الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلات الثقافية بين الإسلام والغرب في الأندلس وصقيلية
تمخضت الصلات الثقافية في الأندلس، وما جرى من الصراع بين العالمين الإسلامي والنصراني فيها وفي صقيلية عن ضروب من الدراسات الاستشراقية، وأنتجت هذه الفترة حركة فكرية ذات شقين:
الشق الأول: التركيز على تشويه الإسلام عقيدة وسلوكًا، والزراية -حقدًا وكراهية- برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويخال الاستشراق أنه بصنيعه هذا يهدف إلى تحصين الغرب النصراني من المد الإسلامي، ويعمل على الحيلولة دون انتشار الإسلام وعقيدته على حساب النصرانية، ومن أجل هذا لم تألُ الكنيسة جهدًا في تشويه الإسلام، من خلال الدس والتزوير والافتراء وانتهجت في ذلك المجادلات البيزنطية، التي واجهت بها الكنيسة الشرقية الإسلام (1).
وهي مساوئ واحتقارات هاجموا بها العرب والمسلمين، ولم تكن -في حقيقتها- سوى تهم باطلة، ودعاوى زائفة، وآراء متناقضة، صدرت عن بعض الكتاب والشعراء المرتزقة (2)، وضمت جهودهم إلى جهود
= 26 - 33). وانظر في الجدل المديني في الأندلس: إدغار فيير: في الجدل المديني في الأندلس والإبتمولوجيا الحديثة، ترجمة: الصادق الميساوي (مقال)، نشر في المجلة العربية للثقافة: ص: (72 - 93)، مجلة نصف سنوية. . . " السنة الرابعة عشرة، العدد السابع والعشرون، ربيع الأول:(1415 هـ - سبتمبر: (1994 م)، عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. . . تونس.
(1)
انظر: جواد علي: تاريخ العرب في الإسلام ص: (34 - 35)، مرجع سابق.
(2)
انظر: محمد بركات: الخلفية التاريخية للاستشراق؛ المنهل، العدد السنوي المتخصص لعام:(1409 هـ)، عن الاستشراق والمستشرقين ص:(133)، مرجع سابق.
اللاهوتيين (رجال الكنيسة) في محاولات ترمي إلى تشويه حقيقة الإسلام والطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وحملة رسالته.
ومن أشد ما قالوه في الإسلام ورسوله من تفاهات ساقطة أنه عقيدة وثنية، وأن المسلمين يعبدون ثلاثة آلهة (تيرماغان، محمد، وأبو للو)(1)، وقالوا في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنه المسيح الدجال، وأنه الأمارة لليوم الآخر، وأن جنود الإسلام وحملته إرهابيون وحشيون، وقد استمر هذا التشويه البشع الذي مارسه المستشرقون من اللاهوتيين وغيرهم زمنًا طويلًا في السيطرة على الشعوب الأوروبية (2)، وما تزال هذه الممارسات العدائية الحاقدة تشتد وتتأكد في العصر الحاضر بسبب حقد الصهيونية، وعداوتها الشديدة للإسلام والمسلمين وتأثيره على الدراسات الاستشراقية ووسائل الإعلام.
ومن أبرز ما حمل هؤلاء على تشويه صورة الإسلام عوامل عدة، منها:
1 -
ما اتسمت به الفتوحات الإسلامية من سرعة وانتصار وبخاصة فتوحات الإسلام الأولى (3) التي أدهشتهم، وجعلت ما لم يكن معقولًا بالنسبة لحروب أي أمة هو المعقول بالنسبة للمسلمين، وقد شكل الفارون
(1) انظر إدوارد سعيد: الاستشراق. . . ص: (91)، مرجع سابق. وانظر: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق والخلفية الفكرية ص: (22)، مرجع سابق.
(2)
انظر: إسماعيل عمايرة: المستشرقون وصلتهم بالعربية، المنهل ص:(83)، العدد السنوي:(1409 هـ)، المرجع السابق نفسه، وانظر عبد القادر طاش: الجذور التاريخية للصورة النمطية للإسلام، المنهل ص:(301)، المرجع السابق نفسه.
(3)
انظر: إسماعيل عمايرة: المستشرقون وتاريخ صلتهم بالعربية، ص:(83)، مرجع سابق، المنهل العدد السنوي لعام (1409 هـ)، وانظر: عبد القادر طاش: الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي ص: (31)، الطبعة الأولى:(1409 هـ، 1989 م)، عن شركة الدائرة للإعلام، الرياض.
من هذه الفتوحات مصدر شائعات كان لها تأثير كبير في تشكيل الموقف العدائي المضاد لدعوة الإسلام (1).
