المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٣

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفيالصفات والخصائص والشمائل

- ‌تقديم

- ‌أولاً: نصوص قرآنية في بعض الخصائص والشمائل النبوية

- ‌ثانياً: نصوص حديثية في الخصائص والشمائل النبوية

- ‌الباب الخامسفيمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بين يدي هذا الباب

- ‌فوائد حول قصة أم حرام بنت ملحان:

- ‌الباب السادسدوائر شرفحول الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌تقديم

- ‌فصل في فضل أمته

- ‌فصل في فضل العرب وقريشوبعض القبائل

- ‌فصل في آل بيته

- ‌الوصل الأولفيأزواجه عليه الصلاة والسلام

- ‌توطئة:

- ‌المقدمة الأولىلمحة عامة عن أزواجه وسراريه عليه السلام

- ‌المقدمة الثانية: في التفضيل

- ‌1 - خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

- ‌ نصوص تتحدث عنها:

- ‌2 - سودة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌ بعض نصوص في أصول الكتاب عنها:

- ‌3 - عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌ بعض نصوص في أصول هذا الكتاب عنها رضي الله عنها:

- ‌4 - حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌5 - زينب بنت خُزيمة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌6 - أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌7 - زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌8 - جويريةُ بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌9 - أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌10 - صفية أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌11 - ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌عطف: فيمن عقد عليهن ولم يدخل بهنّ

- ‌عطف على وصل

- ‌الوصل الثانيفيبناته وأبنائه وأحفادهعليه الصلاة والسلام

- ‌أبناؤه عليه الصلاة والسلام

- ‌بناته عليه الصلاة والسلام

- ‌1 - رُقيةُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - أم كُلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها

- ‌عطف: فيما ورد بفاطمة وزوجها وابنيهما مشتركاً

- ‌أحفاده عليه الصلاة والسلام

- ‌1 - الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما

- ‌2 - الحسين الشهيد بن علي رضي الله عنهما

- ‌الوصل الثالثفيبعض أقاربه الأدنين ممن يدخُل في لفظة أهل البيتبالمعنى العام

- ‌مقدمة

- ‌1 - من أعمامه وعماته عليه الصلاة والسلام

- ‌حمزة بن عبد المطلب

- ‌العباس بن عبد المطلبعم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌صفية عمةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تعليقات

- ‌2 - بعض أبناء وبنات أعمامه عليه الصلاة والسلام

- ‌جعفر بن أبي طالب

- ‌عقيل بن أبي طالب الهاشمي

- ‌أم هانئ

- ‌عبد الله بن عباس البحر

- ‌عبيدُ الله بن العباس

- ‌قُثَم بن العباس الهاشمي

- ‌مَعْبَد بن العبَّاس

- ‌كثير بن العباس

- ‌تمَّامُ بنُ العبَّاس

- ‌الفضل بن العباس

- ‌ربيعةُ بن الحارث

- ‌عبد الله بن الحارث

- ‌عبيدةُ بن الحارث

- ‌نوفل بن الحارث

- ‌سعيد بن الحارث

- ‌أبو سفيان بن الحارث

- ‌دُرةُ بنت أبي لهب

- ‌ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب

- ‌عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب

- ‌3 - من أحفاد أعمامه صلى الله عليه وسلم

- ‌عبد الله بن جعفر

- ‌عبد المطلب بن ربيعة

- ‌تصويبات وتوصيات

- ‌فصلفيأصحابهعليه الصلاة والسلام

- ‌الوصل الأولفيما ورد في فضل الصحابة أو في بعضهمإجمالا وتفصيلاً

- ‌تمهيد:

- ‌عطف: في المهاجرين والأنصار

- ‌عطف: في أصحاب الصفة

- ‌الوصل الثانيفيخُلفائه الراشدين

- ‌المقدمة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌مولده رضي الله عنه:

- ‌صفاته وسجاياه:

- ‌مبايعته بالخلافة:

- ‌أعماله رضي الله عنه أثناء فترة خلافته:

- ‌أولاً: إنفاذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه لقتال الروم:

- ‌ثانياً: قتال المرتدين:

- ‌قتال مسيلمة الكذاب:

- ‌قتال طليحة الأسدي:

- ‌ارتداد أهل البحرين وعودتهم إلى الإسلام:

- ‌ردّة أهل عمان ومهرَة اليمن:

- ‌ثالثاً: الفتوح:

- ‌فتوح الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه:

- ‌وقعة اليرموك:

- ‌تعليقات

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌ميلاده ووفاته:

- ‌بيعته في الخلافة:

- ‌سيرته قبل الخلافة:

