المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌د- الانضباط وملازمة الحق والانتصار له: - دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه - جـ ١

[إسحاق السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌ في التفسير وعلوم القرآن:

- ‌ وفي السنة النبوية وشروحها:

- ‌ وفي الفقه وما يتصل به:

- ‌ وفي السيرة النبوية:

- ‌ وفي العقيدة والتوحيد:

- ‌ وفي مجال الدراسات المعاصرة المتميزة:

- ‌مقدمة الدراسة: بين يدي تميز الأمة الإسلامية

- ‌المقدمة

- ‌ظاهرة التميز بين التاريخ والدين:

- ‌الدراسات السابقة في تميز الأمة الإسلامية:

- ‌المنهج في دراسة تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه وخطة البحث فيه:

- ‌أولًا: جمع المادة العلمية:

- ‌ثانيًا: خطة البحث:

- ‌فكرة تقسيم الدراسة في خمسة كتب:

- ‌الفصل الأول مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌اشتقاق التميُّز اللغوي

- ‌من مجموع هذه النقول يتضح الآتي:

- ‌صلة التميُّز بالأمة الإسلامية

- ‌ مصطلح التميُّز

- ‌مدلول (الأمَّة) في معاجم اللغة العربية

- ‌مدلول الأُمَّة في القرآن الكريم

- ‌جاءت الأمة في القرآن الكريم:

- ‌خلاصات لمعاني (الأُمَّة) في اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واستنتاجات

- ‌نماذج من تعريفات العلماء والمفكرين لمدلول (الأمَّة) في الفكر الإسلامي وتحديد مصطلح (الأمَّة) في البحث

- ‌مفهوم الأمَّة الإسلامية

- ‌معنى الإسلام

- ‌الإسلام إذا وصفت به الأمة

- ‌منزلة تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌كون التميز سنة من سنن اللَّه في خلقه

- ‌الأمر به والثناء على من حققه والوعد المترتب عليه

- ‌التعريض بمن لم يرعَ التميُّز والوعيد المترتب على عدم تحقيقه

- ‌الحالة الأولى: حالة المن والعطاء:

- ‌الحالة الثانية: حالة الجحود، أو موقف بني إسرائيل من هذا المن ومن ذلك العطاء:

- ‌الحالة الثالثة: حالة الانتقام والجزاء:

- ‌النهي عن التشبه بأهل الكتاب وأهل الجاهليَّة

- ‌1 - المراد بالتشبه المنهي عنه

- ‌2 - النهي عن التشبه في مجال العقيدة:

- ‌3 - النهي عن التشبه في مجال العبادة:

- ‌4 - النهي عن التشبه في مجال الشعائر والمظهر العام:

- ‌ضرورة‌‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌تجسيد القدوة في ذاتية الأمة الإسلامية وإظهارها للإنسانية

- ‌بناء قدرة الأمة الإسلامية على مواجهة الصراع الحضاري

- ‌الفصل الثانى الاستشراق والمستشرقين

- ‌مفهوم الاستشراق والمستشرقين

- ‌تعريف الاستشراق:

- ‌أ- تعريفه لغة:

- ‌ب- تعريفه اصطلاحًا:

- ‌مسلمات حول مفهوم الاستشراق والمستشرقين وملحوظات:

- ‌لمحة موجزة عن تاريخه

- ‌جذور نشأة الاستشراق

- ‌ومن هنا نشأت حركة الاستشراق لتحقيق الآتي:

- ‌الاستنتاجات والملحوظات حول نشأة الاستشراق:

- ‌الصلات الثقافية بين الإسلام والغرب في الأندلس وصقيلية

- ‌أثر الاستشراق في الحروب الصليبية وأثرها في الاستشراق

- ‌تطور الاستشراق

- ‌العوامل التي ساعدت على تطور الاستشراق

- ‌وفيما يأتي إبراز لأهم تلك العوامل والتطورات:

- ‌ومن أبرز ما يمثل هذا الاتجاه:

- ‌وفيما يأتي توضيح لأبرز هذه المستجدات:

- ‌دوافع الاستشراق ومظاهر نشاطه

- ‌أولًا: الدوافع الاستشراقية:

- ‌1 - الدافع الديني:

- ‌2 - الدافع السياسي:

- ‌3 - الدافع الاقتصادي:

- ‌4 - الدافع العلمي:

- ‌ثانيًا: مظاهر النشاط الاستشراقي:

- ‌حاضر الاستشراق ومستقبله وعوامل قوته واستمراره

- ‌1 - نقد الساسة الغربيين للاستشراق والمستشرقين

- ‌2 - وجهة نظر الباحث حول حاضر الاستشراق والمستشرقين ومستقبلهم:

- ‌3 - عوامل قوة الحركة الاستشراقية واستمرار المستشرقين:

- ‌العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌تعريف العقيدة لغة واصطلاحًا

- ‌خصائص العقيدة الإسلاميَّة

- ‌أ- كونها عقيدة الفطرة:

- ‌ب- الوضوح واليسر:

- ‌ج- استقلال منهجها في الاستدلال عن الطرائق الفلسفيَّة:

- ‌فالأدلة الكونية:

- ‌والأدلة النفسية:

- ‌والأدلة العقليَّة:

- ‌د- الانضباط وملازمة الحق والانتصار له:

- ‌أثر العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌ويُمكن رصد بعض آثار العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة في الآتي:

- ‌موقف المستشرقين من العقيدة الإسلامية

- ‌أولًا: صورة العقيدة الإسلاميَّة لدى الغرب في العصور الوسطى:

- ‌ثانيًا: نماذج من آراء المستشرقين في العقيدة الإسلاميَّة:

- ‌ثالثًا: الرد على أقوالهم:

- ‌أمَّا الرد على أقوال المستشرقين السابقة فهو على النحو الآتي:

- ‌الشريعة

- ‌تمهيد

- ‌‌‌تعريف الشريعة لغةواصطلاحًا

- ‌تعريف الشريعة لغة

- ‌تعريف الشريعة اصطلاحًا:

- ‌أهمية النظام في الكون والحياة

- ‌حاجة البشرية إلى النظام

- ‌ويدفع البشر إلى التجمع دوافع عدة من أهمها:

- ‌أولًا: الدافع النفسي:

- ‌ثانيًا: الدافع المادي:

- ‌ثالثًا: الدافع الأمني:

- ‌وهنا يأتي السؤال من الذي ينظم

- ‌قصور العقل البشري عن تشريع النظم

- ‌لمحة موجزة عن حال الأمم في ظل بعض النظم البشرية

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية

- ‌موقف المستشرقين من الشريعة الإسلامية

- ‌ويعالج البحث هنا الدعوى من جانبين:

- ‌الجانب الأول:

- ‌أولًا: القانون الروماني:

- ‌ثانيًا: التلمود اليهودي:

- ‌ثالثًا: التعاليم النصرانية:

- ‌رابعًا: أعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الجانب الثاني: نقد أقوال المستشرقين حول الشريعة:

- ‌وفي ضوء ما سبق يمكن نقد أقوال المستشرقين واستدلالاتهم في النقاط الآتية:

- ‌نقد الدعوى الأولى: دعوى التأثر بالقانون الروماني:

- ‌نقد الدعوة الثانية: دعوى التأثر بالتلمود اليهودي:

- ‌نقد الدعوى الثالثة: دعوى التأثر بالتعاليم النصرانية:

- ‌الدعوى الرابعة: دعوى التأثر بأعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الأخوة في اللغة والاصطلاح

- ‌منهج الإسلام في تقرير الأخوة، ووحدة الأمة

- ‌أثر الأخوة في تميز الأمة الإسلامية، ووحدتها

- ‌موقف المستشرقين من الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

الفصل: ‌د- الانضباط وملازمة الحق والانتصار له:

المنطق الأرسطي، وهذه المحاولة حبس للأدلة القرآنية في نطاق آخر محلي محدود، تخبو فيه أنوار الفطرة الإنسانية وراء الحدود والقيود، ولا يسلم في كل حال من الخلل والعلل) (1).

