الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها وأرضاها ولعن من أبغضها وشانها.
ومن أهم أحداث حياتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1 -
حادثة الإفك.
2 -
حادثة ضياع عقدها وما ترتب عليه من نزول آية التيمم.
3 -
حادثة التخيير بين البقاء والطلاق.
4 -
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيتها.
ومن أهم أحداث جاءتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجها مطالبة بدم عثمان رضي الله عنه وما ترتب عليه من موقعة الجمل التي تعتبر من أعظم المآسي في تاريخ المسلمين، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرها من ذلك وقد ندمت بعد ذلك ندماً شديداً.
وقد مرت معنا حادثة الإفك في أحداث السنة الخامسة وحادثة الوفاة في أحداث السنة الحادية عشر، وستمر معنا حادثة التيمم عند بحث التيمم وسنذكر ههنا بعض روايات التخيير وبعض روايات لها صلة بموقعة الجمل وهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وهذه
بعض نصوص في أصول هذا الكتاب عنها رضي الله عنها:
1138 -
* روى أحمد عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطبٍ، قالا: لما هلكتْ خديجة جاءت خولة بنت حكيمٍ امرأةُ عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تزوج قال: "مَنْ" قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً قال: "فمن البكر" قالت: بنت أحبِّ خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر قال: "ومن الثيب" قالت: سودة ابنة زمعة قد آمنتْ بك واتبعتك على ما تقول قال: "اذهبي فاذكريهما عليِّ"(1) فأتت أمَّ
1138 - رواه أحمد في مسنده (6/ 310).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 225): رواه أحمد، بعضه صرح فيه بالاتصال عن عائشة، وأكثره مرسل، فيه محمد بن عمرو بن علقمة وثقه غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح.
زمعة: هو زمعة بن نبس العمري القرشي. =
رُومن فقالت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبُ عليه عائشة قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبُ عائشة. قال: وهل تصلح له إنما هي ابنةُ أخيه فرجعتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتْ له قال: "ارجعي فقولي له أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي" فرجعتُ فذكرت ذلك له فقال انتظري وخرج قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه فوالله ما وعد وعداً قط فأخلفه لأبي بكر. فدخل أبو بكر على مُطعم بن عدي وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلك مُصبٍ صاحبنا مدخله في دينك الذي أنت عليه إن تزوج إليك، قال أبو بكر للمُطعم بن عدي: أقول هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك. فخرج من عنده وقد أذهب الله ما كان في نفسه من عدته التي وعد، فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعته، فزوجها إياهُ، وعائشة رضي الله عنها يومئذٍ بنت ست سنين، ثم خرجتْ فدخلتْ على سودة بنت زمعة فقالت: ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبُك عليه قالت: ودِدْتُ، أدخُلي على أبي فاذكري ذلك له، وكان شيخاً كبيراً قد أدركته السن قد تخلف عن الحج فدخلتْ عليه فحيته بتحية الجاهلية فقال: من هذه فقالت: خولة ابنة حكيم، قال: فما شأنكِ؟ قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطبُ عليه سودة، فقال: كفؤ كريم. فإذا تقول صاحبتُك؟ قالت: تُحبُ ذلك. قال: ادعيه لي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثي على رأسه التراب؛ فقال بعد أن أسلم: لعمري إني لسفيه يوم أحثي في رأٍي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة ابنة زمعة. قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج بالسُّنْحِ قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيننا فجاءت بي أمي وأنا في أرجوحةٍ ترجح بي بين عدقين فأنزلتني من الأرجوحة ولي جُمَيْمَة ففرقتها ومسحت وجهي بشيءٍ من ماءٍ ثم أقبلتْ تقودني حتى وقفتُ عند الباب، وإني لأنهج حتى سكن من نفسي (1)، ثم دخلت بي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ على
السُّنْح: موضع قرب المدينة.
سريرٍ في بيتنا، وعندهُ رجالٌ ونساءٌ من الأنصار، فاحتبستني في حجرة، ثم قالت: هؤلاء أهلُك فبارك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك فوثب الرجال والنساء فخرجوا، وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، ما نُحِرت عليَّ جزورُ ولا ذُبحت عليَّ شاةً، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنةٍ كان يُرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذٍ ابنةُ سبع سنين.
1139 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُريتُك في المنام ثلاث ليالٍ، جاءني بك الملك في سرقةٍ من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشفُ عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك من عند الله يُمضه".
وفي رواية (1): أن جبري لجاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة.
قال النووي:
(إن يك هذا من عند الله يمضه) قال القاضي: إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة، وقبل تخليص أحلامه صلى الله عليه وسلم من الأضغاث. فعناها: إن كانت رؤيا حق. وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاث معانٍ؛ أحدها أن المراد إن تكن الرؤيا على وجهها وظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وتفسير، فسيمضيه الله تعالى وينجزه، فالشك عائد إلى أنها رؤيا على ظاهرها أم تحتاج إلى تعبير وصرفٍ عن ظاهرها.
الثاني: أن المراد إن كانت هذه الزوجة في الدنيا يمضها الله، فالشك في أنها زوجته في الدنيا أم في الجنة.
1139 - البخاري (7/ 223) 63 - كتاب مناقب الأنصار -44 - باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وقدومها المدينة، وبنائه بها.
ومسلم (4/ 1889) 44 - كتاب فضائل الصحابة-13 - باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها.
(1)
الترمذي (5/ 704) 50 - كتاب المناقب -63 - باب فضل عائشة رضي الله عنها وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة.
الثالث: أنه لم يشك، ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك. كما قال: أأنت أم سالم؟ وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف. وسماه بعضهم مزج الشك باليقين. أهـ النووي على مسلم.
قال في الفتح: قوله (جاءني بك الملك) وقع في رواية أبي أسامة "إذا رجل يحملك" فكأن الملك تمثل له حينئذ رجلاً. ووقع في رواية ابن حبان من طريق أخرى عن عائشة "جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقوله (في سَرَقةِ من حرير) السرقة بفتح المهملة والراء والقاف هي القطعة، ووقع في رواية ابن حبان "في خرقة حرير" وقال الداودي: السرقة الثوب، فإن أراد تفسيره هنا فصحيح، وإلا فالسرقة أعم. وأغرب المهلب فقال: السرقة كالكلة أو كالبرقع. وعند الآجري من وجه آخر عن عائشة "لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني" ويجمع بين هذا وبين ما قبله بأن المراد أن صورتها كانت في الخرقة والخرقة في راحته، ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس الخبر "نزل مرتين" وقوله (فكشف عن وجهك الثوب) في رواية أبي أسامة "فأكشفها" فعبر بلفظ المضارع استحضاراً لصورة الحال. قال ابن المنير: يحتمل أن يكون رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه، ويكون الضمير في "أكشفها" للسرقة أي أكشفها عن الوجه، وكأنه حمله على ذلك أن رؤيا الأنبياء وحي، وأن عصمتهم في المنام كاليقظة، وقال أيضاً: في الاحتجاج بهذا الحديث للترجمة نظر، لأن عائشة كانت إذ ذاك في سن الطفولة فلا عورة فيها البتة، ولكن يستأنس به في الجملة في أن النظر إلى المرأة قبل العقد فيه مصلحة ترجع إلى العقد. أهـ.
1140 -
* روى البخار يعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر، إنما أنا أخوك، فقال:"أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال".
قال في الفتح: وقال ابن بطال (1): يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في
1140 - البخاري (9/ 123) 67 - كتاب النكاح، 11 - باب تزويج الصغار من الكبار رواه مرسلاً.
المهد، لكن لا يُمكن منها حتى تصلح للوطء، فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة لأنه أمر مجمع عليه. قال: ويؤخذ من الحديث أن الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها. قلت: كأنه أخذ ذلك من عدم ذكره، وليس بواضح الدلالة، بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر، فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة. وقول أبي بكر "إنما أنا أخوك" حصر مخصوص بالنسبة إلى تحريم نكاح بنت الأخ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب "أنت أخي في دين الله وكتابه" إشارة إلى قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ونحو ذلك، وقوله "وهي حلال لي" معناه وهي مع كونها بنت أخي يحل لي نكاحها لأن الأخوة المانعة من ذلك أخوة النسب والرضاع لا أخوة الدين.
1141 -
* روى الحاكم عن عائشة: ما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتاه جبريل بصورتي وقال هذه زوجتك، وتزوجني وإني لجارية علي حوف فلما تزوجني ألقى الله علي حياء وأنا صغيرة.
1142 -
* روى الطبراني عن عائشة قالت: قدمنا مهاجرين فسلكنا في ثنيةٍ صعبة فنفر جملٌ كنتُ عليه نفوراً منكراً، فوالله ما أنسى قول أمي يا عُريسة فركب بي رأسه، فسمعت قائلاً يقول والله ما أراه: ألقي خِطامَهُ، فألقيته، فقام يستدير كأنما إنسان قائم تحته يمسكه.
1143 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فوعكتُ (1)،
1141 - المستدرك (4/ 9) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.
الحوفُ: جلد يشق كهيئة الإزار تلبسه الحيض والصبيان.
1142 -
المعجم الكبير (33/ 183)
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 239): رواه الطبراني، وإسناده حسن.
1143 -
البخاري (7/ 223) 63 - كتاب مناقب الأنصار-44 - باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة
…
إلخ.
مسلم (2/ 1038) 16 - كتاب النكاح - 10 - باب تزويج الأب البكر الصغيرة. =
فتعرق شعري، فوفَّ جُمَيْمَة، فأتتني أمي - أم رومان- وإني لفي أرجوحةٍ، ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي؟ فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهجُ، حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحتْ به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوةٌ من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني غليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرُعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضُحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذٍ بنتُ تسع سنين.