- ‌سيرته أثناء الخلافة:

- ‌1 - فتح دمشق:

- ‌2 - فتح الأردن:

- ‌3 - وقعة فِحل:

- ‌فتوح العراق:

- ‌1 - وقعة الجسر:

- ‌2 - وقعة البويب:

- ‌3 - غزوة القادسية:

- ‌4 - فتح المدائن:

- ‌5 - وقعة جلولاء:

- ‌6 - فتح حلوان:

- ‌7 - فتح تكريت والموصل:

- ‌ ما وقع سنة ثلاث عشرة من الحوادث:

- ‌سنة أربع عشرة من الهجرة:

- ‌ثم دخلت سنة خمس عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة ست عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة سبع عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة ثماني عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة إحدى وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب:

- ‌صفته رضي الله عنه:

- ‌تعليقات

الفصل: ‌1 - الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما

‌أحفاده عليه الصلاة والسلام

‌1 - الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء عنه: الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف، الإمام السيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبطه، وسيدُ شباب أهل الجنة، أبو محمد القرشي الهاشمي المدني الشهيد.

مولده في شعبان سنة ثلاث من الهجرة. وقيل: في نصف رمضانها، وعقِّ عنه جده بكبش.

وحفظ عن جده أحاديث، وعن أبيه، وأمه.

حدث عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسُويد بن غفلة، وأبو الحوراء السعدي، والشعبي، وهبيرة بن يريم، وأصبغ بن نُباتة، والمسيب بن نجبة.

وكان يشبه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان هذا الإمام سيداً، وسيماً، جميلاً، عاقلاً، رزيناً، جواداً، ممدحاً، خيراً، ديناً، ورعاً، متحشماً، كبير الشأن. وكان منكاحاً، مطلاقاً، تزوج نحواً من سبعين امرأة، وقلما كان يُفارقه أربعُ ضرائر.

عن جعفر الصادق؛ أن علياً قال: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن، فإنه مِطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.

قال ابن سيرين: تزوج الحسن امرأة، فأرسل إليها بمئة جارية، مع كل جارية ألف درهمن وكان يعطي الرجل الواحد مئة ألف. وقيل: إنه حج خمس عشرة مرة، وحج كثيراً منها ماشياً من المدينة إلى مكة، ونجائبه تُقاد معه.

زهير بن معاوية: حدثنا عُبيد الله بن الوليد، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير: قال ابن عباس: ما ندمتُ على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحد ماشياً، ولقد حج الحسن بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً، وإن النجائب لتقادُ معه. ولقد قاسم الله ماله ثلاث

ص: 1410

مرات، حتى إنه يعطي الخف ويمسكُ النعل.

روى نحواً منه محمدُ بن سعد، حدثنا علي بن محمد، حدثنا خلاد بن عبيد، عن ابن جُدعان؛ لكن قال: خمس عشرة مرة.

روى مغيرة بن مِقسم، عن أم موسى، كان الحسنُ بن عليِّ إذا أوى إلى فراشه قرأ الكهف.

قال سعيد بن عبد العزيز: سمع الحسن بن علي رجلاً إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهمن فانصرف، فبعث بها إليه.

رجاء: عن الحسن، أنه كان مبادراص إلى نُصرة عثمان، كثير الذبِّ عنه، بقي في الخلافة بعد أبيه سبعة أشهر.

إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن عليّ أنه خطب، وقال: إن الحسن قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمهُ بينكم، فحضر الناس. فقام الحسن، فقال: إنما جمعتُه للفقراء. فاقم نصف النسا.

القاسم بن الفضل الحُداني، حدثنا أبو هارون قال: انطلقنا حُجاجاً، فدخلنا المدينة، فدخلنا على الحسن، فحدثنا بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا، بعث إلى كل رجل منا بأربع مئة، فرجعنا، فأخبرناه بيسارنا، فقال: لا تردوا علي معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال، كان هذا لكم يسيراً، أما إني مزودُكم: إن الله يُباهي ملائكته بعباده يوم عرفة.

قال المدائنيُّ: أحصن الحسن تسعين امرأة.

جعفر بن محمد، عن أبيه؛ قال عليُّ: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن، فإنه رجل مطلاق، قد خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل.

شَريك: عن عاصم، عن أبي رزين، قال: خطبنا الحسنُ بن عليّ يوم جمعة، فقرأ سورة إبراهيم على المنبر حتى ختمها.

منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، قال: كان الحسنُ بن عليٍّ لا يدعو أحداً إلى

ص: 1411

الطعام، يقول: هو أهون من أن يدعي إليه أحد.

