الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في
أصحابه
عليه الصلاة والسلام
الحديث عن أصحابه عليه الصلاة والسلام لا ينفصل عن الحديث عنه، ولذلك فقد رأينا أن نعقد هذا الفصل وأن نذكر وصولاً متعددة فيه، واخترنا أن تكون هذه الوصول متكاملة، يجتمع فيها جلاء الصورة، وتصحيح العقيدة، وتعميق القدوة، وتوضيح جوانب من الهداية، واخترنا أن ندخل في هذا الفصل ما هو أشد لصوقاً بأبحاث السيرة فمن فاته حديث فليبحث عنه في بقية أقسام الكتاب حيث الموضوع الأشد لصوقاً به.
لقد حمل أصحاب الإسلام في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وكان أزواجه هم نافذته على مجتمع النساء، وقدم آل بيته أعظم التضحيات في حياته، وشاركوا في حمل الراية بعد ذلك وقدم بعضهم حياته ثمناً لتصحيح أوضاع - وقد مر معنا شيء من ذلك - ولقد كان خلفاؤه الراشدون استمراراً له عليه الصلاة والسالم في جانب الإمامة والسلطان، وكان أصحابه استمراراً له في باب الدعوة والقدوة، وهذا يقتضي كلاماً عنهم، فإذا دخل بعضهم في دائرة آل البيت وخصصناه بكلام فيما مر فلابد من حديث آخر عن آخرين، فالكلام عن أصحابه عليه الصلاة والسلام بشكل عام جزء من الكلام عن سيرته:
* فهم يمثلون الجانب الثاني في السيرة فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائد فهم الجند، وهم من هذه الحيثية يمثلون القدوة لمن ابتلاهم الله بالجندية وهم الأكثرية من هذه الأمة.
* ولأن الحديث عنهم في حياته عليه الصلاة والسلام جزء من الحديث عن سيرته فالحديث عن الكل يشكل السيرة النبوية.
* ولأنهم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام يشكلون القدوة العليا للأمة الإسلامية، فالله عز وجل يقول:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1).
نفهم من هذه الآية أن السابقين من المهاجرين والأنصار قدوة الخلقِ في الحق.
* ولأن مذهب الصحابي عند بعضهم يعتبر حجة شرعية على خلاف بين العلماء في حدود
(1) التوبة: 100.
هذه الحجية، وبعض أقوال الصحابة لها حكم الأحاديث المرفوعة، ولذلك كان الحديث عنهم له أهمية خاصة.
* ثم إن الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام جعلا للصحبة فضلاً لا يلحقه فضل، وجعلا لجيل الصحابة شأواً لا يلحقه شأو، إلا ما كان للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فكان لابد من إبراز هذا الفضل من خلال القصص والتعليل.
* ولقد خالف ناس في الصحابة وفرقوا بينهم، ولقد اختلف الصحابة أنفسهم اختلافات فقهية واختلفات سياسية وعسكرية، فأين هذا من قضية القدوة، وما تعليل ذلك وما تحليله وما تأثيره على حاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها.
كل ذلك جعلنا نذكر هذا الفصل في قسم السيرة، وهناك شيء آخر:
* يذكر الإنجيل الحالي على لسان المسيح عليه السلام كيفية التعرف على الأنبياء الكبة فيقول: (من ثمارهم تعرفونهم). فثمار النبي الكاذب تعرف عليه، وكذلك ثمار النبي الصادق تعرف عليه والله عز وجل يقول:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} (1).
ولقد كانت ثمار محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطيب والكمال والنضج بحيث تكفي وحدها شهادة على أنه رسول الله، ومن ثماره عليه الصلاة والسلام أصحابه، وقد ضرب الله لهم مثلاً في التوراة ومثلاً في الإنجيل:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} (2) فهم كثيرو العبادة لله وتلك ثمرة من ثمرات النبوة {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (3) فهذا مثلهم في الإنجيل، جيل يقوى وينتشر، وهاهم عليهم رضوان الله بدأوا ضعافاً، ثم قووا ثم انساحوا في البلاد ناشرين دين الله فعم بهم الخير هذا العالم. هذه الثمار الطيبة لابد من الحديث عنها، وهذا الأريج العطر لابد من نشره.
(1) الأعراف: 58.
(2)
الفتح: 29.
(3)
الفتح: 29.
وقد وردت نصوص كثيرة في بعضهم كما وردت روايات كثيرة في شأنهم. ونحن في هذا الفصل سننقل من الروايات ماله علاقة مباشرة في موضوع كتابنا وما هو ألصق بقسم السيرة، كما أننا سنترجم لنماذج منهم فقط، إذ الإحاطة مستحيلة وتخرج هذا الكتاب عن مضمونه.
وخير أصحابه الخلفاء الراشدون الأربعة، وإذ كان لهم وضع خاص ولتصرفاتهم وزنها التشريعي فسنخصهم بفصل مستقل، وهكذا فإننا سنعقد في هذا الفصل ثلاثة وصول:
الوصل الأول: فيما ورد في فضل الصحابة.
الوصل الثاني: في الخلفاء الراشدين.
الوصل الثالث: في نماذج من الأصحاب.
* * *