وفي رواية (1) نحوه، إلا أن فيه: فأخذت بيدي، فأوقفتني على الباب، فقلت: هه، ههْ، حتى ذهب نفسي وفيه: فغسلن رأسي، وأصلحنني، فلم يرعْني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمْنَنِي إليه.
وفي أخرى (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسعٍ، ومكثتْ عنده تسعاً.
وفي أخرى (3) عن عروة قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين - أو قريباً من ذلك - ونكح عائشة وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنتُ تسع سنين.
ولمسلم (4) عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنتُ سبع سنين وزُفَّتْ إليه وهي
= تمرق: الشعر، وامرق: سقط وانتشر من مرض أو علةٍ تعرض له.
وفي: إذا كثر.
جُميمة: تصغير جُمة وهي الشعر لنازل إلى الأذنين ونحوهما، أي صار إلى هذا الحد بعد أن كان قد ذهب بالمرض.
على خير طائر: على أفضل حظ.
لم يرُعْني: لم يفجأني.
(1)
مسلم في نفس الموضع السابق.
هه ههْ حكاية تتابع النفس من التهيج، وقيل: أرادت حكاية صوت البكاء.
(2)
البخاري (9/ 190) 67 - كتاب النكاح -38 - باب إنكاح الرجل ولده الصغار.
(3)
البخاري (7/ 224) 63 - كتاب مناقب الأنصار -44 - باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة
…
إلخ.
(4)
مسلم (2/ 1039) 16 - كتاب النكاح - 10 - باب تزويج الأب البكر الصغيرة.
بنتُ تسع سنين، ولعبها معها، ومات عنها وهي بنتُ ثماني عشرة.
وفي أخرى (1): تزوجها وهي بنتُ ست سنين، وبنى بها وهي بنتُ تسع، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة.
قال في الفتح: "تزوجني وأنا بنت ست سنين" أي عقد عليَّ. وقولها "فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج" أي لما قدمت هي وأمها وأختها أسماء بنت أبي بكر كما سأبينه، وأما أبوها فقدم قبل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم. قوله (فتمزق شعري) بالزاي أي تقطع والكشميهني "فتمرق" بالراء أي انتتف. قوله (فوفي) أي كثر، وفي الكلام حذف تقديره ثم فصلت من الوعك فتربى شعري فكثر، وقولها "جميمة" بالجيم مصغرة الجُمة بالضم وهي مجتمع شعر الناصية، ويقال للشعر إذا سقط على المنكبين جمة، وإذا كان إلى شحمة الأذنين وفرة. وقولها "في أرجوحة" بضم أوله معرفة وهي التي تلعب بها الصبيان، وقوله "أنهج" أي أتنفس عالياً، وقولهن "على خير طائر" أي على خير حظ ونصيب، وقولها "فلم يُرعني": بضم الراء وسكون العين أي لم يفزعني شيء إلا دخوله عليِّ، وكنتْ بذلك عن المفاجأة بالدخول على غير عالم بذلك فإنه يفزع غالباً. أهـ.
1144 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كُنْتُ ألعبُ بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحبُ يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عيه وسلم إذا دخل ينقمعْنَ منه فيَُربهُن إليَّ فيلعبن معي.
وفي رواية أبي داود (2) قالت: كنتُ ألعبُ بالبنات، فربما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي الجواري، فإذا دخل خرجن، وإذا خرج دخلن.
وله في أخرى (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِمَ من غزوة تبُوكَ - أو خيبر وفي سهوتها
(1) مسلم في نفس موضع الرواية السابقة.
1144 -
البخاري (10/ 536) 78 - كتاب الأدب-81 - باب الانبساط إلى الناس.
ومسلم (4/ 1890) 44 - كتاب فضائل الصحابة-13 - باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها.
ألعب بالبنات: البنات: اللعب المصنوعة- على هيئة البنات
(2)
أبو داود (4/ 283) كتاب الأدب، باب في اللعب بالبنات.
سهوتِها: السهوة: صفة صغيرة، كالمخدع.
(3)
أبو داود (4/ 283) كتاب الأدب، باب في اللعب بالبنات.
سِتْرٌ، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بناتٍ لعائشة لُعَبٍ، فقال:"ما هذا يا عائشة" قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاعٍ، فقال:"ما هذا الذي أرى وسطهن؟ " قالت: فرسٌ، قال:"وما هذا الذي عليه؟ " قالت: جناحان، قال:"فرسٌ له جناحان؟ " قالت: أما سمعت أن لسليمان عليه السلام خيلاً لها أجنحةً؟ قالت: فضحك حتى رأيتُ نواجذَهُ.
قال النووي: قوله (عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القاضي: فيه جواز اللعب بهن. قال: وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها لهذا الحديث ولما فيه من تدريب النساء في صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن. قال: وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن، وروي عن مالك كراهة شرائهن، وهذا محمول على كراهة الاكتساب بها وتنزيه ذوي المروات عن تولي بيع ذلك لا كراهة اللعب. قال: ومذهب جمهور العلماء جواز اللعب بهن وقالت طائفة: هو منسوخ بالنهي عن الصور هذا كلام القاضي. قولها (كانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يسربهن إلي) معنى ينقمعن يتغيبن حياء منه وهيبة وقد يدخلن في بيت ونحوه وهو قريب من الأول يسربهن بتشديد الراء أي يرسلهن وهذا من لطفه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته.
1145 -
* روى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قال: ما رأيت صانعاً طعاماً مثل صفية، صنعت لرسول الله صلى الله عيه وسلم طعاماً فبعثت به، فأخذني أفكل فكسرت الإناء، فقلت يا رسول الله، ما كفارة ما صنعت؟ قال:"إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام".
1146 -
* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (1): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
1145 - أبو داود (3/ 297) كتاب البيوع، باب فيمن أفسد شيئاً يغرم مثله.
والنسائي (7/ 71) كتاب عشرة النساء، باب الغيرة، وإسناده حسن، حسنه الحافظ في الفتح.
أفكل: شدة الرعدة من البرد.
1146 -
البخاري (9/ 320) 67 - كتاب النكاح -107 - باب الغيرة. =
عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفةٍ فيها طعامٌ، فضربتِ التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفةُ، فانفلقتْ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فِلَق الصحفة، ثم جعل يجمعُ فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول:"غارت أمُّكُم، غارت أمكم" ثم حبس الخادم، حتى أتى بصحفةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسرتْ صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كُسر فيها.
وفي رواية النسائي (1) أن أم سلمة أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة مُتِّزرةً بكساء، ومعها فِهْرُ، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول:"كُلوا، غارت أمُّكم" - مرتين - ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة.
1147 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة. قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه جميعاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها. فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين بعيري وأركب بعيرك، فتنظرين وانظر؟ قالت: بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة. وركبت حفصة على بعير عائشة. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسلم ثم سار معها. حتى نزلوا. فافتقدته عائشة فغارتْ. فلما نزلوا جعلت تجعلُ رجلها بين الإذخر وتقول: يا رب! سلط عليَّ عقرباً أو حية تلدعني. رسولك ولا أستطيعُ أن أقول له شيئاً.
= بصحفة: الصحفة كالقصعة.
(1)
النسائي (7/ 70) كتاب عشرة النساء، باب الغيرة.
الفِهر: بكسر الفاء، وسكون الهاء: الحجر قدر ما يدق به الجوز أو ما يملأ الكف، ويؤنث، والجمع: أفهار وفهور.
1147 -
البخاري (1/ 310) 67 - كتاب النكاح -97 - باب القرعة بين النساء إذا أراد سفراً.
ومسلم (4/ 1894) 44 - كتاب فضائل الصحابة-13 - باب في فضل عائشة رضي الله عنها.
فطارت القُرعة: يقال: طار سهم فلان، أي: خرج نصيبه، وتعين اسمه من بين الأسماء.
الإذْخِر: نبت معروف توجد فيه الهوام غالباً في البرية.
قال الحافظ في الفتح (رسولك) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو رسولك، وإنما تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم.
وقال في الفتح أيضاً: قوله (إذا أراد سفراً) مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعةُ من يسافر بها، وتجري القرعة أيضاً فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبد بأيهن شاء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة، إلا أن يرضين بشيء فيجوز بلا قرعة. قوله (أقرع بين نسائه) زاد ابن سعد من وجه آخر عن القاسم عن عائشة "فكان إذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية" واستدل به على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك كما تقدم في أواخر الشهادات، والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة، قال عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنه من باب الخطر والقمار، وحكى عن الحنفية أجازتها أهـ، وقد قالوا به في مسألة الباب، واحتج من منع من المالكية بأن بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي لا نفع بها في السفر لأضر بحال الرجل، وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت الرجل من الأخرى، قوال القرطبي: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء، وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحاً بغير مرجح أهـ. وفيه مراعاة للمذهب مع الأمن من رد الحديث أصلاً لحمله على التخصيص، فكأنه خصص العموم بالمعنى قال الداودي: يحتمل أن تكون المسايرة في ليلة عائشة ولذلك غلبت عليها الغيرة فدعت على نفسها بالموت، وتعقب بأنه يلزم أنه يوجب القَسْم في المسايرة، وليس كذلك إذ لو كان لما كان يخص عائشة بالمسايرة دون حفصة حتى تحتاج حفصه تتحيل على عائشة، ولا يتجه القسم في حالة السير إلا إذا كانت الخلوة لا تحصل إلا فيه بأن يركب معها في الهودج وعند النزول يجتمع الكل في الخيمة فيكون حينئذ عماد القسم السير، أما المسايرة فلا، وهذا كله مبني على أن القسم كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يدل عيه معظم الأخبار، ويؤيد القول بالقرعة أنهم اتفقوا على أن مدة السفر لا يحاسب بها المقيمة بل يبتدئ إذا رجع بالقسم فيما يستقبل، فلو سافر بمن شاء بغير قرعة فقدم بعضهن في القسم للزم منه إذا رجع أن يوفي من تخلفت حقها، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على أن ذلك لا يجب، فظهر أن للقرعة فائدة وهي أن لا يؤثر بعضهن بالتشهي لما يترتب على
ذلك من ترك العدل بينهن، وقد قال الشافعي في القديم: لو كان المسافر يقسم لمن خلف لما كان للقرعة معنى بل معناها أن تصير هذه الأيام لمن خرج سهمها خالصة انتهى، ولا يخفى أن محل الإطلاق في ترك القضاء في السفر ما دام اسم السفر موجوداً، فلو سافر إلى بلدة فأقام بها زماناً طويلاً ثم سافر راجعاً فعليه قضاء مدة الإقامة، وفي مدة الرجوع خلاف عند الشافعية، والمعنى في سقوط القضاء أن التي سافرت وفازت بالصحبة لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك والمقيمة عكسها في الأمرين معاً أهـ من الفتح.