(كان يرى الطعام أهون من أن يُحلف عليه، أي كان لا يحلف على من شبع من طعام أن يزيد).

قال المبرِّدُ: قيل للحسن بن عليٍّ: إن أبا ذر يقول: الفقر أحبُّ إليّ من الغنى، والسقم أحب إليّ من الصحة - فقال: رحم الله أبا ذر. أما أنا فأقول: من اتكل على حُسن اختيار الله له، لم يتمن شيئاً. وهذا حدُّ الوقوف على الرضى بما تصرف به القضاء.

عن الحرمازي: خطب الحسنُ بن علي بالكوفة، فقال: إن الحِلم زينة، والوقار مروءة، والعجلة سفه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين ومخالطة الفُساق ريبة.

زهير: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الأصم: قلت للحسن: إن الشيعة تزعُم أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة، قال: كذبوا والله، ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله.

قال جرير بن حازم: قُتل عليّ، فبايع أهل الكوفة الحسن، وأحبوه أشد من حُبِّ أبيه.

وقال الكلبي: بويع الحسن، فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يوماً، ثم سلم الأمر إلى معاوية.

وقال عوانة بن الحكم: سار الحسنُ حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد (بن عبادة) على المقدمات وهم اثنا عشر ألفاً، فوقع الصائح: قُتِل قيس، فانتهب الناس سُرادق الحسن، ووثب عليه رجل من الخوارج، فطعنه بالخنجر، فوثب الناسُ على ذلك، فقتلوه، فكتب الحسنُ إلى معاوية في الصلح.

ابن سعد: حدثنا محمد بن عبيد، عن مجالد، عن الشعبي، وعن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه: ان اله العراق لما بايعوا الحسن، قالوا له: سِرْ إلى هؤلاء الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظائم، فسار إلى أهل الشام، وأقبل معاويةُ حتى نزل جسر

ص: 1412

منيج، فبينا الحسن بالمدائن، إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قُتل، فشد الناس على حُجرة الحسن، فنهبوها حتى انتهبت بسطه، وأخذوا رداءه، وطعنه رجل من بني أسد في ظهره بخنجرٍ مسموم في أليته، فتحول، ونزل قصر كسرى الأبيض، وقال: عليكم لعنة الله من أهل قرية، وقدعلمت أن لا خير فيكم، قتلتمُ أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا. ثم كاتب معاوية في الصلح على أن يسلم له ثلاث خصال: يُسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعديه ويتحمل منه هو وآله، ولا يُسبُّ عليٍّ وهو يسمع، وأن يُحمل إليه خراج فسا ودرابجرْد كل سنة إلى المدينة، فأجابه معاوية، وأعطاه ما سأل.

ويقال: بل أرسل عبد الله بن الحارث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل، فكتب إليه الحسنُ: أنْ أقبِلْ، فأقبل من جسر منيج إلى مسكن في خمسة أيام، فسلم إليه الحسن الأمر، وبايعه حتى قدما الكوفة. ووفى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعةُ آلاف درهم؛ فاحتملها الحسن، وتجهز هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب عليٍّ والحسن يسمع؛ وأجرى معاوية على الحسن كل سنةٍ ألف ألف درهم، وعاش الحسنُ بعد ذلك عشر سنين.

وأخبرنا عبد الله بن بكر، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار، أن معاوية كان يعلم أن الحسن أكرهُ الناس للفتنة، فلما توفي علي بعث إلى الحسن، فأصلح ما بينه وبينه سراً، وأعطاه معاوية عهداً إن حدث به حدث والحسن حيٍّ ليسمينه وليستخلفنه، وليجعلن الأمر إليه، ف لما توثق منه الحسن، قال ابن جعفر: والله إني لجالس عند الحسن، إذ أخذتُ لأقوم، فجذب بثوبي، وقال: يا هناه يا هذا اجلس! فجلستُ، فقال: إني قد رأيت رأياً، وإني أحب أن تتابعني عليه! قلت: ما هو؟ قال: قد رأيتُ أن أعمد إلى المدينة، فأنزلها، وأُخلي بين معاوية وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسُفكت الدماء، وقطعت الأرحام والسبل، وعُطلت الفروج (أي ترك الناس الزواج فأصبحت الفروج لا تلد).

