الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصات لمعاني (الأُمَّة) في اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واستنتاجات
لكي يصل الباحث إلى مفهوم معين للأمة، وللربط بين ذلك المفهوم وما سبق بحثه، ينبغي الإلمام بالنقاط الآتية:
أولًا: خلاصة معاني (أمة) في معاجم اللغة العربية.
ثانيًا: خلاصة الأوجه التي ورد لفظ (أمة) بها في القرآن الكريم.
ثالثًا: أبرز الاستنتاجات حول معنى (أمة) في معاجم اللغة العربية.
رابعًا: الجوانب التي استعمل فيها مدلول (أمة) في القرآن الكريم.
خامسًا: دلالة (الأمة) في الحديث النبوي الشريف.
أولًا: ورد لفظ (أمَّة) في معاجم اللغة العربية بمعان عدَّة بلغت حوالي ثمانية عشر معنى، وهي ما يلف عليه، ويضم إليه غيره، ولواء الشيء ورئيسه، والأصل في كل شيء، والدين، والملة، والرجل المنفرد بدين، واتباع الرسل ومن بحث إليهم، والجيل من الناس، والجنس من الخلق، وخلق اللَّه، والحين، والملك، والنعمة، والعالم، والقوم، والجماعة من الناس، وجماعة العلماء، والجماعة المستقيمة، والطاعة، والوجه، والقامة، ومعظم الشيء وسائره، والقرن من الناس.
ثانيًا: ورد لفظ (أمَّة) في القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة (1)، استخدم من خلالها فيما لا يقل عن عشرة أوجه من المعاني اللغوية لهذا اللفظ هي: (الجنس من الخلق، السنون الخالية، الرجل الجامع للخير،
(1) انظر: محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: ص: (80)، طبعة المكتبة الإسلامية - تركيا 1982 م.
الملة والدين، الجيل من الناس، القوم، الجماعة من الناس، الزمان الطويل، المسلمون، الكفار) (1).
وعلى الرغم من عدم ورود بعض المعاني اللغوية لأمَّة في القرآن الكريم، مثل معاني (الملك، والنعمة، والوجه، والقامة) إلا أنَّ هذه المعاني جاءت ضمنًا، كما أعطى القرآن الكريم للفظ (أمَّة) مضمونًا عميقًا تندرج تحته المفاهيم الحديثة لمصطلح الأُمَّة (2).
ثالثًا: من أبرز الاستنتاجات في معنى (أمَّة) في معاجم اللغة العربية ما يأتي:
1 -
جاء لفظ (أمَّة) في معظم معاجم اللغة العربية في معانٍ متنوعة وكثيرة، يصعب معها ضبط مصطلح محدد لمدلول (الأمَّة)، لذلك قال بعض الباحثين:(إنَّ اللغويين لا يقفون عند روابط بعينها عند تعريف الأمَّة، وإنَّ أية رابطة توجد في جماعة تجعل منها أمة)(3)، وقال آخر عن معاجم اللغة العربية:(إنَّما وضعت لضبط الألفاظ، لا لتحديد المعاني. . وإنَّها لا تبالي في كثير من الأحيان إن تعرف الشيء بنفسه، أو بأنَّه غير ضده)(4).
(1) انظر: الحاشية السابقة: ص: (80)، البحث نفسه.
(2)
انظر: دائرة المعارف الإسلامية: لمجموعة من المستشرقين: (4/ 411)، (مرجع سابق).
(3)
محمد أحمد خلف اللَّه: التكوين التاريخي لمفاهيم الأمة، (القومية، الوطنية، الدولة والعلاقة فيما بينهما): ص: (49) من القومية العربية للإسلام، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية:(1982 م) - بيروت.
(4)
انظر: محمد عبد اللَّه دراز: الدين (بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان): ص: (29)، الطبعة الثانية:(1390 هـ - 1970 م)، عن دار القلم - الكويت، وانظر: أحمد عبد الرحيم السائح: بحوث في مقارنة الأديان ص: (18)، الطبعة الأولى:(1411 هـ - 1991 م) عن دار الثقافة، الدوحة.
