المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بين يدي هذا الباب - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٣

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفيالصفات والخصائص والشمائل

- ‌تقديم

- ‌أولاً: نصوص قرآنية في بعض الخصائص والشمائل النبوية

- ‌ثانياً: نصوص حديثية في الخصائص والشمائل النبوية

- ‌الباب الخامسفيمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بين يدي هذا الباب

- ‌فوائد حول قصة أم حرام بنت ملحان:

- ‌الباب السادسدوائر شرفحول الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌تقديم

- ‌فصل في فضل أمته

- ‌فصل في فضل العرب وقريشوبعض القبائل

- ‌فصل في آل بيته

- ‌الوصل الأولفيأزواجه عليه الصلاة والسلام

- ‌توطئة:

- ‌المقدمة الأولىلمحة عامة عن أزواجه وسراريه عليه السلام

- ‌المقدمة الثانية: في التفضيل

- ‌1 - خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

- ‌ نصوص تتحدث عنها:

- ‌2 - سودة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌ بعض نصوص في أصول الكتاب عنها:

- ‌3 - عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌ بعض نصوص في أصول هذا الكتاب عنها رضي الله عنها:

- ‌4 - حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌5 - زينب بنت خُزيمة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌6 - أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌7 - زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌8 - جويريةُ بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌9 - أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌10 - صفية أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌11 - ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌عطف: فيمن عقد عليهن ولم يدخل بهنّ

- ‌عطف على وصل

- ‌الوصل الثانيفيبناته وأبنائه وأحفادهعليه الصلاة والسلام

- ‌أبناؤه عليه الصلاة والسلام

- ‌بناته عليه الصلاة والسلام

- ‌1 - رُقيةُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - أم كُلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها

- ‌عطف: فيما ورد بفاطمة وزوجها وابنيهما مشتركاً

- ‌أحفاده عليه الصلاة والسلام

- ‌1 - الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما

- ‌2 - الحسين الشهيد بن علي رضي الله عنهما

- ‌الوصل الثالثفيبعض أقاربه الأدنين ممن يدخُل في لفظة أهل البيتبالمعنى العام

- ‌مقدمة

- ‌1 - من أعمامه وعماته عليه الصلاة والسلام

- ‌حمزة بن عبد المطلب

- ‌العباس بن عبد المطلبعم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌صفية عمةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تعليقات

- ‌2 - بعض أبناء وبنات أعمامه عليه الصلاة والسلام

- ‌جعفر بن أبي طالب

- ‌عقيل بن أبي طالب الهاشمي

- ‌أم هانئ

- ‌عبد الله بن عباس البحر

- ‌عبيدُ الله بن العباس

- ‌قُثَم بن العباس الهاشمي

- ‌مَعْبَد بن العبَّاس

- ‌كثير بن العباس

- ‌تمَّامُ بنُ العبَّاس

- ‌الفضل بن العباس

- ‌ربيعةُ بن الحارث

- ‌عبد الله بن الحارث

- ‌عبيدةُ بن الحارث

- ‌نوفل بن الحارث

- ‌سعيد بن الحارث

- ‌أبو سفيان بن الحارث

- ‌دُرةُ بنت أبي لهب

- ‌ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب

- ‌عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب

- ‌3 - من أحفاد أعمامه صلى الله عليه وسلم

- ‌عبد الله بن جعفر

- ‌عبد المطلب بن ربيعة

- ‌تصويبات وتوصيات

- ‌فصلفيأصحابهعليه الصلاة والسلام

- ‌الوصل الأولفيما ورد في فضل الصحابة أو في بعضهمإجمالا وتفصيلاً

- ‌تمهيد:

- ‌عطف: في المهاجرين والأنصار

- ‌عطف: في أصحاب الصفة

- ‌الوصل الثانيفيخُلفائه الراشدين

- ‌المقدمة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌مولده رضي الله عنه:

- ‌صفاته وسجاياه:

- ‌مبايعته بالخلافة:

- ‌أعماله رضي الله عنه أثناء فترة خلافته:

- ‌أولاً: إنفاذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه لقتال الروم:

- ‌ثانياً: قتال المرتدين:

- ‌قتال مسيلمة الكذاب:

- ‌قتال طليحة الأسدي:

- ‌ارتداد أهل البحرين وعودتهم إلى الإسلام:

- ‌ردّة أهل عمان ومهرَة اليمن:

- ‌ثالثاً: الفتوح:

- ‌فتوح الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه:

- ‌وقعة اليرموك:

- ‌تعليقات

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌ميلاده ووفاته:

- ‌بيعته في الخلافة:

- ‌سيرته قبل الخلافة:

- ‌سيرته أثناء الخلافة:

- ‌1 - فتح دمشق:

- ‌2 - فتح الأردن:

- ‌3 - وقعة فِحل:

- ‌فتوح العراق:

- ‌1 - وقعة الجسر:

- ‌2 - وقعة البويب:

- ‌3 - غزوة القادسية:

- ‌4 - فتح المدائن:

- ‌5 - وقعة جلولاء:

- ‌6 - فتح حلوان:

- ‌7 - فتح تكريت والموصل:

- ‌ ما وقع سنة ثلاث عشرة من الحوادث:

- ‌سنة أربع عشرة من الهجرة:

- ‌ثم دخلت سنة خمس عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة ست عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة سبع عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة ثماني عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة إحدى وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب:

- ‌صفته رضي الله عنه:

- ‌تعليقات

الفصل: ‌بين يدي هذا الباب

‌بين يدي هذا الباب

رتب الله عز وجل على بعثة الرسل أشياء كثيرة من وجوب الإيمان بهم ووجوب طاعتهم ونصرتهم كما رتب على ذلك النجاة في الدنيا والأخرى، ولأهمية هذه المعاني جعل الله عز وجل مع الرسل من الآيات ما تقوم به الحجة على الخلق وذلك من كمال فضله ورحمته جل جلاله.

إن كمالات الرسل عليهم الصلاة والسلام كافية للإيمان بهم، ومع ذلك فقد أعطاهم ربهم معجزات تقطع حجج الخصوم وتستدعي الإيمان من عشاق الحق وأهل الإنصاف وخاصة الناس وعامتهم. ولم يعط رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام ما أعطيه رسولنا من مستدعيات الإيمان؛ لأنه بُعث لكل الناس وإلى آخر الناس، ولذلك كانت أعلام نبوته لا تتناهى، ودلائل بعثته لا تُحصى، وكم من إنسان استدعى الإيمان منه معنى لطيفاً أو صفة أو خارقة أو نبوءة أو لفتة غير متوقعة، ولذلك فقد كتب في دلائل نبوته وأعلام رسالته الكثير ولا زال، ولايطمع أحد في استقصائها؛ لأن كل يوم جديد يأتي بجديد.

* * *

وقد ذكر صاحب الرسالة المستطرفة تسعة وعشرين كتاباً مؤلفة في الدلائل وأعلام النبوة. وأشهرها كتاب دلائل النبوة لأبي نعيم الحافظ، ولأبي بكر البيهقي، وكتاب أعلام النبوة لأبي داود السجستاني، ودلائل الإعجاز لأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرايني، وكتب السيرة للزهري، والواقدي، ومنها الروض الأنفُ للسهلي.

وقد حاول الشيخ يوسف النبهاني في كتابه (حجة الله على العالمين) أن يجمع الكثير وقد ألفح. ولكن هذا الكثير نفسه قليل بالنسبة لما كتب ويمكن أن يكتب، فصفاته الجسمية صلى الله عليه وسلم وأخلاقه الشخصية وسيرة حياته قبل البعثة وبعدها، وهديه في كل صغيرة وكبيرة، والقرآن الذي أنزل عليه، والسنة التي كملت وأكملت، ومعجزات كثيرة في كل، ونبوءات كثيرة في كل، وإعجاز القرآن وحده، وما في هذا الإعجاز من ملامح، فكل دليل على الإعجاز معجزة، وانطباق البشارات التي بشر بها رسل سابقون عليه، كل ذلك من أعلام نبوته ودلائل بعثته وكم من معجزة تأتي في سياق غزوة، وكم من معجزة تأتي

ص: 1131

في سياق توجيه، وكم من نبوءة تأتي في معرض إنذار.

كل ذلك نقوله للإشعار بأن ما سنذكره في هذا الباب بعض من كل، هو البعض الأكثر لصوقاً بمضمون هذا الباب.

* * *

وبمناسبة الكلام عن المعجزات والنبوءات ودلائل النبوة وأعلام الرسالة، أقول:

إن هناك دلائل وأعلاماً تظهر بالمقارنة، وهناك دلائل تظهر من خلال دراسة البيئة، وهناك دلائل تظهر من خلال خروجها عن مبدأ الاحتمالات، فلو أنك درست معاني الكتاب والسنة فإنك تعرف استحالة انبثاقها عن البيئة العربية، ولو أنك درست تصرفات رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدتها بالنسبة لعصرها خارقة حتى ولو كانت لا تخرج عن عالم الأسباب، نقول هذا كذلك للإشعار بأن ما سنذكره في هذا الباب لن ندخل فيه إلا ما كان من الخارقة للعادة مطلقاً، أو من باب النبوءة الواضحة في الإخبار عن مستقبل وبمثل هذا تقوم الحجة على كل إنسان.

* * *

سنرى أن كثيراً من المعجزات والنبوءات سترد في سياقات أخرى من هذا القسم، أو من هذا الكتاب وقد مر معنا الكثير من المعجزات فيما مضى، والمعروف أن المعجزات الرئيسية الكبرى لرسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن، فهو معجزة مشتملة على معجزات كثيرة، وقد ذكرنا ذلك في الباب الثاني عند ظاهرة الوحي، ومن أكبر المعجزات معجزة انشقاق القمر، ومعجزة الإسراء والمعراج، وقد مرّتا معنا من قبل، وقد ذكرنا في الباب الأول أنواعاً من الخارقات، وذكرنا كذلك أنواعاً من المعجزات بمناسبة من المناسبات فيما مضى. وههنا سنذكر أمهات من المعجزات سواء كانت خارقات أو نبوءات، وواحدة من ذلك كله كافية للدلالة على رسالته عليه الصلاة والسلام فكيف إذا اجتمع هذا كله مع الخصائص ومع البشارات ومع الثمرات والتمكين؟!

* * *

ص: 1132

939 -

* روى البخاري عن الجعد، قال: مر بنا أنس في مسجد بني رِفاعة، فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سُليم دخل عليها فسلم عليها، ثم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عروساً بزينب، فقالت لي أم سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية؟ فقلت لها: افعلي، فعمدت إلى تمرٍ وسمنٍ وأقطٍ، فاتخذت حيسَةُ في بُرمةٍ، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه، فقال لي:"ضعها" ثم أمرني، فقال:"ادعُ لي رجالاً" سماهم "وادعُ لي من لقيت" قال: ففعلت الذي أمرني، فرجعتُ، فإذا البيت غاص بأهله، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على تلك الحيسَةِ، وتكلم بما شاء الله، ثُم جعل يدعو عشرة عشرة، يأكلون منه، ويقول لهم:"اذكروا اسم الله، وليأكل كل رجلٍ مما يليه" حتى تصدعوا كلهم عنها، فخرج منهم من خرج، وبقي نفر يتحدثون، قال: وجعلت أغتم، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحجرات، وخرجتُ في إثره، فقلت: إنهم قد ذهبوا، فرجع فدخل البيت وأرخى السِّتر، وإني لفي الحجرة، وهو يقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (1).

ولمسلم (2) عن أنس بن مالك. قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله. قال: فصنعت أمي أم سُليمٍ حيساً فجعلته في تَوْرٍ. فقالت: يا أنسُ! اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله علي وسلم، فقل: بعثتْ بهذا إليك أمي. وهي تُقرئك السلام. وتقول: إن هذا لك منا قليلٌ،

939 - البخاري (9/ 226) 67 - كتاب النكاح -64 - باب الهدية للعروس.

بجنبات: جنبات الإنسان: نواحيه.

عروساً: العروس: يطلق على الرجل وعلى المرأة أيام دخول أحدهما بالآخر. التور: إناء يشرب فيه، جمع أتوار.

أقط: الأقط. لبن مُحفف يابس صلب.

حيسةٌ: الحيسة: خلط من تمر وسمن وأقطٍ.

برمة: البرمة: القدرُ.

تصدعوا: أي: تفروقا.

(1)

الأحزاب: 53.

(2)

مسلم (2/ 1051) 16 - كتاب النكاح -15 - باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العرس. =

ص: 1133

يا رسول الله! قال: فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلتُ: إن أمي تُقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليل، يا رسول اللهّ! فقال:"ضعهُ" ثم قال: "اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً وفلاناً ومن لقيت." وسمى رجالاً. قال: فدعوتُ من سمى ومن لقيتُ.

قال: قلت لأنسٍ: عدد كَمْ كانوا؟ قال: زهاء ثلاثمائة.

وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنسُ! هات التور" قال: فدخلوا حتى امتلأت الصُفة والحجرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليتحلقُ عشرة عشرةٌ وليأكل كل إنسان مما يليه" قال: فأكلوا حتى شبعوا. قال: فخرجت طائفةً ودخلت طائفةً حتى أكلوا كلهم. فقال لي "يا أنس! ارفعْ" قال: فرفعتُ. فما أدري حين وضعتُ كان أكثر أم حين رفعتُ. قال: وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، وزوجته موليةٌ وجهها إلى الحائط. فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج رسول الله صلى لله لعيه وسلم فسلم على نسائه. ثم رجع. فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه. قال: فابتدروا الباب فخرجوا كلهم. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل. وأنا جالس في الحجرة. فلم يلبث إلا يسيراً حتى خرج عليّ. وأُنزلتْ هذه الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأهن على الناس {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إلى آخر الآية.

قال الجعدَ: قال أنس بن مالك: أنا أحدثُ الناس عهداً بهذه الآيات. وحجبن نساءُ النبي صلى الله عليه وسلم.

ويستفاد من هذا الحديث (1): أنه يجوز في الدعوة أن يأذن المرسل في ناس معينين

= زُهاء: يقال: القوم زُهاء مائة، أي: قدر مائة.

ليتحلقْ: التحلقْ: أن يصير القوم حلقة مجتمعة.

أوْلمَ: الوليمة: طعام العُرس.

فتقري: تقري: مثل استقري، أي: تتبع شيئاً فشيئاً.

إتاه: الإنا مقصور: النضج.

ص: 1134

وفي مبهمين، لقوله:"من لقيت، من أردت" وفي هذا لحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتكثير الطعام. قاله النووي.

940 -

* روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخطأني العشاءُ ذات ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأخطأني أن يدعوني أحد من أصحابنا فصليت العشاء ثم أردتُ أن أنام فلم أقدر، ثم أردتُ أن أصلي فلم أقدر، فإذا رجل عند حجرة النبي صلى الله عليه سلم فأتيته فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فصلى، ثم استند إلى السارية التي كان يصلي إليها فقال:"منْ هذا؟ أبو هريرة! " قلت: نعم. قال: "أخطأك العشاءُ معنا الليلة" قلت: نعم. قال: "انطلق إلى المنزل، فقل هلموا الطعام الذي عندكم" فأعطوني صحفة فيها عصيدة بتمر، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها بين يديه، فقال:"ادع أهل المسجد" فقلت في نفسي: الويل لي مما أرى من قلة الطعام، والويل لي من المعصية، فآتي الرجل وهو نائم فأوقظه، وأقول: أجِبْ، وآتي الرجل وهو يصلي فأقول: أجبْ، حتى اجتمعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع أصابعه فيها وغمز نواحيها، وقال:"كلوا بسم الله" فأكلوا حتى شبعوا، وأكلت حتى شبعت. قال:"خُذها يا أبا هريرة فارددها إلى آل محمد فما في آل محمد طعام يأكله ذو كبد غير هذهِ، أهداها إلينا رجل من الأنصار" فأخذت اصحفة فرفعتها فإذا هي كهيئتها حين وضعتها إلا أن فيها أثار أصابع النبي صلى الله عليه وسلم.

941 -

* روى الطبراني عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعْ لي أصحابك" فجعلت أتبعهم في المسجد رجلاً رجلاً أوقظهم، فأتينا باب النبي صلى الله عليه وسلم فدخلنا، فوضعت بين أيدينا صحفة صنيعٍ قدر مُدِّيْ شعير، فقال لنا "كلوا بسم الله"(1) قال

940 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 308)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

عصيدة: دقيق يُلت بالسمن ويطبخ.

غمز نواحيها: ضغط عليها بإصبعه.

941 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 308)، وقال: رواه الطبراني في الوسط، ورجاله ثقات.

صنيع: الطعام يدعي إليه. =

ص: 1135

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت الصحفة: "والذي نفس محمد بيده ما في آل محمد شيء غير ما ترونه" فأكلنا حتى شبعنا وفيها منه بقية، وكنا ما بين السبعين إلى الثمانين فقلت لأبي هريرة: مثل إيش كانت حين فرغتم منها؟ فقال: مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع.

942 -

* روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو طلحة لأم سُليم: قد سمعتُ صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخذت خماراً لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت ثوبي، وردتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلك أبو طلحة؟ " قال: فقلت: نعم، فقال:"ألطعامِ؟ " فقلت: نعم، فقال رسول الله ر صلى الله عليه وسلم لمن معه:"قوموا" قال: فانطلق وانطلقتُ بين أيديهم، حتى جئتُ أبا طلحة، فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سُليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نُطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلمُ، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلُمي ما عندك يا أم سليم" فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتَّ، وعصرتْ عليه أم سليم عُكَّةً لها، فأدمته، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال:"ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال:"ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال:"ائذن لعشرة" حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلاً أو ثمانون.

= أيش: أي شيء.

942 -

البخاري (6/ 586) 61 - كتاب النماقب - 25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

ومسلم (3/ 1612) 36 - كتاب الأشربة-30 - باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك.

العُكة: الوعاء الذي يكون في السمن.

فأدمته: أي خلطته بالخبز، وجعلته له أدماً.