قال ابن جعفر: جزاك الله خيراً عن أمة محمدٍ، فأنا معك. فقال: ادعُ لي الحسين! فأتاه، فقال: أي أخي! قد رأيت كيت وكيت فقال: أُعيذك بالله أن تُكذب علياً،

ص: 1413

وتصدق معاوية. فقال الحسنُ: والله ما أردتُ أمراً قط إلا خالفتني، والله لقد هممتُ أن أقذفك في بيت، فأطينه عليك، حتى أقضي أمري. فلما رأى الحسينُ غضبه، قال: أنت أكبرُ ولد عليٍّ، وأنت خليفته، وأمرنا لأمرك تبع. فقام الحسنُ، فقال: أيها الناس! إني كنت أكر الناس لأول هذا الأمر، وأنا أصلحت آخره، إلى أن قال: إن الله قد ولاك يا معاوية هذا الحديث لخير يعلمه عندك، أو لشر يعلمه فيك {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (1) ثم نزل.

(قول الحسين: أعيذك بالله أن تكذب علياً وتصدق معاويةن أي إنك إن سلمت لمعاوية جعلت والدك كاذباً في دعاوه أن على الحق وجعلت معاوية صادقاً في دعواه أنه على الحق).

قال أبو جعفر الباقر: كان الحسنُ والحسينُ لاي ريان أمهاتِ المؤمنين. فقال ابن عباس: إن رؤيتهن حلال لهما.

قال الذهبي: الحلُّ متيقن.

ابن عون، عن محمد: قال الحسن: الطعام أدق (أهون) من أن نُقسم عليه.

وقال قرةُ: أكلتُ في بيت ابن سيرين، فلما رفعتُ يدي، قال: قال الحسن بن علي: إن الطعام أهونُ من أن يُقسم عليه.

روى جعفر بن محمد، عن أبيه: أن الحسن والحسين كانا يقبلان جوائز معاوية.

أبو نعيم: حدثنا مسافر الجصاص، عن رُزيق بن سوار، قال: كان بين الحسن ومروان كلام، فأغلظ مروان له، وحسنٌ ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال الحسن: ويحك! أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج؟ أُفٍّ لك! فسكت مروان.

وعن محمد بن إبراهيم التيمي: أن عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) الأنبياء: 111.

ص: 1414

شيبان: عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضرب؛ سمع الحسن يقول: والله لا أبايعُكم إلا على ما أقول لكم.

قالوا: ما هو؟ قال: تُسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربتُ.

ابن أبي شيبة: حدثنا زيد بن الحُبابَ، عن حسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة؛ أن الحسن دخل على معاوية، فقال: أي معاوية لأجيزنك بجائزة لم أجز بها أحداً، فأجازه بأرب مئة ألف، أو أربع مئة ألف ألف، فقبلها (1).

ومن "الاستيعاب" لأبي عمر، قال: سار الحسنُ إلى معاويةن وسار معاوية إليه، وعلم أنه لا تغلب طائفةٌ الأخرى حتى تذهب أكثرها، فبعث إلى معاوية أنه يصير الأمر إليك بشرط أن لا تطلب أحداً بشيء كان في أيام أبي، فأجابه، وكاد يطير فرحاً، إلا أنه قال: أما عشرةُ أنفس، فلا، فراجعه الحسنُ فيهم، فكتب إليه: إني قد آليتُ متى ظفرتُ بقيس ابن سعد أن أقطع لسانه ويده. فقال: لا أبايعك. فبعث إليه معاوية برق أبيض، وقال: اكتب ماش ئت فيه وأنا التزمه، فاصطلحا على ذلك. واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كله معاوية. فقال له عمرو: إنه قد انفل حدُّهم، وانكسرت شوكتهم. قال: أما علمت أنه قد بايع علياً أربعون ألفاً على الموت، فوالله لا يقتلون حتى يُقتل أعدادهم منا، وما والله في العيش خيرٌ بعد ذلك.

قال أبو عمر: وسلم في نصف جمادى الأول الأمر إلى معاوية، سنة إحدى وأربعين (2).

ابن عُلية: عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: دخلنا على الحسن بن عليٍّ نعوده، فقال لصاحبي: يا فلان سلني. ثم قام من عندنا، فدخل كنيفاً، ثم خرج، فقال: إني والله قد لفظتُ طائفةً من كبدي قلبتُها بعود، وإني قد سُقيتُ السُّم مراراً، فلم أسقَ مثل هذا، فلما كان الغد أتيته وهو يسوق (أي وهو في النزع)، فجاء الحسينُ،

(1) إسناده حسن.

(2)

أي بعد البيعة لأبي بكر رضي الله عنه بثلاثي سنة وشهرين، وهذا تصديق الحديث الصحيح:"الخلافة بعدي ثلاثون ثم تكون مُلكاً عضوضاً".

