الشكلية. . أما الشريعة فقد بدأت كتابًا منزلًا من عند اللَّه، وازدهر فقهها عن طريق القياس والأحكام الموضوعية)(2).
وفرق جوهري آخر؛ (هو أن أساس الفقه يبنى على عقيدة التوحيد، بينما القانون الرومي يبنى على الإيمان بتعدد الآلهة، ومن هذا الأصل تتشعب الاختلافات وتتفرع في كثير من المسائل بين النظامين)(3).
نقد الدعوة الثانية: دعوى التأثر بالتلمود اليهودي:
وصل تحامل بعض المستشرقين على تميُّز الأمة الإسلامية إلى الادعاء بأن (اليهودية أثرت في الإسلام كله، عقائده وعباداته ومعاملاته)(4)، والمقصود هنا هو الرد على دعوى تأثر الشريعة الإسلامية وفقهها بالتلمود ممثلة في أقوال (فون كريمر) و (كارل بروكلمان) و (بوسكة) و (لامنس)
(1) المرجع السابق نفسه: ص: (86).
(2)
انظر: عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية. .: ص: (74)، (مرجع سابق)، وانظر: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق. . ص: (109)، (مرجع سابق).
(3)
محمد حميد اللَّه: تأثير الحقوق الرومية على الفقه الإسلامي: ص: (43)، (مرجع سابق)، لمزيد من الاطلاع على الفروق بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني؛ انظر:
* محمد الدسوقي: المرجع السابق نفسه: ص: (719 - 722).
* محمد حميد اللَّه: المرجع السابق نفسه: ص: (41 - 43).
* عبد الكريم زيدان: المرجع السابق نفسه: ص: (70 - 74).
(4)
محمد الدسوقي: الاستشراق والفقه الإسلامي: ص: (725)، (مرجع سابق).
المتقدم ذكرها، وبالنظر إلى تلك الأقوال يتضح أنها تدور حول النقاط الآتية:
1 -
دعوى أن الذين دخلوا من اليهود في الإسلام نقلوا إلى شريعته عناصر ثقافتهم، وبخاصة إدخال تعاليم التلمود في الفقه الإسلامي.
2 -
وما يلحظ من تشابه التشريع الإسلامي وفقهه بالتلمود اليهودي؛ وبما أن الإسلام متأخر عن اليهودية فإنه هو المتأثر بها، وهو المقتبس من تلمودها.
3 -
ما يزعم من تأثر بعض علماء المسلمين في تبويب الفقه الإسلامي ببعض كتب اليهود.
وفي الرد على هذه النقاط التى تصدى لها بعض الباحثين وكشفوا زيفها يتضح ما يأتي:
1 -
(التفاوت بين التعاليم اليهودية وتشريعات الإسلام وأحكامه الفقهية.
2 -
عدم وقوف الفقهاء المسلمين في عصر نشأة الفقه الإسلامي، وتكون مذاهبه على تراث اليهود) (1).
3 -
عدم تأثير اليهود الذين دخلوا الإسلام على الشريعة الإسلامية وفقهها (2).
ومن خلال عدد من هذه الدراسات ونتائجها تفند الردود أقوال المستشرقين وفق ما يأتي:
1 -
يرد على (فون كريمر) و (لامنس) اللذين ادعيا بأن الثقافة اليهودية وبعض تعاليم التلمود دخلت في الشريعة الإسلامية وفقهها بواسطة الذين دخلوا الإسلام من اليهود أو بعض المتأثرين بتلك الثقافة وتلك التعاليم:
(1) انظر: المرجع السابق نفسه: ص: (726).
(2)
انظر: عبد اللَّه الركبان: دعوة تأثر الفقه الإسلامي. .: ص: (81)، (مرجع سابق).
(بأن التاريخ حفظ أسماء الأشخاص الذين أسهموا في الحركة العلمية الإسلامية التي بدأت منذ صدر الإسلام، وكان من بين هؤلاء نفر من اليهود شاركوا في تلك النهضة العلمية، ولكننا لا نعثر على فقيه إسلامي واحد كان من أصل يهودي، أو تثقف بالثقافة اليهودية، كما أن الذين أسلموا من علماء اليهود لم يكن من بينهم من تخصص في دراسة التلمود، حتى يكون هذا مسوغًا للظن بأن التراث اليهودي في مجال التشريع قد انتقل إلى المسلمين عن طريق هؤلاء العلماء)(1).