ص: 1136

وللبخاري نحوه عن أنس (1): أن أم سُليم - أمهُ - عمدت إلى مُدٍ من شعير جشتْهُ وجعلت منه خطيفةً وعصرت عكة عندها، ثم بعثتني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيتهُ - وهو في أصحابه - فدعوته. قال:"ومَنْ معي" فجئت فقلت: إنه يقول ومن معي. فخرج إليه أبو طلحة قال: يا رسول الله، إنما هو شيء صنعته أم سليم فدخل، فجيء به وقال:"أدخِل عليَّ عشرة" فأدخلوا فأكلوا حتى شبعوا. ثم قال: "أدخل علي عشرة" فدخلوا فألوا حتى شبعوا. ثم قال: "أدخل علي عشرة". حتى عدَّ أربعين. ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام، فجعلت أنظر هل نقص منها شيء؟.

ولمسلم قال (2): بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه، وقد جعل طعاماً. قال: فأقبلتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس، فنظر إليَّ، فاستحييتُ فقلت: أجِب أبا طلحة، فقال الناس:"قوما" فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما صنعتُ لك شيئاً، قال فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا فيها بالبركة، ثم قال:"أدخِل نفراً من أصحابي عشرة" وقال: "كلوا" وأخرج لهم شيئاً من بين أصابعه، فأكلوا حتى شبعوا، فخرجوا، فقال:"أدخِل عشرة" فأكلوا حتى شبعوا، فما زال يُدخلُ عشرة. ويخرج عشرة، حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل، حتى شبع، ثم هيأها، فإذا هي مثله حين أكلوا منها.

وفي أخرى نحوه، وفي آخره (3): ثم أخذ ما بقي، فجمعه ثم دعا فيه بالبركة، قال: فعاذ كما كان، فقال:"دُونكم هذا".

وفي أخرى بهذه القصة، وفيه (4): فقام أبو طلحة على الباب، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله، إنما كان شيء يسير، قال:"هلُمَّه فإن الله سيجعل فيه البركة".

(1) البخاري (9/ 547) 70 - كتاب الأطعمة -48 - باب من أدخل الضيفان عشرة عشرة.

جشته: أي: طحنته طحناً قليلاً لتطبخه.

الخطيفة: أن يؤخذ قليل لبن ويذرُ عليه دقيق، ثم يطبخ، فيلعقه الناس.

(2)

مسلم (3/ 1612) 36 - كتاب الأِربة-20 - باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك.

(3)

مسلم في نفس الموضع السابق (3/ 1613).

(4)

مسلم في الموضع السابق. =

ص: 1137

وفي أخرى بنحو هذا، وفيه (1): ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهلُ البيت، وأفضلوا ما أبلغوا جيرانهم.

وفي أخرى قال (2): رأي أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مُضطجعاً في المسجد، ينقلبُ ظهراً لبطن وساق الحديث، وقال فيه: ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة، وأم سُليم، وأنس، وفضلت فضلة فأهديناه لجيراننا.

943 -

* روى الطبراني عن جابر بن عبد الله قال: صنعت أمي طعاماً، وقالت: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه فجئتُ النبي صلى الله عليه وسلم فسارَرُته فقلت: إن أمي قد صنعت شيئاً، فقال لأصحابه:"قومُوا" فقام معه خمسون رجلاً، فجلس على الباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أُدْخِلْ عشرة عشرة" فأكلوا حتى شبعوا وفضل نحو ما كان.

944 -

* روى البخاري ومسلم عن اجبر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصاً، فانكفأت إلى امرأتي، فقلت لها: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً، فأخرجت لي جراباً فيه صاع من شعير، ولنا بُهيمة داجن، قال: فذبحتها، وطحنت، ففرغت إلى فراغين فقطعتُها في بُرمتها. ثم وليتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بُهيمة لنا، وطحنت صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفرٍ معك، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "يا أهل الخندق، إن

= هلمهُ": هاته.

(1)

مسلم في نفس الموضع السابق.

(2)

مسلم في نفس الموضع السابق.

943 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 308)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله وُثقوا.

ساررته: ناجيته سراً.

944 -

البخاري (7/ 396) 64 - كتاب المغازي -19 - باب غزوة الخندق، وهي الأحزاب.

ومسلم (3 م 1610) 36 - كتاب الأشربة -20 - باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك.

الخمص والخميص: الضامر البطن، البهيمة: تصغير البهمة، وهي ولد الضأن، ويقع على المذكر منها والمؤنث.

الداجن: الشاة التي تألف البيت وتتربى فيه. =

ص: 1138

جابراً قد صنع لكم سُوراً فحمسفيهلا بكم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنزلن بُرمتكم، ولا تخبرن عجينتكم حتى أجيء، فجئتُ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي، فقالت: بك، وبك، فقلتُ: قد فعلتُ الذي قلت لي، فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى بُرمتنا، فبصق فيها وبارك، ثم قال:"ادعي خابزة فلتخبر معكِ، واقدحي من بُرمتكم، ولا تُنزلُوها" وهم ألف، فأقسمُ بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن بُرمتنا لتغط كما هي، وإن عجينتنا لتُخبزُ كما هو.

945 -

* روى الترمذي عن سمرة بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم نتداول في قصعة عن غُدوة حتى الليل، يقوم عشرةً، ويقعد عشرة، قلنا: فما كانت تُمدُّ؟ قال: من أي شيء تعجب؟ ما كانت تُمد إلا من هاهنا، وأشار بيده إلى السماء.

946 -

* روى أحمد عن عليٍّ رضي الله عنه قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فيهم رهطٌ كلهم يأكل الجُذعة يشرب الفرَقَ، قال: فصنع لهم مُداً من طعام فأكلوا حتى شبعوا. قال وبقي الطعام كما هو كأنه لم

= السؤر: لفظة فاسية، معناها: الوليمة والطعام الذي يدعى إليه، قال الأزهري: في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم بالفارسيةز

حيهلا: كلمتان جُعلتا كلمة واحدة، ومعناها: تعالوا وعجلوا.

بك وبك: أي ذمته ودعت عليه، وقيل معناه: بك تلحق الفضيحة وبك يتعلق الذم، وقيل معناه: جرى هذا برأيك وسوء نظرك وتسببك.

اقدحي: قدحتُ القِدر: إذا غرفت ما فيها، والقديح: المرق، فعيل بمعنى مفعول، والمقدحة: المغرفة.

تتغط: غطت القدر تغط: وغطيطها: صوتها.

945 -

الترمذي (5/ 592) 50 - كتاب المناقب- 5 - باب في آيات إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وما قد خصه الله عز وجل به وقال: هذا حديث حسن صحيح.

946 -

أحمد في مسنده (1/! 59).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 302): رواه أحمد، ورجاله ثقات.

رهط: الرهط: ما بين الثلاثة إلى التسعة من الرجال.

الجذعة: تقال لولد الشاة في السنة الثانية، وللبقر وذوات الحافر في الثالثة، وللإبل في الخامسة جذع. ويطلق الجذع عند فقهاء الحنفية ويريدون به ولد الشاة إذا زاد على ستة أشهر.

الفرقُ: بالسكون ياسوي مائة وعشرين رطلاً، وبالفتح نصف صاعٍ.

ص: 1139

يمس، ثم دعا بغمرٍ فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يُمس أو لم يُشربْ، فقال:"يا بني عبد المطلب إني بُعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامةٍ، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ " قال: فلم يقُم إليه أحد قال: فقمت إليه، وكنت أصغر القوم، قال: فقال: "اجلس" قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول: "اجلس" حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.

947 -

* روى البزار عن علي قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عليّ! اصنع رجل شاةٍ بصاعٍ من طعام، واجمع لي بني هاشم، وهم يومئذ أربعون رجلاً أو أربعون غير رجل قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطعام، فوضعه بينهم، فأكلوا حتى شبعوا، وإن منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها، ثم تناول القدح، فشربوا حتى تروَّوا- يعني من اللبن - فقال بعضهم: ما رأينا كالسحر - يرون أنه أبو لهب الذي قاله فقال: "يا علي اصنع رجل شاة بصاع من طعام، وأعدِد قعباً من لبن" قال: ففعلتُ، فأكلوا كما أكلوا في اليوم الأول، وشربوا كما شربوا في المرة الأولى وفضل كما فضل في المرة الأولى، فقال: ما رأينا كاليوم في السحر، فقال:"يا علي اصنع رجل شاةٍ بصاع من طعام، وأعدد قعباً من لبن" ففعلت. فقال: يا علي اجمع لي بني هاشم" فجمعتهم، فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيكم يقضي عني ديني" قال: فسكت وسكت القوم، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنطق فقلت: أنا يا رسول الله، فقال: "أنت يا عليُّ، أنت يا علي".

(1) الغمرُ: العددُ الكثير من الناس.

947 -

كشف الأستار (3/ 127).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 303): رواه البزار واللفظ له، وأحمد باختصار، والطبراني في الأوسط باختصار، ورجال احمد وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح، غير شريك، وهو ثقة.

قعباً: القعب: القدح الضخم الجافي.

(1)

الشعراء: 214.

ص: 1140

948 -

* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسقِ شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم".

949 -

* روى الطبراني عن واثلة بن الأسقع يقول: كنت من أصحاب الصفة، فشكى أصحابي الجوع، فقالوا: يا واثلة اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطعم لنا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله أصحابي يشكون الجوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة هل عندك من شيء؟ " قالت: يا رسول الله ما عندي إلا فتات خبز، قال:"هاتيه" فجاءت بجراب، فدعا رسول الله بصحفة فأفرغ الخبز في الصحفة، ثم جعل يصلح الثريد بيديه وهو يربو، حتى امتلأت الصحفة، فقال:"يا واثلة اذهب فجيء بعشرة من أصحابك وأنت عاشرُهم" فذهبت فجئت بعشرة من أصحابي وأن عاشرهم، فقال:"اجلسوا خُذوا بسم لله خذوا من حواليها، ولا تأخذوا من أعلاها فإن البركة تنحدرُ من أعلاها" فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا وفي الصحفة مثل ما كان فيها، ثم جعل يصلحها بيده وهي تربو حتى امتلأت، فقال "يا واثلة اذهب فجيء بعشرة من أصحابك" فجئت بعشرة، فقال:"اجلسوا" فجلسوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا، ثم قال:"اذهب فجيء بعشرة مِنْ أصحابك" فذهبت فجئت بعشرة، ففعلوا مثل ذلك، فقال:"هل بقي أد؟ " قلت: نعم عشرة، قال:"اذهب فجيء بهم، فذهبت فجئت بهم، فقال: "اجلسوا" فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا وبقي في الصحفة مثل ما كان. ثم قال: "يا واثلة اذهب بهذا إلى عائشة".

948 - مسلم (4/ 1784) 43 - كتاب الفضائل -3 - باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

شطر: كل شيء: نصفه.

الوسق: ستون صاعاً

تقام لكم: أي لمن يفن أبداً.

949 -

المعجم الكبير (22/ 86).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 305): رواه الطبراني بإسنادين، وإسناده حسن.

ص: 1141

950 -

* روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل مع أحدٍ منكم طعام؟ " فإذا مع رجل صاع من طعام، أو نحوه، فعُجِن، ثم جاء رجل مشرك مشعَانٌّ طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بيعاً، أم عطية؟ " أو قال: "أم هبة؟ " قال: لا بل بيع. فاشترى منه شاة، فصنعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يُشوى، وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا وقد حز النبي صلى الله عليه وسلم له حزةً من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه، وإن كان غائباً خبأ له، فجعل منهما قصعتين، فأكلوا أجمعون، وشبعنا، ففضلت القصعتان، فحملناه على البعير.

وفي رواية (1): ففضل في القصعتين، فحملته على البعير - أو كما قال.

951 -

* روى البزار عن أبي حُنيس الغفاري: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تِهامة، حتى إذ كنا بعُسْفان جاءه أصحابه، فقالوا: يا رسول الله! جهدنا الجوع فأذن لنا في الظهر نأكله، قال:"نعم" فأخبر بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! ماذا صنعت؟ أمرت الناس أن ينحروا الظهر، فعلى ما يركبون؟ قال:"فما ترى يا ابن الخطاب؟ " قال: أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في تورٍ، ثم تدعو الله لهم، فأمرهم فجعلوا فضل

950 - البخاري (5/ 230) 51 - كتاب الهبة -28 - باب قبول الهدية من المشركين.

ومسلم (3/ 1627) 36 - كتاب الأشربة -32 - باب إكرام الضيف وفضل إيثاره.

مشعان: الرأس - بالنون-: إذا كان منتفش الشعر ثائر الرأٍ.

سواد البطن: الكبد.

(1)

مسلم (3/ 1637) 36 - كتاب الأشربة -32 - باب إكرام الضيف وفضل إيثاره.

951 -

كشف الأستار (3/ 138).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 303): رواه البزار والطبراني في الأوسط وزاد فقال:

ما ترى يا ابن الخطاب قال أرى أن تأمرهم وأنت أفضل رأياً وزاد أيضاً، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا معه وشربوا من الماء هم والكراع ثم خطبهم في ثلاثة نفر فذكر الحديث ورجاله ثقات.

الظهر: هنا الإبل التي تركب في السفر (هي اسم جمع وجعلها هنا مفرداً).

تور: إناء يشرب فيه، والجمع أتوار.

الكراع: الخيلُ.

ص: 1142

أزوادهم في تورٍ، ثم دعا لهم، ثم قال:"إيتوا بأوعيتكم" فملأ كل إنسان منهم وعاءه، ثم أذن بالرحيل، فلما جاوزوا مُطِروا، فنزل ونزلوا معه، فشربوا من ماء السماء، فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع النبي صلى الله عليه وسلم وذهب الآخر معرضاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما واحد فاستحيا من الله فاستحيا الله منه وأما الآخر فأقبل تائباً فتاب الله عليه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه".

952 -

* روى البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابنا جهدٌ، حتى هممنا أن ننْحَرَ بعض ظهرِنا، فأمرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فجمعْنَا مزاوِدنَا، فبسطنا له نِطَعَا، فاجتمع زادُ القوم على النِّطَعِ، قال: فتطاولت لأحزُرهُ كم هو؟ فحزَرْتُه كرَبْضة العَنْزِ، ونحنُ أربع عشرة مائة، قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعاً، ثم حشوْنا جُرُبَنا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"فهل مِنْ وضوءٍ؟ " قال: فجاء رجلٌ بإداوةٍ له، فيها نُطفةً، فأفرغها في قدحٍ، فتوضأنا كُلُّنَا، نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَة، أربع عشرة مائة، قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية، فقالوا: هل من طَهورٍ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرّغَ الوضوءُ".

وهذا لفظ البخاري: قال سلمة: خفت أزْوَاد الناس وأمْلَقُوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نَحْرِ إبِلهم، فأذِنَ لهُم، فلقيَهُم عُمر فأخبروه فقال: مابقاؤكم بعد إبلكُم (1)، فدخَلَ عمر على

952 - البخاري (6/ 129) 56 - كتاب الجهاد -123 - باب حمل الزاد في الغزو.

ومسلم (3/ 1354) 31 - كتاب اللقطة -5 - باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت، والمؤاساة فيها.

ومسلم أيضاً عن أ [ي هريرة (1/ 56) 1 - كتاب الإيمان 10 - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً.

مزاودنا: وفي رواية أزوادنا، وفي بعضها تزاودنا، والمزاود جمع مزود كمنبر: وهو الوعاء الذي يحمل فيه الزاد.

وهو ما يتزوده المسافر لسفره من الطعام، والتزاود معناه ما تزودناه.

النطفة: الماء القليل، ومنه سُمي ماء الرجل: نُطفة.

ندغفقه: دغفقتُ الماء دغفقة: إذا صببته صباً كثيراً.

الإملاق: الافتقار، والمراد: أنهم احتاجوا إلى الزاد.

ص: 1143

النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نادِ في الناس يأتُون بِفَضْل أزْوادِهم" فدعا وبرَّك عليهم ثم دعاهُم بأوعيتهم، فاحْتثى الناسُ حتى فرَغُوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله".

قال النووي في شرحه على مسلم: وقولهم:

(لو أذنت لنا) هذا من أحسن آداب خطاب الكبار والسؤال منهم فيقال: لو فعلت كذا أو أمرت بكذا لو أذنت في كذا وأشرت بكذا، ومعناه لكان خيراً أو لكان صواباً ورأياً متيناً أو مصلحة ظاهرة وما أشبه هذا، فهذا- أجمل من قولهم للكبير: افعل كذا بصيغة الأمر وفيه أنه لا ينبغي لأهل العسكر من الغزاة أن يضيعوا دوابهم التي يستعينون بها في القتال بغير إذن الإمام، ولا يأذن لهم إلا إذا رأى مصلحة أو خاف مفسدة ظاهرة والله أعلم أهـ.

953 -

* روى أحمد عن النعمانِ بن مُقَرِّنٍ قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من مُزَينة، فأمارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره، فقال بعض القومِ: يا رسول الله مالنا طعام نتزودُه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عمر:"زَوَّدهُم" فقال: ما عندي إلا فاضلةٌ من تمرٍ، وما أراها تُغني عنهم شيئاً: فقال: "انطلِقْ فزودهم" فانطلق بنا إلى عَليِّةٍ له، فإذا فيها تمر مثل البَكْر الأورق، فقال: خذوا فأخذ القوم حاجتهم، قال: وكنتُ أنا في آخرِ القوم، قال: فالتفتُّ وما أفقدُ موضع تمرةٍ، وقد احتمل منه أربعمائة رجلٍ.

954 -

* روى الترمذي عن أبي هريرة قال (1): أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بتمراتٍ،

953 - أحمد في مسنده (5/ 445).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 304): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح.

مزينة: قبيلة من قبائل العرب.

علية: الغرفة في الطابق الثاني من الدار وما فوقه والجمع علالي.

البكر: الفتى من الإبل.

الأوراق: من الإبل: ما في لونه بياض إلى سواد.