ص: 1415

فقال: أي أخي أنبئني من سقاك؟ قال: لِمَ! لتقتله؟ قال: نعم. قال: ما أنا مُحدثُك شيئاً، إنْ يكن صاحبي الذي أظن، فالله أشد نقمة، وإلا فوالله لا يُقتل بي بريء.

ابن عيينة: عن رقبة بن مصقلة. لما احتضر الحسن بن علي، قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن؛ فأخرجوه، فقال: اللهم إني أحتسبُ نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس عليّ.

أبو عوانة: عن حصين، عن أبي حازم، قال: لما حُضر الحسن، قال للحسين: ادفني عند أبي - يعني النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر المسلمين، فلما قُبضَ، تسلح الحسينُ، وجمع مواليه، فقال له أبو هريرة: أنشُدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء، فدفنه بالبقيع، فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليُدفن مع أبيه، فمُنع، أكانوا قد ظلموه؟ فقالوا: نعم. قال: فهذا ابن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جيء ليُدفن مع أبيه.

قال جويرية بن أسماء: لما أخرجوا جنازة الحسن، حمل مروان سريره، فقال الحسين: تحملُ سريره! أما والله لقد كنت تُجرعه العيظ. قال: كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمُه الجبال.

ابن سإحاق: حدثني مُساور السعدي، قال: رأيتُ أبا هريرة قائماً على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات الحسن؛ يبكي، ويُنادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابكوا.

قال جعفر الصادق: عاش الحسنُ سبعاً وأربعين سنة.

وروينا من وجوه: أن الحسن لما احتُضِر، قال للحسين: يا أخي: إن أباك لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشرف لهذا الأمر، فصرفه الله عنه، فلما احتضر أبو بكر، تشرف أيضاً لها، فصُرفت عنه إلى عمر. فلما احتضر عمر، جعلها شورى، أبى أحدُهم، فلم يشك أنها لا تعدوه، فصُرفت عنه إلى عثمان، فلما قُتل عثمان، بويع، ثم نوزع حتى جَرْد السيف وطلبها، فما صفا له شيء منها، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا - أهل البيت - النبوة والخلافة؛ فلا أعرفن ما استخفك سُفهاء أهل الكوفة، فأخرجوك. وقد كنتُ طلبت إلى

ص: 1416

عائشة أن أُدفن في حجرتها؛ فقالت: نعم. وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياء، فإذا ما متُّ، فاطلبْ ذلك إلأيها، وما أظن القوم إلا سيمنعونك، فإن فعلوا، فادفني في البقيع. فلما مات قالت عائشة: نعم وكرامة. فبلغ ذلك مروان، فقال: كذب وكذبت. والله لا يُدفنُ هناك أبداً؛ منعوا عثمان من دفنه في المقبرة، ويريدون دفن حسنٍ في بيت عائشة؛ فلبس الحسينُ ومن معه السلاح، واستلام مروان أيضاً في الحديد، ثم قام في إطفاء الفتنة أبو هريرة.

فبنو الحسن هم: الحسن، وزيدٌ، وطلحة، والقاسم، وأبو بكر، وعبد الله، فقتلوا بكربلاء مع عمهم الشهيد. وعمرو، وعبد الرحمن، والحسين، ومحمدُ، ويعقوب، وإسماعيل، فهؤلاء الذكور من أولاد السيد الحسن. ولم يُعقب منهم سوى الرجلين الأولين؛ الحسن وزيد. فلحسنٍ خمسة أولاد أعقبوا، ولزيدٍ ابن وهو الحسن بن زيد، فلا عقب له إلا منه، ولي إمرة المدينة، وهو والد الست نفيسة. والقاسم، وإسماعيل، وعبد الله، وإبراهيم، وزيد، وإسحاق، وعلي رضي الله عنهم. اهـ من السير.

1326 -

* روى أبو داود والترمذي عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَذَّن في أُذن الحسن بن عليٍّ، حين ولدته فاطمة بالصلاة.

وفي سنده عاصم بن عبد الله، وهو ضعيف، لكن يشهد له حديث ابن عباس عند البيهقي في الشعب، فيتقوى به، ولذا صححه الترمذي.

قال ابن القيم: وسر التأذين - والله أعلم - أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها (1)،

(1) استلام: ليس لأمته.

1326 -

أبو داود (4/ 328) كتاب الأدب باب في الصبي يولد فيؤذن في أذنه.

والترمذي (4/ 97) 30 - كتاب الأضاحي -17 - باب الأذان في أذن المولود، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 1417

وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يولد، فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يصفعه ويغيظه أول أوقات تعلقه به، وفيه معنى آخر، وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام، وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها، ولغير ذلك من الحكم.