وإذا كانت الطرائق الفلسفية قد أودت بأصحابها في كثير من الأحوال إلى الشك والجدل العقيم والحيرة ورُبَّما إلى الإلحاد، فإنَّ منهج العقيدة الإسلاميَّة في الاستدلال على وجود اللَّه ووحدانيته وفي رؤيتها للكون والحياة والنفس الإنسانية قد أثارت (كوامن النفس العربية، وبعثت العرب إلى الإيمان واليقين، وأقنعتهم إقناعًا أخرجهم من ديارهم وأموالهم. . . دفاعًا عن هذا الحق الذي آمنوا به، واستخراجًا للناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ولا تزال آثاره، ودلائله حيَّة نابضة. . .)(2).

وبناء على ذلك فإنَّ هذه العقيدة الفذَّة مقومٌ أساس من مقومات تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة.

‌د- الانضباط وملازمة الحق والانتصار له:

ومن خصائص العقيدة الإسلاميَّة أنَّها عقيدة منضبطة بضوابط شرعيَّة وقيود أخلاقيَّة ملازمة للحق ومناصرة له، فقد أثبتت الدراسات الاجتماعية بأنَّ العقيدة (تعد الموجه الأساس لسلوك الفرد، حيث تتحول إلى موجَّهَات قيمية Valueorientions تترجم إلى واقع سلوكي، فالمعتقدات هي التي تحكم وتصبغ وتحدد القيم، وهذه الأخيرة، هي التي تحدد مسارات السلوك وتضبطه وتحكمه وتوجهه)(3).

(1) عبد الستار فتح اللَّه سعيد: نظرات في الاستدلال القرآني. .: ص 26، (المرجع السابق نفسه).

(2)

المرجع السابق نفسه: ص 26. وانظر: أثر العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة في الصفحات التالية.

(3)

نبيل السمالوطي: بناء المجتمع الإسلامي ونظمه. .: ص 23، (مرجع سابق).

ص: 263

ومِمَّا يؤكد ذلك ويشهد به ما يلاحظ في واقع البشر وتاريخ الإنسان من (إقدام أصحاب العقيدة إلى التضحية بأنفسهم في سبيل عقيدتهم -سواء أكانت عقيدة صحيحة أم فاسدة)(1)، وقد تخرج هذه التضحية من دائرة العرف والمألوف لتصبح نوعًا من الفوضى والهمجيَّة والحماسة الطائشة كالذي تفعله (بعض فرق البوذية في جنوب شرق آسيا (حيث تقدم) على الانتحار الجماعي بالحرق، تنفيذًا لبعض تعاليم البوذيَّة) (2)، بيد أنَّ العقيدة الإسلاميَّة وهي عقيدة الفطرة والعقل والحق والفضيلة والخير والمعروف تتسم بالانضباط وملازمة الحق ومناصرته، وإذا كان الجهاد في سبيل اللَّه وهو ذروة سنام الإسلام من أعظم الأدلة على فاعليَّة العقيدة الإسلاميَّة، حيث يقدم المسلم على الاستشهاد في سبيل اللَّه، ويستعذب الموت دفاعًا عن دينه (3)، فإنَّ لذلك ضوابط شرعيَّة تفرضها عقيدة الإسلام على الأُمَّة الإسلاميَّة، وقد أثبت التاريخ التزام الأُمَّة الإسلاميَّة في مجمل تاريخها بتلك الضوابط.

وعلى سبيل المثال فإنَّ قتال الكفَّار في الفتوحات الإسلاميَّة كان آخر ما تلجأ إليه الأمَّة بعد الدعوة إلى الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، فإذا لم يتحقق ذلك وأصبح القتال هو الحل الوحيد، فإنَّه مقيد أيضًا بأخلاقيات إنسانية سامية شهد بها المنصفون وسجلها التاريخ، من مثل قول (بيجي رودريك): (قوانين الحرب في الإسلام تعتبر أكثر القوانين إنسانيَّة ورأفة، فهي تضمن السلامة التامَّة للنساء والولدان والشيوخ وجميع غير المحاربين، فليس هناك في نظر الإسلام أبشع من جريمة قصف

(1) نبيل السمالوطي: ص 25، (المرجع السابق نفسه).

(2)

نبيل السمالوطي: بناء المجتمع الإسلامي ونظمه. .: ص 25، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: محمد كمال جعفر: الإنسان والأديان: ص 39، (مرجع سابق).