ومن الأمثلة لذلك: أن بطرك بيت المقدس خرج مع كثير من مشهوري الصليبيين وفرسانهم حين فتح صلاح الدين بيت المقدس، ولبسوا السواد، وأظهروا الحزن على ذهاب بيت المقدس من أيديهم، ودخلوا بلاد الإفرنج يطوفونها ويستنجدون بأهلها، ويستجيرون بهم، ويحثونهم على الأخذ بثأر بيت المقدس، وصوروا المسيح وأمامه رجل عربي ينهال عليه ضربًا، وجعلوا الدماء تسيل على وجه المسيح وصدره، وكتبوا في شرح هذه الصورة:(هذا المسيح يضربه محمد نبي المسلمين وقد جرحه وقتله)(2).
ومن الأمثلة على صنيعهم هذا أنهم صوروا قبر المسيح وصوروا عليه فارسًا مسلمًا يطؤه بحوافر جواده وهو يبول عليه، وقد وزعوا هذه الصورة في أسواق بلادهم ومجامعها، حيث كان القسس يحملونها ورؤوسهم مكشوفة وعليهم المسوح وهم ينادون بالويل والثبور (3).
وواضح أن هذه الوسائل التي تثير الحفائظ وتعمق الحقد والكراهية للإسلام وأهله، كانت تهدف إلى محاولة تحصين المجتمع الغربي -المرتكز على عقيدة التثليث- من التأثر بدعوة الإسلام المرتكزة على عقيدة التوحيد وما تعنيه من مناقضة لما تقدمه الكنيسة من العقائد المنحرفة (4).
2 -
ومن العوامل التي جعلت الأوروبيين يغرقون في محاولتهم تشويه
(1) انظر: مصطفى عمر حلبي: الخلفية الثقافية لاتجاهات المستشرقين في دراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، المنهل العدد السنوي لعام:(1409 هـ)، ص:(31)، المرجع السابق نفسه.
(2)
انظر: قاسم السامرائي: الاستشراق. . . ص: (20، 21)، مرجع سابق.
(3)
انظر: المرجع السابق نفسه ص: (21).
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه ص: (21).
عقيدة الإسلام والانتقاص من الرسول صلى الله عليه وسلم ووصم المسلمين بالوحشية، أن الفتوحات الإسلامية توافقت مع غزوات الونداليين (وهم قبائل وثنية كانت تغير بوحشية وضراوة على أوروبا) مما جعلهم يلصقون أعمال (الوندال) الوحشية وعقيدتهم الوثنية بالمسلمين؛ حتى لقد شاع بين الغربيين أن المسلمين ونداليون، وقد خلا الجو للقساوسة -وهم طلائع الاستشراق آنذاك- الذين كانوا يدركون حقيقة الإسلام وغايته وما فيه من خير ونور واستقامة وتقدم، للعمل من خلال موقفهم المديني ومنهجهم الاسشراقي على المحافظة على عقيدتهم مستغلين جهالة جماهيرهم التي لم تكن تعرف لغة المسلمين، ولم يكن المسلمون كذلك يعرفون اللغة اللاتينية، وقد استغل القساوسة ورجال (اللاهوت) هذا المناخ وتلك الفرصة ليس لصرف الناس عن الإسلام فحسب، بل قاموا يعاونهم في ذلك الشعراء والقصاص، بمهمة التعبئة العارمة ضد الإسلام وإعداد الناس لحرب المسلمين (1).
3 -
ومن العوامل التي غذت حملتهم في تشويه صورة الإسلام ورسوله وحملته، ما كان لديهم من نظرة الاستعلاء والغرور التي (دأبت الشعوب الأوروبية على تنمية إحساسها المفرط بها، وما ترتب على ذلك من جهلها بالأمم الأخرى، حتى لقد ظلُّوا إلى عصور متأخرة وربما إلى العصر الحاضر يحسبون أن الأرض مخلوقة لهم، وأن على أطرافها من بعيد
(1) انظر: إسماعيل أحمد عمايرة: المستشرقون وتاريخ صلتهم بالعربية المنهل، العدد السنوي المتخصص لعام:(1409 هـ)، عن الاستشراق والمستشرقين ص:(83)، المرجع السابق نفسه. وانظر: مصطفى عمر حلبي: الخلفية الثقافية لاتجاهات المستشرقين (المنهل): ص: (31 - 34)، المرجع السابق نفسه.
وربما من خارجها تنبري لهم بين العين والآخر أمم عارضة وغامضة أطلقوا عليهم اسم الوثنيين تارة. . . وأتباع المسيح الدجال تارة أخرى) (1).