1327 -

* روى أحمد عن أبي رافع، قال: لما وُلدت فاطمة حسناً، قالت: يا رسول الله! ألا أعقُّ عن ابني بدم؟ قال: "لا، ولكن احلقي رأسه، وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين" ففعلتْ.

1328 -

* روى أحمد عن معاوية قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه أوقال شفته يعني الحسن بن علي وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1329 -

* روى البخاري عن أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه، حتى أتى سوق بني قينقاع، فجلس بفناء فاطمة فقال:"أثم لكع، أثم لكعُ؟ " فحبسته شيئاً، فظننت أنها تُلبسه سخاباً أو تغسله، فجاء يشتد حتى عانقهُ وقبله قوال: طاللهم أحبه وأحب من يحبه" قال سفيان قال عبيد الله أخبرني أنه رأى نافع بن جبير أوتر بركعة (1).

1327 - أحمد في مسنده (6/ 310) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 57): أخرجه أحمد وهو حديث حسن.

1328 -

أحمد في مسنده (4/ 93) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 177): أخرجه أحمد وإسناده صحيح.

1329 -

البخاري (4/ 339) 34 - كتاب البيوع 49 - باب ما ذكر في الأسواق.

طائفة من النهار: قطعة منه.

خباء: أي بيتها.

لكع: المراد هنا الصغير يقال للصغير: لكع، فإن أطلق على الكبير، أريد به الصغير العلم،

سخاباً: جمعه سخب. وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب. يعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيانوالجواري. وقيل: هو خيط فيه خرز. سمي سخاباً لصوت خرزه عند حركته. من السخب، وهو اختلاط الأصوات.

ص: 1418

وفي رواية (1) عن أبي هريرة. قال: خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفةٍ من النهار. لا يكلمني ولا أكلمه. حتى جاء سوق بني قينقاع. ثم انصرف؛ حتى أتى خباء فاطمة فقال: "أثم لكعُ؟ أثم لكعُ؟ يعني حسناً. فظننا أنه إنما تحبسهُ أمهُ لأن تُغسله وتُلبسه سخاباً. فلم يلبثْ أن جاء يسعى. حتى اعتنق كلُّ واحدٍ منهما صاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم! إني أحبه، فأحبهُ وأحبب من يحبه".

1330 -

* روى الحاكم عن عروة بن الزبير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَبَّل حسناً وضمه إليه وجعل يشمه، وعنده رجل من الأنصار، فقال الأنصاري: إن لي ابناً قد بلغ ما قبلتُه قط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"أرأيت إن كان الله نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي".

1331 -

* روى أبو يعلي عن علي بن أبي طالب قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، قال فباع علي رضي الله عنه درعاً له وبعض ما باع من متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين درهماً. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أي نجعل ثلثيه في الطيب وثلثاً في الثياب، ومجِّ في جرةٍ من ماءٍ فأمرهم أن يغتسلوا به. قال: وأمرها أن لا تسبقه برضاع ولدها قال فسبقته رضاع الحسين وأما الحسن فإنه صلى الله عليه وسلم وضع في فيه شيئاً لا ندري ما هو فكان أعلم الرجلين.

1332 -

* روى البخاري عن الحسن البصري رحمه الله قال: سمعتُ أبا بكرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسنُ إلى جنبه، وهو ينظر إلى الناس مرة، وإليه مرة، ويقول:"ابني هذا سيدٌ ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين من المسلمين".

وفي رواية الترمذي (2) قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، فقال: "إن ابني هذا سيدٌ،

(1) مسلم (4/ 1882) 44 - كتاب فضائل الصحابة- 8 - باب فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما.

1330 -

المستدرك (3/ 170) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

1331 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 175) وقال: رواه أبو يعلي ورجاله ثقات.

1332 -

البخاري (7/ 94) 92 - كتاب فضائل الصحابة-22 - باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.

(2)

الترمذي (5/ 658) 50 - كتاب المناقب -31 - باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 1419

يُصلح الله على يديه فئتين عظيمتين".

وفي رواية أبي (1) داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن عليٍّ: "إن ابني هذا سيدٌ، وإني أرجو أن يُصلح الله به بين فئتين من أمتي".

وفي رواية: "ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين".

1333 -

* روى الترمذي عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحسنُ بن عليٍّ يشبهه.

1334 -

* روى البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: صلى أبوب كر العصر، ثم خرج يمشي ومعه عليّ، فرأى الحسن يلعبُ مع الصبيان فحمله على عاتقه، وقال: بأبي، شبيه بالنبي، ليس شبيهاً بعلي، وعليٌّ يضحك.