(3)

المرجع السابق نفسه: ص 25.

ص: 264

المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومساكن المدنيين في المنطقة المعادية، وإنَّما يجعل الإسلام لهذه المرافق الإنسانية قدسيتها ويحذر من المساس بها، فهذه الوصيَّة التي كان يوصي بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المسلمين، وكذلك كان موقف الخلفاء الراشدين من بعده (رضي الله عنهم) بل لقد ظلت هذه سمة بارزة في جميع الحروب الإسلاميَّة على مرّ العصور) (1).

إنَّ ما تتسم به العقيدة الإسلاميَّة من أخلاق وانضباط راجع إلى مصادرها الأصلية، كتاب اللَّه وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، والشاهد من هذه الآية أنَّها حددت ضوابط القتال بـ (أن يكون القتال في سبيل اللَّه أي لنصرة الحق لا في نزوات شخصية أو عنصريَّة. . . وأن يكون مقصورًا على من يقاتل المسلمين. . . وأن لا يكون اعتداءً وتجاوزًا. . كقتل الشيوخ والنساء والذريَّة والضعفاء والرهبان المعتزلين في خلواتهم أو بيوتهم، والترهيب من الاعتداء بعد النهي عنه، بأن اللَّه لا يحب المعتدين)(2).

ومن السنَّة المطهرة تلك الوصايا الخالدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأمراء جيوشه إذ كان يوصيهم بوصايا متنوعة، منها:

- قوله صلى الله عليه وسلم: "اغزوا جميعًا في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه،

(1) نقلًا عن عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام: ص 228، (مرجع سابق).

(2)

عبد العظيم بن إبراهيم محمد المطعني: سماحة الإسلام في الدعوة إلى اللَّه والعلاقات الإنسانية (منهاجًا. . . وسيرة): ص 154، عن مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1414 هـ - 1993 م. وانظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 2/ 232، 233، (مرجع سابق)، ولمزيدٍ من الاطلاع على ضوابط العقيدة الإسلاميَّة في حالة السلم والحرب وقبل القتال وفي أثنائه وبعده. انظر: المطعني: سماحة الإسلام. .: ص 154 - 160، (المرجع السابق نفسه).

ص: 265

ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداَّ، فهذا عهد رسول اللَّه منتشر فيكم" (1).

- وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل صغيرًا أو حرق نخلًا أو قطع شجرة مثمرة، أو ذبح شاة لإهابها لم يرجع كفافًا"(2).

- وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن قتل النساء والصبيان"(3).

- وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه، قال:"اخرجوا باسم اللَّه فقاتلوا في سبيل اللَّه، من كفر باللَّه ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع"(4).

وسار الخلفاء الراشدون على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم سلف

(1) مجمع الزوائد: 5/ 120، (مرجع سابق)، وانظر: البداية والنهاية: 5/ 220، الطبعة الأولى، 1966 م، مكتبة المعارف، بيروت، وانظر: محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: 9/ 108، 118، 119، الطبعة الأولى، 1414 هـ - 1993 م، عن دار الكتب العلمية - بيروت.

(2)

أخرجه الإمام أحمد: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 5/ 276 حديث رقم: (21863)، ترتيب: دار إحياء التراث العربي، (مرجع سابق)، وانظر: مجمع الزوائد 5/ 317، (مرجع سابق)، وانظر: محمد بن يوسف الصالحي الشامي: المرجع السابق نفسه: ص 119.

(3)

صحيح البخاري: 98/ 103 (ترتيب مصطفى ديب البغا) رقم الحديث [2852]، (مرجع سابق)، وصحيح مسلم: 3/ 1444 الحديث رقم [1812]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).

(4)

مسند الإمام أحمد: 4/ 461، الموسوعة الحديثية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، الطبعة الأولى 1414 هـ - 1994 م، عن مؤسسة الرسالة - بيروت، وفي حاشية الصفحة 461 و 462 دراسة شاملة لطرق هذه الرواية ومثيلاتها والحكم على سندها.

