الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدان من بعض اليهود (1)، وما زال المسلمون يستوردون البضائع والمصنوعات من الكفار، وهذا من باب الشراء منهم بالثمن. . . وليس هو من أسباب محبتهم وموالاتهم، فإنَّ اللَّه أوجب محبة المؤمنين وموالاتهم وبغض الكافرين ومعاداتهم) (2).
2 - النهي عن التشبه في مجال العقيدة:
استفاضت الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وفهم سلف الأُمَّة في النهي عن التشبه بأهل الكتاب وأهل الجاهلية في مسائل عدة من مسائل العقيدة من أبرزها: الغلو في الدين، والاختلاف فيه والرهبانية، وتعطيل الحدود، واتخاذ القبور مساجد، والمغالاة في الأنبياء والصالحين، وبعض الشركيات الأخرى؛ التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ أن تسلُك فيها مَسْلَكَ اليهود والنصارى والفرس والروم وغيرهم مما يطلق عليه في الإسلام مسمى الجاهلية.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى
= في حديث الهجرة في قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (واستأجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل. . . وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما)؛ أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (3/ 1419)، كتاب فضائل الصحابة، باب:(74)، الحديث رقم:(3692/ 3694)، بتحقيق: مصطفى ديب البُغا، مرجع سابق.
(1)
انظر: ابن قدامة: المغني: (6/ 375)، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي وآخر، الطبعة الأولى، (1408 هـ - 1988 م، عن دار هجر - القاهرة).
(2)
صالح بن فوزان بن عبد اللَّه الفوزان: الولاء والبراء في الإسلام، مجلة البحوث العلمية، العدد (25)، ص:(125)، الصادرة عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء - الرياض، عن (رجب/ شوال)، 1409 هـ.
شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 16 - 19].
حيث بينت الآية ما فضل اللَّه به بني إسرائيل وما أنعم به عليهم من نعم، وما حدث منهم من اختلاف، ثُمَّ ربطت ذلك بما آل إليه الأمر من كون الرسالة نُزعت منهم، وجعلت في محمد صلى الله عليه وسلم من وأُمَّتِهِ، وَأَنَّهُم مأمورون باتباع ما شرعه اللَّه لهم ومنهيون عن متابعة أهواء الذين لا يعلمون (ويدخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعة الإسلام)(1)، ويدخل في أهوائهم:(هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك، فهم يهوونه؛ وموافقتهم فيه: أتباع لما يهوونه. . . ولو فرض أنْ ليس الفعل من أتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك تكون أحسم لمادة متابعتهم، وأعون على حصول مرضاة اللَّه في تركها)(2).
وقد جاءت هذه الآية عامَّة في النهي عن أتباع أهواء الَّذين لا يعلمون، ومعنى الهوى: ما خالف الحق ومال بصاحبه إلى شهوة وسقط به من علوٍّ إلى سفل (3)، وقد جاء في الآية (بلفظ الجمع تنبيهًا على أنَّ لكل واحدٍ هوى غير هوى الآخر، ثُمَّ هوى كل واحدٍ لا يتناهى، فإذًا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة)(4).
وإذا كان النهي في هذه الآية وأمثالها عام، فإنّه قد ورد من الآيات والأحاديث وأقوال السلف ما ينص على مسائل معينة وأمور محددة من ذلك الآتي:
(1) انظر: ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 85)، تحقيق: ناصر بن عبد الكريم العقل، مرجع سابق.
(2)
المرجع السابق نفسه ص: (85).
(3)
الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن: مادة (هوى)، مرجع سابق.
(4)
المرجع السابق نفسه: مادة (هوى).
أ - حادثة تحويل القبلة، قال اللَّه تعالى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، نقل ابن كثير في تفسيرها عن كثير من السلف قولهم:(معناه لِئَلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة، فيقولون: قد وافقونا في قبلتنا، فيوشك أن يوافقونا في ديننا، فقطع اللَّه بمخالفتهم في القبلة هذه الحجَّة)(1).
ب- ما حدث من بعض الصحابة من منازعة في القدر، ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأنه كان سبب هلاك الأمم السابقة، وفي هذا نهي عن التشبه بغير المسلمين في الخوض في المسائل التي تحدث الخلاف وتضرب بعض الدين ببعضه الآخر وتكون سببًا لهلاك الأُمَّة، فَقدْ (خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم، والناس يتكلمون في القدر. . . فقال لهم: "ما لكم تضربون كتاب اللَّه بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم")(2).
ج- حادثة السدرة التي كان المشركون يعكفون عليها، وينوطون بها أسلحتهم، وعندما مَرَّ المسلمون بها في خروجهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حنين، طلبوا من الرسول أن يجعل لهم ذات أَنواط، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وكبَّر اللَّه ولام المسلمين على ذلك، وَذكر لهم أنهم ساروا بطلبهم هذا على سنن أهل الكتاب من قبلهم، حيث قال اليهود لموسى عليه السلام بعد أن أنجاهم اللَّه من فرعون، وأغرقه في اليم وجنده، ومروا على قوم يعبدون
(1) تفسير القرآن العظيم، (1/ 195)، مرجع سابق، وممن قال بهذا التفسير: مجاهد، وعطاء، والضَّحاك، والسديُّ، وقتادة، والربيع بن أنس، وابن أبي حاتم. انظر: المرجع السابق نفسه: (1/ 195).
(2)
المسند للإمام أحمد بن حنبل (2/ 178)، بتحقيق: أحمد محمد شاكر، المجلد (9 - 10)، (10/ 153)، رقم الحديث:[178](مرجع سابق)، وأخرجه ابن ماجه: سنن ابن ماجه: 1/ 33، والمقدمة، باب [10] رقم الحديث (85)، وقال: إسناده صحيح ورجاله ثقات، بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مرجع سابق.
صنمًا- {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (1)[الأعراف: 138]، وقد ورد في ذلك عن أبي واقد اللَّيثيِّ أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مَرَّ بِشَجرةٍ للمشركين، يقالُ لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: يا رسول اللَّه، اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط؟ فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"سبحان اللَّه هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم"(2).
ومن هذا الحديث يتضح أن من سنن اللَّه في خلقه ميل الإنسان بمقتضى الطبع إلى المحاكاة والمماثلة (3)، ومع أن الإسلام يقر الجانب الفطري عند الإنسان إلّا أَنَّهُ في مثل هذهِ الحال ينهى؛ لأن الميل هنا فيه محذور على العقيدة، ويأتي مندرجًا تحت ميل النفس إلى الفجور كما قال تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10].
كما أن إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث في بني إسرائيل يتضمن النهي عن مشابهتهم والسير في منهجهم، فقد قَرَّرَ علماء أصول الفقه أن الإخبار من صيغ الأمر (4).
(1) وانظر: تفاصيل القصة وبعض ما انطوت عليه من دروس وعبر لدى: عبد الستار فتح اللَّه سعيد: معركة الوجود بين القرآن والتلمود: ص: (90 - 114)، مرجع سابق.
(2)
أخرجه الترمذي: الجامع الصحيح: (4/ 412، 413)، كتاب الفتن؛ باب:(18)، رقم الحديث:(2180)، وقال: حديث حسن صحيح، بتحقيق: كمال يوسف الحوت، مرجع سابق.
(3)
انظر: أحمد بن الصديق الغماري: الاستنفار ص: (11)، مرجع سابق.
(4)
انظر: الطوفي: شرح مختصر الروضة: (2/ 356)، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مرجع سابق.