954 -

الترمذي (5/ 685) 50 - كتاب المناقب -47 - باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه. وهو حديث حسن.

ص: 1144

فقلت: يا رسول الله ادعُ الله فيهنَّ بالبركة فصمهُنَّ ثُم دع لي فيهن بالبركة، فقال:"خُذْهُن واجعلهُن في مِزْوَدَِ هذا أو في هذا المِزْوَدِ كُلما أردْتَ أن تأخذ منه شيئاً فأدخِلْ فيه يدكَ فخذْهُ ولا تنْثُرْهُ نثراً" فقدْ حمَلْتُ من ذلك التمر كذا وكذا من وسْقٍ في سبيل الله، فكُنا نأكلُ منهُ ونُطْعِمُ، وكان لا يُفارقُ حِقْوِي حتى كان يومُ قَتْلِ عثمان فإنه انقطع.

وزاد رزين: من حقوي، فسقط فحزنت عليه حزناً شديداً.

955 -

* روى البخاري؛ عن جبر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن أباه تُوفي وترك ثلاثين وسقاً لرجلٍ من اليهود، فاستنْظَرَهُ جابر، فأبى أن يُنْظِرَهُ، فكلم جابرٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم اليهودي ليأخذ تَمْرَ نخلهِ بالذي له، فأبى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل، فمشى فيها، ثم قال لجابر:"جُدِّ له، فأوف الذي له" فجَدَّه بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوفاه ثلاثين وسقاً، وفضلتُ له سبعة عشر وسقاً، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلا انصرف أخبرهُ بالفضلِ، فقال "أخْبِر ذلك ابن الخطاب" فذهب جابرٌ إلى عمر فأخبرهُ، فقال له عمر: لقد علمتُ حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُباركنَّ فيها.

وفي رواية أخرى قال (1): تُوفي أبي وعليه دينٌ، فعرضتُ على غُرمائهِ أن يأخذوا التمر بما عليه، فأبوا، ولم يروا أن فيه وفاء، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له، فقال:"إذا جَدَدتَهُ فوضعْتَه في المِربدِ آذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فجاء ومعه أبو بكر وعمر، فجس عليه ودعا بالبركة، ثم قال:"ادعُ غرماءك فأوْفهم" فما تركتُ أحداً له على أبي

= المزود: كمنبر، وهو الوعاء الذي يحمل فيه الزاد.

الحقو: مشدُّ الإزار، وسمي الإزار نفسه حقوا لذلك.

955 -

البخاري (5/ 60) 43 - كتاب الاستقراض -9 - باب إذا قاص أو جازفه في الدين تمراً بتمر أو غيره.

فاستنظره: الاستنظار: طلبُ التأخير إلى وقت آخر، وأنظرتُه: أخرتُه.

الجداد: قطع ثمر النخل، وهو الصرام.

(1)

البخاري (5/ 310) 53 - كتاب الصلح -13 - باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث، والمجازفة في ذلك، المربد: موضع التمر الذي يُجمع فيه.

ص: 1145

دينٌ ألا قضيتُهُ، وفضل ثلاثة عشر وسقاً: سبعة عجوةً، وستةً لونُ - أو ستةً عجوةٌ وسبعةُ لون - فوافيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فذكرتُ ذلك له، فضحك، فقال:"ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما" فقالا: لقد عَلمنا إذْ صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع أن سيكون ذلك.

وقال في رواية (1): "صلاة العصر" وفي رواية (2): "صلاة الظهر".

وفي أخرى قال (3): تُوفِّيَ عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دينٌ، فاستعنتُ بالنبي صلى الله عليه وسلم على غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فلمْ يفعلوا، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"اذهب، فصنف تمرك أصنافاً: العجوة على حدة، وعذق ابن زيد على حدة، ثم أرسل إليِّ" ففعلتُ، ثم أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس على أعلاه - أو في وسطه- ثم قال: كلْ للقومِ، فكلتَهُم، حتى أوفيْتهُم الذي لهم وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء.

وفي رواية (4): فما زال يكيلُ لهم حتى أدَّاه.

وفي أخرى نحوه، وفيه زيادة، قال جابر رضي الله عنه (5): أُصيبَ عبدُ الله وتركَ عيالاً وديناً، فطلبتُ إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضاً من دَينهِ فأبوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستشفعتُ به فأتوا. فقال:"صنِّفْ تمرك كل شيءٍ منه على حدتهِ: عذِقٍ ابن زيدٍ على حدة، واللين على حدةٍ، والعجوة على حدةٍ، ثم أحضرهم حتى آتيك" ففعلتُ. ثم جاء صلى الله عليه وسلم فقعد عليه، وكال لكل رجل حتى استوفى، وبقي التمر كما هو كأنه لم

(1) البخاري معلقاً في نفس الموضع السابق.

(2)

البخاري معلقاً في نفس الموضع السابق.

(3)

البخاري (4/ 344) 34 - كتاب البيوع-51 - باب الكيل على البائع والمعطى.

على حدة: منفرداً، يعني كل جنس وحده.

علق زيد: نوع من التمر بالمدينة معروف، وكذلك اللينة والعجوة، وقيل: اللينة، واللون: واحد الألوان، وهو عند أهل المدينة: كل تمر ليس بعجوة، وقيل: اللينة: جميع النخل من غير استثناء، والأول أشبه.

(4)

البخاري (4/ 344) 34 - كتاب البيوع-51 - باب الكيل على البائع والمعطي.

(5)

البخاري (5/ 67) 43 - كتاب الاستقراض- 18 - باب الشفاعة في وضع الدين.

ص: 1146

يُمَسُّ وغزوتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم على ناضحٍ لنا، فأزْحَفَ الجملُ فتخلف على فوكزهُ النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي أخرى (1): أن أباهُ استُشهد يوم أُحُدٍ وترك ستُ بناتٍ ترك عليه ديناً، فلما حضرهُ جِذاذُ النخلِ أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أُحُد وترك عليه ديناً كثيراً، وإني أُحبُّ أن يراك الغرماء، قال:"اذهب فبيدِرْ كل تمرٍ على ناحيةٍ" ففعلتُ، ثم دعوته، فلما نظروا إليه أُغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدراً ثلاث مراتٍ، ثم جلس عليه ثم قال: "ادعُ أصحابك فما زال يكيلُ لهم حتى أدى الله أمانة والدي، وأنا والله راضٍ أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أُرجعُ إلى أخواتي تمرةً، فسلم والله البيادرُ كلُّها حتى أني أنظرُ إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقُص تمرةً واحدةً.

وفي أخرى (2): أن أباه تُوفي وعليه دينٌ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبي ترك عليه ديناً، وليس عندي إلا ما يُخرجُ نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلقْ معي لكيلا يُفْحِشَ عليَّ الغُرماء، فمشى حول بيدرٍ من بيادر التمر، فدعا، ثم آخر، ثم جلس عليه، فقال:"انزِعوهُ فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم".

وفي أخرى (3): أن أباه قُتل يوم أُحُدٍ شهيداً، فاشتد الغرماءُ في حقوقهم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته، فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي، ويُحَلِّلوا أبي، فأبوا فلم يعطهم ولم يكسره لهم، ولكن قال:"سأغد عليك إن شاء الله"، فغدا علينا حين أصبح، فطاف في النخل، فدعا في ثمره بالبركة، فجددتُها، فقضيتُهم حقوقهم، وبقي لنا من ثمرها

(1) البخاري (5/ 413) 55 - كتاب الوصايا - 36 - باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة.

البيدرة: جمع الثمرة في البيدر، وهو المكان الذي تجمع فيه قبل نقلها إلى البيوت، وكذلك موضع الفلات يسمى بيدراً.

أغريت: فلاناً بفلان: إذا حملته على قصده، والمراد: أنهم لجُوا في مطالبتي ألحوا والسبب: طمعهم أن يساعده النبي صلى الله عليه وسلم في القضاء والدائن يهودي، وقد فعل اليهود مثل هذا يوم مكاتبة سلمان الفارسي.

(2)

البخاري (6/ 587) 61 - كتاب المناقب -25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

(3)

البخاري (5/ 224) 51 - كتاب الهبة-21 - باب إذا وهب ديناً على رجل.

ص: 1147

بقية، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فأخبرته بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر وهو جالسٌ:"اسمع يا عمر" فقال عمر: ألا يكونُ قد علمنا أنك رسول الله؟ والله إنك لرسول الله.

وفي رواية أبي داود (1): أنأباهُ تُوفي وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجلٍ من يهود، فاستنظرهُ جابرٌ فأبى، فكلم جابرٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له عليه، فأبى عليه، وكلمه رسول الله أن يُنظرَهُ، فأبى، وساق الحديث

وللنسائي في رواية قال (2): كان ليهودي على أبي تمر، فقُتِلَ يوم أُحُد، وترك حديقتين، وتمر اليهودي يستوعبُ ما في الحديقتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل لك أن تأخذ العام نصفه، وتؤخر نصفه؟ " فأبى اليهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل لك أن تأخذ الجِدادَ؟ " فآذني، فآذنته، فجاء هو وأبو بكرٍ، فجعل يُجدُّ ويُكالُ منْ أسفلِ النخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بالبركة، حتى وفيناه جميع حقه من أصغر الحديقتين، فيما يحسبُ عمار، ثم أتيتُهم برُطبٍ وماء، فأكلوا وشربوا ثم قال:"هذا من النعيم الذي تسألون عنه".

قال ابن حجر: وأصناف تمر المدينة كثيرة جداً، فقد ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في "الفروق" أنه كان بالمدينة فبلغه أنهم عدوا عند أمرها صنوف التمر الأسود خاصة فزادت على السنين. قال: والتمر الأحمر أكثر من الأسود عندهم.

956 -

* روى أحمد والدارمي عن جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ليقاتلهم فقال أبي عبد الله: يا جابرُ لا عليك أن تكون في نظاري

(1) أبو داود (3/ 119) كتاب الوصايا - باب في الرجل يموت وعليه دين وله وفاء يستنظرُ غرماؤه ويرفق بالوارث.

(2)

النسائي (6/ 246) كتاب الوصايا - باب قضاء الدين قبل الميراث.

956 -

أحمد في مسنده (3/ 397، 398)، وإسناده حسن.

والدارمي واللفظ له (1/ 22) في المقدمة، باب ما أكرم به النبي صلى الله عليه وسلم في بركة طعامه.

ص: 1148

أهل المدينة، حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بناتٍ لي بعدي لأحببتُ أن تُقتل بين يديَّ. قال: فبينما أنا في الناظرين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي لتدفنهُما في مقابرنا فلحق رجل ينادي: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرُكم أن تردوا القتلى فتدفنوها في مضجعها حيث قُتلتْ، فرددناهما فدفناهما في مضجعهما حيثُ قُتلا فبينا أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيانٍ إذ جاءني رجلٌ فقال: يا جابر بن عبد الله، لقد أثار أباك عُمال مُعاوية، فبدأ فخرج طائفة منهم، فانطلقت إليه فوجدتُه على النحو الذي دفنته، لم يتغير إلا ما لم يدع القتيل قال: فواريته. وترك أبي عليه ديناً من التمر، فاشتد عليَّ بعض غرمائه في التقاضي، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن أبي أصيب يوم كذا وكذا، وإنه ترك عليه ديناً من التمر، وإنه قد اشتد عليَّ بعض غرمائه في الطلب، فأحِبُّ أن تُعينني عليه لعلهُ أن يُنظرني طائفة من تمره إلى هذا الصِّرَام المقبل، قال:"نعم آتيك إن شاء الله قريباً من وسط النهار"، قال: فجاء ومعه حواريوه، قال: فجلسوا في الظل وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذن، ثم دخل علينا قال: وقد قلت لامرأتي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء اليوم وسط النهار فلا يُرينَّكِ، ولا تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ولا تكلميه ففرشت فراشاً ووسادة فوضع رأسه فنام. فقلتُ لمولي لي: اذبح هذه العِناق- وهي داجنٌ سمينةٌ- فالوَحا والعجَل، افرُغْ منها قبل أن يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا منها وهو نائم. فقلتُ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يستيقظُ يدعُو بطُهُوره، وأنا أخاف إذا فرغ أن يقوم - أي أن يذهب- فلا يفرغ من طُهُوره حتى يوضع العِناقُ بين يديه. فلما استيقظ قال:"يا جابر إيتني بطهُور" قال: نعم، فلم يفرغ من وضوئه حتى وُضِعَتْ العناقُ بين يديه. قال: فنظر إليَّ فقال: "كأنك قد عَلِمْت حُبَّنا اللحم. ادع أبا بكر" ثم دعا حوارييه، قال: فجيء بالطعام فوُضِعَ. قال: فوضع يده وقال: "بسم الله كلوا"، فأكلوا حتى شبعوا، وفضل منها لحمٌ كثير. وقال (1): [الراوي

= أثار آباك: أي قلب الأرض عن أبيك.

الصرام المقبل: أي وقت اجتناء التمر من العام الآتي.

فالوحا: أي فالإسراع في ذلك، ثم أكد ذلك بقول (والعجَل). =

ص: 1149

جابر] والله إن مجلس بني سلمة لينظرون إليهم: هو (أي النبي صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليهم من أعينهم ما يقربُونه مخافة أن يُؤذُوه. ثم قام وقام أصحابُه فخرجوا بين يديه، وكان يقول: "خَلُّوا ظهري للملائكة" قال: فاتبعتهم حتى بلغت أُسْكُفَّة الباب، فأخرجت امرأتي صدرها وكانت ستيرة، فقالت: يا رسول الله صلْ عليَّ وعلى زوجي. قال "صلى الله عليك وعلى زوجك" ثم قال: ادعوا لي فلاناً، للغريم الذي اشتد عليَّ في الطلب، فقال: "أنْسيء جابراً طائفةً من دينك الذي على أبيه إلى هذا الصِّرام المُقبل، قال ما أنا بفاعل. قال: واعتل وقال: إنما هو مال يتامى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين جابر؟ " قال: قلت: أنا ذا يا رسول الله. قال: "كِلْ له من العجوة فإن الله تعالى سوف يُوفيه" فرفع رأسه إلى السماء فإذا الشمسُ قد دلكت. قال: "الصلاة يا أبا بكر" قال: فاندفعوا إلى المسجد. فقلت لغريمي: قرِّب أوْعيتك، فكِلْتُ له من العجْوة فوفاه الله، وفضل لنا من التمر كذا وكذا، قال: فجئتُ أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده كأني شرارة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى، فقلت له: يا رسول الله إني قد كِلْتُ لغريمي تمرهُ فوفاهُ الله، وفضل لنا من التمر كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين عمر بن الخطاب؟ " قال: فجاء يُهرْول قال: "سل جابر بن عبد الله عن غريمه وتمره" قال: ما أنا بسائله. قد علمتُ أن الله سوف يوفيه إذْ أخبرت أن الله سوف يوفيه. فردُدَ عليه وردد عليه هذه الكلمة ثلاث مرات، كل ذلك يقول: ما أنا بسائله. وكان لا يُراجعُ بعد المرة الثالثة فقال: "ما فعل غريمك وتمرك؟ قال: قلتُ (1): وفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا

= خلوا ظهري للملائكة: أي سيروا أمامي. وهذه من تواضعه صلى الله عليه وسلم.

أسكفة الباب: عتبته.

- قوله (فقالت: يا رسول الله صل علي وعلى زوجي): الصلاة: الدعاء والاستغفار وفيه جواز كلام المرأة للرجال عند الحاجة وبشرط العفة.

أنْسِئ: أخر.

دلكت الشمس: حان وقت الظهر بدلوك الشمس.

كأني شرارة: أي من السرعة والفرح.

قوله: ما أنا بسائله: رفض عمر رضي الله عنه السؤال بسبب تصديقه بمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بالسؤال بسبب سروره لمباركة الله في تمر جابر.

ص: 1150

فرجعتُ إلى امرأتي. فقلت: ألم أكن نهيتُكِ أن تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي؟ فقالت: تظن أن الله تعالى يُورِدُ نبيهُ في بيتي ثم يخرج ولا أسأله الصلاة عليَّ وعلى زوجي.

957 -

* روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: تعُدُّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعُدُّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة - والحديبية بئر - فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناءٍ من ماءٍ، فتوضأ، ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيدٍ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابُنا.

وفي رواية نحوهُ، إلا أنه قال (1):"ائتوني بدلوٍ من مائها" فأتِيَ به فبصق فدعا، ثم قال:"دعُوها ساعة" قال: فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلُوا.

قال ابن حجر:

قوله (ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان) يعني قوله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (2) وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم، والتحقيق أنه يختلف ذلك باختلاف المراد من الآيات، فقوله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما: ثم تبعت الأسباب بعضها بعضاً إلى أن كمل الفتح. وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال (3) فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضاً وتفاوضوا في

957 - البخاري (7/ 441) 64 - كتاب المغازي -35 - باب غزوة الحديبية.

غير بعيد: أي فترة يسيرة.

(1)

البخاري في نفس الموضع.

(2)

الفتح: 1.

(3)

أقول: إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضاً والتقوا =

ص: 1151

الحديث والمنازعة ولم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئاً إلا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. أهـ.

958 -

* روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرتِ الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما في القوم طهورٌ؟ " قال: فجاء رجل بفضل ماء في إداوةٍ. قال: فصبهُ في قدح فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم إن القوم أتوا بقية الطهور. فقال- (أحدهم) - تمسحُوا به، فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال:"على رسلكم" فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في القدح في جوف الماء، ثم قال:"أسبغُوا الطهُور" فقال جابر بن عبد الله: والذي أذهب بصري - قال: وكان قد ذهب بصره- لقد رأيت الماء ينبعُ من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع يده حتى توضؤوا أجمعُون قال عبيدة، قال الأسود، حسبتُهُ قال: كنا مائتين أو زيادة.

959 -

* روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نعدُّ الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقل الماء، فقال:"اطلبوا فضلةً من ماءٍ" فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال:"حي على الطهور المبارك، والبركة من الله تعالى" فلقد رأيتُ الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكلُ.

