الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بني أم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم" ومن طريق حسين الأشقر عن جرير بنحوه.
93 - الحمد لله مسألة: عن حديث: "نية المؤمن خير من عمله" هل ورد أم لا، وما حكمه وما معناه
؟
فأجبت بما نصه: نعم: هو حديث. أخرجه العسكري في "الأمثال" والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نية المؤمن أبلغ من عمله" وقال البيهقي عقبه: إن إسناده ضعيف، وأما ابن دحية، فقال: هذا الحديث لا يصح، وصنيع ناصر السنة البيهقي أولى، إذ للحديث شواهد.
منها: ما أخرجه الطبراني في معجمه "الكبير" من حديث سهل بن
سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نية المؤمن خير من عمله وعمل المنافق خير مننيته، وكل يعمل على نيته فإذا عمل المؤمن عملاً ثار في قلبه نور" وهو عند الطبراني أيضًا من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وكذا أخرجه العسكري في الأمثال:"نية المؤمن خير من عمله، ونية الفاجر شر من عمله"، وأخرجه أبو منصور الديملي في مسند الفردوس، له من حديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه رفعه:"نية المؤمن خير من عمله، وإن الله عز وجعل يعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله، وذلك أن النية لا رياء فيها والعمل يخالطه الرياء". وهذه طرق فيها مقال، لكن يتأكد بعضها ببعض، ولا يبعد أن يرتقي بالنظر بمجموعها إلى الحسن.
ومن آخرها ظاهرة أنه مدرج لتبيين معنى الحديث، وبه صرح ثعلب نقلاً عن ابن لأعرابي أنه قال:"نية المؤمن خير من عمله"، لأن النية لا يدخلها الفساد والعمل يدخله الفساد.
وأراد بالفساد هنا الرياء، فقد قال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي وقد سئل عن هذا الحديث: إن النية من مخلص الأعمال، والأعمال بمقابله الرياء والعجب.
وهذا مروي نحوه عن ابن جريج أنه قال لعطاء: ما معنى نية المؤمن خير من عمله؟ قال: لأن النية لا يكون معها رياء فيهدرها.
وقيل: إن النية خير من جملة الخيرات، ويكون من للتبعيض، لأن النية عمل أشرف الأعضاء وهو القلب، ونحوه، إن النية جزء من العبادة الذي هو خير من بقية الأجزاء سواها.
وقيل: إن القصد من الطاعات تنوير القلب، وتنويره بالنية أكثر، لأنها صفية، وقيل: إن الضمير في عمله لكافر في واقعه هي: أن مسلمًا نوى بناء قنطرة فسبقه الكافر فبناها، ولكن لا أعلم هذا السبب ثابتًا، ويبعده ما سيأتي من بعض الآثار.
وقيل: إن النية دون العمل، قد تكون طاعة لقوله صلى الله عليه وسلم:"من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة" قالوا: والعمل دون النية لا تكون
طاعة.
وفي الحديث: "لو أن رجلاً صام نهاره وقام ليله حشره الله على نيته، إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل يا رسول الله ولم ذاك؟ قال: "بنياتهم" وفي لفظ: "يبعث الله عز وجل الناس يوم القيامة على نياتهم". وفي آخر: "إنما يبعث المقتتلون [على نياتهم] " وبذلك كان تخليد الله تعالى العبد في الجنة ليس بعمله وإنما هو بنيته، لأنه لو كان بعمله لكان خلوده فيها بقدر مدة عمله أو أضعافه إلا أنه جازاه بنيته، لأنه كان ناويًا أن يطيع الله أبدًا لو بقي أبدًا فلما احترمته منيته دون نيته جزاه عليها، وكذلك الكافر، لأنه لو كان مجازي بعمله لم يستحق التخليد في
النار، إلا بقدر مدة كفره غير أنه نوى أنه يقيم على كفره أبدًا لو بقي فجزاه على نيته، على أن بعضهم ادعى التعارض بين الحديثين ـ أعني المسئول عنه ـ وحديث:"من هم بحسنه" من حيث اقتضاءة أن النية دون العمل لتعدد الحسنة في العمل حيث تكتب عشرًا دون النية.