2 -
على الرغم من هذه الظاهرة في معاجم اللغة العربية، إلا أن لفظ (أُمَّة) يعود إلى الأصول اللغوية التي ذكرها ابن فارس:(الأصل، والمرجع، والجماعة، والدين، والقامة، والحين، والقصد)(1)، ولا تخلو جميعًا من رابط (2)(سوف يتضح فيما بعد).
وهذا يعني أنَّ لفظ (أُمَّة) ليس محصورًا في أصل واحد، وهو القصد كما أورده الأزهري في تهذيب اللغة عن أبي عمرو الشيباني قال:(وأصل هذا الباب كله من القصد، يقال: أممت إليه؛ إذا قصدته. .)(3) إلى أن قال: (فليس يخرج شيءٌ من هذا الباب عن معنى أممت، أي: قصدت)(4) إنَّما القصد أصل واحد أو باب واحد من سبعة أصول أو أبواب لغوية كما ذكر ابن فارس.
3 -
تأتي (أُمَّة) بمعنى الفاعل، وتأتي بمعنى المفعول، وتأتي بمعنى الظرف؛ فإذا جاءت بمعنى الفاعل كان المقصود بها (الجماعة والإمام والأُسوة. .) وبعبارة أوضح يتجه المراد بها في هذه الحالة إلى من يقوم بالفعل وهو الفاعل، وإذا جاءت بمعنى المفعول كان المقصود بها (الدين أو الملة أو الطريق أو السنة أو الجماعة إذا كانت مأمومة. .، ونحو ذلك ممَّا يُؤَمُّ ويُقْصَد، ومعنى ذلك أنّ المراد بها يتجه إلى المفعول، وهو ما تقوم به الجماعة أو الإمام أو الأسوة من دين أو سنة أو طريقة تُفْعَل أو تُؤَمُّ أو تُقْصَد، سواء كان المفعول حقًّا أو باطلًا.
(1) انظر: ابن فارس: معجم مقاييس اللغة: (1/ 21)، (مرجع سابق).
(2)
انظر: أحمد حسن فرحات: الأمة. . ص: (20)، (مرجع سابق).
(3)
الأزهري: تهذيب اللغة: (15/ 635)، (مرجع سابق)، وانظر: ابن منظور: لسان العرب: (1/ 102)، (مرجع سابق).
(4)
المرجع السابق نفسه: (15/ 636). وانظر: محمد بن صالح العلي: المفهوم الإسلامي للأمة: ص: (6)، (مرجع سابق).
أمَّا إذا أطلقت الأمة على الزمان أو المكان، فإنَّ المقصود بها ظرف الأمة.
رابعًا: الجوانب التي استعمل فيها مدلول (أُمَّة) في القرآن الكريم، ورد لفظ (أُمَّة) في القرآن الكريم ليدل على الجوانب الآتية:
1 -
الجانب التكويني باعتبار تعدد أصناف الخلق، من حيث الأصل والنوع والمنشأ والمرجع، ومنه قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (1)[الأنعام: 38].
2 -
الجانب الاجتماعي، ومنه قوله تعالى:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)} [الزخرف: 22]، والآية بعدها:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]، قال الراغب:(أي على دين مجتمع)(2)، وهذا يعطي لفظ (أُمَّة) المحتوى الاجتماعي.
3 -
الجانب الديني، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} [الأنبياء: 92]، قال الطبري في تفسيرها:(يقول تعالى ذكره: إنَّ هذه ملَّتكم مِلَّة واحدة، وأنا ربُّكم أيُّها الناس فاعبدوني دون الآلهة والأوثان، وسائر ما تعبدون من دوني)(3).
وقال البغوي في قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} : (أي: ملتكم ودينكم){أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: دينًا واحدًا وهو الإسلام، فأبطل ما سوى
(1) وانظر: ما يتعلق بالكوني والشرعي لدى ابن تيمية: الجواب الصحيح: (1/ 154، 155)، (مرجع سابق)، وانظر: فتاواه: (8/ 58 - 62)، (مرجع سابق).
(2)
الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن: ص: (86)، (مرجع سابق).
(3)
جامع البيان في تأويل القرآن: (9/ 81)، الطبعة الأولى:(1412 هـ)، عن دار الكتب العلمية - بيروت. وانظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (3/ 194)، (مرجع سابق).