وفي رواية النسائي قال (1): كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يجدوا ماءً، فأُتي بتورٍ فأدْخَل يدهُ، فلقد رأيتُ الماء يتفجرُ من بين أصابعه، ويقول: "حيَّ على الطهور، والبركة

= فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يُكلمْ أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه.

958 -

صحيح ابن خزيمة (1/ 57) كتاب الوضوء - باب إباحة الوضوء من فضل وضوء المتوضئ وإسناده صحيح.

959 -

البخاري (6/ 587) 61 - كتاب المناقب - 25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

وأنتم تعدونها تخويفاً: إشارة إلى أن المخاطبين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا ينظرون إلى الآيات بخوف وذلك أخذاً من قوله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسلُ بالآيات إلا تخوفياً)(الإسراء: 59).

وإنما تغيرت النظرة بين الجيل والجيل؛ لأن الصحابة كانوا آمنين بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم.

(1)

النسائي (1/ 60) كتاب الطهارة- باب الوضوء من الإناء.

ص: 1152

من الله تعالى".

قال الأعمش: فحدثني سالمُ بن أبي الجعْدِ قال: قلتُ لجابرٍ: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وخمسمائة.

960 -

* روى ابن ماجة عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! لقد جئتُك من عندِ قومٍ ما يتزوَّدُ لهم راعٍ، ولا يخطرُ لهم فحلٌ فصعِدَ المنبر، فحمد الله ثم قال:"اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مريئاً طبقاً مريعاً غدقاً عاجلاً غير رائثٍ" ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا.

961 -

* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ربما ذكرتُ قول الشاعر- وأنا أنظرُ إلى وجه رسول الله يستسقي" فما ينزلُ حتى يجيش كل ميزاب:

وأبيض يُستسقي الغمامُ بوجهه

ثِمَال اليتامى عصمةً للأراملِ

وهو قول أبي طالب.

960 - ابن ماجه (1/ 404) 25 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها -154 - باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء. وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.

ما يتزود لهم راع: يعني من الجدب والفقر، فلا يخرج لهم راع.

ولا يخطر لهم فحلُ: المراد بيان ضعف الفحل الذي هو أقوى من الأنثى وهي من خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة.

قال السندي:

"قوله (مريئا) بالهمز بمعنى محمود العاقبة (مريعاً) بضم الميم وفتحها مع كسر الراء والياء التحتانية من الريع وهو الزيادة. قوله طبقاً أي مائلاً إلى الأرض مغطياً. يقال غيث طبق أي عام واسع قوله عاجلاً في الحال. غير رائث أي بطيء متأخر، يقال راث يريث بالمثلثة إذا أبطأ. أهـ.

961 -

البخاري معلقاً (2/ 494) 15 - كتاب الاستسقاء -3 - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا.

قال الحافظ في "الفتح": قوله: (وقال عمر بن حمزة)، أي: ابن عبد الله بن عمر، وسالم شيخه وهو عمه، وعمر يختلف في الاحتجاج به، وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى، وهو من أمثلة إحدى قسمي الصحيح، كما تقرر في علوم الحديث، وطريق عمر بن حمزة المعلقة وصلها أحمد وابن ماجه والإسماعيلي من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عنه.

قال السندي: قوله حتى يجيش: في القاموس جاش البحر يجيش إذا علا، والعين إذا فاضت، والوادي إذا جرى، وقال السيوطي: بجيم وشين معجمة أي يتدفق ويجري بالماء وقوله ثمال اليتامى: الغياث يقال: فلان ثِمالُ قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم.

ص: 1153

962 -

* روى مالك عن أبي الطفيل عامر بن واثلة؛ أن معاذ بن جبلٍ أخبرهُ أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام تبوك. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعُ بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. قال: فأخر الصلاة يوماً. ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل. ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً. ثم قال:"إنكم ستأتون غداً، إن شاء الله، عينَ تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهارُ. فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً. حتى آتى" فجئناها، وقد سبقنا إليها رجلان. والعين تَبِضُّ بشيء من ماءٍ. فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل مسسْتُما من مائها شيئاً؟ " فقالا: نعم. فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم غَرَفُوا بأيديهم من العين، قليلاً قليلاً. حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه وجهه ويديه. ثم أعاده فيها. فجرتِ العينُ بماءٍ كثير. فاستقى الناسُ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يُوشِكُ، يا معاذ، إن طالت بك حياة، أن ترى ما ههنا قد ملئ جناناً".

963 -

* روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عُطِشَ الناسُ يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحو - وفي رواية (1): جهش الناس نحوه- فقال رسل الله صلى الله عليه وسلم: "مالكم؟ " قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب، إلا ما في رَكْوَتِكَ، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا، قال: فقلتُ لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألفٍ لكفانا، كنا خمسَ عشرة مائةً.

هذا حديث البخاري، وهو أتم، ولم يُخرجْ مسلم منه إلا قوله (2): لو كنا مائة ألفٍ لكفانا، كنا خمس عشرة مائة.

962 - الموطأ (1/ 143) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر-1 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر.

963 -

البخاري (7/ 441) 64 - كتب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.

الجهش: أن يفزع الإنسان إلى الإنسان: وهو مع ذلك يريد أن يبكي كالصبي يفزعُ إلى أمه.

(1)

البخاري (6/ 581) 61 - كتاب المناقب - 25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

(2)

مسلم (3/ 1484) 33 - كتاب الإمارة -18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.

ص: 1154

وله أيضاً في رواية أخرى عن سالم بن أبي الجعْد، قال (1): قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفاً وأربعمائة، لم يزد.

وللبخاري أن جابراً قال (2): قد رأيتُني مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضرت العصرُ، وليسمعنا ماء غير فضلةٍ، فجُعل في إناءٍ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم به، فأدخل يده فيه، وفرَّج أصابعه، ثم قال:"حيَّ على أهل الوضوء، والبركةُ من الله" فلقد رأيت الماء يتفجرُ من بين أصابعه، فتوضأ الناس وشربُوا، فجعلتُ لا آلو ما جعلتَ في بطني منه، فعلمت أنه بركة، قلت لجابرٍ: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفٌ وأربعمائة.

قال البخاري: وقال حُصينُ وعمروُ بن مُرة عن سالم عن جابر: خمس عشرة مائة.

وأخرج مسلم (3) من رواية حُصينٍ وعمرو بن مُرة بالإسناد.

وللبخاري (4) من حديث ابن المسيب: أن قتادة قال له: لقد بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول: كانوا أربع عشرة مائة فقال لي سعيد: حدثني جابر: كانوا خمس عشرة مائة، الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية.

قال البخاري تابعه أبو داود عن قرة عن قتادة، وقد قال بعض الرواة: عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن ابن المسيب قال: نسي جابر، كانوا خمس عشرة مائة ولم يقل: حدثني جابر.

964 -

* روى أحمد والطبراني عن البراء بن عازب قال: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأتينا على ركيةٍ دمنةٍ - أي قليلة الماء - قال: فنزل فيها ستةٌ أنا سادسُهم

(1) مسلم في نفس الموضع السابق.

(2)

البخاري (10/ 101) 74 - كتاب الأشربة -21 - باب شُرب البركة، والماء المبارك.

(3)

مسلم (3/ 1484) 33 - كتاب الإمارة-18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.

(4)

البخاري (7/ 443) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.

964 -

أحمد في مسنده (4/ 282) والمعجم الكبير (2/ 26).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 300): رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح.

ركية: الركيةُ: البئر لم تطو، ولم تطو: أي لم تدفن بالحجارة.

دمنة: الدمنة في الأصل خشاش الأرض إذا اجتمع، وهذه بئر مهجورة.

ص: 1155

ماحةً. قال: فأدليتْ إلينا دلوٌ قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم على شفة الرَّكي، قال: فجعلنا فيها نصفها أو قريب ثلثيها فرُفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البراء: فجئتُ بإنائي هل أجد شيئاً أجعله في حلقي؟ فما وجدتُ، فرُفِعَتِ الدلُو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمس يده فيها، فقال: ما شاء الله أن يقول: فأعيدتْ إلينا الدلْوُ بما فيها. قال: فقد رأيتُ آخرَنا أُخْرِجَ بقوةٍ خشية الغرقِ. قال: ثم ساحت - يعني جرت نهراً-.

965 -

* روى الحاكم عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب: حدثنا عن شأن ساعة العُسرة فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قَيْظٍ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن الرجل لينحرُ بعيره فيعصِرُ فرثَهُ فيشربُه، ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إنْ اله قد عوْدك في الدعاء خيراً، فادع له. فقال:"أتحبُّ ذلك؟ " قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهُما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جازت العسكر.

966 -

* روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا أشريْنا حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان - يسميهم أبو رجاء فنسي عوفٌ- ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يُوقَظْ حتى يكون هو نستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه. فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس - وكان رجلاً جليداً - فكبَّرَ ورفع صوته بالتكبير، فما زال يُكبِّرُ ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال (1): "لا ضير

ماحةً: من الميح وهي جمع مائح، وهو الذي ينزل إلى البئر ويملأ الدلو.

وذلك إذا قل ماؤها ليسقي من يحتاج من القوم.

965 -

المستدرك (1/ 159)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

966 -

البخاري (1/ 447) 7 - كتاب التيمم -6 باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء.

ومسلم نحوه (6/ 476) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة -55 - باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.

جليداً: الجليد: الجلدُ القوي في نفسه وجسمه. =

ص: 1156

- أو لا يضيرُ - ارتحِلوا" فارتحل، فسار غير بعيدٍ، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونُودِيَ بالصلاة فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجلٍ معتزلٍ لم يُصلِّ مع القوم، قال: "ما منعك يا فلان أن تُصلي مع القوم؟ " قال: أصابتني جنابةٌ ولا ماء. قال: "عليك بالصعيد. فإنه يكفيك" ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلاناً - كان يسميه أبو رجاءٍ نسيه أبو عوفٌ- ودعا علياً فقال: "اذهبا فابتغيا الماء" فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين - أو سطيحتين - من ماء على بعيرٍ لها فقالا لها: أين الماءُ؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خُلوفاً. قالا لها: انطلقي إذاً. قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت الذي يُقال له الصابئُّ. قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي. فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثاهُ الحديث. قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودع النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ففرَّغَ فيه من أفواه المزادتين - أو السطيحتين - وأوكأ أفواههُما وأطلق العزالي ونُودي في الناس: اسقوا واستقوا. فسقى من شاء واستقى من شاء، وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماءٍ. قال: اذهب فأفرغه عليك. وهي قائمة تنظرُ إلى ما يُفْعَلُ بمائها. وايمُ الله لقد أُقْلعَ عنها وإنه ليُخيَّلُ إلينا أنها أشدُّ ملأةُ منها حين ابتدأ فيها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا لها" فجمعوا لها - من عجوةٍ ودقيقةٍ وسويقةٍ- حتى جمعوا لها طعاماً، فجعلوها في ثوبٍ وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: "تعلمين ما رزِئْنا من مالك شيئاً، ولكن الله هو الذي أسقانا" فأتتْ أهلها وقد احتبسَتْ عنهم. قالوا: ما حَبَسكِ يا فُلانةُ؟ قالت: العجبُ، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقالُ له الصابئُّ، ففعل كذا وكذا، فوالله إنه لأسحرُ الناس من بين هذه وهذه (1) - وقالت بإصبعيْها الوُسطى والسبابة فرفعتهما إلى

= الضير والضرر: المضرة، ولا يضير: لا يضرُ، إلا أنه تفعل من الضير.

الصعيد: وجه الأرض، وقيل: التراب خاصة

النفر: جماعة القوم.

الخلوف: الغيب عن الحي، والمعنى: أن الرجال قد خرجوا من الحي، وأقام النساء.

الصابئ: الذي خرج من دين إلى دين آخر، وكان المشركون يسمون رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصابئ، لمفارقته دينهم.

الإيكاء: الشد والربط، الوكاء: ما يشد به رأس القِربة وغيرها من خيط ونحوه.

العزالي: أفواه المزادة السفلى: واحدها: عزلاء.

ما رزأنا: أي ما أخذنا ولا نقصنا. =

ص: 1157

السماء تعني السماء والأرض - أو إنه لرسول الله حقاً. فكان المسلمون بعد لك يُغيرون على من حولها من المشركين ولا يُصيبون الصِّرْمَ الذي هي منه. فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعُونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام.

967 -

* روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانتْ صلاةُ العصر، فالتمس الناسُ الوضوء، فَلَمْ يجدوهُ، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوءٍ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يدهُ، وأمر الناس أن يتوضؤوا منهُ، قال: فرأيتُ الماء ينْبُع من تحتِ أصابعه، حتى توضؤُوا منْ عند آخرهم.

وفي رواية قال (1): إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماءٍ، فأُتي بقدحٍ رحراحٍ، فجعل القومُ يتوضؤون، فحزرْتَ ما بين الستين إلى الثمانين، قال: فجعلتُ أنظرُ إلى الماء ينبعُ من بين أصابعه.

وللبخاري قال (2): حضرتِ الصلاةُ، فقام من كان قريب الدارِ من المسجد يتوضأ، وبقي قومٌ، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِخْضَبٍ من حجارةٍ فيه ماءٌ، فوضع كفه فصغُر المِخْضَبَ أنْ يبْسط فيه كفُهُ، فضم أصابعه فوضعها في المخضب، فتوضأ القومُ كلهم جميعاً، قلت: كمْ كانوا؟ قال: ثمانون رجلاً.

وله في أخرى قال (3): خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مخارجه، ومعه ناسٌ من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة، فلم يجدوا ماء يتوضؤون، فانطلق رجلٌ من القوم

= الصّرْم: طائفة من القوم ينزلون بإبلهم ناحية من الماء منفردين.

967 -

البخاري (1/ 371) 4 - كتاب الوضوء - 32 - باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة.

ومسلم (4/ 1783) 43 - كتاب الفضائل -3 - باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

البخاري بنحه (1/ 304) 4 - كتاب الوضوء -46 - الوضوء من التوْر

ومسلم واللفظ له (4/ 1783) 43 - كتاب الفضائل -3 - باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

رحراح: الإناء الواسع القصير الجدار.

(2)

البخاري (6/ 581) 61 - كتاب المناقب - 35 - باب علامات النبوة في الإسلام.

المِخْضَب: إناء واسع يغسل الناس فيه ثيابهم ويستعمل لما سوى ذلك.

(3)

البخاري في نفس الموضع السابق.

ص: 1158

فجاء بقدحٍ من ماءٍ يسير، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ، ثم مد أصابعه الأربع على القدح، ثم قال:"قومُوا فتوضؤوا"، فتوضأ القومُ حتى بلغوا فيما يُريدون من الوضوء، وكانوا سبعين، أو نحوه.

ولهما في رواية قال (1): أُتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبعُ من بين أصابعه، فتوضأ القومُ.

قال قتادةُ: قلتُ لأنسٍ: كَمْ كنتُم؟ قال: ثلاثمائةٍ، أو زُهاء ثلاثمائة.

ولمسلم (2): أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان وأصحابه بالزوراء - قال: والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمَّه - دعا بقدح فيه ماءٌ، فوضع كفه فيه فجعل ينبعُ من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زُهاء الثلاثمائة.

وللنساء قال (3): طلب بعضُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل مع أحدٍ منكُم ماءٌ؟ " فوضع يدهُ في الماء، ويقول:"توضؤوا بسم الله" فرأيت الماء يخرُج من بينِ أصابِعِه، حتى توضؤوا من عند آخرهم. قال ثابت: قلت لأنس: كمْ تراهُم؟ قال: نحواً من سبعين.

968 -

* روى مسلم عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي نطلبُ العلمَ في هذا الحي من الأنصار، قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعهُ غلامٌ لهُ. معهُ صمامةٌ من صُحُفٍ وعلى أبي اليسر بردة ومعافري. وعلى غُلامه بردة ومعافري. فقال له أبي: يا عمِّ! إني أرى في وجهك

(1) البخاري في نفس الموضع السابق (6/ 580)

ومسلم (4/ 1783) 43 - كتاب الفضائل -3 - باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

زهاء: كذا: قدر كذا وما يقاربه.

(2)

مسلم نفس الموضع السابق.

(3)

النسائي (1/ 61) كتاب الطهارة - باب التسمية عند الوضوء.

978 -

مسلم (4/ 3301) 53 - كتاب الزهد والرقائق -18 - باب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر.

ضمامة: الإضمامة من الكتب: الرزمة المجتمعة منها، والذي جاء في مسلم ضمامة بغير ألف.

المعافري: ثوب ينسب إلى معافر، وهو موضع باليمن. =

ص: 1159

سفعة من غضبٍ. قال: أجل كان لي على فلان بن فلان الحرامي مالٌ. فأتيتُ أهلهُ فسلمتُ. فقلت: ثم هو؟ قالوا: لا. فخرج علي ابن له جفرٌ. فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي. فقلت: اخرجْ إليَّ. فقدْ علمتُ أين أنت. فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا والله! أُحدثك. ثم لا أكذبُك. خشيتُ، والله! أن أحدثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكنت، والله! معسراً. قال: قلتُ: آلله! قال: اللهِ! قلت: آللهِ! قال: الله. قلت: آلله! قال: الله. قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني. وإلا أنت في حِلٍّ، فأشهدُ بصر عيني هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذني هاتين، ووعاهُ قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"من أنْظَرَ معسراً" أو وضعه عنهُ، أظلهُ الله في ظله".

قال فقلتُ له أنا: يا عم! لو أنك أخذت بُردة غُلامِكَ وأعطيتَهُ معافريكَ، وأخذت معافريهُ وأعطيته بُرْدَتك، فكانت عليك حُلةً وعليه حُلةً. فمسح رأسي وقال: اللهم! بارك فيه. يا ابن أخي! بصرُ عيني هاتين، وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي هاذ (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"أطعموهم مما تأكلون. وألبسوهم مما تلبسون". وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون عليَّ منْ أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة.

ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، وهو يُصلي في ثوبٍ واحدٍ (1)،

= السُفعة: تغير اللون من الغضب، وأصله من سفعتهُ النار: إذا غيرت لونه.

الحرامي: نسبة إلى بني حرام.

غلام جفر: أي مشتد قوي.

أريكة: الأريكة: السرير المنضد عليه فرش، ودونه ستر، وقيل: كل ما اتُّكئ عليه.

قلت ألله: أتحلف بالله.

قال الله: أحلف بالله.

نياط القلب: هو العرق المعلق بالقلب.

الحُلة: ثوبان من جنس واحد.

ص: 1160

مشتملاً به. فتخطيتُ القومَ حتى جلستُ بينه وبين القِبْلَة. فقلت: يرحمُك الله! أتصي في ثوبٍ واحدٍ ورداؤك إلى جنبك؟ قال: فقال بيده في صدري هكذا. وفرَّق بين أصابعه وقوسها: أردتُ أن يدخل علي الأحمق مثلك، فيراني كيف أصنعُ، فيصنعُ مثله.

أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طابٍ، فرأى في قبلة المسجد نُخامة فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال:"أيكم يُحبُّ أن يُعْرِض الله عنه؟ " قال فخشعنا. ثم قال: "أيكُمْ يُحبُّ أن يُعْرِض الله عنه؟ " قال فخشعنا. ثم قال: "أيُّكُم يُحبُّ أن يُعْرِض الله عنه؟ " قلنا: لا أينا، يا رسول الله! قا:"فإن أحدكم إذا قام يُصلي، فإن الله تبارك وتعلى قِبَلَ وجهه فلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وجهه. ولا عن يمينه. وليبصُق عن يساره، تحت رجله اليُسْرى. فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا" ثم طوى ثوبه بعضه على بعضٍ فقال: "أرثوني عبيراً" فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله. فجاء بخلوقٍ في راحتِه. فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على رأس العُرْجُونِ. ثم لطخَ به على أثر النُّخامة.

فقال جابرٌ: فمِنْ هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم.

= مشتملاً به: ملتفاً.

العُرجون: العود الذي يكون في شماريخ عِذق الرطب.

عرجون ابن طاب: نوع من رطب المدينة.

النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة.

فخشعنا: الفزع والخوف، هكذا روينا هذه اللفظة في كتاب مسلم وفي كتاب الحميدي بالجيم، وقد ذكرها الحافظ أبو موسى الأصفهاني ف يكتابه في "تتمة الغريبين" بالخاء المعجمة من الخشوع، وهو الاستكانة والخضوع.

فإن عجلت به بادرة: أي غلبته نخامة أو بصاق.

فليقل: فليفعل.

أروني: أعطوني.

العبير: طيب مخلوط، وقيل: العبير عند العرب: الزعفران.

يشتدُ: الاشتداد: العدو.

الخلوق: طيب له لون أحمر أو أصفر.

ص: 1161

سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطنِ بُواطٍ. وهو يطلبُ المجديَّ بن عمرو الجُهنيِّ وكان الناضحُ يعقبهُ منا الخمسةُ والستةُ والسبعةُ. فدارت عُقبةُ رجلٍ من الأنصار على ناضحٍ له فأناخه فركبه. ثم بعثهُ فتلدَّن عليه بعض التلدُّن. فقال له: شأْ لعنك الله. فقال رسول الله: "من هذا اللاعنُ بعيرهُ؟ " قال: أنا يا رسول اله! قال: "انزلْ عنهُ، فلا تصحبنا بملعونٍ. لا تدعُوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكُمْ، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسألُ فيها عطاء، فيستجيبُ لكم".

سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانت عُشيْشيةُ ودنونا ماء من مياه العرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رجلُ يتقدمنا فيمدُرُ الحوضَ فيشربُ ويسقينا؟ " قال جابر: فقمتُ فقلتُ: هذا رجلٌ، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيُّ رجلٍ مع جابرٍ؟ " فقام جبارُ بن صَخْرٍ. فانطلقنا إلى البئر. فنزعنا في الحوض سجلاً أو سجلين. ثم مدرناهُ. ثم نزعنا فيه حتى أفقهناهُ. فكان أول طالعٍ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "أتأذنانِ؟ " قلنا: نعم يا رسول الله! فأشرع ناقتهُ فشربتْ شنق لها فشجتْ فبالتْ. ثم

= يعقبه: التعقب ركوب الرفقة على بعير، واحداً بعد واحد، أي يركب هذا عقب هذا والعُقبة: هي تلك الفعلة.

فتلدن: تلدن البعير: إذا توقف في المشي وتمكث على راكبه.

شأ. لعنك الله: كلمة زجر للبعير.

عُشيشيةٌ: تصغير عشية على غير قياس.

مدرتُ الحوض: لطخته بالطين تصلحه به وتسدُّ ثقبه.

السجل: الدلو العظيمة.

نزعت الدلو: جذبتُها واستقيت بها الماء من البئر.

أفقهتُ الحوض: ملأته.

أشرع ناقته: إذا أوردها الماء.

شنق لبعيره: جذب زمامه إليه بعد أن كان أرخاه.

فشجت: أي قطعت الشرب، ومنه شججتُ المفازة: قطعتها بالسير هذا الذي فسره الحميدي في شرح كتابه "الجمع بين الصحيحين" والذي رواه الخطابيُّ في غريبه قال: "فأِرع ناقته فشربت، وشنق لها ففشجت وبالت"، وقال: معناه: تفاجت: وفرقت ما بين رجليها لتبول، والذي جاء في كتاب مسلم "فشجت" كما رواه الحميدي بتشديد الجيم، والله أعلم. =

ص: 1162

عَدَلِ بها فأنخها، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحوض فتوضأ منه ثم قُمتُ فتوضأت من متوضإ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذهب جبارُ بن صخرٍ يقضي حاجته. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي. وكانت عليَّ بردة ذهبتُ أن أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي وكانت لها ذياذبُ فنكستُها ثم خالفت بين طرفيها. ثم تواقصْتُ عليها. ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينيه، ثم جاء جبارُ بن صخرٍ فتوضأ. ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفهُ. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقُني وأنا لا أشعرُ. ثم فطِنْتُ به. فقال هكذا، بيده. يعني شُدَّ وسطك. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يا جابرُ! " قلتُ: لبيك يا رسول الله قال: "إذا كان واسعاً فخالف بين طرفيه. وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك".

سِرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قُوتُ كل رجلٍ منا، في كل يوم، تمرة. فكان يمُصُّها ثم يصرها في ثوبه وكنا نختبط بقِسينا ونأكل حتى قَرِحَتْ أشداقنا فأقسم أخطئها رجلٌ منا يوماً. فانطلقنا به نتعشَهُ. فشهدنا أنه لم يعطها. فأعطيها فقام فأخذها.

سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً أفْيح. فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوةٍ من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئاً يستتر به. فإذا شجرتان بشاطيء الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصنٍ من أغصانها. فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوشِ، الذي يُصانع قائدهُ. حتى أتى

= باذب: الذباذب: كل ما يتعلق من الشيء فيتحرك، والذبْذبة: حركة الشيء المعلق.

تواقصتُ عليها: أمسكتها بعنقي، وهو أن يحني عليها رقبته.

نختبط: الاختباط: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها.

قرحت أشداقنا: تجرحت من أكل الخبط.

أخطئها: يعني أنهم غفلوا عن رجل منهم، فلم يعطوه التمرة التي تخصه نسياناً.

ننعشه: نشهد له، كأنه قد عثر فانتعش، فقام فأخذها لما أُعطيها.

الأفيح: الواسع.

البعير المخشوْش: الذي قد جعل في أنفه الخشاش، وهو عُويد يجعل في أنفه ليكون أسرع لانقياده. =

ص: 1163

الشجرة الأخرى. فأخذ بغصن من أغصانها فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصفِ مما بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهُمَا) فقال:"التئما علي بإذن الله" فالتأمنا. قال جابر: فخرجتُ أحْضِرُ مخافة أن يُحِسَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرْبي فيبتعد (وقال محمدُ بن عياد: فيتبعد) فجلسْتُ أحدث نفسي. فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً. وإذا الشجرتان قد افترقتا كلُّ واحدةٍ منهما على ساقٍ. فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفةً. فقال يرأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يميناً وشمالاً) ثم أقبل. فلما انتهى إلىَّ قال:"يا جابر! هل رأيت مقامي؟ " قلت: نعم. يا رسول الله! قال "فانطلقْ إلى الشجرتين فاقطعْ مِنْ كل واحدة منهما عُصْناً. فأقبل بهما. حتى إذا قمت مقامي فأرسل غُصناً عنْ يمينك وغُصْناً عن يسارك".

قال جابر: فقُمتُ فأخذتُ حجراً فكسرتُهُ وحسرْتُهُ فانذلق لي. فأتيتُ الشجرتين فقطعتُ من كل واحدةٍ منهما غُصْناً. ثم أقبلتُ أجرهما حتى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلْتُ غصْناً عن يميني وغصْناً عن يساري. ثم لحقتهُ فقلتُ: قد فعلتُ يا رسول الله! فعَمِّ ذاك؟ قال: "إني مررتُ بقبرينِ يُعذَّبان. فأحْبَبْتُ، بشفاعتي، أنْ يَرَفَّه عنَّهما، ما دام الغُصّْنَانِ رطْبيَيْنِ".

قال: فأتيْنا العسْكَرْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا جابرُ! نادِ بوضوءٍ" فقلتْ: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال قلتُ: يا رسول الله! ما وجَدْتُ في الرَّكْبِ مِنْ قطرةٍ. وكان رجلُ من الأنصار يُبَرِّدُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء، في أشجابٍ له (1)؛ على حِمارةٍ

= المنصف: موضع النصف بين الشيئين.

الإحضار: العدو والسعي، ورويداً: على مهل.

فانذلق: صار له حد يقطع به، وذلق كل شيء: حده، وأذلقتُ الشيء: إذا حددته.

حسرته: قطعته، وهو من حسرتُ الشعر: إذا أزلته من موضعه، وحسرت الذراع: إذا كشفتها، فكأنه كشف نواحي الحجر بالتقطيع، لتنفلق له شيظة من شظاياه يقطع بها غصن الشجر.

الأِجاب: جمع شجب، وهو ما أخلق من الأسقية وبلى.

حمارة: الحمارة: ثلاثة أعواد يشد بعض أطرافها إلى بعض، ويخالف بين أرجلها، ويعلق عليها السقاء ليبرد الماء. =

ص: 1164

منْ جريدٍ. قال فقال لي: "انطلق إلى فلان بن فلانٍ الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيءٍ؟ " قال: فانطلقت إليه فنظرْتَ فيها فلم أجد إلا قطرة في غزلاء شجب منها، لو أني أفرِغَهُ لشربهُ يابسُهُ. فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله! إني لمْ أجد فيها إلا قطرةً في غزلاء شجبٍ منها. لو أني أفرغُهُ لشربهُ يابسُهُ. قال: "اذهب فأتني به" فأخذه بيده فجعَل يتكلمُ بشيءٍ لا أدري ما هو ويغمزُهُ بيديه. ثم أعطانيه فقال: "يا جابرُ! ناد بجفنةٍ" فقلتُ: يا جفنة الركبِ! فأتيتُ بها تُحْمَلُ. فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنةِ هكذا. فبسطها وفرق بين أصابعِه. ثم وضعها في قعر الجفنةِ. وقال: "خُذْ. يا جابرُ! قصُب عليَّ. وقل: باسم الله" فصببتُ عليه وقلتُ: باسم الله. فرأيتُ الماء يفورُ بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم فارتِ الجفنة ودارت حتى امتلأت فقال: "يا جابرُ! ناد من كان له حاجة بماءٍ" قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا. قال فقلت: هل بقي أحدٌ له حاجةً؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى.

وشكا الناسُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع. فقال: "عسى الله أن يُطْعِمكُمْ" فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرةَ. فألقى دابةً. فأورينا على شقها النار. فاطبخنا واشتوينا، وأكلنا حتى شبعنا قال جابرُ: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عد خمسة، في حجاج عينها. ما يرانا أحد. حتى خرجنا. فأخذنا ضلعاً من أضلاعه فقوسناه. ثم دعونا بأعظم

= العَزْلاء: أحد عزالي المزادة، وهو فمها الذي يخرج منه الماء.

لشربه يابسه: معناه أنه قليل جداً. فلقلته، مع شدة يبس باقي الشجب، وهو السقاء، لو أفرغته لاشتفه اليابس منه ولم ينزل منه شيء.

ويغمزه بيديه: أي يعصره.

يا جفنة الركب: أي يا صاحب جفنة الركب. فحذف المضاف للعلم بأنه المراد، وأن الجفنة لا تنادي. ومعناه يا صاحب جفنة الركب التي تشبعهم أحضرها، أي من كان عنده جفنة بهذه الصفة، فليحضره.

سيف البحر: ساحله وجانبه.

البحرُ يزخرُ: إذا هاج وارتفعت أمواجه.

أورينا: أوقدنا النار.

حِجاج العين: العظم المستدير حولها، الذي مجموع العين فيه.

ص: 1165

رجلٍ في الركبِ، وأعظم جملٍ في اركب، وأعظم كفل في الركبِ، فدخل تحتهُ ما يطأطئ رأسه.

969 -

* روى الطبراني عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي فانتهيتُ إليهم وأنا طاوٍ، فانتهيت إليهم وهم يأكلون دما، فقلت: إنما جئتُ أنهاكُم عن هذا، فوضعتُ رأسي فقمتُ وأنا مغلوب فأتاني آتٍ في منامي بإناء فيه شراب، فقال: خذ هذا واشرب ثم كظني بطني فشبعت ثم رويت، فسمعتهم يقولون أتاكُم رجلٌ من سُراة قومكم فلم تنجعوه بالمذيقة، فأتوني بمذيقتهم، فقلت: لا حاجة لي فيها إن الله أطعمني وسقاني فأريتُهم بطني فأسلموا عن آخرهم.

970 -

* روى البخاري عن عائشة قالت: لقدْ تُوفي النبي صلى الله عليه وسلم وما في رفِّي مِنْ شيء يأكله ذو كبدٍ إلا شطرُ شعيرٍ في رف لي فأكلتُ منه حتى طال علي فكلتُهُ ففَنِيَ.

971 -

* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عهما: أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكةٍ لها سمناً، فيأتيها بنوها، فيسألون الأدْم، وليس ندهم شءٌ، فتعمدُ إلى الذي كانت تُهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجدُ فيه سمناً، فما زال يقيم لها أدْمَ بيتُها حتى عصرتْهُ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"عصرتيها" قالت: نعم، قال:"لو تركتيها ما زال قائماً".

= الركب: جمع راكب، والمراد به: الرفقة كلهم.

الكِفْل: الكساءُ الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط.

969 -

المعجم الكبير (8/ 335)

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 387): رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد الأولى حسن، فيها أبو غالب، وقد وُثق.

970 -

البخاري (11/ 274) 81 - كتاب الرقاق -16 - باب فضل الفقر.

971 -

مسلم (4/ 1784) 43 - كتاب الفضائل-1 - باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة.

العُكة: آنية السمن.

الأدْم: ماي ؤكل مع الخبز أي شيء كان.

ص: 1166

972 -

* روى الطبراني عن قيس بن النعمان السكوني قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر مستخفيان من قريش، فمروا براعٍ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل من شاة ضربها الفحْل؟ " قال: لا، ولكن ههنا شاة قد خلفها الجهد، قال:"ائتني بها" فأتاه بها فمسح ضرعها ودعا بالبركة، فحلب فسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال له: تالله ما رأيتُ مثلك، من أنت؟ قال:"إن أخبرتك تكْتُم عليَّ؟ " قال: نعم، قال:"أنا محمدٌ رسول الله" قال: أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ؟ قال: "إنهم يقولون ذلك"، قال: فإني أشهد إنك رسول الله، وإنه لا يقدر على ما فعلت إلا رسول، ثم قال له: اتبعك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أما اليوم فلا، ولكن إذا سمعت أنا قد ظهرنا فأتنا" فأتى النبيُ صلى الله عليه وسلم بعد ما ظهر بالمدينة.

973 -

* روى البخاري أن أبا هريرة كان يقول: الله الذي لا إله إلا هو، إن كنتُ لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإنْ كنت لأشُدُّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليُشبعني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال "يا أبا هِرّ" قلتُ: لبيكَ رسول الله، قال:"الحقْ" ومضى. فتبعتُه، فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبناً في قدح فقال:"من أين هذا اللبن؟ " قالوا أهداهُ لك فلان - أو فلانة - قال: "أبا هر" قلتُ: لبيك يا رسول الله، قال:"الحق إلى أهل الصفة فادعُهم لي" قال: وأهلُ الصفة أضيافُ الإسلام، لا يأوون على أهلٍ ولا مالٍ ولا على أحدٍ، إذا أتتهُ صدقةً بعث إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوّى بها (1)، فإذا جاءوا

972 - المعجم الكبير (18/ 343).

وقال الهيثمي في مجمع لازوائد (8/ 312): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: وسنده صحيح.

973 -

البخاري (11/ 281) 81 - كتاب الرقاق-17 - باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا.

ص: 1167

أمرني فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلُغني من هذا للبن، ولم يكنْ من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بُد، فأتيتُهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت. قال:"يا أبا هر" قلت: لبيك يا رسول الله، قال:"خذ فأعطهم" فأخذتُ القدح فجعلتُ أعطيه الرجل فيشربُ حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فيشربُ حتى يروى، ثم يردُّ عليَّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليَّ فتبسم فقال:"أبا هر" قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "بقيتُ أنا وأنت" قلتُ: صدقت يا رسول الله، قال:"أٌعدْ فاشرب" فقعدتُ فشربت، فقال:"اشربْ" فشربت، فما زال يقول:"اشرب" حتى قلتُ: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً. قال:"فأرني" فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة.

