الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- المستشرق (يوهان جيه رايسكه) الذي كان واحدًا من أبرز علماء العربية في عصره في ألمانيا، ويذكر أن هذا المستشرق قد تحرر من الأفكار اللاهوتية، ومجَّد الإسلام ورسوله، وإليه يرجع السبق في إيجاد مكان بارز للدراسات العربية في ألمانيا، ولكنه حورب وأوذي وعزل عن عصره ومعاصريه (1).
5 -
ويعد القرنان التاسع عشر والعشرون الميلاديان عصر الازدهار الحقيقي للحركة الاستشراقية، حيث تعززت مدارسه، وتأسست الجمعيات الاستشراقية، وأصبح لها إصدارات ومجلات، وعقدت مؤتمرات المستشرقين الإقليمية والدولية، وبرزت مظاهر النشاط الاستشراقي في أعمال عديدة بأساليب متنوعة ووسائل مختلفة.
وفيما يأتي توضيح لأبرز هذه المستجدات:
أ - إنشاء مدرسة اللغات الحية في باريس في (شهر (آذار) مارس 1795 م) في ظل الثورة الفرنسية، ومن خلال هذه المدرسة تقدمت الدراسات الاستشراقية، واتسمت بطابع علمي إلى حد ما، وقد اشتهر (سلفستردي ساسي توفي 1838 م) بنشاطه الاستشراقي، وأصبح إمام المستشرقين في عصره، وإليه يرجع القول بأن باريس غدت مركزًا للدراسات العربية وقبلة يؤمها التلاميذ والعلماء من مختلف البلاد الأوروبية ليتعلموا على يديه، وكانت جهوده منصبة على الدراسات العربية من نحو وشعر وأدب، وكانت مدرسة اللغات الحية في عهده تعد أنموذجًا لمؤسسة الاستشراق العلمي وخاصة بعد أن انفصل الاستشراق في ذلك العين عن التنصير، ولكن (سلسفتر دي ساسي) كان مرتبطًا بدوائر الاستعمار (2) ولئن
(1) انظر: شوقي أبو خليل: كارل بروكلمان في الميزان ص: (6)، الطبعة الأولى:(1408 هـ - 1987 م)، عن دار الفكر - دمشق.
(2)
انظر: إدوارد سعيد: الاستشراق ص: (146)، مرجع سابق، وانظر: محمود حمدي =
ظهر الاستشراق منفكًا عن التنصير -في الظاهر (1) - إلا أنه ارتبط بالاستعمار مسايرة للظروف التاريخية، كما سيأتي بيان ذلك.
ب- بدأ المستشرقون في النصف الأول من القرن التاسع عشر في مختلف بلدان أوروبا وأمريكا بإنشاء جمعيات لمتابعة الدراسات الاستشراقية، ونشأت هذه الجمعيات في إصدار المجلات والمطبوعات المختلفة (2)، فقد تأسست أولًا الجمعية الآسيوية في باريس عام (1822 م)، ثم الجمعية الملكية الآسيوية في بريطانيا عام (1823 م)، وتأسست الجمعية الشرقية الأمريكية عام (1842 م)، والجمعية الألمانية عام (1845 م)(3).
ج- وشهد القرن التاسع عشر -أيضًا- بداية المؤتمرات الدولية للمستشرقين، حيث أتاحت هذه المؤتمرات للمستشرقين في كل مكان الفرصة للتنسيق وتوثيق أواصر التعاون والتفاهم، والتعرف بصورة مباشرة على أعمال بعضهم بعضًا، وتجنب ازدواجية العمل وتكراره حرصًا على الإفادة من الوقت والجهد معًا (4).
وقد عقد أول مؤتمر دولي للمستشرقين في عام (1873 م) وتتابعت المؤتمرات الدولية حتى بلغت ما يزيد على ثلاثة وثلاثين مؤتمرًا (5)، وإلى
= زقزوق: الاستشراق ص: (38، 39)، مرجع سابق، وانظر: نجيب العقيقي: المستشرقون: (1/ 140)، مرجع سابق.
(1)
اتضح في بحث نشأة الاستشراق أن الاستشراق والتنصير لا زالا مرتبطين وإن انفصلا أكاديميًا.
(2)
انظر: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق ص: (41)، مرجع سابق.
(3)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص (42).
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه ص: (42، 43).
(5)
عقد هذا المؤتمر في شهر آب أغسطس عام 1992 م بكندا وناقش موضوع الاتصال بين =
جانب هذه المؤتمرات فإن هناك اجتماعات وندوات ولقاءات -يصعب حصرها- منها المحلي ومنها الإقليمي (1).
د- إذا كان الاستعمار في حقيقته عودة للحروب الصليبية بأسلوب جديد يواجه بها الغربيون العالم الإسلامي فإن هذه المواجهة تذرعت بسلاح الفكر والمعرفة، وقد ارتبط الاستشراق بهذا ارتباطًا قويًا، بحيث كان كما قال أحد المفكرين:(عين الاستعمار التي بها يبصر ويحدق، ويده التي بها يحيى ويبطش، ورجله. . .)(2) إلخ.