الإسلام من الأديان) (1)، ففي الآية الكريمة استعمل لفظ (أُمَّة) بمعنى الملة والدين؛ وهذا المعنى يعطيه المضمون الديني.
4 -
الجانب التاريخي، ومنه قوله تعالى:{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: 19] قال ابن كثير: (ثمَّ أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس كائن بعد أن لم يكن، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد وهو الإسلام)(2)، فدلَّ ذلك على أن الناس حينما طبقوا الدين الصحيح -وهو الإسلام- واجتمعوا على العقيدة الصحيحة قبل اختلافهم سموا أمة، وهذا من المنظور التاريخي باعتبار أن ذلك حدث في التاريخ البشري (3).
5 -
الجانب السياسي، ومنه قوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]، قال بعض العلماء في تفسير هذه الآية: (لابدَّ من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والذي يقرر أنَّه لا بُدَّ من
(1) أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي: معالم التنزيل: (5/ 353)، تحقيق: محمد عبد اللَّه النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان مسلم الحرش، طبعة:(1409 هـ)، عن دار طيبة - الرياض.
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (2/ 411)، (مرجع سابق)، وانظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (3/ 22)، في تفسير الآية [213]، من سورة البقرة، طبعة دار الكتب العلمية:(1413 هـ - 1993 م)، بيروت.
(3)
انظر: أقوال المفسرين في ذلك، ومنها:
- ابن جرير الطبري: جامع البيان: (11/ 69)، الطبعة الثالثة:(1398 هـ - 1978 م)، دار المعرفة، بيروت.
- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (1/ 250)، (مرجع سابق).
- البغوي: معالم التنزيل: (1/ 243، 244)، (مرجع سابق).
- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (3/ 22)، (مرجع سابق).
سلطة هو مدلول النص القرآني ذاته. . هذا هو تصوُّر الإسلام للمسألة. . إنَّه لابدَّ من سلطة تأمر وتنهى. . سلطة تقوم على الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر. . سلطة تتجمع وحداتها وترتبط بحبل اللَّه) (1)، ولا شكَّ أنَّ الأمَّة بهذا التصوُّر استعملت بمعنى هيئة أو جهاز سياسي يقوم بشؤون الحسبة والسلطة.
وقد درج بعض المفسرين على القول بأنَّ معنى الأمَّة في هذه الآية: (يعني المجاهدين والعلماء)(2).
وقال القرطبي: (ثمَّ إنَّ الأمر بالمعروف لا يليق بكل أحد، وإنَّما يقوم به السلطان إذا كانت إقامة الحدود إليه، والتعزير إلى رأيه، والحبس والإطلاق له، والنفي والتغريب، فَيُنَصِّبَ في كل بلدة رجلًا صالحًا قويًّا علمًا أمينًا ويأمره بذلك، ويمضي الحدود على وجهها من غير زيادة)(3)، وقبل هذا قال عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنه (فائدة الرسالة وخلافة النبوة)(4).
ولعل المصطلح السياسي لهذا الجانب من معاني (الأمَّة) في الإسلام هو مصطلح (الجماعة) لأنها تشتمل على الجهاز أو الهيئة التي تتجسد فيها الأمة في نظامها السياسي، وتمثل حضور الأمة والقيام على أمرها وبيدها السلطة. .؛ فالجماعة في معناها السياسي: الولاية والإمارة وأهل الحل والعقد ورابطة العلماء.
(1) سيد قطب: في ظلال القرآن. .: (1/ 444)، (مرجع سابق). وانظر: الشاطبي: الاعتصام: (2/ 452)، ضبط وتصحيح: أحمد عبد الشافي، عن دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية:(1411 هـ - 1991 م).
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (1/ 390)، (مرجع سابق).
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (2/ 31)، (مرجع سابق).
(4)
المرجع السابق نفسه: ص: (31).
أمَّا صلتها بالأمة بشكل شامل فهو -واللَّه أعلم- جماعة المسلمين التي تتمثل فيها الأمة الإسلامية (1) في زمان معين أو مكان معين، فتكون بذلك حلقة في سلسلة الأمة الإسلامية، وهذا من المعاني التي أوردها الشاطبي بوصفه المعنى الخامس من معاني الأمة فقال:(الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه، ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم)(2).