974 -

* روى الحاكم عن هشام بن حُبيش بن خويلد صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة، وأبو بكر رضي الله عنه، ومولى أبي بكر عامرُ بن فُهيرة، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط، مرُّوا على خيمتيْ أم سعيدٍ الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك (1)، وكان

974 - المستدرك (3/ 9)، وقال:

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ويستدل على صحته وصدق رواته بدلائل: فمنها: نزول المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخيمتين متواتراً في أخبار صحيحة ذوات عدد ومنها: أن الذين ساقوا الحديث على وجهه أهل الخيمتين من الأعاريب الذين لا يتهمون بوضع الحديث، والزيادة والنقصان، وقد أخذوه لفظاً بعد لفظ عن أبي معبد وأم معبد. ومنها: أن له أسانيد، كالأخذ باليد أخذ الولد عن أبيه والأب عن جده، لا إرسال ولا وهن في الرواة ومنها: أن الحر بن الصباح النخعي أخذ عن أبي معبد، كما أخذه ولده عنه، فأما الإسناد الذي رويناه بسياقه الحديث عن الكعبيين فإنه إسناد صحيح عال للعرب والأعاربة، وقد علونا في حديث الحر بن الصبح. وأقره الذهبي.

برزة: متجاهرة كهلة جليلة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون وهي عفيفة.

تحتبي: أحتبي: جلس على إليتيه وضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه ليستند، واحتبى بالثوب أداره على ساقيه وظهره وهو جالس كماسبق.

بفناء الخيمة: يعني أما خيمتها.

ص: 1168

القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال:"ما هذه الشاة يا أم معبدٍ؟ " قالت: شاة خلفها الجهدُ عن الغنم. قال: "هل بها من لبن؟ " قالت: هي أجهد من ذلك: قال: "أتأذنين لي أن أحلبها؟ " قالت: بأبي أنت وأمي. إنْ رأيت بها حلباً فاحلبْها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله تعالى، ودعا لها في شاتها فتفاجتْ عليه درتْ فاجترتْ، فدعا بإناء يُرْبِض الرهْطَ فحلب فيه ثَجًّا حتى علا لبنها البهاءُ، ثم سقاها حتى زويتْ، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم حتى أراضوا، ثم حلب فيه الثانية على هداةٍ حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها، ثم بايعها وارتحلوا عنها فما لبثتْ حتى جاءها زوجُها أبو معبدٍ، ليسوق أعنزاً عجافاً يتساوكْنَ هزالاً، مخهنِّ قليل، فلما رأى أبو معبد اللين أعجبه، قال: من أين لك هذا يا أم معبد، والشاء عازبُ حائلُ، ولا حلوب في البيت؟ قلت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخَلْق، لم تعبْه ثُجْلَةٌ، ولم تُزريه صعلةً، وسيم قسيمٌ، في عينيه دعجٌ، وفي أشفاره وطفٌ، وفي صوته صهلٌ (1)، وفي

= مرملين: يقال فلان رمل: إذا نفد زاده وافتقر.

مسنتين: أسنت القوم: أصابتهم سنة مجدبة.

كسر الخيمة: الكسر: جانب البيت. أو الناحية من كل شيء. والجمع أكسار وكسور.

إن رأيت بها حلباً: أي وجدت بها لبناً.

فتفاجت عليه: أي باعدت رجليها للحليب.

يُربِضُ الرهط: أربض لشراب القوم: أرواهم حتى أثقلهم، فربضوا وناموا ممتدين على الأرض.

ثجاً: ثج الماء ثجوجاً: سال وانصبُ فهو ثاج. والماء ونحوه ثجاً أساله فهو مثجوج.

أراضوا: أراض فلان: شرب عللاً بعد نهلٍ.

هداة: الهداة: الرفق والأناة.

يتساوكن: تساوك: سار سيراً ضعيفاً. والمشية هزلت حتى تمايلت في مشيها من الضعف.

عازب: العازب: البعيد.

حالل: حالت الناقة تحل حؤولاً وحيالاً، أي ضربها الفحل فلم تحمل.

ثُجلة: ثجلاً: عظم بطنه واسترخى، فهو أثجلُ وهي ثجلاء والجمع ثُجلُ.

صعلة: الصعلة: الدقة والنحول والخفة في البدن.

قسيم: القسامة: الحسن والجمال.

دعجُ: دعجتِ العينُ دعجاً ودعجة: شدة سواد العين في شدة بياضها مع سعتها، وهو أدعجُ وهي دعجاءُ.

أشفاره: الأشفار: الشُّفْر حرف الجفن الذي ينبت عليه الشعر وهو الهدب.

وطف: وطِف - يوْطَفُ. فهو أوْطَفٌ: كثرة شعر حاجبيه وأهدابه مع استرخاء وطول.

صهل: حدةٌ وصلابة. من صهيل الخيل وهو صتها. ويروى بالحاء. =

ص: 1169

عنقه سطعٌ، وفي لحيته كثاثةٌ، أزجُّ أقرنُ، إن صمتُ فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق، فصلاً لا تزر ولا هدر كأن منطقهُ خرزاتُ نظمٍ يتحدرن، ربعةٌ لا تشنؤهُ من طولٍ، ولا تقتحمه عين من قصرٍ، غصن بين غصنين، فهو أنضرُ الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً له رُفقاء يحفون به، إن قال سمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفودٌ محشدٌ، لا عابس ولا مفند. قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكر، ولقد هممت أنْ أصحبه، ولأفعلن إنْ وجدت إلى ذلك سبيلاً وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه: وهو يقول:

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلاها بالهدى واهتدت به

فقد فاز من أمسي رفيق محمد

فيسأل قُصي ما زوى الله عنكم

به من فعالٍ لا تجازى وسؤدد

ليهن أبا بكر سعادة جده

بصحبته من يُسعد الله يسعد

وليهن بني كعب مقام فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبتْ

عليه صريحاضرة الشاة مزيد

فغادره رهناً لديها لحالب

يرددها في مصدر بعد مورد

= سطعٌ: سطع في العنق: ارتفاع وطول العنق.

أزَجُّ: أرجُّ الحواجب: الزججُ: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد.

أقرن: أي مقرون الحاجبين. فهو أقرنُ وهي قرناءُ.

لا نزر: النزرُ قليل الخير.

ولا هدر: الهذر: الهذيان.

لا تشنؤهُ من طول: أي لا يبْغض لفرط طوله. ويقال: شنئه. شنئتُه أشنؤه شنئاً وشنآناً. والشانئ المبغض.

نحفون به: يحيطون به.

محفود: المحفود: الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته. والحفدُ والحفدةُ الخدم والأعوان.

محشود: أي أن أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه.

لا مفند: ليس بكذاب ولا ضعيف الرأي.

ص: 1170

فلما سمع حسان الهاتف بذلك شبب يجاوبُ الهاتف فقال:

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقُدس من يسري إيهم ويغتدي

ترحل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربهم

فأرشدهم، من يتبع الحق يرشد

وهل يستوي ضُلال قومٍ تسفهوا

عمى وهداة يهتدون بمهتد

وقد نزلت منه على أهل يثرب

ركاب هدى حلتْ عليهم بأسعد

نبي يرى مالا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب الله في كل مشهد

وإن قال في يوم مقالة غائب

فتصديقها في اليوم أوفى ضحى الغد

975 -

* روى الطبراني عن أم معبد أنها قالت: بعثتُ إلى النبي صلى الله عيه وسلم بشاة داجنٍ، فردها وقال:"ابغني شاة لا تحلبُ".

976 -

* روى الطبراني عن سعد مولى أبي بكر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه قال في سفر، فنزلنا منزلاً، فقال لي:"يا سعد اذهب إلى تلك العنز فاحلبها" وعهدي بذلك المكان وما فيه عنز، فأتيته فإذا عنز حافل فحلبتُها، قال: لا أدري كم من مرة، ثم وكلت بها إنساناً وشغلت بالرحلة، فذهبت العنزة، فاستبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أي سعدُ" قلت: يا رسول الله إن الرحلة شغلتنا، فذهبت العنز فقال:"عن العنز ذهب بها ربها".

977 -

* روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (1): كان جذعٌ يقوم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وُضع له المنبرُ سمعنا للجذع مثل أصوات العشار، حتى نزل

975 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 213)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير حزام بن هشام ابن حبيش وأبيه، وكلاهما ثقة.

976 -

المعجم الكبير (6/ 55)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 313): رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

977 -

البخاري (3/ 397) 11 - كتاب الجمعة-26 - باب الخطبة على المنبر.

العشار: جمع عُشراء، وهي الناقة الحامل التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها.

ص: 1171

رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه.

وفي رواية: قال (1): كان المسجدُ مسقوفاً على جُذوع من نخلٍ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقومُ إلى جذع منها

وذكر نحوه.

وفي رواية (2): أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه؟ فإن لي غُلاماً نجاراً، قال: إن شئت. فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صُنع، فصاخت النخلةُ التي كان يخطبُ عندها، حتى كادت أن تنشق.

وفي أخرى (3): فصاحت النخلة صياح الصبي - فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئنُّ أنين الصبي الذي يُسكِّتُ، حتى استقرت قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر.

وفي رواية النسائي قال (4): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستندُ إلى جذع نخلةٍ من سواري المسجد، فلما صُنع المنبر واستوى عليه اضطربتْ تلك السارية كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكنتْ.

978 -

* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبُ إلى جذعٍ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحنَّ الجذعُ، فأتاهُ فمسح يده عليه.

وفي رواية الترمذي (5): فأتاه فالتزمهُ، فسكن.

979 -

* روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

(1) البخاري (6/ 602) 61 - كتاب المناقب-25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

(2)

البخاري (4/ 319) 34 - كتاب البيوع-32 - باب النجار.

(3)

البخاري (6/ 601) 61 - كتاب المناقب 25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

(4)

النسائي (3/ 102) كتاب الجمعة-باب مقام الإمام في الخطبة.

978 -

البخاري (6/ 601) 61 - كتاب المناقب-25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

(5)

الترمذي (2/ 279) كتاب الجمعة-10 - باب ما جاء في الخطبة على المنبر.

979 -

صحيح ابن خزيمة (3/ 140) -وإسناده حسن.

ص: 1172

يقوم يوم الجمعة فيُسْنِدُ ظهره إلى جذع منصوبٍ في المسجد، فيخطُبُ فجاء رومي فقال: ألا نصْنَعُ لك شيئاً تقعد وكأنك قائم؟ فصنع له منبراً، له درجتان، ويقعد على الثالثة، فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على المنبر خار الجذع خوار الثور؛ حتى ارتجَّ المسجد بخواره حُزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخورُ، فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت، ثم قال: "والذي نفسي بيده لو لم التزمه ما زال هكذا حتى تقوم الساعة حُزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدُفِنَ يعني الجِذْعَ.

وفي خبر جابر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا بكى لما فقد من الذِّكْرِ".

980 -

* روى الطبراني عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع المسجد فلما صنع المنبرُ حن الجذُع إليه فاعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم فسكن.

قال الترمذي: وفي الباب عن أنس، وجابرٍ، وسهل بن سعدٍ، وأُبي بن كعبٍ، وابن عباس، وأم سلة.

قال أحمد شاكر: أحاديث أنس وجابر وسهل بن سعد رواها البخاري، وحديث أبي بن كعب أخرجه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد في زيادته على المسند، وحديثا ابن عباس وأم سلمة أخرجهما في الكبير. وأفاده الشارح. وقد روى أحاديث حنين الجذع أيضاً أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 142 - 143) بأسانيده عن جابر، وعن أبي بن كعب وعن سهل بن سعد، وعن أبي سعيد الخدري، وعن عائشة.

وفي الباب أحاديث كثيرة، وصحح كثير من العلماء بالسنة أن حديث حنين الجذع من الأحاديث المتواترة (1)، لوروده عن جماعة من الصحابة من طرق كثيرة تفيد القطع بوقوع

980 - المعجم الكبير (33/ 255).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 183): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون.

ص: 1173

ذلك. وانظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنية طبعة بولاق (ج 5 ص 158 - 167).

وقال الحافظ في الفتح: حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما مستفيضاً يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك عند أئمة الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك.

أقول: وقد أخرج حديث الجذع الدارمي عن جابر وابن عباس وأبي بن كعب والحسن.

981 -

* روى البزار والطبراني عن ابن عمر قال: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأقبل أعرابي، فلما دنا قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أين تُريد؟ " قال: إلى أهلي. قال: "هل لك في خيرٍ؟ " قال: ما هو؟ قال: تشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله". قال: من شاهد على ما نقول؟ قال: "هذه الشجرة" فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي فأٌبلت تخدُّ الأرض خدا حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعُوني آتيك بهم وإلا رجعتُ إليك فكنتْ معك.

982 -

* روى الدارمي عن ابن عباس قال: أتي رجلٌ من بني عامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُريك آية؟ " قال: بلى قال: "فاذهب، فادع تلك النخلة""، فدعاها فجاءت تنقُزُ بين يديه، قال: قُلْ لها: ترجعُ. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (1): "ارجعي" فرجعتْ حتى عادت إلى مكانها. فقال: يا بني عامر ما رأيتُ رجلاً كاليوم أسحر منه.

981 - كشف الأستار (3/ 133)، والمعجم الكبير (12/ 432).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 292): ورواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يعلي أيضاً والبزار.

982 -

الدارمي (1/ 13) في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن.

وأورده الهيثمي نحوه في مجمع الزوائد (9/ 10)، وقال: رواه أبو يعلي، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي، وهو ثقة.

ص: 1174

983 -

* روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبلهُ جبلٌ ولا شجرٌ إلا وهو يقول: السلامُ عليك يا رسول الله.

984 -

* روى أحمد والطبراني عن يعلي بن مرة قال: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء ما رآها أحد من قبلي، كنت معه في طريق مكة فمر على امرأةٍ معها ابن لها به لمم ما رأيت لمما أشدُّ منه. فقالت: يا رسول الله ابني هذا كما ترى، قال: إن شئت دعوتُ له" فدعا له ثم مضى، فمر عليه بعير مادِّ جرَانَه يرغو، فقال: "عليَّ بصاحب هذا" فجاء فقال: "هذا يقول نتجتُ عندهم واستعملوني حتى إذا كبرت أرادوا أن ينحروني" ثم مضى فرأى شجرتين متفرقتين فقال لي: "اذهب فُمرْهُما فلتجتمعا" فاجتمعتا فقضى حاجته وقال: "اذهب فقل لهما يتفرقا" ثم مضى، فلما انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الصبيان، وقد هيأت أمه ستة أكبُش فأهدت له كبشين. وقالت: ما عاد إليه شيء من اللمم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء إلا يعلم أني رسول الله إلا كفرةُ أو فسقةُ الجن والإنس".

985 -

* روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال (1): كنتُ

983 - الترمذي (5/ 593) 50 - كتاب المناقب- 6 - باب حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي.

والدارمي (1/ 12) في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن.

984 -

أحمد بنحوه في مسنده (4/ 170)، والمعجم الكبير واللفظ له (22/ 261).

والحاكم بنحوه في المستدرك (1/ 371) عي علي بن مرة عن أبيه، وقال: هذا حديث صحيح الإسند، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

قال في الفتح الرباني:

هذه الطرق التي جاءت هنا بعضها صحيح وبعضها حسن ويؤيد بعضها بعضاً.

اللمم: المس والجنون.

جرانه: الجران: باطن العنق من البعير وغيره.

985 -

الترمذي (5/ 560) 49 - كتاب الدعوات-13 - باب في دعاء المريض.

وقال: هذا حخديث حسن صحيح.

وابن حبان: موارد الظمآن (545) 36 - كتاب النماقب -5 - باب في فضل علي رضي الله عنه.

ص: 1175

شاكياً، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحْني، وإنْ كان متأخراً، فارفعني، وإن كان بلاء فصبرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كيف قلت؟ " قال: فأعاد عليه ما قال: فضربه برجله، فقال:"اللهم عافِه، أو اشفه" - شك شعبة- فما اشتكيت وجعي بعدُ.

986 -

* روى أبو يعلي عن عليٍّ قال: ما رَمِدْتُ ولا صدِعْتُ منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية.

987 -

* روى الطبراني عن أبيض بن حمَّال أنه كان بوجهه حزازة (يعني القُوباء) فالتقمت أنفه، فدعاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهه فلم يُمس ذلك اليوم وفيه أثر.

988 -

* روى البخاري ومسلم عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: ذهبتْ بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجِعٌ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربتُ من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرتُ إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة.

وقال الجعيد (1): رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين جلداً معتدلاً، فقال: قد علمتُ ما مُتعتُ به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

989 -

* روى الطبراني عن عطاء مولى السائب بن يزيد قال: رأيتُ مولاي السائب

986 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 122)، وقال: رواه أبو يعلي وأحمد باختصار، ورجالهما رجال الصحيح غير أم موسى، وحديثها مستقيم.

987 -

المعجم الكبير (1/ 279).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 412): رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وثقهم ابن حبان.

988 -

البخاري (1/ 296) 4 - كتاب الوضوء -40 باب استعمال فضل وضوء الناس.

ومسلم (4/ 1823) 43 - كتاب الفضائل- 30 - باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، وخله من جسده صلى الله عليه وسلم.

زر الحجلة: المراد بالحجلة واحدة الحجال، وهي بيت كالقبة لها أزرار كبار وعُرى.

(1)

البخاري (6/ 560). 61 - كتاب المناقب 21 - باب حدثنا إسحاق بن إبراهيم.

989 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 409)، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، ورجال الصغير والأوسط ثقات.

ص: 1176

ابن يزيد لحيتهُ بيضاءُ، ورأسه أسودُ. فقلتُ: يا مولاي ما لرأسك لا يبيضُّ؟ فقال: لا يبيض رأسي أبداً؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى وأنا غُلام ألعبُ مع الغلمان فسلم وأنا فيهم، فرددتُ عليه السلام من بين الغلمان فدعاني فقال لي:"ما اسمُك؟ " فقلت: السائبُ بن يزيد ابنُ أخت النمر فوضع يده على رأسي، وقال:"بارك الله فيك" فلا يبيض موضعُ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً.

