الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكوفة وهي حصباء في رملة حمراء، فأعجبتهما ووجد هنالك ديرات ثلاث دير حرقة بنت النعمان، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وبين ذلك خصاص خلال هذه الكوفة، فنزلا فصليا هنالك، ثم كتبا إلى سعد بالخبر، فأمر سعد باختطاط الكوفة، وسار إليها في اول هذه السنة في محرمها، فكان أول بناء وضع فيها المسجد، وأمر سعد رجلاً رامياً شديد الرمي، فرمى من المسجد إلى الأربع جهات فحيث سقط سهمه بنى الناس منازلهم، وعمر قصراً تلقاء محراب المسجد للإمارة وبيت المال، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللبن عن أمر عمر، بشرط أن لا يسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وبعث سعد إلى الأمراء والقبائل فقدموا عليه، فأنزلهم الكوفة، وأمر سعد أبا هياج الموكل بإنزال الناس فيها بان يعمرو ويدعوا للطريق المنهج وسع أربعين ذراعاً - أي نحوعشرين متراً - ولما دون ذلك ثلاثين وعشرين ذراعاً، وللأزقة سبعة أذرع. وبُني لسعد قصر قريب من السوق، فكانت غوغء الناس تمنع سعداً من الحديث، فكان يغلق بابه ويقول: سكن الصويت، فلما بلغت هذه الكلمة عمر بن الخاب بث محمد بن مسلمة، فأمره إذا انتهى إلى الكوفة أن يقدح زناده ويجمع حطباً ويحرق باب القصر ثم يرجع من فوره. فلما انتهى إلى الكوفة فعل ما أمره به عمر، وأمر سعداً أن لا يغلق بابه عن الناس، ولا يجعل على بابه أحداً يمنع الناس عنه، فامتثل ذلك سعد وعرض على محمد بن مسلمة شيئاً من المال فامتنع من قبوله، ورجع إلى المدينة، واستمر سعد بعد ذلك في الكوفة ثلاث سنين ونصف، حتى عزله عنها عمر، من غير عجز ولا خيانة.
وذكر ابن جرير أن عمر بن الخطاب عقد الألوية والرايات الكبيرة في بلاد خراسان والعراق لغزو فارس والتوسع في بلادهم كما أشار عليه بذلك الأحنف بن قيس، فحصل بسبب ذلك فتوحات كثيرة في السنة المستقبلة بعدهاز
ثم دخلت سنة ثماني عشرة:
قال ابن إسحاق، وأبو معشر: كان في هذه السنة طاعون عمواس وعام الرمادة، فتفانى فيهما الناس. قلت: كان في عام الرمادة جدب عم أرض الحجاز، وجاع الناس جوعاً شديداً، وسميت عام الرمادة لأن الرض اسودت من قلة المطر حتى عاد لونها شبيهاً
بالرماد. وقيل: لأنها تسفي الريح تراباً كالرماد، ويمكن أن تكون سميت لكل منهما والله أعلم، وقد أجدبت الناس في هذه السنة بأرض الحجاز، وجفلت الأحياء إلى المدينة ولم يبق عند أحد منهم زاد فلجأوا إلى أمير المؤمنين فأنفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفده، وألزم نفسه أن لا يأكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف ما بالناس، فكان في زمن الخصب يبث له الخبز باللبن والسمن، ثم كان عام الرمادة يبث له بالزيت والخل، وكان يستمرئ الزيت. وكان لا يشبع مع ذلك، فاسود لون عمر رضي الله عنه وتغير جسمه حتى كاد يخشى عليه من الضعف، واستمر هذا الحال في الناس تسعة أشهر، ثم تحول الحال إلى الخصب والدعة وانشمر الناس عن المدينة إلى أماكنهم.
قال الشافعي: بلغني أن رجلاً من العرب قال لعمر حين ترحلت الأحياء عن المدينة: لقد انجلت عنك ولإنك لابن حرة. أي واسيت الناس وأنصفتهم واحسنت إليهم.
قال الواقدي وغيره: وفي هذه السنة في ذي الحجة منها حول عمر المقام - وكان ملصقاً بجدار الكعبة- فأخره إلى حيث هو الآن لئلا يشوش المصلون عنده على الطائفين. قلت: قد ذكرت أسانيد ذلك في سيرة عمر ولله الحمد والمنة. قال: وفيها استقضى عمر شريحاً على الكوفة، وكعب بن سور على البصرة قال: وفيها حج مر بالناس وكانت نوابه فيها الذين تقدم ذكرهم في السنة الماضية، وفيها فتحت الرقة والرُّها وحران على يدي عياض بن غَنْم. قال: وفتحت رأس عين الوردة على يدي بن سعد بن أبي وقاص. وقال غيره خلاف ذلك. وقال شيخنا الحافظ الذهبي في تاريخه: وفيها - يعني هذه السنة - افتتح أبوموسى الأِعري الرها وشمشاط عنوة، وفي أوائلها وجه أبو عبيدة عياض بن غنم إلى الجزيرة فوافق أبا موسى فافتتحا حران ونُصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل صلحاً. وفيها سار عياض إلى الموصل فافتتحها وما حولها عنوة. وفيها بنى سعد جامع الكوفة. وقال الواقدي: وفيها اكن طاعون عمواس فمات فيه خمسة وعشرون ألفاً. قلت: هذا الطاعون منسوب إلى بلدة صغيرة يقال لها عمواس - وهي بين القدس والرملة- لأنها كان أول ما نجم الداء بها، ثم انتشر في الشام منها فنسب إليها، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال الواقدي توفى في عام طاعون عمواس من المسلمين بالشام خمسة وعشرون ألفاً. وقال غيره: ثلاثون ألفاً.