وفي الحديث جواز الحيلة التي لا تفوّت مقصد الشريعة.
1148 -
* روى أحمد وأبو يعلي والطبراني عن عائشة قالت: أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة من جزعٍ مُلَمَّعةً بالذهب ونساؤه مجتمعات في بيتٍ كلهن، وأمامة بنت أبي العاص ابن الربيع جاريةٌ تلعبُ في جانب البيت بالتراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كيف تريْنَ هذه؟ " فنظرنا إليها، فقلنا: يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب فقال: "اردُدْنَها إليَّ" فلما أخذها قال: "والله لأضعنها في رقبة أحَبَّ أهل البيت إليَّ" قالت عائشة: فأظلمتْ عليَّ الأرضُ بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن ولا أراهنَّ إلا أصابهن مثلُ الذي أصابني ووجمنا جميعاً سُكُوتاً، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص فسُرِّي عنَّا.
1149 -
* روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجَ مِنْ عندها ليلاً، قالت: فغِرْتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال:"مالك يا عائشة، أغرْتِ؟ " فقلتُ: وما لي لا يغارُ مثلي على مثلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقد جاءك شيطانُك؟ " قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال: "نعم" قلتُ: (1) ومع
1148 - أحمد في مسنده (6/ 101، 261).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 254): رواه الطبراني واللفظ له وأحمد باختصار وأبو يعلي، وإسناد أحمد وأبي يعلي حسن.
1149 -
مسلم (4/ 2168) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم-16 - باب تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قريناً.
قد جاءك شيطانك: أي فأوقع عليك أني قد ذهبت إلى بعض أزواجي فأنت لذلك متحيرة مفتشة عني.
كل إنسان؟ قال: "نعم" قلتُ: ومعك يا رسول الله؟ قال: "نعمْ، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم".
قال النووي في شرح مسلم: فأسلم: برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه: أسلم أنا من شره وفتنته، ومن فتح قال: إن القرين أسلم من الإسلام، وصار مؤمناً لا يأمرني إلا بخير، واختلفوا في الأرجح منهما، فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض الفتح، وهو المختار لقوله: فلا يأمرني إلا بخير، قال النووي: قال القاضي عياض: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه، وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته، وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. أهـ.
1150 -
* روى الطبراني عن مسروق أنهُ قيل له: هل كانت عائشةُ تُحسِنُ الفرائض قال: والذي نفسي بيده لقد رأيتُ مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.
1151 -
* روى الطبراني عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو جُمِعَ عِلم نساء هذه الأمة فيهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كان عِلْمُ عائشة أكثر مِنْ علمهِنَّ".
1152 -
* روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رض الله عنه قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قطُّ، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً.
1153 -
* روى أحمد والبزار عن عروة قال (1): قلت لعائشة إني أفكر في أمْرِكِ
1150 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 242) وقال: رواه الطبراني، وإسناده حسن.
1151 -
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 243) وقال: رواه الطبراني مرسلاً ورجاله ثقات.
1152 -
الترمذي (5/ 705) 50 - كتاب المناقب - 63 - باب فضل عائشة رضي الله عنه.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
1153 -
أحمد في مسنده (6/ 67).
والبزار: كشف الأستار (3/ 340).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 242): رواه البزار واللفظ له، وأحمد بنحوه إلا أنه قال: قالت: وكنت أعالجها له فمن ثم، والطبراني في الأوسط والكبير، وفيه عبد لله بن معاوية الزبيري قال أبو حاتم: مستقيم الحديث وفيه ضعف، وبقية رجاله أحمد والطبراني في الكبير ثقات.
فأعْجَبُ. أجِدُكِ من أفقه الناس فقلت ما يمنعُها؟ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنةُ أبي بكر وأجدك عالمةً بأيام العرب وأنسابها وأشعارها؟ فقلتُ: وما يمنعها؟ وأبوها علامةُ قريش؟ ولكن أعجبُ أني أجدك عالمةً بالطبِّ فمنْ أين؟ فأخذت بيدي وقالت: يا عُرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثُرَتْ أسقامه فكان أطباء العرب والعجم يبعثون له فتعلمتُ ذلك.
1154 -
* روى الطبراني عن معاوية قال: والله ما رأيت خطيباً قطُّ أبلغ ولا أفصح ولا أفطن من عائشة.
وفي رواية (1): ما رأيت أحداً كان أفصح من عائشة رضي الله عنها.
1155 -
* روى الطبراني عن عروة قال: ما رأيت امرأة أعلم بطبِّ ولا بفقهٍ ولا بشعرٍ من عائشة.
1156 -
* روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر فاطمة رضي الله عنها: فتكلمتُ أنا، فقال:"أما ترضين أنْ تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة" قلت: بلى والله. قال: "فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة".
1157 -
* روى الحاكم عن عبد الله بن زياد الأسدي قال: سمعتُ عَمار بن ياسر يحلف بالله إنها زوجته صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة.
1158 -
* روى الطبراني عن عائشة قالت: خِلال في سبعٌ لم تكن في أحد من النساء إلا ما آتى الله مريم بنت عمران والله ما أقول هذا فخراً على أحدٍ من صواحبي، فقال لها
1154 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 243) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(1)
في الموضع السابق.
1155 -
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 242) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.
1156 -
المستدرك (4/ 10) وقال: الحديث صحيح ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
1157 -
المستدرك (4/ 6) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
1158 -
المعجم الكبير (23/ 31).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 241): رواه الطبراني، ورجال أحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح.
عبد الله بن صفوان: وما هُنَّ يا أم المؤمنين؟ قالت: نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين، وأُهديتُ إليه لتسع سنين، وتزوجني بكراً، ولم يشركهُ فيِّ أحدٌ من الناس، وكان الوحي يأتيه وأنا وهو في لحافٍ واحدٍ، وكنتُ أحَبَّ النسا إليه وبنت أحب الناس إليه، وقد نزل في آيات من القرآن، وقد كادت الأمةُ تهلكُ فيّ، ورأيتُ جبريل ولم يره أحدٌ من نسائه غيري، وقُبِضَ في بيتي لم يله أحد غيري والملك.
1159 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: "يا عائشُ، هذا جبريلُ يقرئك السلام" قالت: فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، قالت قالت: -وهو يرى ما لا يرى- تُريدُ: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية (1) للنسائي قالت: أوحى الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معهُ، فقُمتُ فأجفْتُ الباب بيني وبينه، فلما رُفِّه عنه قال لي:"يا عائشةُ إن جبريل يُقرئك السلام".
قال ابن حجر: وقال ابن بطال عن المهلب: سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة؛ وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سداً للذريعة، ومنع منه ربيعةُ مطلقاً. وقال الكوفيون: لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن مُنعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا: ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها. وقال المتولي: إن كان للرجل زوجة أو محرم أو أمة فكالرجل مع الرجل، وإن كانت
1159 - البخاري (7/ 106) 63 - كتاب فضائل الصحابة-30 - باب فضل عائشة.
ومسلم (4/ 1896) 44 - كتاب فضائل الصحابة-13 - باب فضل عائشة.
يا عائش: دليل لجواز الترخيم، ويجوز فتح الشين وضمها.
يرى ما لا أرى: تريد أنه يرى جبريل ويسمع كلامه وهي لا تراه.
(1)
النسائي (7/ 69) كتاب عشرة النساء، باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض.
أجفت الباب: إذا أغلقته.
رفه عنه: تقول: رفه عني: إذا أراحني، وإذا كان الإنسان في ضيق فنفستُ عنه، قلت: رفهتُ عنه.
أجنبية نُظِر: إن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يشرع السلام لا ابتداء ولا جواباً، فلو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد، وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها جاز. وحاصل الفرق بين هذا وبين المالكية التفصيل في الشابة بين الجمال وعدمه. فإن الجمال مظنة الافتتان، بخلاف مطلق الشابة، فلو اجتمع في المجلس رجال ونساء جاز السلام من الجانبين عند أمن الفتنة. أهـ.
