الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاضر الاستشراق ومستقبله وعوامل قوته واستمراره
تكاد آراء الباحثين في تاريخ الاستشراق والمستشرقين تجمع على أن الاستشراق عاش فترة ازدهار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين (أي: في فترة ما بين: 1850 - 1950 م)، ولكن أهم آرائهم تختلف حول حاضر الاستشراق ومستقبله مثلما حدث الاختلاف كذلك في تحديد بدايته الأولى.
وعلي الرغم من تعدد الآراء وتشعبها في هذه المسألة؛ فإن من الملفت للنظر في هذا الأمر ما يظهره الساسة الغربيون وتشيعه دوائر الاستشراق من صحافة وإعلام وبعض المستشرقين من أن عصر الاستشراق قد انتهى، وأن صفحته قد طويت بينما يرى الباحث بأن الاستشراق لا زال حيًا قويًا. . . ولا زال المستشرقون يتوافرون على دراسة الإسلام والمسلمين عقيدةً وتاريخًا حاضرًا وماضيًا.
ولبيان هذه الوجهة وحقيقة الأمر فيها كما يرى الباحث تجري المناقشة في النقاط الآتية:
1 - نقد الساسة الغربيين للاستشراق والمستشرقين
وموقف المستشرقين من ذلك.
2 -
وجهة نظر الباحث حول حاضر الاستشراق والمستشرقين ومستقبلهم.
3 -
عوامل قوة الحركة الاستشراقية واستمرار المستشرقين.
1 -
نقد الساسة الغربيين للاستشراق والمستشرقين:
يتفق الساسة الغربيون والمستشرقون على نقد الاستشراق والمستشرقين، بل يتجاوزون ذلك إلى الإعلان عن أفول شمس الاستشراق وانتهاء عصره، ومن الأمثلة على ذلك الآتي:
أ - ما قاله أحد الساسة الألمان: (بأنه آن الأوان كي يبتعد المستشرقون باهتماماتهم عن اللهجات العربية، وأن يكونوا بمثابة احتياطيين للقيام بمهمة الترجمة)(1).
ب- يعترف المستشرقون بالقصور في جوانب مختلفة كانت مثار انتقادات حادة من جهات عديدة؛ وقد أجملها بعض المستشرقين في قوله: (لقد اتهمنا بأننا متخلفون. . . وأنا وصفيون نقليون ولسنا تحليليين، وإذا كنا نقدر أنفسنا حق التقدير فما علينا سوى الاعتراف بأن هذا النقد صحيح إلى حدٍّ بعيد)(2).
ج- يتجاوز المستشرقون هذا النقد والاعتراف إلى الإعلان عن نهاية الاستشراق، فقد أُعلنَ في مؤتمر المستشرقين التاسع والعشرين عن تغيير مسمى الاستشراق، وأنه تقرر أن يطلق على مؤتمرهم الثلاثين مسمى (مؤتمر العلوم الإنسانية)(3)، ومع أن التغيير ينصب على الاسم فقط فقد أشاعت الصحافة وعدَّ بعض المستشرقين هذا التحول نهاية للاستشراق والمستشرقين؛ وللمثال على ذلك فقد:
- وصفت جريدة (لومند) الفرنسية هذا التحول بأنه موت الاستشراق.
- وورد على لسان (جاك بيرك) وهو أحد المستشرقين الفرنسيين القول: (بانتهاء زمن الاستشراق)(4).
(1) نقلًا عن أوليريشن هارمان: الاستشراق الألماني؛ منجزات ومراجعة مواقف: مجلة الباحث، المجلد:(5)، العدد المصادر في:(2/ 1983 م)، ص: 144، باريس.
(2)
أوليريشن هارمان: الاستشراق الألماني ص: (144)، المرجع السابق نفسه.
(3)
انظر: نجيب العقيقي: المستشرقون: (3/ 365 - 370)، مرجع سابق. وانظر: أنور الجندي: الإسلام في وجه التغريب (مخططات التبشير والاستشراق)، ص:(417)، عن دار الاعتصام، القاهرة بدون تاريخ.
(4)
انظر: أنور الجندي: المرجع السابق نفسه ص: (417).