وأجيب بأن العامل الذي أثيب، لم يعمل حتى هم، فالنية موجود أيضًا، إذا تقرر هذا فقد منع حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في الإحياء القول بأن سبب ترجيح النية على العمل كون النية سرًا لا يطلع عليه إلا الله والعمل ظاهرًا، ولعمل السر فضل حيث قال: وهذا صحيح، وليس هو المراد، لأنه لو نرى أن يذكر الله تعالى بقلبه، أو يتفكر في مصالح المسلمين، فيقتضي عموم الحديث أن يكون فيه التفكر خيرًا من التفكر، وكذا منع القول بأن النية بمجردها خير من العمل بمجرده دون النية، بما حاصله أنه وإن كان صحيحًا في نفسه فهو بعيد، فإن عمل الغافل لا خير فيه أصلاً والنية بمجردها خير، وليس المراد كما هو الظاهر، إلا الترجيح بين المشتركين في أصل الخير، لكن قال الكرماني موجهًا لهذا الاحتمال: لو كان المراد خير من عمل مع النية، للزم أن يكون الشيء خيرًا من نفسه مع غيره، وكذا منع الغزالي توجيهًا آخر لم يتقدم، وهو أن النية تدوم إلى آخر العمل، والأعمال لا تدوم، فقال: وهو ضعيف، لأن ذلك يرجع معناه إلى أن العمل الكثير من العمل القليل، مع أن الواقع ليس كذلك، فإن نية أعمال الصلاة قد لا تدوم إلا في لحظات معدودة، والأعمال تدوم والعموم يقتضي أن تكون نيته خيرًا من عمله، ثم قرر أن أعمال القلب التي من جملتها النية، أفضل من حركات الجوارح، وارتضى ذلك وزاد في
إيضاحه بما تحسن مراجعته منه.
وقد وقعت لي عدة آثار يتبين من بعضها المراد، بل ويتضمن الطعن في السبب المشار إليه كما تقدم.
فروينا عن ثابت البناني رواي الحديث الأول أنه قال: "نية المؤمن أبلغ من عمله" أن المؤمن ينوي أن يقوم الليل ويصوم النهار ويخرج من ماله فلا تتابعه نفسه على ذلك فنيته أبلغ من عمله.
وعن الحسن قال: "المؤمن تبلغ نيته وتضعف قوته، والمنافق تضعف نيته وتبلغ قوته". وعن مالك بن دينار قال: "إن للمؤمن نية في الخير ابدًا أمامه لا يبلغها عمله، وإن للفاجر نية في الشر هي أبدًا أمامه لا يبلغها عمله، والله مبلغ بكل ما نوى". وهذا عند العسكري في الأمثال، وعن سعيد بن المسيب قال:"من هم بصلاة أو صيام أو حج أو عمرة أو عمرة أو غزو فحيل بينه وبين ذلك بلغه الله ما نوى".
وقال العسكري في الأمثال: قال بعض العلماء ما معناه: أن المؤمن كلما عمل خيرًا نوى أن يعمل ما هو خير منه، فليس لنيته في الخير منتهى، والفاجر كلما عمل شرًا فنيته أن يعمل ما هو شر منه فليس لنيته في الشر منتهى.
وقال غيره: يريد أن المؤمن ينوي أشياء من أبواب الخير نحو الصدقة والصوم وغيره، فلعله يعجز عن ذلك وهو معقود النية عليه، فنيته خير من عمله، يريد خير من العمل الذي لا يعمله.
وقال بعضهم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من نوى حسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر حسنات. قال: فصار العمل في
هذا الحديث خيرًا من النية قال: وليس هذا يراد للحديث الأول، وإنما تكون النية خيرًا من العمل في حال، ألا ترى أن الله يخلد المؤمن في جنته بنيته، لا بعمله، ولو جوزي بعمله لم يستوجب التخليد، وإنما خلده اله بنيته لأنه كان ناويًا أن يطيع الله أبدًا لو أبقاه أبدًا، فلما اخترمه دون نيته جزاه عليه، وكذلك الكافر نيته شر من عمله لأنه كان يقيم على كفره أبدًا، قال: وعلى هذا الحديث الآخر: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا نبي الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بحرمة منه" أي إنما يستحق الخلود بنيته.
قلت: وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: أصابت بني إسرائيل مجاعة، فمر رجل على رمل فقال: وددته دقيقًا فأطعمه بني إسرائيل فأعطي على نيته.
وعن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن الملائكة تصف بكتبها في السماء الدنيا كل عشية بعد العصر فينادي الملك: اكتب لفلان بن فلان كذا وكذا، فيقول: يا رب إنه لم يعمله، يا رب إنه لم يعمله قال: فيقول: "إنه نواه إنه نواه".
وعن هشام بن حسان قال: "سيئة تسوءك خير من حسنة تعجبك"
وقال مطرف: "لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إليَّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا" وقال أبو حازم: "إن الرجل ليعمل السيئة ما عمل حسنة قط أنفع له منها، وإن الرجل ليعمل الحسنة ما عمل سيئة قط أضر عليه منها".
وعن يحيى بن أبي كثير إنه قال: "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل".
هذا ما تيسر الوقوف عليه الآن وفوق كل ذي علم عليم.