1160 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَمُلَ من الرجال كثيرٌ، ولم يكمُلْ من النساء إلا مريمُ بنتُ عمران، وآسيةُ امرأةُ فرعون. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
وفي رواية الكسائي (1) عن أبي موسى وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
1161 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لأعْلُم إذا كُنت عَنِّي راضيةً، وإذا كنت على غضبي" قالت: فقلتُ: ومن أيْنَ تعْرِفُ ذلك؟ فقال: "أما إذا كُنْتِ عني راضيةً فإنك تقولين: لا وربِّ محمدٍ، وإذا كنتِ غضبي، قلت: لا وربِّ إبراهيم" قالت: قلتُ: أجل والله يا رسول الله، ما أهجرُ إلا اسمك.
وفي رواية (2): "إني لأعرف غضبك من رضاك
…
" وذكر بمعناه.
1162 -
* روى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"
1160 - البخاري (7/ 106) 62 - كتاب فضائل الصحابة-30 - باب فضل عائشة رضي الله عنها.
ومسلم (4/ 1886) 44 - كتاب فضائل الصحابة- 12 - باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
(1)
النسائي (7/ 68) كتاب عشرة النساء، باب - حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض.
1161 -
البخاري (9/ 335) 67 - كتاب النكاح -108 - باب غيرة النساء ووجدن.
ومسلم (4/ 1890) 78 - كتاب فضائل الصحابة-13 - باب في فضل عائشة.
(2)
البخاري (10/ 497) 78 - كتاب الأدب- باب ما يجوز من الهجران لمن عصى.
1162 -
البخاري (7/ 18) 62 - كتاب فضائل الصحابة-5 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذاً خليلاً". =
فقلت: من الرجال؟ قال: "أبوها" قلت: ثم من؟ قال: "عمر بن الخطاب" فعدُ رجالاً.
إن سؤال عمرو بن العاص هذا يدل على أن كل من كان يحيط برسول الله صلى الله عليه وسلم يستشعر أنه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أدب عظيم ينبغي أن يتخلق به وُرَّاث الأنبياء.
1163 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن الناس كانوا يتحرون هداياهُم يوم عائشة يبتغون بها - أو يبتغون بذلك - مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1164 -
* روى البخاري عن عائشة قالت: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كُنِّ حِزْبينِ، فحِزْبُ فيه: عائشة وحفصةُ وصفيةُ وصفيةُ وسوْدةُ، والحزب الآخر: أُمُّ سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حُب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديةٌ يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة. فكلم حزْبُ أم سلمة، فقُلْنَ لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكلم الناس، فيقول: منْ أراد أن يُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليُهْدها حيثُ كان من بيوت نسائه، فكلمتْهُ أمُّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئاً، فسألنها. فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لها: فكلميه، قالت: فكلمْتُه حين دار إليها أيضاً، فلم يقل لها شيئاً، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لها، كلميه حتى يكلمك، فدار إليها فكلمته، فقال لها:"لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأةٍ إلا عائشة" قالت. فقلتُ: أتوبُ إلى الله من أذاك يا رسول الله، ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك ينشدْنك العدل في بنت أبي بكرٍ، فكلمته، فقال: "يا بُنيَّةُ (1)، ألا تُحبين ما
= ومسلم (4/ 1856) 44 - كتاب فضائل الصحابة-1 - باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
1163 -
البخاري (5/ 203) 51 - كتاب الهبة-7 - باب قبول الهدية.
ومسلم (4/ 1891) 44 - كتاب فضائل الصحابة-13 - باب في فضل عائشة.
1164 -
البخاري (5/ 305) 51 - كتاب الهبة- 8 - باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض، ينشدنك: أي يسألنك.
العدل في ابنة أبي بكر: معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب. في ثوب امرأة: أي في لحاف امرأة.
أحبه؟ " فقالت: بلى، فرجعت إليهن، فأخبرتهن، فقلن: ارجعي إليه فأبتْ أن ترجع، فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظتْ، وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي قحافة، فرفعت صوتها، حتى تناولت عائشة، وهي قاعدة، فسبَّتْها، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة: هل تكلمُ؟ قال: فتكلمت عائشة ترُدُّ على زينب، حتى أسكتتها، قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة، فقال: "إنها ابنةُ أبي بكر".
وفي أخرى (1) قال: كان الناس يتحرون بهداياهُم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريدُ الخير، كما تُريده عائشة، فمُري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان، أو حيث دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم. قالت: فأعْرَضَ عني، قالت: فلما عاد إليّ ذكرْتُ له ذلك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرتُ ذلك فقال:"يا أم سلمة: لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأةٍ منكن غيرها".
وفي أخرى (2) قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمن فاستأذنت عليه وهو مُضطجعُ معي في مِرْطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنةِ أبي قُحافة، وأنا ساكتةٌ، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيّ بنيةُ، ألستِ تحبين ما أحب؟ " فقالت: بلى، قال:"فأحبي هذه" قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعتْ إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتْهُن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: ما تُراك أغنيتِ عنا من شيءٍ، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجكَ
(1) البخاري (7/ 107) 62 - كتاب فضائل الصحابة-30 - باب فضل عائشة.
يتحرون: التحري: القصد والاعتماد للشيء، والاجتهاد في تحصيل الأمر المطلوب.
(2)
ومسلم (4/ 1891) 44 - كتاب فضائل الصحابة-13 - باب في فضل عائشة.
مرطي: المِرْط: الكساء من الخز والصوف يُتغطى به. =
ينشدْنك العدل في ابنة أبي قُحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحشٍ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تُساميني منهنَّ في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدقُ به، وتقربُ به إلى الله تعالى ما عدا سؤرة من حدٍّ كانت فيها، تُسرعُ منها الفيئةُ، قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله: إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقُب طرفة، هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيتُ عليها - وفي روايةٍ: لم أنشبْها أن أثخنْتُها غلبةً - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبسم:"إنها ابنة أبي بكر".
قال ابن حجر: وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة، وقد استدل به على فضل عائشة على خديجة وليس ذلك بلازم لأمرين: أحدهما احتمال أن لا يكون أراد إدخال خديجة في هذا، وأن المراد بقوله "منكن" المخاطبة وهي أم سلمة ومن أرسلها أو من كان موجوداً حينئذ من النساء، والثاني على تقدير إرادة الدخول فلا يلزم من ثبوت خصوصية شيء من الفضائل ثبوت الفضل المطلق كحديث "أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد" ونحو ذلك، ومما يسأل عنه الحكمة في اختصاص عائشة بذلك، فقيل لمكان أبيها (1)، وأنه لم يكن يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في
- تساميني: المساماة: المناظرة والمناصبة، وهو مفاعلة من السمو، وهو العلو.
سورة من حد: السورة: الوثوب والثوران، الحد: الحدة في الإنسان.
الفيئة: الرجوع عن الشيء الذي يكون قد لابسه الإنسان.
وقعت به: إذا وقعت في عرضه وشتمته، من الوقيعة في الناس.
لم أنشبها: أي: لم ألبثها ولم أمهلها.
أنحيت عليها: أي قصدتها: بالمعارضة.
أثخنتها: قمعتها وقهرتها.
أغلب أحواله، فسرى سره لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم. وقيل إنها كانت تبالغ في تنظيف ثيابها التي تنام فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم، والعلم عند الله تعالى. قال السبكي الكبير: الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة: والخلاف شهير ولكن الحق أحقُّ أن يتبع. وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة. وكأنه رأى التوقف. وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يُطلعُ عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أري كثرة العلم فعائشة لا محالة؛ وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها. قلت: امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهن متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام؛ فلها مثل أجر من جاء بعدها، ولا يقدر قدر ذلك إلا الله. وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة، وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة. (فرع): ذكر الرافعي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء هذه الأمة، فإن استثنيت فاطمة لكونها بضعة فأخواتها شاركنها. وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة:"هي أفضل بناتي، أصيبت في" وقد وقع في حديث خطبة عثمان حفصة زيادة في مسند أبي يعلي "تزوج عثمان خيراً من حفصة، وتزوج حفصة خير من عثمان" ويحتمل أن يقدر من (أفضل بناتي) وأن يقال كان ذلك قبل أن يحصل لفاطمة جهة التفضيل التي امتازت بها عن غيرها من أخواتها، قال ابن التين: فيه أن الزوج لا يلزمه التسوية في النفقة بل يفضل من شاء بعد أن يقوم للأخرى بما يلزمه لها، قال: ويمكن أن لا يكون فيها دليل لاحتمال أن يكون من خصائصه، كما قيل أن القسم لم يكن واجباً عليه وإنما كان يتبرع به.
1165 -
* روى أبو يعلي والبزار عن عائشة قالت (1): دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
1165 - البزار: كشف الأستار (3/ 240).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 241) وقال: رواه أبو يعلي والبزار باختصار، وفيه مُجالد وهو حسن الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.
أبْكِي، فقال:"ما يُبْكيكِ؟ " قلتُ: سبتَّني فاطمة فقال: "يا فاطمة سببت عائشة؟ " قالت: نعم يا رسول الله، قال:"أليس تُحبين من أحبُّ؟ " قالت: نعم. قال: "فإني أحبُّ عائشة فأحبيها" قالت فاطمة: لا أقول لعائشة شيئاً يؤذيها أبداً.
1166 -
* روى الطبراني عن عامر الشعبي قال: قال رجلٌ: كل أمهاتِ المؤمنين أحبُّ إليَّ من عائشة، قلتُ له: أما أنت فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي كانت أحبهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1167 -
* روى الطبراني في الوسط عن عمرو بن الحارث بن المصطلق قال: بعث زياد إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمالٍ، وفضل عائشة، فجعل الرسولُ يعتذرُ إلى أمة سلمة، فقالت: يعتذرُ إلينا زيادٌ! فقد كان يُفضلها من كان أعظم علينا تفضيلاً من زيادٍ، رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1168 -
* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله أرأيت لو نزلت وادياً فيه شجرةً قد أُكِلَ منها، ووجدت شجراً لم يؤكل منها؛ في أيها كُنتَ تُرتعُ بعيرك؟ قال:"في التي لم يُرتَعْ منها" يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوجْ بكراً غيرها.