وقال: (فالجماعة التي أمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلزومها وسمي المنفرد عنها مفارقًا لها، نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبًا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى كثرة العدد المجتمع على بيعته، وقلة العدد المنفرد عنهم)(3).
وقد نقل الشاطبي أقوال العلماء في معنى الجماعة، وأورد استدلال كل فريق، ثمَّ قال:(حاصله، أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث. . .)(4).
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: (لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة)(5).
(1) في مفهوم الجماعة في الإسلام رسالة علمية مقدمة من ناصر بن عبد اللَّه التركي لنيل الدكتوراه في قسم الثقافة الإسلامية - كلية الشريعة، الرياض، نوقشت عام:(1413 هـ).
(2)
الاعتصام: (2/ 451)، (مرجع سابق).
(3)
المرجع السابق نفسه: (2/ 451).
(4)
المرجع السابق نفسه: (2/ 452). وانظر: ما أورده عن بقية معاني الجماعة في الصفحات: (447 - 453).
(5)
انظر: بكر أبو زيد: حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، ص: =
(والإسلام هو الأصل في تكوين الجسم النامي للأمة، والإمامة وسيلة لحراسة ذلك الجسم في أمر الدين والدنيا. . وهذا هو المفهوم الشرعي لجماعة المسلمين، متآخون على منهاج النبوة: الكتاب والسنة، ينتظمهم إمام ذو شوكة ومنعة)(1).
وإذا ربط هذا الجانب الذي دلَّ عليه معنى (أمَّة) بما سبق إيراده عن الخليل في معنى (إمة)، وهو قوله:(وكل من اقتدى به، وقدَّم في الأمور فهو إمام، والنبي صلى الله عليه وسلم إمام الأمة، والخليفة إمام الرعية)(2)، تبين اشتمال الأمة على النظام السياسي، وما يندرج تحته من راع ورعية أو إمام وإمامة وولاية وإمارة وأهل الحل والعقد والعلماء والمجاهدين، ونحو ذلك ممَّا هو معروف في النظام السياسي.
يقول أحد الباحثين: (ثم كانت الانطلاقة العملية. . التي قادها محمد صلى الله عليه وسلم. . فبلورت مفهوم (الأمة) وأصبح الشعار المميز لرسالتها، ولمَّا يزل مصطلحًا متميّزًا لا يقابله في اللغات الأخرى مصطلح مواز. كذلك أصبح اسم (أمة) مصدرًا اشتقت منه أسماء مؤسسات الرسالة الجديدة والعاملين فيها والممارسات الجارية مثل:(الإمامة)، و (الإمام) للصلاة أو الحكم، و (آمين البيت الحرام) أي: الحج، و (آمين) أي: مقتدين، لذلك
= (59)، (مرجع سابق)، والأثر أخرجه الدارمي في سننه:(1/ 91)، الأثر رقم:(251)، بتحقيق: فؤاد أحمد زمرلي وآخر، الطبعة الأولى:(1407 هـ - 1997 م)، عن دار الكتاب العربي، بيروت، وفي سنده صفوان بن رستم، قال الذهبي في: الميزان: (2/ 316): (صفوان بن رستم عن روح بن القاسم مجهول، وقال الأزدي: منكر الحديث)، وانظر: بكر أبو زيد: المرجع السابق نفسه: ص: (59)، حاشية رقم:(1).
(1)
المرجع السابق نفسه، ص:(60، 61).
(2)
الخليل بن أحمد: كتاب العين، مادة (إمة):(8/ 428، 429)، (مرجع سابق).
كانت ترجمة هذا المصطلح تشويهًا لمحتواه، ومن الواجب أن يبقى كما هو في أصله العربي في أية ترجمة كانت) (1).
