الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين:
وكانت وقعة نهاوند وهي وقعة عظيمة جداً لها شأن رفيع ونبأ عجيب، وكان المسلمون يسمونها فتح الفتوح.
وفي هذه السنة افتتح المسلمون أيضاً بعد نهاوند مدينة جي - وهي مدينة أصبهان - بعد قتال كثير وأمور طويلة، فصالحوا المسلمين وكتب لهم عبد الله بن عبد الله كتاب أمان وصلح وفر منهم ثلاثون نفراً إلى كرمان لم يصالحوا المسلمين. وقيل: إن الذي فتح أصبهان هو النعمان بن مقرن وأنه قتل بها، ووقع أمير المجوس وهو ذو الحاجبين عن فرسه فانشق بطنه ومات وانهزم أصحابه. والصحيح أن الذي فتح أصبهان عبد الله بن عبد الله بن عتبان - الذي كان نائب الكوفة - وفيها افتتح أبو موسى قم وقاشان، وافتتح سهيل بن عدي مدينة كرمان.
ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين:
وفيها كانت فتوحات كثيرة منها فتح همدان ثانية ثم الري وما بعدها ثم أذربيجان.
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب:
قال الواقدي وأبو معشر: فيها كان فتح اصطخر وهمذان. وقال سيف: كان فتحها بعد فتح توِّج الآخرة. ثم ذكر أن الذي افتتح توج مجاشع بن مسعود، بعد ما قتل من الفرس مقتلة عظيمة وغنم منهم غنائم جمة، ثم ضرب الجزية على أهلها، وعقد لهم الذمة، ثم بعث بالفتح وخمس الغنائم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقال ابن جرير: وفي هذه السنة حج عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي آخر حجة حجها رضي الله عنه. قال: وفي هذه السنة كانت وفاته. أهـ من البداية والنهاية.
وقال ابن كثير في ترجمته وهو عمر بن الخطاب بن فنيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مصر بن نزار بن معد بن عدنان
القرشي، أبو حفص العدوي: الملقب بالفاروق، قيل لقبه بذلك أهل الكتاب. وأمه حَنْتَمة بنت هشام أخت أبي جهل بن هشام، أسلم عمر وعمره سبع وعشرون سنة، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله علي وسلم، وخرج في عدة سرايا، وكان أميراً على بعضها، وهو أول من دعي أمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ، وجمع الناس على التراويح، وأول من عس بالمدينة، وحمل الدرة وأدب بها، وجلد فيالخمر ثمانين، وفتح الفتوح، ومصر الأمصار، وجند الأجناد. ووضع الخراج، ودون الدواوين، وعرض الأعطية، واستقضى القضاة، وكوَّرالكور، مثل السواد والأهواز والجبال وفارس وغيرها، وفتح الشام كله، والجزيرة والموصل وميافارقين، وآمد، ومات وعساكره على بلاد الري. فتح من الشام: اليرموك وبُصرى ودمشق والأردن، وبيسان، وطبرية، والجابية، وفلسطين، والرملةن وعسقلان، وغزة، والسواحل، والقدس، وفتح مصر، وإسكندرية، وطرابلس الغرب، وبرقة، ومن مدن الشام: بعلبك وحمص وقنسرين وحلب وأنطاكية وفتح الزيرة وحران والرها والرقة ونُصيبين ورأس عين وشمشاط وعين وردة وديار بكر وديار ربيعة وبلاد الموصل وأرمينية جميعها. وبالعراق: القادسية والحيرة ونهر سينوساباط، ومدائن كسرى وكورة الفرات ودجلة والأُبلة والبصرة والهواز وفارس ونهاوند وهمذان والري وقُومس - وهو صقع كبير من خراسان وبلاد الجبل - وخراسان واصطخر وأصبهان والسوس ومرو ونيسابور وجرجان وأذربيجان وغير ذلك، وقطعت جيوشه النهر مراراً.
وكان متواضعاً في الله، خشن العيش، خشن المطعم، شديداً في ذات الله، يرقع الثوب بالأديم، ويحمل القربة على كتفيه، مع عظم هيبته، ويركب الحمار عرياً، والبعير مخطوماً بالليف، وكان قليل الضحك لا يمازح أحداً، وكان نفش خاتمه: كفى بالموت واعظاً يا عمر.
ولما فرغ من الحج سنة ثلاث وعشرين ونزل بالأبطح دعا الله عز وجل وشكا إليه أن قد كبرت سنه وضعفت قوته، وانتشرت رعيته، وخاف من التقصي، وسأل الله أن يقبضه إليه، وأني من عليه بالشهادة في بلد النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتاً في بلد رسولك، فاستجاب له الله هذا الدعاء،
وجمع له بين هذين الأمرين الشهادة في المدينة النبوية وهذا عزيز جداً، ولكن الله لطيف بما يشاء تبارك وتعالى، فاتفق له أن ضربه أبو لؤلؤة فيروز المجوسي الأصل، الرومي الدار، وهو قائم يصلي في المحراب، صلاة الصبح من يوم الأربعاء، لأربع بقين من ذي الحجة من هذه السنة بخنجر ذات طرفين، فضربه ثلاث ضربات، وقيل ست ضربات، إحداهن تحت سرته قطعت الصفاق - وهو ما بين الجلد والمصران أو جلد البطن كله - فخر من قامته نواستخلف عبد الرحمن بن عوف، ورجع العلج بخنجره لا يمر بأحد إلا ضربه، حتى ضرب ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فألىق عليه عبد الله بن عوف بُرنساً - وهو ثوب له رأس ملتصق به - فانتحر نفسه لعنه الله، وحمل عمر إل ى منزله والدم يسيل من جرحه- وذلك قبل طلوع الشمس - فجعل يفيق ثم يغمى عليه، ثم يذكرونه بالصلاة فيفيق ويقول: نعم، ولاحظ في الإسلام لمن تركها، ثم صلى في الوقت، ثم سأل عمن قتله من هو؟ فقالوا له: هو أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. فقال: الحمد الله الذي لم يجعل منيتي على يدي رجل يدعي الإيمان ولم يسجد لله سجدة. ثم قال: قبحه الله، لقد كنا أمرنا به معروفاً - وكان المغيرة قد ضرب عليه في كل يوم درهمين ثم سأل من عمر أن يزيد في خراجه فإنه نجار نقاش حداد فزاد في خراجه إل مائة في كل شهر - وقال له: لقد بغلني أنك تحسن أن تعمل رحا تدور بالهواء فقال أبو لؤلؤة: أما والله لأعملن لك رحا يتحدث عنه الناس في المشارق والمغارب - وكان هذا يوم الثلاثاء عشية - وطعنه صبيحة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة. وأوصى عمر أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير وعبد
الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، ولم يذكر سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي فيهم، لكونه من قبيلته، خشية أن يراعى في الإمارة بسببه، وأوصى من يستخلف بعده بالناس خيراً على طبقاتهم ومراتبهم، ومات رضي الله عنه بعد ثلاث، ودفن في يوم الأحد مستهل المحرم من سنة أربع وعشرين، بالحجرة النبوية، إلى جانب الصديق، عن إذن أم المؤمين عائشة رضي الله عنها في ذلك، وفي لك اليوم حكم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.