قال في الفتح: وفي هذا الحديث مشروعية ضرب المثل وتشبيه شيء موصوف بصفة بمثله مسلوب الصفة. وفيه بلاغة عائشة وحسن تأتيها في الأمور، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم "في التي لم يرتع منها" أي أوثر ذلك في الاختيار على غيره. فلا يرد على ذلك كون الواقع منه أن الذي تزوج من الثيبات أكثر، ويحتمل أن تكون عائشة كنت بذلك عن المحبة بل عن أدق من ذلك أهـ.
1166 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 343) وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
1167 -
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 343)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
1168 -
البخاري (9/ 120) 67 - كتاب النكاح -9 - باب نكاح الأبكار.
الرتع: الاتساع في الخِصْب، ورتع البعير، وارتعه صاحبه: أرسله في المرعى، واختاره له.
1169 -
* روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله: كُلُّ صواحبي لهُنَّ كُنّآ، قال:"فاكتني بابنك عبد الله بن الزبير" فكانت تُكنى: بأم عبد الله.
1170 -
* روى أبو داود عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: استأذن أبو بكر رحمة الله عليه على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عالياً، فلما دخل تناولها ليلطُمَها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مُغْضَباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر:"كيف رأيتني أنقذْتُكِ من الرجل؟ " قال: فمكث أبو بكر أياماً، ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكهما كما أدخلتماني في حربكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد فعلنا قد فعلنا".
قال عبد الحق الدهلوي: اللطم: ضرب الخد بالكف وهو منهي عنه، ولعل هذا كان قبل النهي أو وقع ذلك منه لغلبة الغضب أو أراد ولم يلطم.
قلت: قوله: أنقذتك من الرجل ولم يقل من أبيك، وإبعاده صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن عائشة تطييباً وممازحة كل ذلك داخل في المزاح.
1171 -
* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسِمُ لعائشة يومها ويوم سودة.
1172 -
* روى مسلم عن عائشة قالت (1): ما رأيتُ امرأة أحبُّ إليَّ أنْ أكون في
1169 - أبو داود (4/ 293) كتاب الأدب، باب في المرأة تكنى. وإسناده قوي.
1170 -
أبو داود (4/ 300) كتاب الأدب، باب ما جاء في المزامع، وإسناده حسن.
حَجَزه: حجزتُه عن كذا، أي: حُلتُ بينه وبينه، ومنعته عنه.
أنقذتك: الإنقاذ: التخليص.
سلمكما: السلْمُ: الصلح، وهو ضد الحرب.
1171 -
البخاري (9/ 312) 67 - كتاب النكاح -98 - باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، وكيف يقسم ذلك.
1172 -
مسلم (2/ 1085) 17 - كتاب الرضاع - 14 - باب جواز هبتها نوبتها لضرتها. =
مِسْلاخها: من سودة بنت زمعة، من امرأة فيها حدة، قالت: فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة. قالت: يا رسول الله، قد جعلتُ يومي منك لعائشة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسِمُ لعائشة يومين: يومها ويوم سودة، زاد في رواية: قالتْ: " وكانتْ أول امرأةٍ تزوُجها من بعدي.
وقول عائشة فيها حدة: وردت من قبل في وصف سودة وفسرناها على ظاهرها، ولكن النووي فسرها تفسيراً آخر وذلك من زيادة أدبه فقال: لم تُرِدْ عائشة عيب سودة بذلك، بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة هنا.
قال ابن حجر: قوله (إن سودة بنت زمعة) هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تزوجها وهو بمكة بعد مت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه. ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب "قالت عائشة: وكانت أول امرأة تزوجها بعدي" ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة، وأما دخوله عليها فكان قبل دخوله على عائشة بالاتفاق، وقد نبه على ذلك ابن الجوزي. قوله (وهبت يومها لعائشة) تقدم في الهبة من طريق الزهري عن عروة بلفظ "يومها وليلتها" وزاد في آخره "تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم". ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام "لما أن كبرت سودة وهبت" وله نحوه من رواية جرير عن هشام، وأخرج أبو داود هذا لحديث وزاد فيه بيان سببه أوضح من رواية مسلم، فروى عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة بالسند المذكور "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم" الحديث، وفيه "ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك منها، ففيها وأشباهها نزلت {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} الآية" وتابعه ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد في وصله، ورواه سعيد بن منصور عن ابن أبي الزناد مرسلاً لم يذكر فيه عن عائشة، وعند الترمذي من حديث ابن عباس موصولاً نحوه، وكذا قال عبد الرزاق عن معمر بمعنى ذلك (1)،
= المسلاخ: هو الجلد ومعناه أن أكون أنا هي.
من امرأة: قال القاضي: من هنا للبيان واستفتاح الكلام.
فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت، وأخرج ابن سعد بسندٍ رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلاً" أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها طلقة رجعية فقعدت له على طريقه فقالت: والذي بعثك بالحق مالي في الرجال حاجة، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي؟ قال: لا. قالت: فأنشدك لما راجعتني، فراجعها. قالت: فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حِبّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) في رواية جرير عن هشام عند مسلم "فكان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة. أهـ فتح الباري.
1173 -
* روى أحمد وابن ماجه عن عائشة قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته.
1174 -
* روى البخار يعن عروة قال: كان عبدُ الله بن الزبير رضي الله عنه أحب البشر إلى عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وكان أبرَّ الناس بها، وكانت لا تمسك شيئاً مما جاءها من رزق الله تصدقت، فقال ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها، فقالت: أيؤخذُ على يدي؟! عليَّ نذرٌ إن كلمته، فاستشفع إليها برجال من قريش، وبأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فامتنعت، فقال له الزهريُّون أخوال النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن ابن الأسود بن عبد يغوث والمسْوَرُ بن مخزمة-: إذا استأذنا فاقتحم الحجاب، ففعل، فأرسل إليها بعشر رقابٍ فأعتقتهم، ثم لم تزل تُعتِقْهم حتى بلغت أربعين، فقالت: وددت أني جعلت حين حلقتُ عملاً أعمله، فأفرغ منه. وفي رواية طرف منه، قال عروة: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناسٍ من بني زُهرة إلى عائشة، وكانت أرق شيء عليهم لقربتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1173 - أحمد في مسنده (6/ 129).
وابن ماجه (1 - 636) 9 - كتاب النكاح -50 - باب حسن المعاشرة.
وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري، وعزاه المزي في الأطراف للنسائي، وليس هو في رواية ابن السني.
1174 -
البخاري (6/ 533) 61 - كتاب المناقب- 2 - باب مناقب قريش.
يؤخذُ على يديها: أخذت على يد فلان: إذا منعته من التصرف في نفسه وماله.
فاقتحم الحجاب: أُدخله مسرعاً منغير إذن.
1175 -
* روى البخاري عن عوفِ بن مالك بن الطفيل رحمه الله وهو ابن أخي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأمها - أن عائشة حدثت: أن عبد الله بن الزبير قال- في بيع أو غطاء أعطته عائشة-: والله لتنتهين عائشة أو لأحجُرَنَّ عليها، قالت: أو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله عليَّ نذرٌ أن لا أكلم ابن الزبير أبداً، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله، لا أشفع فيه أبداً، ولا أتحنث إلى نذري، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث - وهما من بني زُهرة- وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة، فإنها لا يحلُّ لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسورُ وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما، حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلامُ عليك ورحمة الله وبركاته، أندخلُ؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلُّكم، ولا تعلمُ أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة، وطفق يُناشدها ويبكي، وطفق المسورُ وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلتْ منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثِ ليالٍ، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما، وتبكي، وتقول: إني نذرت، والنذرُ شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك، فتبكي، حتى تبُلَّ دموعُها خِمَارَها.
حكى الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قتلتْ جانا (1)، فأُتيتْ في منامها: والله لقد قتلتِ مسلماً. قالت: لو كان مسلماً لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
1175 - البخاري (10/ 491) 78 - كتاب الأدب- 63 - باب الهجرة.
لأحجُرن: الحجرُ: المنع، ومنه حجرُ القاضي على السفين: إذا منعه من التصرف في ماله.
قطيعتي: القطيعة: الهجرانُ وتركُالمكالمة.
مشتملين بأرديتهما: اشتمل بثوبه: التف به.
يُناشدها: ناشدت الرجل: إذا سألته وأقسمت عليه.
التحريج: التضييق والتأثيمُ، وذلك أنهما كانا - بتكرار المبالغة في القول والخطاب معها - ضيقاً عليها وجه الاعتذار، وأوقعاها في الإثم بالامتناع من إجابتها.
(1)
جانا: حية أكحل العين، لا تؤذي، وهي كثيرة في الدور.
فقيل: أو كان يدخل عليك إلا وعليك ثيابك" فأصبحت فزعة، فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلتها في سبيل الله. كذا في سير أعلام النبلاء.
1176 -
* روى البخاري عن القاسم بن محمد: أن عائشة اشتكتْ، فجاء ابن عباس، فقال: يا أم المؤمنين، تقدمين على فرطِ صدقٍ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر.