خامسًا: دلالة (الأمة) في الحديث النبوي الشريف:
تبين مما سبق أنه استعمل في بعض المعاني التي جاءت في القرآن الكريم كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً. . .} [النحل: 120] وروي عنه صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال عن زيد بن عمرو بن نفيل: "يبعث يوم القيامة أمة وحده"(2)، واستعمله صلى الله عليه وسلم للدلالة على بعض الأجناس من المخلوقات كقوله صلى الله عليه وسلم:"لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها"(3)، وقوله عن النمل:"أحرقت أمة من الأمم تسبح"(4).
وعند الرجوع لكتب السنة ومعاجمها يلحظ أنَّ لفظ (أمَّة) قد ورد بكثرة زادت عن ثلاثمئة وثمانين مرة (5)، وإذا أنعم النظر في استخدام لفظ (أمة) في الحديث النبوي الشريف تبيَّن أنَّه جاء مشابهًا لاستخدامه في القرآن الكريم وفي الأوجه التي استخدم فيها في القرآن الكريم، ولكن وردت
(1) ماجد عرسان الكيلاني: الأمة المسلمة، ص:(27)، (مرجع سابق).
(2)
سبق تخريجه: ص (80)، (البحث نفسه).
(3)
سبق تخريجه: ص: (74)، (البحث نفسه).
(4)
أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (3/ 1099)، كتاب الجهاد، باب:[150]، الحديث رقم:[2856]، بتحقيق: مصطفى ديب البُغا، الطبعة الرابعة:(1410 هـ/ 1990 م، عن دار ابن كثير، دمشق، والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "قرصت نملة نبيًّا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى اللَّه إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمَّة من الأمم تسبح اللَّه". ورواه مسلم عن أبي هريرة: صحيح مسلم 4/ حديث [2241]، بلفظ: "أهلكت أمة من الأمم تسبح"، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).
(5)
انظر: المعجم المفهرس: إعداد لفيف من المستشرقين ومحمد فؤاد عبد الباقي: (1/ 92 - 98)، مادة (أمَّة)، عن مكتبة بريل في مدينة ليدن سنة 1936 م.
أحاديث ظاهرها التعارض في دلالتها على أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، من حيث المدح والذم والوعد والوعيد والخصوص والعموم ممّا دعا العلماء إلى النظر في هذه المسألة والخروج منها بتقسيم لأمته صلى الله عليه وسلم ليدفع ذلك التعارض ويتم إعمال النصوص على الوجه الراجح فيها؛ فمما قيل في ذلك: (إنَّ أمته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام، أحدها أخص من الآخر:
- أمَّة الاتباع.
- أمَّة الإجابة.
- أمَّة الدعوة.
فالأولى: أهل العمل الصالح.
والثانية: مطلق المسلمين.
والثالثة: من عداهم ممن بعث إليهم) (1).
وعلى هذا التقسيم تحمل النصوص -أو تخرج- بما يدفع التعارض سواء في المدح والذم، أو في الوعد والوعيد، أو الخصوص والعموم، ولكن تبقى مسألة أخرى وهي التصنيف الوارد في قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر: 32] فهل المقصود بهذا التصنيف أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم أولًا؟ ثمَّ هل المقصود به أمَّة الدعوة؟ أم أمَّة الإجابة والاتباع؟.
أمَّا كون المقصود به أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم فهو ما قال به أكثر المفسرين:
- قال الزمخشري: (والذين اصطفاهم اللَّه هم أمة محمد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة)(2).
(1) ابن حجر: فتح الباري (13/ 411)، (مرجع سابق).
(2)
الزمخشري: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: =
- قال القرطبي: (والآية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم)(1).
- وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذ الأمة)(2).
- وقال السعدي: (لمَّا كانت هذه الأمة، أكمل عقولًا، وأحسنهم أفكارًا، وأرقهم قلوبًا، وأزكاهم أنفسًا اصطفاهم تعالى، واصطفى لهم دين الإسلام، وأورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب؛ ولهذا قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] (وهم هذه الأمَّة)(3).
ثم هل المقصود بهذا التصنيف أمة الدعوة، أو أمة الإجابة والاتباع؟:
- فالذي عليه أكثر المفسرين وعليه مذهب أهل السنة والجماعة هو أنَّ المقصود به أمة الإجابة والاتباع، قال ابن كثير: (روى غير واحد من السلف أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين على ما فيه من عوج وتقصير. وقال آخرون: بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة ولا من المصطفين الوارثين للكتاب. . والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن
= (3/ 612)، رتبه: مصطفى حسين أحمد، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، (بدون تاريخ).
