الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
64 - سئلت: عن ما ورد في جلوس الإمام بعد [سلامه في] مصلاه
.
فأجبت: لم أقف عل حديث في ذلك صحيح ولا ضعيف، وأما ما وقع في كلام بعض الفقهاء أنه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سلم إمامكم ولم يقم فانخسوه" وأنه قال: "جلوس الإمام بعد سلامه في محرابه، جفاء منه وخديعة به، وكأنه قعد على جمرة من النار"، وأن عليًا رضي الله عنه قال: ما من إمام يقعد في مجلسه بعد سلامه إلا مقته الله والعباد، وأعرضت عنه الملائكة، وكأنه عصى الله ورسوله في أمره ونهيه، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة وأحسبه باطلاً، نعم روي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان أبو بكر وعمر إذا قضيا الصلاة وثبا من المحراب وثوب البعير إذا حل من عقاله، وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: خير للإمام أن يقعد سبعين خريفًا على رضف، أو حفرة من حفر النار من أن يقعد بعد سلامه في محرابه.
وأسند البيهقي عن أنس أنه صلى خلف أبي بكر، وكان إذا سلم وثب عن مكانه كأنه يقوم عن رضف، وفي لفظ مسروق: كان أبو بكر إذا سلم قام كأنه جالس على الرضف. وعن خارجة بن زيد أنه كان
يعيب على الأئمة جلوسهم في مصلاهم بعد أن يسلموا ويقول: السنة في ذلك أن يقوم الإمام ساعة يسلم.
قال البيهقي: وروينا عن الشعبي وإبراهيم النخعي أنهما كرهاه، ويذكر عن عمر بن الخطاب، وروينا عن علي رضي الله عنه أنه سلم ثم قام.
قلت: ومن أدلة ذلك: الحديث الصحيح عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسلميه ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرًا". قال ابن شهاب: فنرى مكثه ذلك ـ والله أعلم ـ لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصراف من القوم، ووجه الدلالة يقتضي أن المأمومين إذا كانوا رجالاً فقط أن لا يستحب هذا المكث، وقد قال الشافعي رضي الله عنه عقب حديث أم سلمة: هذا ثابت عندنا وبه نأخذ. وقال في "مختصر المزني": ويثب أي الإمام
ساعة يسلم. واختلف في حمل النص على وجهين:
أحدهما: أن مراده بالوثوب، وحمله بعضهم على بعد الفراغ من السلام، والذكر المستحب لورود ذلك مفسرًا في حديث عائشة:"كان إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
ثانيهما: أنه يثب بعد السلام، ولا يمنع أن ينتقل للذكر من المحراب إلى موضع آخر، بل قال الإمام وغيره: أنه لا يدعو قائمًا. قال النووي في شرح المهذب: قال الشافعي والأصحاب: يستحب للإمام وغيره إذا سلم أن يقوم من مصلاه عقب سلامه إذا لم يكن خلفه نساء، قال: وعللوه بعلتين:
أحدهما: لئلا يشك هو أو من خلفه هل سلم أم لا؟
الثانية: لئلا يدخل غريب فظنه بعد في الصلاة فيقتدي به، أما إذا كان وراءه نساء فيمكث حتى ينصرفن، ويسن لهن الانصراف عقب سلام الإمام. انتهى.
والعلتان تنتفيان بانحرافه عن مصلاه وهو في موضعه، لا سيما وذلك يحصل سنة أخرى إذ قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم:"أنه كان إذا انصرف من صلاته انحرف بالذكر، أو رفع الصوت بالتكبير". إذ قد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا
سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: "لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".