1177 -
* روى البخاري عن ابن أبي مُليكة رحمه الله قال: استأذن ابن عباس على عائشة قُبيل موتها وهي مغلوبةٌ قالت: أخشى أن يُثني عليّ، فقيل: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير، إن اتقيتُ قال: فأنتِ بخير إن شاء الله تعالى" زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينْكِحْ بكراً غيرك، ونزل عُذْرُك من السماء. ودخل ابن الزبير خلافه، فقالت: دخل ابن عباس فأثنى علي، وددتُ أني كنت نسياً منسياً.
قال أهل العلم: ينبغي أن يجمع العبد بين الخوف والرجاء، ويغلب الخوف حال الصحة والرجاء عند الاحتضار، ففعل ابن عباس من الفقه.
وفي الحديث جواز عيادة المريضة غير المحرم بشرط الحجاب، وكان الصحابة يدخلون على أمهات المؤمنين وبينهم ستار صفيق.
1178 -
* روى الحاكم عن ابن أبي مُليكة قال: جاء ابن عباس يستأذن على عائشة رضي الله عنها في أن تأذن فقال لها بنو أخيها: ائذني له فإنه من خير ولدك قالت (1): دعُوني
1176 - البخاري (7/ 106) 62 - كتاب فضائل الصحابة-30 - باب فضل عائشة.
أن عائشة اشتكت: مرضت وذلك مرض الموت.
تقدمين: بفتح الدال (على فرط): بفتح الفاء والراء بعدها مهملة وهو المتقدم من كل شيء.
قال ابن التين: فيه أنه قطع لها بدخول الجنة إذ لا يقول ذلك إلا بتوقيف.
على رسول الله: بدل بتكرير العامل.
1177 -
البخاري (8/ 482) 65 - كتاب التفسير-8 - باب (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم
…
).
مغلوبة: أي غلبها المرض فلم تعد كما كانت في صحتها.
نسياً منسياً: أي شيئاً حقيراً، متروكاً مطرحاً لا يلتفت إليه. خلافه: بعده.
1178 -
المستدرك (4/ 8) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.
من تزكيته، فلم يزالوا بها حتى أذنتْ له، فلما دخل عليها، قال ابن عباس: إنما سُميت أم المؤمنين لتسعدي، وإنه لاسْمُكِ قبل أن تُولدي إنك كنت من أحب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحب إلا طيباً، وما بينك وبين أن تلقي الأحبة إلا أن تفارق الروح الجسد، ولقد سقطت قلادتك ليلة الأنواء فجعل الله للمسلمين خيرةً في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم ونزلتْ فيكِ آيات من القرآن، فليس مسجدُ من مساجد المسلمين إلا يُتلى فيه عُذرك آناء الليل وآناء النهار فقالت: دعني من تزكيتك لي يا ابن عباس فوددت أني كنتُ نسياً منسياً.
وأما حادثة التخيير فقد كان سببها طلب أزواجه منه التوسعة الدنيوية عليهن، وقد ورد في بعض روايات صلتها بالآية:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} (1) والظاهر أن ذلك الطلب وحادثة التحريم كانتا في وقت واحد، وتتعدد الروايات حول سبب نزول آية التحريم، ولا مانع من تعدد سبب النزول.
قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: أخرج البخاري (2) في التفسير عن عائشة بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش، ويمكث عندها فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا دخل عليها، فلتقل له: أكلت مَغَافير، إني أجد منك ريح مغافير قال:"لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش، فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً".
والمغافير: صمغ شبيه بالناطف ينضحه العرفط (نوع من الشجر)، فيوضع في ثوب، ثم ينضح بالماء فيشرب، وله ريح منكرة.
وثمت سبب آخر في نزول الآية، فقد أخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح فيما قاله الحافظ إلى مسروق قال: حلف رسول الله لحفصة لا يقرب أمته، وقال: علي حرام، فنزلت الكفارة ليمينه، وأُمِرَ أن لا يحرم ما أحل الله له، وأخرج الضياء المقدسي في
(1) التحريم: 1.
(2)
البخاري (8/ 656) 65 - كتاب التفسير-96 - سورة التحريم.
"المختارة" من مسند الهيثم بن كليب، ثم من طريق جرير بن حازم، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة: "لا تخبري أحداً أن أم إبراهيم علي حرام" قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (1) وأخرج الطبراني في عشرة النساء، وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية ببيت حفصة، فجاءت، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك: فذكر نحوه، وللطبراني من طريق الضحاك، عن ابن عباس قال: دخلت حفصة بيتها، فوجدته يطأ بمارية، فعاتبته فذكر نحوه. قال الحافظ: وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معاً. وقد روى النسائي من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس هذه القصة مختصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (2) الآية. أهـ.
وحادثة التخيير علم من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، فأن يطلب منه أزواجه عليه الصلاة والسلام التوسعة الدنيوية وهو قادر عليها، ويأبى عليه الصلاة والسلام إلا أن يعيش هو وأهله حياة التقشف والشظف، ويتأصلهن على ذلك بأمر الله:
1179 -
* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن أبا بكر جاء يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس ببابه جُلوساً، لم يؤذنْ لهم فأُذِنَ له فدخل، ثم أقبل عمرُ، فاستأذن فأُذن له، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه، (قبل الأمر
(1) التحريم: 2.
(2)
التحريم: 1.
(3)
الأحزاب: 28، 29.
1179 -
مسلم (2/ 1104) 18 - كتاب الطلاق- 4 - باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية. =
بالحجاب) واجماً ساكتاً، فقال أبو بكر: لأقولن شيئاً أُضْحِك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة تسألني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"هن حولي كما ترى يسألنني النفقة" فقام عمر إلى حفصة يجأُ عُنُقها، وقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا نسأل رسول الله أبداً شيئاً ليس عندهُ، قال: ثم اعتزلهُن شهراً أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} - حتى بلغ - {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (1) قال: فبدأ بعائشة، فقال:"يا عائشةُ، إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك" قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أنْ لا تُخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال:"لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً مُيسراً".
1180 -
* روى البخاري ومسلم عن ابن عباس. قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (2) حتى حج عُمر وحججتُ معه. فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلتُ
= الواجم: المطرق الساكت، كأنه مفكر.
وجأ: ضب، وتأتي بمعنى داسه برجله ونحو ذلك.
معنتاً: مشدداً على الناس وملزماً إياهم ما يصعب عليه.
متعنتاً: طالباً زلتهم، وأصل العنت: المشقة.
قالت عائشة: وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت: قالت ذلك طمعاً أن يصفو لها الرسول صلى الله عليه وسلم.
لاتسألني امرأة منهن إلا أخبرتها: يدل ذلك على أن من طلب منه أن يكتم شيئاً ليس من الواجب أو المصلحة كتمانه فله أن لا يقبل الاستكتام.
(1)
الأحزاب: 27، 28.
1180 -
البخاري (9/ 378) 67 - كتاب النكاح -830 باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها.
ومسلم (3/ 111) 18 - كتاب الطلاق 5 - باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخبيرهن وقوله تعالى (وإن تظاهرا عليه).
(2)
التحريم: 4. =
معه بالإداوة. فتبرزَ ثم أتاني فسكبْتُ على يديه. فتوضأ. فقلتُ: يا أمير المؤمنين! من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل لهما {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قال عمر: واعجبا لك يا ابن عباس! (قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي حفصة وعائشة. ثم أخذ يسوقُ الحديث. قال: كنا معشر قريش، قوماً نغلبُ النساء. فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم. فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيدٍ، بالعوالي. فتغضبْتُ يوماً على امرأتي فإذا هي تُراجعني فأنكرْتُ أن تُراجعني. فقالت: ما تُنْكِرُ أنْ أراجعك؟ فوالله! إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه. وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فانطلقت فدخلت على حفصة. فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعمْ. فقلت: أتهجره إحداكُن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر. أفتأمنُ إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا هي قد هلكت. لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تساليه شيئاً. وسليني ما بدا لك ولا يغُرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منكِ (يريد عائشة). قال: وكان لي جارٌ من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فينزلُ يوماً وأنزلُ يوماً فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك وكنا نتحدثُ، أن غسان تُنعِلُ الخيل لتغزونا. فنزل صاحبي ثم أتاني عشاء فضرب بابي ثم ناداني فخرجت إليه. فقال: حدث أمر عظيمٌ. قلت: ماذا؟ أجاءت غسانُ؟ قال: لا. بل أعظمُ من ذلك وأطولُ. طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه. فقلتُ: قد خابت حفصة وخسرتْ. قد كنتُ أظنُّ هذا كائناً. حتى إذا صليتُ
صغت قلوبكما: مالت.
العوالي: جمع عالية، وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة.
تراجع: مراجعة الكلام مرادته برجع جوابه، أي إعادته.
جارتُك: الجارة هاهنا: الضرةُ، أراد بها عائشة رضي الله عنها.
ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي لا تفعلي مثلها إن فعلت ذلك، فهي أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
غسان: الأشهر ترك صرف غسان.
تنعل الخيل: أي يجعلون لخيولهم نعالاً لغزونا، يعني يتهيأون لقتالنا.