(1)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (14/ 222)، (مرجع سابق).
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (3/ 554)، (مرجع سابق). وانظر: فتح القدير للشوكاني: (4/ 349، 350)، طبعة دار الفكر، (بدون تاريخ).
(3)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان: (6/ 320)، تحقيق: محمد زهري النجار، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد - الرياض:(1410 هـ)، وانظر: سيد قطب: في ظلال القرآن: (5/ 2944)، (مرجع سابق).
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضًا، ونحن إن شاء اللَّه تعالى نورد منها ما تيسر) (1).
- ثم أورد جملة أحاديث تؤكد ذلك منها: ما رواه أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: 32] الآية: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كلّكم من هذه الأمة"(2)، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قوله:(هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم اللَّه كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابًا يسيرًا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب)(3).
- ومنها ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أن هذه الأمة ثلاثة أثلاث، يوم القيامة ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلث يجيئون بذنوب عظام حتى يقول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما هؤلاء؟ وهو أعلم تبارك وتعالى، فتقول الملائكة: هؤلاء جاؤوا بذنوب عظام إلا أنهم لم يشركوا بك شيئًا، فيقول الرب عز وجل: أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي. وتلا عبد اللَّه رضي الله عنه هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] الآية (4).
(1) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (3/ 555)، (مرجع سابق).
(2)
رواه الطبراني، عن عبد اللَّه بن مسعود وعن أسامة بن زيد، في الكبير:(1/ 167)، وأخرجه الهيثمي: مجمع الزوائد: (7/ 96)، عن أسامة بن زيد. وانظر: الترمذي: الجامع الصحيح: (5/ 338، 339)، الحديث رقم:(3225)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، (مرجع سابق)، وصححه الألباني.
(3)
عبد اللَّه بن عباس: صحيفة علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير القرآن الكريم: ص: (415)، تحقيق: راشد عبد المنعم الرجَّال، (مرجع سابق)، وانظر: القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد: (4/ 438)، الطبعة الأولى:(1413 هـ - 1993 م) عن دار الكتب العلمية - بيروت.
(4)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (3/ 555 - 556)، (مرجع سابق).
- وذهب القرطبي إلى هذا بقوله: (وهذا قول ستة من الصحابة وحسبك)(1)، قال أبو القاسم الغرناطي:(قال عمر وابن مسعود وابن عباس وكعب وعائشة وأكثر المفسرين هذه الأصناف الثلاثة في أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم)(2).
واختاره الشوكاني بقوله: (وقد روي هذا القول عن عمر وعثمان وابن مسعود وأبي الدرداء وعائشة، وهذا هو الراجح)(3).
- ولابن قيم الجوزية وقفة متأنية ناقش فيها سائر الأقوال المتعارضة في هذه الآية وبين حجج كل فريق وأدلته، ثم رجَّح القول بأنَّ الأصناف الثلاثة كلُّهم من هذه الأمة أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم أمَّة الإجابة والاتباع المصطفاة، وأن الأدلة على ذلك (قد بلغت في الكثرة إلى حدٍّ يشدُّ بعضها بعضًا، ويشهد بعضها لبعض)(4).
ثم ساق أدلة أخرى تؤيد هذا القول، وقال بعدها:(فهذه الآثار يشدُّ بعضها بعضًا، وإنَّها قد تعددت طرقها، واختلفت مخارجها، وسياق الآية يشهد لها بالصحة فلا نعدل عنها)(5).
وعلى هذا فإنَّ أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم تطلق ويراد بها:
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (14/ 221)، (مرجع سابق). وانظر: ابن عطية: المحرر الوجيز: (4/ 438)، (المرجع السابق نفسه).
(2)
أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي: التسهيل لعلوم التنزيل، ص 548، طبعة الدار العربية للكتاب (بدون تاريخ).
(3)
الشوكاني: فتح القدير: (4/ 349)، (مرجع سابق). وانظر: السعدي: تيسير الكريم الرحمن: (6/ 320)، (مرجع سابق). وانظر: سيد قطب: في ظلال القرآن: (5/ 2944)، (مرجع سابق).