وكما أفاد الاستعمار من التراث الاستشراقي فقد أفاد الاستشراق كذلك من الاستعمار، فأصبح الاستشراق في ظل الاستعمار (شبكة ضخمة من المؤسسات الأكاديمية الممثلة في الجامعات والمعاهد والجمعيات الاستشراقية والجغرافية والدوريات ودور النشر، وهذه الشبكة متعاونة فكريًا وسياسيًا مع الاستعمار لإحكام قبضته على كل أسباب الحياة للأمة الإسلامية (3)، ونشأت رابطة رسمية وثيقة بين الاستشراق والاستعمار خدم الاستشراق من خلالها الاستعمار قبل دخوله بلاد المسلمين وأثناء ذلك وبعده. فأما قبل دخوله بلاد المسلمين فإن الاستشراق كان بمثابة دليل وهاد للاستعمار في مناطق الشرق على اختلاف المواقع بدءًا بالرحلات
= الثقافات انظر: مجلة الفيصل عدد: (162)، المصادر في شهر ذي الحجة:(1410 هـ - يوليو 1990 م ص: (128)، مرجع سابق.
(1)
انظر: ميشال جحا: الدراسات العربية الإسلامية في أوروبا ص: (278 - 283)، مرجع سابق.
(2)
محمود محمد شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص:(117، 118)، مقدمة كتابه المتنبي، المصادر عن مطبعة المدني:(1407 هـ - 1987 م)، وقد جردت في كتاب بهذا العنوان، عن مطبعة المدني:(1407 هـ - 1987 م)، جدة.
(3)
انظر: أحمد عبد الحميد غراب: رؤية إسلامية للاستشراق ص: (40)، مرجع سابق.
الاستكشافية، ومن خلال الشركات الغربية التي عملت في بلاد الشرق، ووصولًا لتلك الدراسات الاستشراقية التي تضفي طابع التبرير العقلي على المبدأ الاستعماري (1).
وأما في الفترة الاستعمارية وبعد استيلاء عدد من دول الاستعمار على البلاد الإسلامية وسيطرتها عليها عسكريًا وسياسيًا، فقد عمل المستشرقون دائبين على محاولة إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين وتشكيكهم في معتقداتهم وتراثهم حتى يتم للاستعمار -من جانب- إخضاعهم للحضارة الغربية وثقافتها، ويتاح للمستعمرين -من جانب آخر- مزيدًا من معرفة تلك الشعوب التي يستعمرونها، ومن المؤكد أن (مزيدًا من المعرفة يؤدي إلى مزيد من القوة)(2).
وأما بعد رحيل الاستعمار عن بلاد العرب والمسلمين فإن خدمات الاستشراق للاستعمار تمثلت في طرح الخطط المدروسة والدراسات العميقة التي أنجزها المستشرقون، وتبنتها دوائر الاستعمار ومؤسساته لفرض السيطرة على الشرق وإخضاع شعوبه وإذلالها بأساليب ظاهرها التحرر والانعتاق من الاستعمار، وحقيقتها أشد وطأة على الأمة الإسلامية من الاستعمار نفسه وأخف كلفة على المستعمر، كذلك فإن تلك الخطط تهدف إلى إضعاف العالم الإسلامي وإبعاد الأمة عن مقوماتها وإذابة ذاتيتها في حضارة الآخر وثقافته، ومنع أي محاولة من شأنها جمع شمل المسلمين مرةً أخرى.
ولعل هذه المهمة أو هذا الطور الذي خطط له الاستشراق لخدمة
(1) انظر: محمد حمدي زقزوق: الاستشراق ص: (48)، مرجع سابق.
(2)
انظر: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق ص: (48)، المرجع السابق نفسة، وانظر محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار ص: (534)، مرجع سابق.
الاستعمار استهدف من أبناء المسلمين من تتلمذ على أيدي المستشرقين وتشرب أفكارهم وتورط في حمل دعوتهم إلى تطوير الإسلام أو إصلاحه أو نحو ذلك من الدعوات التي فتَّت في عضد الأمة وأسلمتها للتمزق والتشرذم والضياع (1)، تحقيقًا للمثل الغربي القائل:(ينبغي أن يقطع الشجرة بعض أغصانها)(2).
* * *
(1) انظر: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق ص: (97، 98)، المرجع السابق نفسه، وانظر: كذلك:
- أحمد غراب: رؤية إسلامية الاستشراق ص: (40، 43)، مرجع سابق.
- محمد عبد الفتاح عليان: أضواء على الاستشراق ص: (25، 26)، مرجع سابق.
- مصطفى السباعي: الاستشراق والمستشرقون ص: (18، 24)، مرجع سابق.
- محمد عبد اللَّه مليباري: المستشرقون والدراسات الإسلامية ص: (30، 31)، مرجع سابق.
(2)
انظر: محيي الدين عبد الحميد: كنت نصرانيًا وأسلمت ص: (19)، الطبعة الأولى:(1414 هـ)، مكتبة الخدمات الحديثة - جدة.