الصبح شددتُ علي ثيابي. ثم نزلتُ فدخلته على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلقكُنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا أدري ها هو ذا معتزل في هذه المشربةِ. فأتيتُ غلاماً له أسود. فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثم خرج إليَّ. فقال: قد ذكرتك له فصمت. فانطلقتُ حتى انتهيت إلى المنبر فجلست. فإذا عنده رهطٌ جلوس يبكي بعضهم فجلست قليلاً. ثم غلبني ما أجدُ ثم أتيتُ الغلام فقلتُ: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إليّ فقال: قد ذكرتُك له فصمت. فوليت مدبراً. فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل فقد أذن لك فدخلتُ فسلمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثرَ في جنبه فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليَّ وقال: "لا" فقلت: الله أكبر! لو رأيتنا، يا رسول الله! وكنا معشر قريشٍ، قوماً نغلبُ النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتغضبت على امرأتي يوماً فإذا هي تُراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فقلتُ: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك فتبسم أخرى فقلت استأنسُ: يا رسول الله! قال: "نعمْ" فجلستُ فرفعتُ رأسي في البيت فوالله ما رأيتُ فيه شيئاً يَرُدُّ البصر، إلا أهباً ثلاثة. فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع علي أُمَّتِكَ فقد وسع على فارس والروم. وهم لا يعبدون الله. فاستوى جالساً ثم قال: "أفي شك أنتَ؟ يا ابن الخطاب (1)! أولئك قوم عُجلت لهم طيباتهم في الحياة
= المشربةُ: بضم الراء وفتحها: الغرفة.
غلبني ما أجد: ما أشعر من الحزن والغضب.
رمال حصير: يقال: رملتُ الحصير: إذا ضفرتهُ ونسجته، والمراد: أنه لم يكن على السرير وطاء سوى الحصير. استأنس يا رسول الله: الظاهر من إجابته صلى الله عليه وسلم أن الاستئناس هنا، هو الاستئذان في الأنس والمحادثة، ويدل عليه قوله: فجلست.
الأهبُ والأهبُ: جمع إهاب وهو الجلد.
من شدة موجدته: أي غضبه وحزنه.
الدنيا" فقلتُ: استغفر لي يا رسول الله. وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهنُ حتى عاتبه الله عز وجل.
قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة. قالت: لما مضى تسعٌ وعشرون ليلة، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم. بدأ بي فقلتُ: يا رسول الله! إنك أقسمتَ أن لا تدخل علينا شهراً وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهُن. فقال: "إن الشهر تسع وعشرون" ثم قال: "يا عائشة إني ذاكرٌ لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك" ثم قرأ عليّ الآية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} حتى بلغ {أَجْرًا عَظِيمًا} قالت عائشة: قد علم والله أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه. قالت فقلتُ: أو في هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريدُ الله ورسوله والدار الآخرة.
قال معمرٌ: فأخبرني أيوب أن عائشة قالت: لا تخبر نساءك أني اخترتُك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أرسلني مُبلغاً ولم يرسلني متعنتاً".
قال قتادة: صفتْ قلوبكما: مالت قلوبكما.
وفي رواية (1) لمسلم عن عبد الله بن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال: دخلتُ المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب. فقال عمر فقلت: لأعلمنِّ ذلك اليوم. قال: فدخلت على عائشة فقلت: يا بنت أبي بكر! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: مالي ومالك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلتُ على حفصة بنت عمر فقلت لها: يا حفصة! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله ر؟ والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحبك ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) مسلم (2/ 1105) 18 - كتاب الطلاق-5 - باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى (وإن تظاهرا عليه).
ينكتون بالحصى: أي يضربون به الأرض، كفعل المهموم المفكر.
عليك بعيبتك: المراد عليك بوعظ بنتك حفصة. قال أهل اللغة: العيبة، في كلام العرب، وعاء يجعل الإنسان فيها ألإضل ثيابه ونفيس متاعه، فشبهت ابنته بها.
فبكت أشد البكاء. فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على أُسْكُفَّةِ المشربة مُدلٍّ رجليه على نقير من خشب. وهو جِذْعٌ يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر فناديتُ: يا رباحُ! استأذنْ لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئاً ثم قلت: يا رباحُ! استأذنْ لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئاً. ثم رفعتُ صوتي فقلت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئتُ من أجل حفصة. والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ورفعت صوتي. فأومأ إليّ أن ارْقَهْ. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير فجلستُ. فأدنى عليه إزاره ولبس عليه غيره وإذا الحصير قد أثر في جنبه. فنظرْتُ ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع. ومثلها قرظاً في ناحية الغرفة وإذا أفيق مُعَلّقْ. قال: فابتدرت عيناي. قال: "ما يبكيك يا ابن الخطاب؟! " قلت: يا نبي الله مالي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك. وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى وذاك قيصرُ وكسرى في الثمار والأنهار. وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوتهُ. وهذه خزانتك. فقال: "يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ (1) "
= خزانته: الخزانة مكان الخزن، كالمخزن، وما يخزن فيه يسمى خزينة.
المشربة: قال في المصباح: بفتح الميم والراء، الموضع الذي يشرب منه الناس. وبضم الراء وفتحها، الغرفة، أسكفة: هي عتبة الباب السفلى.
مدل رجليه: أي مرسلهما.
نقير: أي على شيء من خشب نقر وسطه حتى يكون كالدرجة. قال النووي: هذا هوالصحيح الموجود في جميع النسخ، وذكر القاضي أنه بالفاء، بدل النون، وهو فقير بمعنى مفقورن مأخوذ من فقار الظهر، وهو جذع فيه درج.
أن أرقه: أي أشار إليَّ رباح بالصعود إلى المشربة بواسطة ذلك الجذع المنقور كالسلم. فـ (أن) تفسيرية.
وارقه: أمر من الرقي. والهاء في آخره للسكت. وفي الكلام حذف. تقديره فرقيت فدخلت.
قرظاً: القرظ ورق السلم يدبغ به.
أفيق: هو الجلد الذي لم يتم دباغه. وجمعه أفق. كأديم وأدم. وقد أفق أديمه يأفقهُ.
فابتدرت عيناي: أي لم أتمالك أن بكيت حتى سالت دموعي
قلت: بلى. قال: ودخلتُ عليه حين دخلتُ وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت: يا رسول الله! ما يشُقُّ عليك من شأن النساء؟ فإنْ كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمتُ، وأحمدُ الله، بكلام إلا رجوت أن يكون الله يُصدق قولي الذي أقول. ونزلت هذه الآية آية التخيير {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} (1) وكانت عائشة بنتُ أبي بكرٍ وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! أطلقتهن؟ قال: "لا" قلت: يا رسول الله! إني دخلتُ المسجد والمسلمون ينْكُتُون بالحصى يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: "نعم. إن شئت" فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك. وكان من أحسن الناس ثغراً. ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلتُ. فنزلتُ أتشبثُ بالجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسهُ بيده فقلت: يا رسول الله! إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: "إن الشهر يكون تسعاً وعشرين" فقمت على باب المسجد فناديتُ بأعلى صوتي: لم يُطلقْ رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزلت هذه الآية {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (2) فكنت أنا استنبطتُ ذلك الأمر وأنزل الله عز وجل آية التخيير.
(1) التحريم: 4، 5.
(2)
النساء: 83.
تحسر الغضب: أي زال وانكشف.
كشر: أي أبدى أسنانه تبسما، ويقال أيضاً في الغضب. قال ابن السكيت: كشر وبسم وابتسم وافتر، كله بمعنى واحد، فإن زاد قيل: قهقه وزهزق وكركر.
أتشبث: أي مستمسكاً بذلك الجذع، الذي هو كالسلم للغرفة.
يستنبطونه: قال الزمخشري في الكشاف: أي الذين يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم، والنبط الماءُ يخرج من البئر أول ما تحفر. وإنباطه واستنباطه إخراجه واستخراجه. فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل ويهم.
وفي رواية للبخاري ومسلم (1) عن عبد الله بن عباس قال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آيةٍ فما أستطيع أن أسأله هيبةً له حتى خرج حاجاً فخرجتُ معه. فلما رجع، فكنا ببعض الطريق، عدل إلى الأراكِ لحاجةٍ له. فوقفت له حتى فرغ ثم سرتُ معه فقلتُ: يا أمير المؤمنينّ! من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشةُ. قال فقلت له: والله! إن كنتُ لأريد أنْ أسألك عن هذا منذ سنةٍ فما أستطيع هيبةً لك. قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه. فإن كنت أعلمه أخبرتك. قال: وقال عمر: والله إن كنا في الجاهلية ما نعُد للنساء أمراً حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم. قال: فبينما أنا في أمر أأتمره، إذ قالت لي امرأتي: لو صنعت كذا وكذا! فقلت لها: ومالك أنت ولما ههنا؟ وما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي: عجباً لك، يا ابن الخطاب! ما تريد أن تراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان. قال عمر: فأخذ ردائي ثم أخرج مكاني. حتى أدخل على حفصة فقلت لها: يا بنية! إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله! إنا لنراجعه. فقلت: تعلمين أني أُحذرك عقوبة الله وغضب رسوله. يا بنية! لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها. ثم خرجتُ حتى أدخل على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت لي أم سلمة: عجباً لك يا ابن الخطاب! قد دخلت في كُلِّ
(1) البخاري (8/ 657) 65 - كتاب التفسير -2 - باب "تبتغي مرضاة أزواجك".
ومسلم (2/ 1108) 18 - كتاب الطلاق - 5 - باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى (وإن تظاهرا عليه).
الأراك: جاء في المعجم، للعلايلي: الأراك في وصف القدماء، شجرة طويلة خضراء ناعمة كثيرة الورق والأغصان، خوارة العود. يستاك بفروعها، أي تنظف بها الأسنان، وهو طيب النكهة، له حمل كحمل عناقيد العنب.
ويعد اليوم من فضيلة الزيتونيات. عدل إلى الأراك لحاجة: عدل عن الطريق المسلوكة الجادة، منتهياً إلى شجر الأراك لحاجة له، كناية عن التبرز.
أأتمره: معناه أشاور فيه نفسي وأفكر. معنى بينما وبينا، أي بين أوقات ائتماري.