(4)
ابن قيم الجوزية: طريق الهجرتين وباب السعادتين: ص: (365)، (مرجع سابق).
(5)
المرجع السابق نفسه: ص: (369)، وانظر: تفصيل التعارض والترجيح وأدلة كل فريق في الصفحات من: (341)، حتى (369)، (المرجع السابق نفسه).
1 -
كافة المكلفين من الإنس والجن المقصودون بالدعوة منذ بعث وحتى يرث اللَّه الأرض ومن عليها، وهذا نطاق عالمي واسع (1).
2 -
وتطلق ويراد بها المستجيبون لدعوته، وهم الذين أعلنوا الدخول في الإسلام بنطق الشهادتين، وجاؤوا بأركان الإسلام حسب القدرة والاستطاعة، وهؤلاء ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، وبقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه"(2). وعلى هذا فأمة الإجابة عامَّة للمسلمين.
3 -
يراد بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمَّة الاتباع وهؤلاء أخص من غيرهم وهم الذين يكونون على ما وصفهم به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "ما أنا عليه وأصحابي"(3)، حينما أخبر صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمم وافتراق أمته إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها تنحرف عن الجادَّة إلا فرقة أو طائفة أو عصبة أو أمة واحدة تبقى على الحق، وتلزم صراط اللَّه المستقيم.
(1) سيأتي مطلب خاص عن (العالمية) بوصفها إحدى خصائص تميُّز الأمة الإسلامية: ج 2: (93 - 146)، (البحث نفسه).
(2)
أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (1/ 11)، عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما في كتاب الإيمان باب:[17]، تحقبق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق)، ورواه مسلم: صحيح مسلم: (1/ 53)، عن ابن عمر رضي الله عنهما ولكن بلفظ:(عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، كتاب الايمان - باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. . .، بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).
(3)
أخرجه الترمذي: الجامع الصحيح: (5/ 26)، كتاب الإيمان، الباب:[18]؛ ما جاء في افتراق هذه الأمة، الحديث رقم:[2643]، تحقيق: كمال يوسف الحوت (مرجع سابق)، وقال الترمذي:(هذا حديث مفسر غريب، لا نعرف مثله إلا من هذا الوجه)، وانظر: جامع الأصول لابن الأثير: (10/ 34)، (مرجع سابق). وانظر: الشاطبي: الاعتصام: (2/ 443)، (مرجع سابق).
وقد ورد مسمَّى (أمَّة) على هذه الطائفة أو الفرقة أو العصبة من أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري عن معاوية أنَّه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر اللَّه ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم على ذلك"(1)، فدلَّ ذلك على أمَّة الاتباع وهم أخصُّ من أُمَّة الإجابة، وللعلماء فيها عدة أقوال منها:
- ما ورد في بعض الروايات لدى البخاري أنهم أهل العلم (2).
- وقال الإمام أحمد بن حنبل: إنَّهم أهل الحديث (3).
- وقال القاضي: (إنَّما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذاهب أهل الحديث)(4).
- وقال الشاطبي: (إنهم جماعة أئمة العلماء المجتهدين). وقال:
(1) صحيح البخاري: (8/ 189)، الباب:[29]، من كتاب التوحيد، وفيه روايات عديدة لدى البخاري ومسلم.
وانظر: ابن تيمية: الجواب الصحيح. . 1/ 362، (مرجع سابق). توثيق هذا الحديث وذكر طرقه لدى ابن الأثير جامع الأصول:(10/ 37)، (مرجع سابق). وانظر: المقدمة: ص: (21)، (البحث نفسه).
(2)
انظر: صحيح البخاري: (8/ 149)، كتاب الاعتصام باب:[10]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق). وانظر: باب: [19]، ص:(156)، (المرجع السابق نفسه).
(3)
وذهب إلى هذا القول كثير من العلماء منهم: علي بن المديني، ويزيد بن هارون وعبد اللَّه بن المبارك. انظر: البغدادي: شرف أصحاب الحديث: ص: (26، 27)، تحقيق: محمد سعيد خطيب أوغلي، (بدون تاريخ). وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: (1/ 480، 481)، طبعة:(1415 هـ/ 1995 م)، عن دار المعارف، الرياض.