الشق الثاني:
أما الشق الثاني من تلك الحركة الفكرية التي تمخضت عن احتكاك الغرب بالإسلام (فإنها تشبه إلى حد ما الحركة التي قامت في العالم الإسلامي في عهد المأمون ومن سبقه لترجمة العلوم اليونانية وغيرها إلى العربية، فقد أدى هذا الاحتكاك إلى توافر عدد من العلماء النصارى في أوروبا بدءًا من العام (1130 م) للعمل بدأب على ترجمة الكتب العربية في الفلسفة والعلوم، وكان لرئيس أساقفة طليطلة وغيره الفضل في إخراج ترجمات مبكرة لبعض الكتب العلمية العربية بعد الاقتناع بأن العرب يملكون مفاتيح قدر عظيم من تراث العالم الكلاسيكي) (2).
وإذا كانت الحركة التي قامت في عهد المأمون خدمت الحياة الإنسانية وأسهمت في بناء الحضارة ونشر العلم والرقي الثقافي لدى الشعب فإنها -من جانب آخر- قد خلطت إلى حد ما بين الفلسفة اليونانية والعلوم مما كان له آثار سلبية على عقيدة المسلمين وفكرهم، وقد تولت الدراسات المتخصصة في هذا الجانب نقد تلك الآثار وبيان وجه الصواب فيها.
أما حركة الترجمة والنقل إلى اللاتينية التي قام بها الغربيون فقد حرصت على أن تحافظ في مجملها على الشخصية الغربية من أن تذوب في حضارة المسلمين، وحرصت على فصل العقيدة عن العلوم التطبيقية،
(1) انظر: إسماعيل أحمد عمايرة: المستشرقون وتاريخ صلتهم بالعربية، المنهل ص:(83)، المرجع السابق نفسه.
(2)
انظر: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق ص: (24)، مرجع سابق.
ولم تكتف بترك ما له صلة بالعقيدة الإسلامية وعزله عن تلك الحركة الفكرية، بل بادرت في أول أمرها إلى تشويهه بدعوى تحصين الغربيين من التأثر به، كما سبق بيان ذلك- وأما العلوم التطبيقية فإن الغرب نقل عن المسلمين هذه العلوم والمعارف من طب وذلك ونحوهما، ويقرر كثير من المستشرقين أن أوروبا قد توجهت في ذلك العصر شطر المسلمين الذين كانوا أئمة العلم وحدهم للاغتراف من بحار علومهم وفنونهم (1).
وقد اعترف المستشرق الفرنسي (لوبون) بالفرق الهائل بين حضارة المسلمين وهمجية الغرب الأوروبي في القرون الوسطى، ويعترف أيضًا بأن أوروبا الغربية لكي ترفع عن نفسها أكفان الجهل الثقيل توجهت شطر المسلمين في الأندلس وصقلية - وتوافد إليهما الدارسون من الأقطار المجاورة لهما؛ إيطاليا. . . فرنسا. . . إنجلترا. . . ألمانيا، واصطبغ بلاط صقلية النورمندي بصبغة عربية، وشاركت في عهدها الإسلامي إسبانيا في تلقي الوافدين الأوروبيين لدراسة علوم العربية وحضارة الإسلام (2).
ومما يلحظه الباحثون في مسار هذه الحركة التي تولت نقل العلوم إلى الغرب ما يأتي:
أ - لم ينصف هؤلاء الناقلون المسلمين فيما نقلوه عنهم، بل إن نقولهم لم تتصف بالموضوعية والعلمية - فروجر بيكون (611 - 693 هـ/ 1214 - 1294 م) الإنجليزي الذي تلقى تعليمه في أكسفورد وباريس، ونال
(1) انظر: حسين نصار: الاستشراق بين المصطلح والمفهوم (المنهل، العدد السنوي المتخصص لعام: (1409 هـ)، عن الاستشراق والمستشرقين ص:(13)، المرجع السابق نفسه، وانظر: أحمد سمايلوفتش: فلسفة الاستشراق ص: (72 - 73)، مرجع سابق.
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص (13)، وانظر: محمد بركات البيلي: الخلفية التاريخية للاستشراق. . . (المنهل) ص: (135)، المرجع السابق نفسه.
الدكتوراه في (اللاهوت)، ترجم عن العربية كتاب مرآة الكيمياء ونسبها إلى نفسه، على الرغم من أنَّه كان تلميذًا للمسلمين حيث تلقى أفكارهم كما تلقى عنهم الطريقة التجريبية التي ابتكروها ونقلها إلى أوروبا المسيحية، (وظل (بيكون) يعترف بهذا دون ملل، وكان يؤكد أن علوم المسلمين كانت له ولمعاصريه الطريقة الوحيدة للثقافة الصحيحة) (1).