1335 -

* روى أحمد والترمذي عن أبي الحوراء السعدي: قال قلت للحسن بن علي ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أذكر أني أخذتُ تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في فيّ فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها في التمر فقال له رجل ما عليك لو أكل هذه التمرة قال: "إنا لا نأكل الصدقة" قال وكان يقول: "دعْ ما يريبُك إلى ما لا يريبُك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة" قال وكان يعلمنا هذا الدعاء: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنه لا يذلُ من واليت" ربما قال: "تباركت ربنا وتعاليت".

1336 -

* روى الطبراني عن أبي جميلة أن الحسن بن علي حين قُتل عليٍّ استُخِلف فبينا

(1) أبو داود (4/ 216) كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة.

1333 -

الترمذي (5/ 659) 50 - كتاب المناقب -31 - باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

1334 -

البخاري (7/ 95) 62 - كتاب فضائل الصحابة-22 - باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.

1335 -

أحمد في مسنده (1/ 200).

والترمذي (4/ 668) 38 - كتاب صفة القيامة -60 - باب

1336 -

المعجم الكبير (3/ 93) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 172): رواه الطبراني ورجاله ثقات.

ص: 1420

هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في ورُكه فتمرض منها أشهراً ثم قام على المنبر يخطب فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فإنا أُمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فما زال يومئذ يتكلمُ حتى ما نرى في المسج إلا باكياً.

ذكر الذهبي (1) في السير عن هوذة: عن عوفٍ، عن محمدٍ، قال: لما ورد معاوية الكوفة واجتمع عليه النسا، قال له عمرو بن العاص: إن الحسن مرتفعٌ في الأنفس لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه حديث السن عييّ، فمره فليخطبْ، فإنه سيعيي، فيسقطُ من أنفس الناس، فأبى فلم يزالوا به حتى أمره، فقام على المنبر دون معاوية: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: لو ابتغيتم بين جابَلْقَ وجابَرْس (أي المشرق والمغرب) رجلاً جدُّه نبيٌّ غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا معاوية بيعتنا، ورأينا أن حقْنَ الدماء خيرٌ {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} ، وأشار بيده إلى معاوية. فغضب معاويةُ، فخطب بعده خطبة عييةً فاحشةً، ثم نزل. وقال: ما أردت بقولك: فتنةً لكم ومتاع؟ قال: أردتُ بها ما أراد الله بها.

1337 -

* روى الحاكم عن جبير بن نُفير قال: قلتُ للحسن: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة. فقال: قد كانت جماجمُ العرب في يدي، يُسالمون من سالمتُ، ويحاربون من حاربت، تركتها ابتغاء وجه الله تعالى وحقني دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أبتزها بأتياسِ الحجاز؟

1338 -

* روى البزار عن رجاء بن ربيعة قال كنت جالساً بالمدينة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في حلقةٍ فيها أبو سعيد وعبد الله بن عمرو، فمر الحسنُ بن علي فسلم فرد عليه القومُ وسكت عبد الله بن عمرو، ثم اتبعه فقال: وعليك السلام ورحمة الله. ثم قال: هذا أحبُّ

(1) سير أعلام النبلاء (3/ 373) وإسناده صحيح.

1337 -

المستدرك (3/ 170) وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

1338 -

كشف الأستار (3/ 228).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 177): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير هاشم بن البريد وهو ثقة.

ص: 1421

أهل الأرض إلى أهل السماء. والله ما كلمته منذ ليالِ صفين. فقال أبو سعيد: ألا تنطلق إليه فتعذر إلأيه؟ قال: نعم، قال: فقام فدخل أبو سعيد فاستأذن فأذن له، ثم استأذن لعبد الله بن عمر فدخل، فقال أبو سعيد لعبد الله بن عمرو: حدثنا بالذي حدثتنا به حيث مر الحسن، فقال: نعم، أنا أحدثكم إنه أحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء. قال: فقال له الحسن: إذ علمت أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلم قاتلتنا أو كثرت يوم صفين؟ قال: أما إني والله ما كثرت سواداً ولا ضربت معهم بسيف ولكني حضرت مع أبي أو كلمة نحوها. قال: أما علمت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله؟ قال: بلى ولكني كنت أسردُ الصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكاني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن عبد الله بن عمرو يصوم النهار ويقوم الليل، قال "صم وأفطر وصل ونم، فإني أنا أًلي وأنام وأصوم وأفطر قال لي: يا عبد الله اطع أباك" فخرج يوم صفين وخرجت معه.