وللطبراني في رواية قال (1): كان وسط رأس السائب أسود، وبقيةُ رأسه ولحيته أبيض، فقلت له: يا سيدي والله ما رأيت مثل رأسك هذا قطُّ، هذا أبيضُ وهذا أسودُ، قال: أولا أخبرك يا بني؟ قلت: بلى، قال: إني كنت مع صبيان نلعب، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرضت له فسلمت عليه، فقال:"وعليك، من أنت؟ " فقلت: أنا السائب بن يزيد أخو النمر بن قاسط، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسي وقال:"بارك الله فيك" قال: فوالله لا يبيض أبداً، أو قال: لا يزال هكذا أبداً.

990 -

* روى أحمد عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء فأتيتهُ بقدح فيه ماء، فكانت فيه شعرة فأخذتها، فقال:"اللهم جملُّهُ" قال: فرأيته وهو ابن أربع وتسعين ليس في لحيته شعرة بيضاء.

991 -

* روى الترمذي عن أبي زيدٍ بن أخطب قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجهي ودعا لي، قال عزرَةُ: إنه عاش مائة وعشرين سنة وليس في رأسه إلا شعرات بيض.

992 -

* روى أحمد عن أبي العلاء بن عمير قال: كنت عند قتادة بن ملحان حين

(1) المعجم الكبير (7/ 160)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 409): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح غير عطاء مولى السائب، وهو ثقة.

990 -

أحمد في مسنده (5/ 340).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 378): رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال ستون سنة، وإسناده حسن.

991 -

الترمذي (5/ 594) 50 - كتاب النماقب- 6 - باب حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي. وإسناده صحيح.

992 -

أحمد في مسنده (5/ 28، 81). =

ص: 1177

حضر، فمر رجل في أقصى الدار، قال: فأبصرته في وجه قتادة قال: وكنت إذا رأيتُه كأن على وجهه الدهان قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على وجهه.

993 -

* روى الطبراني عن عبد الله بن بسرٍ قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي فقال: "يعيش هذا الغلام قرناً" فعاش مائة سنة وكان في وجهه ثؤلول فقال: "لا يموت حتى يذهب الثؤلول من وجهه" فلم يمت حتى ذهب الثؤلول من وجهه.

994 -

* روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: بينا أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له عدا عليه الذئب فأخذ شاة من غنمه فأدركه الأعرابي فاستنقذها منه وهجهجه، فعانده الذئب يمشي، ثم أقعى مُسْتَذْفِراً بذنبه يخاطبه، فقال: أخذت رزقاً رزقنيه الله قال: واعجباً من ذئب مُقعٍ مستذفرٍ بذنبه يخاطبني. فقال: والله إنك لتترك أعجب من ذلك. قال: وما أعجبُ من ذلك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في النخلتين بين الحرَّتين، يحدث النسا عن نبأ ما قد سبق وما يكون بعد ذلك قال: فنعقَ الأعرابي بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة، ثم مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى ضرب عليه بابه، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أين الأعرابي صاحبُ الغنم؟ " فقام الأعرابي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "حَدِّثِ النسا بما سمعتَ وما رأيت" فحدث الأعرابي الناس بما رأى من الذئب وسمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك:"صدق، آيات تكون قبل الساعة، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله وسوطه وعصاه بما أحدث أهله بعده".

= وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 319): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

993 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 404)، وقال: رواه الطبراني والبزار باختصار الثؤلول إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليدركن قرناً"، ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير الحسن بن أيوب الحضرمي وهو ثقة.

994 -

أحمد في مسنده (3/ 88).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 291): رواه أحمد. ورجال أحد إسناديه رجال الصحيح.

وهجهجه: هجهج بالسبع: صاح، وبالجمل: زجره.

أقعى: جلس على استه مفترشاً رجليه ناصباً يديه.

ص: 1178

وفي رواية قال (1): بينما من أسلم في غُنيمةٍ له يهُشُّ عليها في بيداء ذي الحليفة، إذ عدا عليه ذئب، فانتزع شاة من غنمه فجهجأه الرجل فرماه بالحجارة حتى استنقذ منه شاته فذكر نحوه.

وفي رواية عن أبي هريرة (2) قال: جاء ذئب إلى راعي الغنم، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، قال: فصعِدَ الذئب على تل فأقعى واسْتَذْفَر، فقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله عز وجل انتزعه مني، فقال الرجل: تالله إن رأيتُ كاليوم ذئباً يتكلم قال الذئب بأعجب من هذا: رجل في النخلات بين الحرتين يُخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم، كان الرجل يهودياً، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وخبره فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنها أمارةً من أماراتٍ بين يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطُهُ ما أحدث أهلهُ بعده".

995 -

* روى أحمد عن أنس بن مالك قال: كان أهل بيت من الأنصار، لهم جمل يسنُون عليه وأن الجمل استصعب عليهم، فمنعهم ظهرهُ، وإن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسْتَنِي عليه وإنه استصعَب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرعُ والنخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا" فقاموا، فدخل الحائط والجملُ في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. فقالت الأنصارُ: يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب الكلبِ، وإنا نخافُ عليك صوْلته. فقال:

(1) أحمد في مسنده (3/ 89).

غُنيمة غنم قليل

بيداء ذي الحليفة: مكان مشهور وهو ميقات أهل المدينة ومن وراءهم، على بُعد أميال قليلة من المدينة.

(2)

أحمد في مسنده (2/ 306).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 392): رواه أحمد، ورجاله ثقات.

استزفر: الزفير: إخراج النَّفَسِ.

995 -

أحمد في مسنده (3/ 158).

وكشف الأستار (3/ 151).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 4): رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال الصحي غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة.

يسنون: يستقون.

ص: 1179

"ليس عليَّ منه بأسُ" فلما نظر الجملُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوهُ حتى خر ساجداً بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلُ ما كانت قط حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقِلُ تسجُد لك، ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك، فقال:"لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلُح لبشر أن يسجد لبشر لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَمِ حقه عليها. والذي نفسي بيده لو كان من قَدَمِة إلى مَفْرِقِ رأسه قرحةً تَنْبَجِسُ بالقيِّحِ والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه".

996 -

* روى أبو داود عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يومٍ، فأسر إليَّ حديثاً، لا أُحدثُ به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً أو حائش نخلٍ، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا جملُ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حَنَّ، وذرفتْ عيناهُ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذِفْراهُ، فسكت، فقال:"من ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجملُ" فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال:"أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليَّ: أنك تُجيعُهُ وتُدْيّبُهُ".

997 -

* روى الحاكم عن سفينة قال: ركبتُ البحر في سفينة فانكسرتْ، فركبتُ لوحاً منها فطرحني في أجمةِ فيها أسد فلم يرعني إلا به، فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطأطأ رأسه وغمز بمنكبه شِقِّي، فما زال يغمزني ويهديني إلى الطريق حتى وضعني على الطريق، فلما وضعني همهم فظننت أنه يُودعني.

996 - أبو داود (3/ 23) كتاب الجهاد - باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم وإسناده صحيح.

هدفا: الهدف: ما ارتفع من بناء ونحوه، ومنه هدف الرامي.

حائش: النخل: نخلات مجتمعة.

حائطاً: الحائط: البستان.

ذِفراهُ: ذفري البعير: هي الموضع الذي يعرق من قفاه، ويجعل فيه القطران، وهما ذفريان.

تدئبُه: نعبه بكثرة ما تستعمله.

997 -

المستدرك (3/ 606)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

ص: 1180

998 -

* روى أحمد والبزار عن عائشة قالت: كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحشُ، فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذ أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرمْ ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه.

999 -

* روى أحمد والطبراني عن حنظلة بن حِذْيَم قال: وفدتُ مع جدي حِذْيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي بنين ذوي لحى وغيرهم وهذا أصغرهم فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح رأسي قوال: "بارك الله فيك" قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتي بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها فيقول: بسم الله على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه فيذهب الورم.

1000 -

* روى الطبراني في الأوسط عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار.

وعند الطبراني حديث أسماء بنت عُميس بهذا المعنى بمناسبة نومه في جر عليٍّ حتى غابت الشمس لكن فيه مجهولة.

1001 -

* روى الحاكم عن أنس قال (1): كان أُسيدُ بن حُضيرٍ وعبادُ بن بشر عند النبي

9980 أحمد في مسنده (6/ 113).

والبزار بنحوه: كشف الأستار (3/ 150).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 3): رواه أحمد وأبو يعلي والبزار والطبراني في الوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح.

وحش: الوحش في الأصل حيوان البر، ولعل المراد هنا الهر.

لم يترمرم: لم يتحرك.

999 -

أحمد مطولاً في مسنده (5/ 68).

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 408)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وأحمد في حديث طويل، ورجال أحمد ثقات.

1000 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 296)، وقال: رواه الطبراني في الوسط، وإسناده حسن.

1001 -

المستدرك (3/ 388)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه وأقره الذهبي. =

ص: 1181

صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة ظلماء حَنْدسٍ، فلما انصرفا أضاءت عصا أحدهما، فمشيا في ضوئها، فلما افترقا أضاءت عصا الآخر.

1002 -

* روى الطبراني عن قتادة بن النعمان قال: خرجت ليلة من الليالي مظلمة، فقلت: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الصلاة وآنستُه بنفسي، ففعلتُ، فلما دخلت المسجد برقتِ السماء فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا قتادة ما هاج عليك؟ " قلت: أردتُ بأبي وأمي أن أؤنسك، قال:"خذ هذا العرجون فتحصن به، فإنك إذا خرجت أضاء لك عشراً أمامك وعشراً خلفك". ثم قال لي: "إذا دخلت بيتك رأيت مثل الحجر الأخشن" فضربته حتى خرج من بيتي.

1003 -

* روى البخاري عن أنس رضي الله عنه. قال: كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة، وآل عمران. فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم. فغاد نصرانياً. فكان يقولُ: ما يدري محمدٌ إلا ما كتبتُ له. فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرضُ. فقالوا: هذا فِعْلُ محمدٍ وأصحابه، لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا. فألقوه. فحفروا له، فأعمقوا. فأصبح وقد لفظته الأرض. فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه. نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم. فألقوه. فحفروا له، وأعمقوا له في الأرض، ما استطاعوا. فأصبح قد لفظته الأرض. فعلمُوا أنه ليس من الناس، فألقوهُ.

وفي رواية قال (1): كان منا رجلٌ من بني النجار. قد قرأ البقرة وآل عمران. وكان

= حندس: أي: شديد الظلمة.

1002 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 318)، وقال: رواه الطبراني وأحمد في حديث طويل، والبزار أيضاً، ورجال أحمد الذي تقدم في الصلاة رجال الصحيح.

عرجون: العذق الذي يعوجُ ويقطعُ منه الشماريخ فيبقى على النخل يابساً.

والشماريخ: جمع شمراخ، والشمراخ: الغصن.

1003 -

البخاري (6/ 634) 61 - كتاب المناقب - 35 - باب علامات النبوة في الإسلام.

لفظته: الأرض، أي: ألقته من بطنها إلى ظهرها.

فعلموا أنه ليس من الناس: أي ليس إخراجه من عمل الناس وإنما من الله تعالى.

(1)

مسلم (4/ 3154) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - حديث (14). =

ص: 1182

يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب. قال فرفعُوا. قالوا: هذا قد كان يكتبُ لمحمدٍ. فأعجبوا به. فما لبث أن قصم الله عنقهُ فيهم. فحفروا له فواروهُ. فأصبحتِ الأرض قد نبذته على وجهها. ثم عادوا فحفروا له، فواروه. فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها. ثم عادوا فحفروا ل. فواروه. فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها. فتركوه منبوذاً.

1004 -

* روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي عند البيت، وأبو جهلٍ وأصحاب له جلوسٌ، وقد نُحِرَتْ جزُورٌ بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان، فيأخذه فيضعه في كتفي محمدٍ إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وةجعل بعضهم يميلُ على بعضٍ، وأنا قائم أنظرُ، لو كانت لي منعةُ طرحتُه عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجدٌ ما يرفعُ رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت - وهي جويريةُ - فطرحتهُ عنه، ثم أقبلتْ عليهم تشتمُهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوتهُ، ثم دعا عليهم - وكان إذا دَعَا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً - ثم قال:"اللهم عليك بقريشٍ" ثلاث مراتٍ، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحكُ، وخافوا دعوته، ثم قال:"اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة ابن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف وعقبة بن أبي مُعيط" وذكر السابع - (1) ولمْ

= قصم: الله عنقه، أي: دقها.

نبذته: المنبوذ: المُلقى المرمي على وجه الأرض، ونبذته أنا: ألقيته.

1004 -

البخاري (1/ 349) 4 - كتاب الوضوء -69 - باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته.

ومسلم (3/ 1418) 32 - كتاب الجهاد والسير -39 - باب ما لقي النبي صلى الله عليه سلم من أذى المشركين والمنافقين.

السلا: الذي يكون فيه الولد في بطن أمه، وقيل: هو الكرش.

الجزور: البعير ذكراً كان أو أنثى، إلا أن اللفظة مؤنثة.

فانبعث أشقى القوم: هو عقبة بن أبي معيط.

ويميل بعضهم: أي ينثني بعضهم على بعض من المرح والبطر.

المنعة: القوة والشدة التي يمتنع بها الإنسان على من يريده بأذى أو غيره. =

ص: 1183

أحفظه - فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحِبُوا إلى القليبِ، قليبِ بدر.

وفي رواية (1): فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى، قد غيرتهم الشمس، وكان يوماً حاراً.

وفي رواية (2): ذكر السابع، وهو عمارة بن الوليد. وفيها: فيعمد إلى فرْثها ودمها وسلاها، فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه.

قال ابن حجر: (فائدة): روى هذا الحديث ابن إسحق في المغازي قال: حدثني الأجلح عن أبي إسحق فذكر هذا الحديث، وزاد في آخره قصة أبي البختري مع النبي صلى الله عليه وسلم في سؤاله إياه عن القصة، وضرب أبي البختري أبا جهل وشجه إياهن والقصة مشهورة في السيرة، وأخرجها البزار من طريق أبي إسحق وأشار إل تفرد الأجلح بها عن أبي إسحق، وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار، وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيماً. وفيه معرفة الكفار بصدقه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له، وفيه حلمه صلى الله عليه وسلم عمن آذاه، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود قال: لم أره دعا عليهم إلا يومئذ. وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا عليه من الاستخفاف به حال عبادة ربه، وفيه استحباب الدعاء ثلاثاً، وقد تقدم في العلم استحباب السلام ثلاثاً وغير ذلك. وفيه جواز الدعاء على الظالم، لكن قال بعضهم: محله ما إذا كان كافراً، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة، ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان بعيداً لاحتمال أن يكون اطلع صلى الله عليه وسلم على أن المذكورين لا يؤمنون، والأولى أن يدعي لكل حي بالهداية. وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها، لشرفها في قومها ونفسها، لكونها صرحت بشتمهم وهم رءوس قريش، فلم يردوا عليها.

= القليب: البئر التي هي غير مطوية.

الفرْث: ما يكون في الكرش.

(1)

البخاري (7/ 293) 64 - كتاب المغازي - 7 - باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش.

ومسلم (3/ 1420) 32 - كتاب الجهاد والسير-39 - باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.

(2)

البخاري (1/ 594) 8 - كتاب الصلاة -109 - باب المرأة تطرح عن المصلي شيئاً من الأذى.

ص: 1184

وفيه أن المباشرة آكد من السبب والإعانة لقوله في عقبة "أشقى القوم" مع أنه كان فيهم أبو جهل وهو أشد منه كفراً وأذى للنبي صلى الله عليه وسلم لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لأنهم اشتركوا في الأمر والرضا وانفرد عقبة بالمباشرة فكان أشقاهم، ولهذا قتلوا في الحرب وقتل هو صبراً. واستدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى، وعلى هذا ينزل كلام المصنف، فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقاً. واستدل به على طهارة فرث ما يؤكل لحمه، وعلى أن إزالة النجاسة ليست بفرض وهو ضعيف، وحمله على ما سبق أولى. وتعقب الأول بأن الفرث لم يفرد بل كان مع الدم كما في رواية إسرائيل، والدم نجس اتفاقاً. وأجيب بأن الفرث والدم كانا داخل السلي وجلدة السلي الظاهرة طاهرة فكان كحمل القارورة المرصصة. وتعقب بأنها ذبيحة وثني فجميع أجزائها نجسة لأنها ميتة، وأجيب بأن ذلك كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم، وتعقب بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفي فيه الاحتمال. وقال النووي: الجواب المرضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره، فاستمر في سجوده استصحاباً لأصل الطهارة. وتعقب بأنه يشكل على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة. وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة، فإن ثبت أنها فريضة فالوقت موسع فلعله أعاد. وتعقب بأنه لو أعاد لنقل ولم ينقل، وبأن الله تعالى لا يقره على التمادي في صلاة فاسدة. وقد تقدم انه خلع نعليه وهو في الصلاة لان جبريل أخبره أن فيهما قذراً، ويدل على أنه علم بما ألقي على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه، وعقب هو صلاته بالدعاء عليهم. والله أعلم. أهـ.