كذلك (جيراردي كريموني 508 - 583 هـ/ 1114 - 1187 م) الإيطالي الذي قصد طليطلة، وترجم ما لا يقل عن 87 مصنفًا في الطب والفلك وغيرهما (2).
وعلي مثل هذا سارت حركة الترجمة والنقل والتأليف في الأعم الأغلب، فالقوم ترجموا العلوم التي أسسوا عليها حضارتهم دون أن ينصفوا المسلمين فيما نقلوه عنهم، والسبب في ذلك هو التخطيط المسبق وما يرتكز عليه من العداء للإسلام والمسلمين والأحقاد والمخاوف التي كانت تحدد اتجاهات المعرفة (3).
(1) محمد شريف: الفكر الإسلامي، منابعه وآثاره: ص: (87)، ترجمة: د. أحمد شلبي الطبعة الثانية: (1966 م)، عن مكتبة النهضة المصرية، القاهرة. انظر: عبد الرحمن علي الحجي: الحضارة الإسلامية في الأندلس: ص: (63)، وانظر: أحمد العناني: أطول معارك التاريخ: ص: (146)، الطبعة الأولى:(1985 م)، مؤسسة الشرق، قطر.
(2)
انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص: (33، 34)، مرجع سابق. وانظر: نجيب العقيقي: المستشرقون: (1/ 115، 116)، مرجع سابق، وانظر: محمد عبد اللَّه مليباري: المستشرقون والدراسات الإسلامية ص: (42، 43)، الطبعة الأولى:(1410 هـ - 1990 م)، عن دار الرفاعي. . . " الرياض.
(3)
انظر: مصطفى عمر الحلبي: الخلفية الثقافية لاتجاهات المستشرقين. . (المنهل، العدد السنوي المتخصص لعام 1409 هـ، عن الاستشراق والمستشرقين: ص: (30، 32)، المرجع السابق نفسه، وعن أثر الإسلام في الحضارة الغربية راجع: =
ب- إن طائفة من أولئك المستشرقين الذين اتصلوا بالحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية كانوا يضمرون العداء للمسلمين على الرغم من تتلمذهم على أيديهم ودراستهم في الجامعات الإسلامية في الأندلس كما سبق ذكر اعتراف (روجر بيكون) بذلك، فمن أوساط هؤلاء جاءت الدعوات للقضاء على الإسلام والمسلمين عسكريًا.
ومن الأمثلة على ذلك أن (جربردي أورلياك 327 - 394 هـ/ 938 - 1003 م)، هو من طلائع المستشرقين قصد الأندلس قرأ على أساتذتها ثم انتخب بعد عودته حبرًا أعظم باسم (سلفستر الثاني 389 - 394 هـ/ 999 - 1003 م) وكان بذلك أول بابا فرنسي، ويروى أَنَّهُ أول من دعا إلى الحروب الصليبية لإبادة المسلمين والقضاء على الإسلام (1)، ودعا بدعوته (بطرس الناسك) فيما بعد عندما عقد مجمع كليرمون (1095 م)(2).
= - محمد أمين المصري: المجتمع الإسلامي ص: (51 - 61)، الطبعة الرابعة:(1456 هـ - 1986 م)، عن دار الأرقم، الكويت.
- محمد عبد اللَّه مليباري: المرجع السابق نفسه: ص: (38 - 47).
- جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي: ص: (486 - 547)، دار مصر للطباعة، بدون تاريخ.
- أحمد إبراهيم شريف: دراسات في الحضارة الإسلامية: ص: (177 - 195)، طبعة دار القرآن:(1976 م)، القاهرة.
(1)
انظر: الأمير شكيب أرسلان في تعليقه على: حاضر العالم الإسلامي: لوثروب ستودارد، الجزء الثالث، المجلد الثاني: ص: (215)، الطبعة الرابعة:(1394 هـ)، وقد عزا ذلك إلى المسيو فرناند هايوارد: تاريخ البابوات. وانظر: علي جريشة: الغزو الفكري ص: (281)، مطبوعات جامعة الإمام:(1404 هـ - 1994 م)، وانظر: محمد عبد الفتاح عليان: أضواء على الاستشراق ص: (22)، الطبعة الأولى:(1400 هـ - 1980 م)، دار البحوث العلمية، الكويت.