1339 -

* روى الطبراني عن المقبري قال: كان مع أبي هريرة، فجاء الحسن بن علي رضي الله عنهما فسلم فرد عليه القوم ومعنا أبو هريرة لا يعلم، فقيل، له: هذا حسن بن علي يسلم فلحقه فقال: وعليك يا سييد فقيل له: تقول: يا سيدي؟ فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنه سيد.

1340 -

* روى الطبراني عن ابي الطفيل قال: خطبنا الحسنُ بن علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وذكر أمير المؤمنين علياً رضي الله عنها خاتم الأوصياء ووصىِّ الأنبياء وأمين الصديقين والشهداء ثم قال: يا أيها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه (1)، لقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصيّ

1339 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 178) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

1340 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 146) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار إلا أنه قال ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان. وأبو يعلي باختصار والبزار بنحوه إلا أنه قال: ويعطيه الراية فإذا حُم الوغى فقاتل قائل جبريل عن يمينه. وقال: وكانت إحدى وعشرين من رمضان. ورواه أحمد باختصار كثير وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حِسان.

ص: 1422

موسى، وعُرج بروحه في الليلة التي عُرج فيها بروح عيسى بن مريم وفي الليلة التي أنزل الله عز وجل فيها الفرقان، والله ما ترك ذهباً ولا فضة وما في بيت ماله إلا سبعمائة وخمسون درهماً فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً لأم كلثومٍ، ثم قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الل عليه وسلم ثم تلاه هذ الآية قول يوسف:{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ثم أخذ في كتاب الله، ثم قال: أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، وأنا ابن النبي، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وولايتهم فقال فيما أنزل على محمد {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} وفي رواية وفيها قُتل يوشعُ بن نونٍ فتى موسى.

1341 -

* روى أحمد والطبراني عن عمير بن إسحاق، قال: رأيتُ أبا هريرة لقي الحسن بن علي فقال له: اكشف عن بطنك حيث رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلُ منه فكشف عن بطنه فقبله، فقبل سُرَّته.

1342 -

* روى البخاري عن الحسن البصري رحمه الله قال: استقبل والله الحسنُ بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: إني لأرى كتائب لا تُولي حتى تقتُل أقرانها، فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين-: أي عمرو: أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس؟ منْ لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمُرة (1)، وعبد

1341 - أحمد في مسنده (3/ 427). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 177).

وقال: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: فكشف عن بطنه فقبله وفي رواية سرته، ورجالهما رجال الصحيح غير عمير بن إسحاق وهو ثقة.

1342 -

البخاري (5/ 306، 307) 52 - كتاب الصلح-9 - باب قول النبي صلى الله لعيه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: "ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين".بكتائب: الكتائب: جمع كتيبة، وهي القطعة المجتمعة من الجيش.

أقرانها: الأقران: جمع قرن - بكسر القاف - وهو المثل والنظير في الحرب.

بضيعتهم: ضيعة الرجل: ما يكون معاشه من صناعة وغيرها من غلةٍ وتجارة ونحوها.

ص: 1423

الله بن عامر، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه، فأتياه، فدخلا عليه، وتكلما، وقالا له، وطلبا إليه، فقال لهم الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرضُ عليك كذا وكذا، ويطلبُ إليك ويسألك؟ قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحنُ لك به، فصالحهُ فقال الحسن: لقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن عليٍّ إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول:"إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".

تصويبات:

1 -

لا شك أن الحسن رضي الله عنه هو الخليفة الراشد الخامس وتنازله عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه وهو الأحق منه بالخلافة يرشدنا إلى أنه يجوز لولي الأمر أن يتنازل عن إمرته إذا وجد أن في ذلك مصلحة للمسلمين، وهكذا قدمت لنا الخلافة الراشدة نموذجين، نموذجاً على الاستمرار بالتمسك بالحق وعدم الرضوخ لمطالب الثائرين كما فعل عثمان رضي الله عنه، ونموذجاً على التنازل حقناص لدماء المسلمين، وكل ذلك سنة لخليفة راشد.

2 -

لقد كان الحسن رضي الله عنه على رأس الأمر وعنده كتائب كأمثال الجبال {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} فلم يكن تنازله لمعاوية رضي الله عنه عن تقية ولكن كان عن قناعة وروية ومصلحة وهذا حجةً على الشيعة في أكثر من مقام، وبالنسبة للمستقبل فإنه يفتح للشيعة الباب أن يخضعوا لأي خليفة فضلاً عن خليفة يختاره المسلمون.

* * *

عاثت: العيث: الفساد.

ص: 1424