ص: 266

الأُمَّة الصالح، واستمرت الأُمَّة الإسلاميَّة في تاريخها القديم والحديث منضبطة بضوابط هذه العقيدة ولم يند عن هذا المسار إلَّا حالات نادرة وشاذَّة، رُبَّمَا أظهرت معالجة المسلمين لآثارها: قيمة العدل والإحسان، التي تميَّزت بها الأُمَّة الإسلاميَّة في سيادتها على غيرها من الأمم، وأعني بذلك -كمثال- حادثة فتح (سمرقند) حينما فتحها المسلمون -كما تذكر المراجع التاريخيَّة- دون تخيير أهلها في (الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال) وما إنْ رفع أهل سمرقند أمرهم إلى خليفة المسلمين حتى أوكل ذلك لأحد قضاة المسلمين فحكم بالآتي:

أولًا: خروج المسلمين من سمرقند.

ثانيًا: دفع تعويضات من خزانة الدولة الإسلامية لأهل (سمرقند) مقابل ما نزل بهم من أضرار من جراء دخول المسلمين بلادهم دخولًا مخالفًا لمنهج الدعوة.

ثالثًا: تعاد دعوتهم إلى الإسلام فإن أبوا خُيِّرُوا بين الصلح وبين القتال.

ولكن أهل (سمرقند) تنازلوا عن شكواهم بعدما لمسوا من الروح الطيبة والخلق الكريم، والسلوك الجميل من المسلمين الفاتحين) (1).

وإذا كانت هذه الضوابط التي ضبطت بها العقيدة الإسلاميَّة تحجبها عن إيذاء الآخرين، وعن الإفساد في الأرض وعن إهلاك الحرث والنسل حينما يبلغ بها الاندفاع أقصاه ممثلًا في قتال الكُفَّار، فإنَّ هناك ضوابط

(1) المطعني: سماحة الإسلام. .: ص 158، 159، (مرجع سابق)، وانظر: الكامل لابن الأثير، 5/ 60، 61، طبعة دار صادر، 1385 هـ - 1965 م، بيروت، وانظر: البلاذري: فتوح البلدان: ص 411، تحقيق: رضوان محمد رضوان، طبعة دار الكتب العلمية، 1412 هـ - 1991 م، بيروت، وانظر: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلاميَّة: محمد الخضري: 1/ 181، الطبعة الثامنة، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1382 هـ.

ص: 267

أخرى تكفل المحافظة على الفرد نفسه داخل كيان الأُمَّة الإسلاميَّة، قال تعالى:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، قال بعض المفسرين:(والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: لترك ما أمر اللَّه به العبد، إذا كان تركه موجبًا أو مقاربًا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة. . . ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة، أو سفر مخوف، أو محل مسبعة (أرض يكثر فيها السباع) أو حيَّات، أو يصعد شجرًا، أو بنيانًا خطرًا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك) (1).

وينطبق ذلك على الأُمَّة الإسلاميَّة حيث جاء الأمر في الآية بصيغة الجمع.

وبهذه الخصوصية يتضح أن العقيدة الإسلامية ليست (موجة عاطفة تهز القلوب وتثير المشاعر فحسب، بل هي قوة عقليَّة ووجدانية معًا)(2) تُسَلِّمُ قيادها للَّه رب العالمين في جميع ما تأتي وتذر، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163].

ويطول البحث في الإحاطة بخصائص العقيدة الإسلاميَّة، وحسب الباحث أن تناول منها ما يبرز تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة في الجوانب العقدية المتصلة به (3).

(1) السعدي: تيسير الكريم الرحمن. .: 1/ 236 - 237، (مرجع سابق).

(2)

عمر عودة الخطيب: لمحات في الثقافة الإسلاميَّة: ص 359، (مرجع سابق).

(3)

لمزيد من الاطلاع على خصائص العقيدة الإسلاميَّة؛ انظر:

عمر عودة الخطيب: لمحات في الثقافة الإسلامية: ص 358، 374، (المرجع السابق نفسه).

عثمان جمعة ضميرية: مدخل لدراسة العقيدة الإسلاميَّة: ص 383 - 394، (مرجع سابق).

محسن عبد الحميد: الإسلامية والتنمية الاجتماعية: 28 - 31، الطبعة الأولى، 1409 هـ - 1989 م، عن دار المنار. جدة.

ص: 268