1005 -

* روى الحاكم عن أبي هريرة: ما على وجه الأرض مؤمنٌ ولا مؤمنةٌ إلا وهو يُحبني. قال: قلتُ: وما علمُكَ بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إني كنتُ أدعُو أمي إلى الإسلام فتأبى وإني دعوتها ذات يوم فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أكرهُ فجئتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله إني أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ وإني دعوتُها فأسمعتني فيك ما أكره (1)، فادع الله يا رسول الله أنْ

1005 - المستدرك (2/ 621)، وقال: هذا حديث صحيح الإنساد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. =

ص: 1185

يهدي أم أبي هريرة إلى الإسلام، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجعتُ إلى أمي أُبشْرُها بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما كُنْتُ على الباب إذ البابُ مُغْلَقٌ، فدققت الباب، فسمعت حسي، فلبست ثيابها وعجلت عن خمارها، وقالت: ارفق يا أبا هريرة ففتحت لي الباب. فلما دخلتُ، قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي من الفرح كما كنتُ أبكي من الحَزْنِ، وجعلتُ أقول: أبشر يا رسول الله، قد استجاب الله دعوتك، وهدى الله أم أبي هريرة إلى الإسلام، فقلتُ: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عبادة المؤمنين ويحببهم إلينا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم حببْ عُبيدكَ هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم إليهما" فما على الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يُحبني وأحبه.

1006 -

* روى الطبراني عن ضمرة بن ثعلبة أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ادعُ الله لي بالشهادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أُحَرِّمُ دم ابن ثعلبة على المشركين والكفار" قال: فكنت أحمل في عُظم القوم فيتراءى لي النبي صلى الله عليه وسلم خلفهم، فقالوا: يا ابن ثعلبة لتغرز وتحمل على القوم، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يتراءى لي خلفهم فأحمل عليهم حتى أقف عنده، ثم يتراءى لي عند أصحابي فأحمل حتى أكون مع أصحابي، قال فعُمر زماناً من دهره.

1007 -

* روى البخاري ومسلم عن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، فما ترك شيئاً يكونُ في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيهُ من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء (1)، وإنه ليكونُ

= عجلتْ عن خمارها: لم تغط رأسها.

1006 -

المعجم الكبير (8/ 369).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 379): رواه الطبراني، وإسناده حسن.

1007 -

البخاري (11/ 494) 83 - كتاب القدر -4 - باب "وكان أمر الله قدراً مقدوراً".

ومسلم (4/ 2217) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة -6 - باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة.

وأبو داود (4/ 94) كتاب الفتن والملاحم - باب ذكر الفتن ودلائلها.

ص: 1186

منه الشيء قد نسينُه، فأراهُ فأذكرُ كما يذكُر الرجلُ وجه الرجُل إذا غاب عنهُ، ثم إذا رآهُ عرفهُ.

هذا الحديث وما بعده فيه إخبارات عن المغيبات ووقعت كلها كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال في عون المعبود:

وفيه كمال علمه صلى الله عليه وسلم بما يكون وكمال علم حذيفة واهتمامه بذلك واجتنابه من الآفات والفتن وقد استدل بهذا الحديث بعض أهل البدع والأهواء على إثبات الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا جهل من هؤلاء لأن علم الغيب مختص بالله تعالى، وما وقع منه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الله بوحي والشاهد لهذا قوله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (1) أي ليكون معجزة له، فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلا من إعلام الله له به إعلاماً على ثبوت نبوته ودليلاً على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم قال علي القاري في شرح الفقه الأكبر: إن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما أعلمهم الله أحياناً، وذكر الحنفية تصريحاً بالتكفير باعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب؛ لمعارضة قوله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (2) كذا في المسايرة وقال بعض الأعلام في إبطال الباطل من ضروريات الدين إن علم الغيب مخصوص بالله تعالى، والنصوص في ذلك كثيرة {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (3) الآية و {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} (4) الآية. فلا يصح لغير الله تعالى أن يقال له إنه يعلم الغيب، ولهذا لما قيل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجز؛ وفينا نبيٌّ يعلمُ ما في غد، أنكر على قائله وقال:"دع هذا وقل غير هذا". وبالجملة لا يجوز أن يقال لأحد إنه يعلم الغيب نعم الإخبار بالغيب بتعليم الله تعالى جائز وطريق هذا التعليم إما الوحي أو الإلهام

(1) الجن: 26، 27.

(2)

النمل: 65.

(3)

الأنعام: 59.

(4)

لقمان: 34.

ص: 1187

عند من يجعله طريقاً إلى علم الغيب انتهي. وفي البحر الرائق: لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد النكاح ويكفر لاعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب انتهى قال المِزِّيُّ في الأطراف: وأخرجه البخاري في القدر وأخرجه مسلم وأبو داود في الفتن انتهى؟ أهـ عون المعبود.

1008 -

* روى النسائي عن ابن سُكيْنَة - رجلٍ من المحررين - عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حلت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ المِعْوَلَ، ووضع رداءَهُ ناحية الخندق، وقال:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (1) فندر ثُلُُُ الحجرِ، وسلمان الفارسي قائم ينظرُ، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقةُ، ثم ضرب الثانية، وقال:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فندر الثلث الآخر، فبرقت برقةً، فرآها سلمان، ثم ضرب الثالثة، وقال:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فندر الثلث الباقي، وخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رداءه وجلس، قال سلمان: يا رسول الله، رأيتُك حين ضربت، ما تضربُ ضربة إلا كانت معها برقة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا سلمانُ رأيت ذلك؟ " فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال:"فإني حين ضربتُ الضربة الأولى: رُفعت لي مدائنُ كسرى وما حولها، ومدائنُ كثيرة، حتى رأيتُها بعيني" فقال له من حضرهُ من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أنْ يفتحها علينا، ويُغنمنا ديارهم ويُخرب بأيدينا بلادهُم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك:"ثُمَّ ضربتُ الضربة الثانية، فرُفِعتْ لي مدائنُ قيصر وما حولها، حتى رأيتُها بعيني" قالوا: يا رسول الله، ادعُ الله أن يفتحها علينا ويُغنمنا ديارهُم ويُخرب بأيدينا بلادهُم، فدعا

1008 - النسائي (6/ 43) كتاب الجهاد-باب غزوة الترك والحبشة.

ورواه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث ابن مسعود وله شاهد عند الطبراني من حديث معاوية وبعضها يشهد لبعض فهو حخديث حسن.

ندر: سقط.

(1)

الأنعام: 115.

ص: 1188

رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك "ثم ضربْتُ الثالثة فرُفِعتْ لي مدائنُ الحبشة وما حولها من القرى، حتى رأيتُها بعيني" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "دعُوا الحبشة ما ودعُوكم، واترُكوا التُّرُكَ ما تركوكُم".

1009 -

* روى البزار عن جابر بن سمرة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لتخرُجنَّ الظَّعينةُ من المدينة حتى تدْخُل الحيرةَ لا تخافُ أحداً إلا الله عز وجل".

1010 -

* روى البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كِسْرَى فلا كِسْرَى بعدَهُ، وإذا هلك قيصرُ فلا قَيْصَرَ بعدَهُ، والذي نفسي بيده: لتُنْفَقَنَّ كنُوزُهُما في سبيل الله".

وفي رواية لمسلم (1): "قد مات كِسرى فلا كسرى بعده

".

قال ابن حجر: قال الخطابي: معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك، وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به، ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله إما سراً وإما جهراً، فانجلى عنه قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده، ووقع في الرواية التي في "باب الحرب خدعة" من

= قال المناوي: (دعو الحبشة) أي اتركوا الحبشة والترك ما داموا تاركين لكم، وذلك لأن بلاد الحبشة وعرة، وبين المسلمين وبينهم مفاوز وقفار وبحارن فلم يكلف المسلمين بدخول ديارهم لكثرة التعب، أما الترك فبأسهم شديد وبلادهم باردة والعرب وهم جند الإسلام كانوا من البلاد الحارة فلم يكلفهم دخول بلادهم، وأما إذا دخلوا بلاد الإسلام والعياذ بالله فلا يباح ترك القتال كما يدل عليه ما ودعوكم.

1009 -

كشف الأستار (3/ 143).

والمعجم الكبير (2/ 215).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 391): رواه الطبراني والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح غير أحمد بن يحيى الأودي، وهو ثقة.

101 -

البخاري (6/ 319) 57 - كتاب فرض الخمس -8 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أُحلت لكم الغنائم".

ومسلم (4/ 2236) 53 - كتاب الفتن وأشراط الساعة-18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء.

(1)

مسلم في الموضع السابق.

ص: 1189

كتاب الجهاد "هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وليهلكن قيصر" قيل: والحكمة فيه أنه قال ذلك لما هلك كسرى بن هرمز كما سيأتي في حديث أبي بكرة في كتاب الأحكام قال: "بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم امرأة" الحديث، وكان ذلك لما مات شيرويه بن كسرى فأمروا عليهم بنته بوران. وأما قيصر فعاش إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح، وقيل مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي حارب المسلمين بالشام ولده وكان يلقب أيضاً قيصر. وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقع لا محالة لأنهما لم تبق مملكتها على الوجه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قررته. أهـ. فتح.

أقول: بل كسرى وقيصر للجنس، ولقد أنهى المسلمون حكم الأكاسرة ثم لم يعد، وكان يزدجرد آخر الأكاسرة قتل في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه، وأنهى محمد الفاتح حكم القياصرة في القسطنطينية ثم لم يعد.

1011 -

* روى مسلم عن نافع بن عُتبة بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قومٌ من قِبَلِ المغربِ عليهم ثيابُ الصوفِ، فوافقوهُ عند أكمةٍ، فإنهُم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ، قال: فقالت لي نفسي: ائتهم فقم بينهم وبينهُ لا يغتالونه، قال: ثم قلت: لعلهُ نجيٍّ معهمُ، فأتيتُهم، فقُمْتُ بينهم وبينه، قال: فحفظت منه أربع كلمات أعدهُنَّ في يدي، قال:"تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله ثم فارس، فيفتحها الله. ثم تغزون الروم، فيفتحها الله. ثم تغزون الدجال فيفتحه الله" قال نافع: يا جابر - هو جابر بن سمرة - لا نُرَى الدجال يخرج حتى تفتح الرومُ.

1011 - مسلم (4/ 2225) 53 - كتاب الفتن وأشراط الساعة -12 - باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال.

أكمة: الأكمة: الرابية، والموضع المرتفع من الأرض.

يغتالونه: الاغتيال: أن يقتل بغتة.

النجيُّ: المناجي وهو المسارر.

تفتحون جزيرة العرب: فتحت جزيرة العرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم فتحت في عهد أبي بكر رضي الله عنه بعد وقوع الردة.

ص: 1190

1012 -

* روى البخار يعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال:"يا عديُّ، هل رأيت الحيرة؟ " قلتُ: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال:"فإنْ طالت بك حياةٌ لترين الظعينة ترتحلُ من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخافُ أحداً إلا الله تعالى" قلتُ فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّارُ طيء الذين قد سعروا البلاد؟ " ولئنْ طالتْ بك حياة لتفتحن كنوزُ كسرى" قلت: كسرى بن هُرمز؟ قال: "كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلبُ من يقبله منه، فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجُمان يُتَرْجِمُ له، فيقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيُبلغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أُعطك مالاً، وأُفْضِلْ عليك؟ فيقول: بلى فينظر عن يمينه، فلا يرى إلا جهنم، وينظرُ عن يساره فلا يرى إلا جهنم" قال عدي: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة" قال عدي: فرأيتُ الظعينة ترتحلُ من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنُوز كِسرى ابن هُرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "يُخرج ملء كفه

".

قال في الفتح: قوله (الحيرة) بكسرة المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس، وكان ملكهم يومئذ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر، ولهذا قال عدي بن حاتم "فأين دعار طيء" ووقع في رواية لأحمد من طريق الشعبي عند عدي بن حتم "قلت يا رسول الله فأين مقاتب طيء ورجالها"(1) ومقاتب بالقاف جمع مقتب وهو العسكر ويطلق على

1012 - البخاري (6/ 610) 61 - كتاب المناقب -25 - باب علامات النبوة في الإسلام.

الظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، هذا هوالأصل، ثم سميت به المرأة ظعينة وإن لم تكن في هودج ولا مسافرة.

ص: 1191

الفرسان. قوله (حتى تطوف بالكعبة) زاد أحمد من طريق أخرى عن عدي "في غير جواز أحد". قوله (فأين دعار طيء) الدعار جمع داعر وهو بمهملتين وهو الشاطر الخبيث المفسد، وأصله عود داعر إذا كان كثير الدخان قال الجواليقي: والعامة تقوله بالذال المعجمة فكأنهم ذهبوا به إلى معنى الفزع والمعروف الأول. والمراد قطاع الطريق. وطيء قبيلة مشهورة، منها عدي بن حاتم المذكور، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير جواز، ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة. قوله (قد سعروا البلاد) أي أوقدوا نار الفتنة، أي ملؤا الأرض شراً وفساداً، وهو مستعار من استعرا النار وهو توقدها. قوله (كنوز كسرى) وهو علم على من ملك الفرس، لكن كانت المقالة في زمن كسرى بن هرمز (اسمه ابرويز) ولذلك استفهم عدي بن حاتم عنه، وإنما قال ذلك لعظمة كسرى في نفسه إذ ذاك. قوله (فلا يجد أحداً يقبله منه) أي لعدم الفقراء في ذلك الزمان، وذلك عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز وبذلك جزم البيهقي وأخرج في "الدلائل" من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال "إنما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهراً، ألا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده، قد أغنى عمر الناس، قال البيهقي: فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم انتهى. ولا شك في رجحان هذا الاحتمال على الأول لقوله في الحديث "ولئن طالت بك حياة" قوله (بشق تمرة) بكسر المعجمة أي نصفها، وفي رواية المستملي "بشقة تمرة" وكذا اختلفوا في قوله بعده "فمن لم يجد شق تمرة" قال المستملي "شقة". قوله (ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم هو مقول عدي بن حاتم، وقوله "يخرج ملء كفه- أي من المال - فلا يجد من يقبله" رواية أحمد المذكورة "والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قالها" وقد وقع ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به عدي. واستدل به بعضهم على جواز سفر المرأة وحدها في الحج الواجب وبالله التوفيق. أهـ الفتح.

ص: 1192

1013 -

* روى الطبراني عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمثلتْ لي الحيرةُ كأنياب الكلاب، وإنكم ستفتحونها" فقام رجل فقال: يا رسول الله هب لي بنت بُقيلة فقال: "هي لك. فأعطوه إياها" فجاء أخُوها فقال: تبيعُها؟ قال: نعم قال: فاحتكم ما شئت. قال: بألف درهم، قال: قد أخذتها بألفٍ، قالوا: لو قلت ثلاثين ألفاً. قال: وهل عدد أكبرُ من ألف.

1014 -

* روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فُتحت عليكم فارس والروم: أي قومٍ أنتم؟ " قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو غير ذلك تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، أو تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض".

1015 -

* روى البخاري ومسلم عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرامٍ بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرامٍ تحت عُبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تَفْلِي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت فقلت:"وما يُضحكك يا رسول الله؟ قال: (1) "ناسٌ من أمتي عُرضوا عليَّ غُزاة في سبيل الله، يركبون ثبجَ هذا البحر مُلوكاً على الأسِرَّة - أو مثل الملوك على

1013 - المعجم الكبير (17/ 81).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 213): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

1014 -

مسلم (4/ 2274) 53 - كتاب الزهد والرقائق- حديث (7).

نقول كما أمرنا الله: معناه نحمده ونشكره، ونسأله المزيد من فضله.

تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون

إلخ: قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد. وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها. والتدابر التقاطع. وقد يبقى مع التدابر شيء من المودة أو لا يكون مودة ولا بغض. وأما التباغض فهو بعد هذا. ولهذا رتبت في الحديث. ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض: أي ضعفائهم فتجعلون بعضهم أمراء على بعض.

1015 -

البخاري (6/ 10) 56 - كتاب الجهاد -3 - باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء.

ومسلم (3/ 1518) 33 - كتاب الإمارة-49 - باب فضل الغزو في البحر.

ثبج البحر: وسطه، وثبج كل شيء: وسطه. =

ص: 1193

الأسرَّة" شك إسحاق - قالت فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك. فقلت: وما يُضحكُك يا رسول الله؟ قال: "ناسٌ من أمتي عُرضوا عليَّ غُزاة في سبيل الله"- كما قال في الألو - قالت فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "أنتِ من الأولين" فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصُرعتْ عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكتْ.

وفي رواية عن أنس عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت (1): نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يتبسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: "أناس من أمتي عُرضوا عليَّ، يركبون هذا البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة" قالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها

ثم ذكر نحوه بمعناه.

وفي أخرى (2): ما يُضحكك يا رسول الله - بأبي أنت وأمي؟ - قال: "أُريتُ قوماً من أمتي". وفيه: "يركبون ظهر البحر"- وفيه- "فإنك منهم" وفيه: فتزوجها عُبادة بن الصامت بعدُ، فغزا في البحر، فحملها معه، فلما أن جاءت قربت لها بغلةً فركبتها، فصرعتها، فاندقت عنقها.

وفي أخرى قال (3): أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة ملحان خالة أنس، فوضع رأسه عندها - وعند البخاري: فاتكأ عندها - ثم ضحك، فقالت: لِمَ تضحك يا رسول الله؟ فقال: "ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله، مثلهم مثل الملوك على

= مثل الملوك على الأسرة: قيل: هو صفة لهم في الآخرة، إذا دخلوا الجنة. والأصح أنه صفة لهم في الدنيا. أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم.

(1)

البخاري (6/ 18) 56 - كتاب الجهاد-8 - باب فضل من يُصرع في سبيل الله فمات فهو منهم.

ومسلم بنحوه (4/ 1519) 33 - كتاب الإمارة- 49 - باب فضل الغزو في البحر.

(2)

مسلم في نفس الموضع السابق.

(3)

البخاري (6/ 76) 56 - كتاب الجهاد -63 - باب غزو المرأة في البحر.

البحر الأخضر: قال الحافظ في الفتح: قال الكرماني: هي صفة لازمة للبحر لا مخصصة. انتهى. ويحتمل أن تكون مخصصة لأن البحر يطلق على المالح والعذب، فجاء لفظ الأخضر لتخصيص الملح بالمراد. قال: والماء في الأصل =

ص: 1194