2 -
يرد على ما نقله (بروكلمان) عن بعض المستشرقين: (من أن الشيباني قد تأثر في تبويبه للفقه الإسلامي بكتاب المنشا اليهودي)(2)؛ بأن الإمام الشيباني (دون الفقه على منهج علمي لم يسبق إليه. . وما كان يعرف إلا العربية وقد توفي رحمه الله سنة (189 هـ)، ومن الثابت تاريخيًا أن الفقهاء المسلمين خلال القرون الثلاثة لم يطلعوا على التراث اليهودي؛ لأنه كان مكتوبًا بلغة غير عربية، وما كان الإمام محمد يعرف إلا العربية، وبذلك تصبح دعوى تأثر هذا الإمام في ترتيب كتبه بمنهج المشنا باطلة، وليست غير وهم سيطر على مخيلة القائلين بها) (3).
3 -
أما أقوال (بوسكة) فإنَّها جاءت بعد أن أثبت بصفة قاطعة عدم تأثر الشريعة الإسلامية وفقهها بالقانون الروماني مستدلًا بأدلة عقلية وتاريخية، وطبق في ذلك منهجًا علميًا يتسم بالجديَّة، ولو طبق ذلك المنهج وأعمل
(1) محمد الدسوقي: الاستشراق والفقه الإسلامي: ص: (729، 730)، (مرجع سابق)، وانظر: الركبان: دعوة تأثر الفقه الإسلامي: ص: (80، 81)، (مرجع سابق).
(2)
انظر: بروكلمان: تاريخ الأدب العربي: (3/ 235، 253)، (مرجع سابق).
(3)
محمد الدسوقي: (المرجع السابق نفسه)، ص. (729)، وانظر: عبد الحميد متولي: الإسلام وموقف علماء المستشرقين: ص: (64)، وما قبلها، ص:(62، 63)، (مرجع سابق).
تلك الأدلة لخلص إلى النتيجة ذاتها حتى على صعيد التلمود ولكنَّه لم يفعل ذلك، ولعله كان يحاول أن يوهم بذلك المنهج الجاد أنه أهل للثقة والاحترام حتى تنسحب هذه الثقة على آرائه جميعها ومنها: دعواه عدم تميُّز الأمة الإسلامية وعدم أصالة شريعتها وفقهها، ونسبة ذلك إلى اليهودية والتلمود.
ولقد ساق (بوسكة) جملة من الأمور التي ادعى فيها التشابه بين الشريعة الإسلامية والتلمود وعقب على ذلك بقوله: (إنَّ هناك تشابهًا فكريًا عميقًا بين نظامين استطاع أحدهما أن يؤثر في الآخر. . بحيث يبدو أن ثمة صعوبة في رد مقولة أن الفقه قد استوحى من التلمود كثيرًا، وخاصة بالنسبة للروح المشتركة بينهما)(1)، بل لقد ادعى أن الإسلام (يهودية ذات نزعة عالمية)(2) و (أنَّ اليهودية لها تأثير عظيم جدًا على تكوين الإسلام في عصر محمد)(3).
هذا وقد تتبع بعض الباحثين (أوجه التفاوت بين التلمود والفقه. . في مختلف المجالات التشريعية كنظام الأسرة، ونظام العقوبات، فضلًا عن الإجراءات الشكلية التي تحكم التعاليم اليهودية. . ولا يعرفها الفقه الإسلامي)(4)، وخلص إلى (أن الخلاف الجوهري بينهما، وأن الطريق مقطوع بين التعاليم اليهودية والأحكام الفقهية الإسلامية)(5)، وهذا من حيث الواقع التاريخي، أما ما قد يتبادر إلى الذهن من الصلة التشريعية بين
(1) بوسكة: سر تكون الفقه وأصل مصادره: ص: (73)، (مرجع سابق).
(2)
المرجع السابق نفسه: ص: (84).
(3)
المرجع السابق نفسه: ص: (84).
(4)
محمد الدسوقي: الاستشراق والفقه الإسلامي: (727، 726)، (مرجع سابق).
(5)
المرجع السابق نفسه: ص: (727).