الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
96 - [مسألة] الحمد لله: روى الدارقطني والبيهقي في سننيهما عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعكتاف إلا بصيام" وسنده ضعيف، وأشار البيهقي وغيره إلى أن رفعه وهم
.
وعند أبي داود في سننه من حديثها أنها قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم".
وقال: إن روايه تفرد بقوله السنة.
قلت: بل رواه البيهقي من حديث غيره وفيه: "والسنة فيمن اعتكف أن يصوم" لكن الراجح وقف آخره كذلك رواه البيهقي أيضًا عنها أنها قالت: لا اعتكاف إلا بصوم، وفي لفظ عنده أيضًا وعند أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه عنها:"من اعتكف فعليه الصيام".
ووافقها على ذلك جماعة من الصحابة، فعند سعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا اعتكاف إلا بصوم، وقول ابن عباس جاء من عدة أوجه بألفاظ متقاربة.
منها: ما أخرجه البيهقي في السنن عن أبي فاخته سعيد بن علاقة سمعت ابن عباس يقول: "يصوم المجاور، والمجاور المعتكف".
ومن طريق عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: "المعتكف يصوم" وخطأ ابن عيينة من رواه بلفظ: لا اعتكاف إلا بصوم. وكذا قال عمرو بن دينار حيث قيل له: كيف قول ابن عباس على المجاور الصوم؟: ليس كذا قاله ابن عباس. إنما قال: "المجاور يصوم" لكن في السنن لسعيد بن منصور، والمصنف لابن أبي شيبة من طريق عمرو، عن أبي فاختة عن ابن عباس قال:"المعتكف عليه الصوم" وفي السنن فقط من وجه آخر عن عمرو عن أبي فاختة قال: قال ابن عباس: لا جوار إلا بصيام، ومن طريق مجاهد قال: أنا صاحب هذه الخيمة يعني ابن عباس قال: "إذا أفطر المعتكف أعاد الاعتكاف" وفي المصنف فقط من جهة مقسم عن ابن عباس قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" وفيهما معًا من طريق طاوس عن ابن عباس قال: "الصوم عليه واجب".
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق جعفر عن أبيه عن علي رضي الله
عنه قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" وجاء عمن بعدهم القول بذلك، فروى سعيد بن منصور من طريق هشام بن عروة عن أبيه كان يقول:"لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والمعتكف عليه الصوم، ولا يكون المعتكف إلا بصوم".
وهو عند ابن أبي شيبة باختصار: "لا اعتكاف إلا بصوم" ومن طريق مغيرة الضبي عن إبراهيم النخعي أنه لم يكن يرى الاعتكاف إلا بصوم.
ومن طريق يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: "على المعتكف الصوم وإن لم يفرضه على نفسه" ومن طريق جابر الجعفي عن عامر الشعبي قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" وعند سعيد بن منصور من طريق ليث عن طاؤس أن امرأة جعلت عليها أن تعتكف سنة فماتت قبل أن تفعل فسأله بنون لها أربعة فأمرهم طاوس أن يعتكف عنها كل رجل منهم ثلاثة أشهر ويصوم.
وفي الباب ما أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي في سننهم
وابن أبي عاصم في الصيام له، وغيرهم بألفاظ متقاربة من حديث ابن عمر أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الجعرانة: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن عليّ يومًا أعتكفه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاعتكفه وصمه".
ثم أسند البيهقي عن الدارقطني قال: تفرد به ابن بديل عن عمرو بن دينار وهو ضعيف الحديث. قال الدارقطني: وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر، لأن الثقات من أصحاب عمرو لم يذكروه، منهم: ابن جريج وابن عيينة والحمادان وغيرهم. وابن بديل ضعيف الحديث. انتهى.
ثم أسند البيهقي من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك، وليصومن، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه فأمره أن يفي بنذره. وقال: ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف. غريب تفرد به سعيد عن عبيد الله انتهى.
والحديث في الصحيحين وغيرهما بدون الأمر بالصوم. وجاء ما يخالف هذا، فروى العدني والحاكم من طريقه والبيهقي عن الحاكم. والدارقطني في سننه ومن طرقه الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه".
وقال الحاكم: إنه صحيح على شرط مسلم.
قلت: بل جزم جماعة بأن رفعه وهم، والصواب إنه موقوف.
وكذا أخرجه سعيد بن منصور والحميدي عن الدراوردي عن أبي سهيل بن مالك اللذان وقع الحديث من جهتهما قال ابو سهيل: اجتمعت أنا وابن شهاب الزهري عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأة من أهلي اعتكاف ثلاث في المسجد الحرام فسألت عمر بن عبد العزيز فقال:"ليس عليها صوم إلا أن تجعله على نفسها". وقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر بن عبد العزيز براي من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا،
قال: فمن أبي بكر؟ قال: لا، قال: فمن عمر؟ قال: لا، قال: فمن عثمان؟ قال: لا، قال أبو سهيل: فانصرفت فوجدت طاوسًا وعطاء فسألتهما عن ذلك فقال طاؤس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صيامًا إلا أن يجعله على نسه.
وقال عطاء: "ذلك رايي" وهكذا علقه البيهقي عن الحميدي، وقال عقبه: هذا هو الصحيح موقوف، ورفعه وهم، قال: وكذلك رواه عمرو بن زرارة عن عبد العزيز ـ يعني الدراوردي ـ موقوفًا.
ثم أسنده بلفظ: "كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صومًا، وقال عطاء: "ذلك رأي". انتهى.
ووافق ابن عباس على قوله جماعة من الصحابة وغيرهم، فعند سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث عن الحكم أن عليًا وابن مسعود قالا:"المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه".
وفي لفظ لابن ابي شيبة: "ليس عليه صوم، إلا أن يفرضه هو على نسه"، ولسعيد وحده من طريق الحكم عن مقسم أن عليًا وابن مسعود قالا:"إن شاء اعتكف وصام وإن شاء لم يصم". ولابن أبي شيبة وحده من طريق أبي معشر عن إراهيم النخعي قال: ليس عليه صوم إلا أن يكون أوجب ذلك على نفسه. ومن طريق قتادة عن الحسن
البصري مثل قول إبراهيم.
فهذا ما وقفت عليه الآن، وبالجملة فكل ما رفع في هذا الباب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا يصح إثباتًا ولا نفيًا، وما عداه، فمنه ما هو صحيح، ومنه ما في سنده مقال. وقد قال شيخي شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله ما نصه: وباشتراطالصوم قال ابن عمر وابن عباس أخرجه عبد الرازق عنهما بإسناد صحيح، وعن عائشة نحوه. وبه قال مالك والأوزاعي والحنفية، واختلف عن أحمد وإسحاق. واحتج عياض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا بصوم. وفيه نظر يعني لقوله في حديث الأخبية، ثم اعتكف العشر الأول من شوال، فإن الإسماعيلي قال: فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم، لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه حرام.
واحتج بعض المالكية بأن الله تعالى ذكر الاعتكاف أثر الصوم، قال:(ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشرهون وأنتم عاكفون).
وتعقب بأنه ليس فيه ما يدل على تلازمهما، وإلا لكان لا صوم إلا باعتكا، ولا قائل به. والله الموفق.