(2)
انظر: نجيب العقيقي: المستشرقون: (1/ 56)، مرجع سابق، وفيما بين دعوة سلفستر الثاني: ت: (1003)، ودعوة بطرس الناسك:(1095 م)، دعا البابا (جريجوريوس)، =
ج- لم تكن هذه الحركة التي تعد عميقة الصلة علميًا بحضارة المسلمين ذات أثر في تصحيح رؤية الغرب لعقيدة الإسلام وتاريخه ولأخلاق المسلمين وسلوكهم ولحضارة الإسلام وثقافته، بل كانت هي الأخرى ماكرة في عدائها، شديدة الوطأة على الإسلام والمسلمين، فقد أسفرت عن مسلك جديد في محاربة الإسلام قاده القس (بطرس المبجل ت 1156 م) وهو رئيس رهبان دير كلوني، حيث تمثل مسلكه هذا في تشكيل جماعة من المترجمين في إسبانيا يعملون بصفة فريق واحد من أجل الحصول على معرفة علمية موضوعية عن الإسلام بدءًا بإنجاز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية وهي الترجمة الأولى التي تمت عام (1143 م) التي ظهرت باسم العالم الإنجليزي (روبرت أوف كيتون)(1).
وظهر -من تحقيق بعض الباحثين- أن بطرس المبجل هذا كلف اليهودي المتنصر - (بطرس أوبيدرو الفرنسي أو العبري أو الطليطلي الذي تنصر عام (1106 م) في إسبانيا- أن يترجم القرآن إلى اللاتينية (2)، ومما فعله (بطرس المبجل) أيضًا أنه صرف (روبرت أمه كيتون) الذي نسبت إليه ترجمة القرآن الكريم الأولى إلى اللاتينية، وزميله (هرمان الألماني) -وهما راهبان- عن دراسة الفلك إلى ترجمة معاني القرآن الكريم (3) إلى اللاتينية، وكان قصده من ذلك دحض الإسلام وتنصير المسلمين، وممّا يدل على ذلك ما ذكره سببًا لترجمة القرآن الكريم إلى اللاتينية إذ قال: (فإذا لم يكن بهذا الطريق إعادة المسلمين إلى المسيحية الصحيحة، فلا أقل من أن
= سنة: (1075 م)، إلى الحروب الصليبية؛ انظر: محمد عبد الفتاح عليان: أضواء على الاستشراق: ص: (22)، المرجع السابق نفسه.
(1)
انظر: نجيب العقيقي: المستشرقون: (1/ 113)، المرجع السابق نفسه.
(2)
انظر: قاسم السامرائي: الاستشراق ص: (22)، مرجع سابق.
(3)
انظر: المرجع السابق نفسه ص: (22).
يستفيد العلماء المسيحيون من عملنا في مجال دعم إيمان المسيحيين السذَّج الذين يمكن أن تضير هذه الصغائر عقيدتهم) (1)، وكان (يعتقد أن العقل والإقناع ورحمة الأناجيل هي خير الوسائل لجلب الخصم إلى في من الحق)(2).
وعلي الرغم من أن بعض الباحثين يرى أن (بطرس المبجل)، كان يرى التخلص من خطر المسلمين بتنصيرهم (3)، إلَّا أن باحثين آخرين (توقفوا عند حادثة مجمع دير كلوني حيث عقد هذا المجمع في سنة (488 هـ - 1095 م)، بعد سقوط طليطلة بعشر سنوات، وأقر حرب المسلمين في الأندلس وفلسطين، ورأت هذه الحركة التي تزعمها رهبان (دير كلوني) في توسع الإسلام غضبًا إلهيًا يجب التكفير عنه بالدَّعوة إلى حرب المسلمين، وكان رهبان هذا الدير يرافقون الجيش الصليبي في الأندلس لتحطيم شعائر المسلمين والتركيز على شعائر روما) (4).
* * *
(1) نقلًا عن: إسماعيل أحمد عمايرة: المستشرقون وتاريخ صلتهم بالعربية. ص: (28، 29)، الطبعة الثانية:(1412 هـ - 1992 م)، عن دار حنين - الأردن.
(2)
إدغار فيبير: الجدل المديني في الأندلس ص: (84)، ترجمة الصادق الميساوي، المجلة العربية للثقافة، مرجع سابق.
(3)
انظر: إسماعيل أحمد عمايرة: المستشرقون وتاريخ صلتهم باللغة العربية: ص: (29)، المرجع السابق نفسه.
(4)
انظر قاسم السامرائي: الاستشراق ص: (23)، مرجع سابق، وانظر: نجيب العقيقي: المستشرقون: (1/ 56)، مرجع سابق.