(4)
ابن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: (1/ 164)، والمباركفوري: تحفه الأحوذي بشرح جامع الترمذي: (6/ 359، 360)، الحديث رقم:(2287)، الطبعة الأولى:(1410 هـ - 1990 م)، عن دار الكتب العلمية، بيروت.
(فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لن تجتمع أمتي على ضلالة" لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة)(1).
- ولكن النووي يعطيها دائرة أوسع بقوله: (يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين. فمنهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض)(2).
- صنف البغدادي أهل السنة والجماعة إلى ثمانية أصناف، وهم:
1 -
صنف منهم أحاطوا العلم بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإمامة والزعامة.
2 -
والصنف الثاني منهم أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث.
3 -
والصنف الثالث منهم هم الذين أحاطوا علمًا بطرق الأخبار
والسنن المأثورة عن النبي عليه السلام، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الأهواء الضَّالة.
4 -
والصنف الرابع منهم قوم أحاطوا علمًا بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف وجروا على سمت.
(1) الشاطبي: الاعتصام: (2/ 449)، (مرجع سابق).
(2)
شرح صحيح مسلم للإمام النووي: (13/ 70، 71)، الحديث رقم:(170، 1920)، مراجعة: خليل الميس، طبعة دار القلم، بيروت، (بدون تاريخ). وانظر: محمد فؤاد عبد الباقي: صحيح مسلم: (3/ 1523)، (مرجع سابق). وانظر: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة سيد المرسلين: ص: (155)، طبعة مكتبة الرياض الحديثة، (بدون تاريخ). وانظر: ابن تيمية: الجواب الصحيح: (1/ 370)، (مرجع سابق).
5 -
والصنف الخامس منهم هم الذين أحاطوا علمًا بوجوه قراءات القرآن وبوجوه تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفق مذهب أهل السنة دون تأويلات أهل الأهواء الضَّالة.
6 -
والصنف السادس منهم الزهاد الصوفية. . على سمت أهل الحديث دون من يشتري لهو الحديث.
7 -
والصنف السابع منهم قوم مرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة يجاهدون أعداء المسلمين، ويذبون عن حريمهم وديارهم، ويظهرون في ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة.
8 -
والصنف الثامن منهم عامة البلدان التي غلب فيها شعائر أهل السنة دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة) (1).
وعقَّب على تصنيفه هذا بقوله: (إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر افتراق أمته بعده ثلاثًا وسبعين فرقة وأخبر إن فرقة واحدة منها ناجية، سئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها فأشار إلى الذين هم على ما عليه هو وأصحابه. ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غير أهل السنة والجماعة)(2).
وخلاصة القول في أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم إنَّ لها ثلاث دوائر بعضها أخصَّ من بعض، فالدائرة الواسعة من حيث الزمان والمكان وشمول الخطاب يطلق عليها أمَّة الدَّعوة، وتشمل جميع الثقلين الإنس والجن في كل زمان ومكان من حين صدع صلى الله عليه وسلم، بما أمر به من التبليغ وحتى نهاية التاريخ البشري (3)،
(1) عبد القاهر بن طاهر البغدادي: الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم: ص: (300، 301، 302، 303)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، طبعة:(1408 هـ - 1987 م)، بيروت.
(2)
المرجع السابق: ص: (304).
(3)
انظر: مطلب العالمية بوصفها إحدى خصائص تميُّز الأمة الإسلامية، في: ج 2: (93 - 146)، (البحث نفسه).
وتسمَّى هذه الأمة في دائرتها الواسعة أمة الدَّعوة باعتبارها مقصودة بالدعوة، وتأتي في داخلها دائرة أخص وهي أمَّة الإجابة باعتبارها المقصودة بالإجابة لما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم في داخل هذه الدائرة تكون أمَّة الاتباع وهي أخصَّ من أمَّة الإجابة باعتبارها اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم، حين استجابت لدعوته، وسارت على صراط اللَّه المستقيم وفقًا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* * *