تراجع: مراجعة الكلام مرادته برجع جوابه، أي إعادته.
شيءٍ حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه! قال: فأخذتني أخذاً كسرتني عن بعض ما كنت أجدُ. فخرجتُ من عندها وكان لي صاحب من الأنصار إذا غِبْتُ أتاني بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر. ونحن حينئذ نتخوف ملكاً من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا. فقد امتلأت صدورنا منه. فأتى صاحبي الأنصاري يدق الباب. وقال: افتح. افتح. فقلت: جاء الغساني؟ فقال: أشد من ذلك. اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه. فقلت: رغم أنف حفصة وعائشة. ثم آخذ ثوبي فأخرج حتى جئت. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربةٍ له يُرتقى إليها بعجلةٍ. وغلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة. فقلت: هذا عمر. فأُذن لي. قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث. فلما بلغتُ حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء. وتحت رأسه وسادة من أُدمٍ حشوها ليفٌ، وإن عند رجليه قرظاً مضبوراً. وعند رأسه أهباً مُعلقةً. فرأيتُ أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكيت. فقال:"ما يُبكيك؟ " فقلت: يا رسول الله! إن كسرى وقيصر فيما هُما فيه. وأنت رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة؟ ".
قال محقق الجامع: وفي الحديث من الفوائد: سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ. وفيه توقير العالم ومهابته عن
= غسان: الأشهر ترك صرف غسان.
رغم أنف حفصة وعائشة: هو بفتح الغين وكسرها، والمصدر فيه بتثليث الراء. أي لصق بالرغام، وهوالتراب. هذا هو الأصل. ثم استعمل في كل من عجز عن الانتصاف، وفي الذل والانقياد كرها.
الدرجة: ما نسميه اليوم درجاً وسلماً.
بعجلة: قال النووي: وقع في بعض النسخ: بعجلها. وفي بعضها: بعجلتها، وفي بعضها: بعجلة. وكله صحيح والأخيرة أجود. قال ابن قتيبة وغيره: هي درجة من النخل. كما قال في الرواية السابقة: جذع.
من أدم: هو جلد مدبوغ. جمع أديم.
مضبوراً: وقع في بعض الأصول: مضبوراً، بالضاد المعجمة. وفي بعضها بالمهملة. وكلاهما صحيح، أي مجموعاً.
أهبا معلقة: بفتح الهمزة والهاء، وبضمهما. لغتان مشهورتان. جمع إهاب. وهو الجلد قبل الدباغ، على قول الأكثرين. وقيل: الجلد مطلقاً.
استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره. وترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه. وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لأجل إصلاحها لزوجها. وفيه سياق القصة على وجهها وإن لم يسأل عن ذلك، إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وبيان، لا سيما إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك، وفيها البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي، وفيه ذكر العالم ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية وإن كان في ذلك حكاية ما يستهجن، وجواز ذكر العمل الصالح لسياق الحديث على وجهه، وبيان ذكر وقت التحمل وفيه الصبر على الزوجات والإغضاء عن خطابهن والصفح عما يقع منهن من ذلك في حق المرء دون ما يكون من حق الله تعالى. وفيه جواز اتخذا الحاكم عند الخلوة بواباً يمنع من يدخل إليه بغير إذنه. وفيه أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصة عند الأمر يطوقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخرج إلى الناس وهو منبسط إليهم، فإن الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذن ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر، عظيم المنزلة عنده وفيه أن المرء إذا رأى صاحبه مهموماً استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه، لقول عمر: لأقولن شيئاً يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك. كما فعل عمر، وفيه التجمل بالثوب والعمامة عند لقاء الأكابر، وفيه التناوب في مجلس العالم إذا لم تتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي، وفيه أن الأخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق، فإن جزم الأنصاري في روايته بوقوع التطليق، وكذا جزم الناس الذين رآهم عند المنبر بذلك، محمول على أنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي توهمه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن فأشاع أنه طلقهن، فشاع ذلك فتحدث الناس به، وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه، لقول عمر: ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات، وفيه كراهة سخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو قليلاً، والاستغفار من وقوع ذلك، وطلب الاستغفار من أهل الفضل، وإيثار القناعة، وعدم الالتفات إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا
الفانية. أهـ.
1181 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّ العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر مما كان يحتبسُ، فغِرْتُ فسألت عن ذلك؟ فقيل لي: أهدتْ لها امرأة من قومها عُكَّةً من عسل فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربةً، فقلت: أما والله لنحتالن له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقول له: يا رسول الله أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجدُ؟ - زاد في رواية: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه أن يُوجد منه الريحُ - فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرستْ نحلهُ العُرْفُط، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية مثل ذلك، قالت: تقول سودة: فوالله الذي لا إله إلا هو، ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أبادئه بما أمرتني فرقاً منك، دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال:"لا" قالت: فما هذه الريح التي أجدُ منك؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسلٍ" فقالت: جرست نحلهُ العُرْفُطَ، فلما دار إليّ، قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية، قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة، قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال:"لا حاجة لي فيه" قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي.
وفي رواية (1) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكثُ عند زينب بنت جحش، فيشربُ عندها عسلاً، قالت: فتواطأت أنا وحفصة، أنا أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم،
1181 - البخاري (9/ 374) 68 - كتاب الطلاق-8 - باب لم تحرم ما أحل الله لك.
ومسلم (2 م 1101) 18 - كتاب الطلاق - 3 - باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ين الطلاق.
عُكة: العكة. الظرف الذي يكونُ فيه العسلُ.
مغافير: المغافير بالفاء والياء: شيء ينضحه الغُرفُط، حلو كالناطف وله ريح كريهة.
جرست العرفط: جرست النحل العرفط: إذا أكلته، ومنه قيل للنحل: جوارس، والعُرفط: جمع عرفطة، وهو شجر من العضاه زهرته مدحرجة، والعضاة: كل شجر يعظمُ وله شوك كالصلح والسمر والسلم ونحو ذلك.
فرقا: الفرق: الفزعُ والخوف.
(1)
البخاري في نفس الموضع السابق.
فلنقل له: إني أجدُ منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له فقال: بل شربتُ عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزل:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1){إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} (2) لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (3) لقوله: بل شربتُ عسلاً ولنْ أعود له، وقد حلفتُ، فلا تخبري بذلك أحداً.
قال محقق الجامع: وهذه الرواية من طريق عبيد بن عمير عن عائشة، في "الصحيحين" أيضاً من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وفيه أن شرب العسل كان عند حفصة بنت عمر، قال الحافظ: وأخرج ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن شرب العسل كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير، وإن اختلفا في صاحبة العسل وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدد، فلا يمنع تعدد السبب للأمر الواحد، فإن جنح إلى الترجيح، فرواية عبيد بن عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها، على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على ما تقدم في التفسير، وفي الطلاق من جزم عمر بذلك، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في التظاهر بعائشة، لكن يمكن تعدد القصة في شرب العسل وتحريمه، واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة، ويؤيد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام بن عروة التي فيها: أن شرب العسل كان عند حفصة تعرض للآية، ولا يذكر سبب النزول. والراجح أيضاً أن صاحبة العسل زينب لا سودة، لأن طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق ابن أبي مليكة بكثير، ولا جائز أن تتحد بطريق هشام بن عروة، لأن فيها أن سودة كانت ممن وافق عائشة على قولها: أجد ريح مغافير، ويرجحه أيضاً ما ثبت عن عائشة أن نساء النبي كن حزبين، أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب، فهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل، ولهذا
(1) التحريم: 1.
(2)
التحريم: 4.
(3)
التحريم: 3.
غارت منها لكونها من غير حزبها والله أعلم. أهـ.
قال صاحب عون المعبود: لِمَ تُحَرَمُ ما أحل الله لك: من شرب العسل أو مارية القبطية. قال ابن كثير والصحيح أنه كان في تحريم العسل. وقال الخطابي: الأكثر على أن الآية نزلت في تحريم مارية حين حرمها على نفسه، ورجحه في فتح الباري بأحاديث عند سعيد بن منصور والضياء في المختارة والطبراني في عشرة النساء وابن مردويه والنسائي ولفظه عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة رضي الله عنهما حتى حرمها فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قال القسطلاني: ولكن قال الخطابي في معالم السنن: في الحديث دليل على أن يمين النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقعت في تحريم العسل لا في تحريم أم ولده مارية القبطية كما زعمه بعض الناس. قال الخازن: قال العلماء: إنها في قصة العسل لا في قصة مارية القبطية المروية في غير الصحيحين ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح أهـ عون المعبود.
أقول: يلاحظ أن الخطابي قد رجح أن التحريم كان بسبب حادثة العسل ولا مانع أن تكون الآيات قد نزلت مرتين بسبب هاتين الحادثتين والمرة الثانية كانت مذكرة بأن النص نفسه ينطبق على الحادثة الجديدة.
قال في الفتح:
قوله (وكان إذا انصرف من العصر) كذا للأكثر، خالفهم حماد بن سلمة عن هشام بن عروة فقال "الفجر" أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن أبي النعمان عن حماد، ويساعده رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس ففيها "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس وله حتى تطلع الشمس، ثم يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن كان عندها" الحديث أخرجه ابن مردويه، ويمكن الجمع بأن الذي كان يقع في أول النهار سلاماً ودعاء محضاً، والذي في آخره معه جلوس واستئناس ومحادثة، لكن المحفوظ في حديث عائشة ذكر العصر ورواية حماد بن سلمة شاذة. قوله (دخل على نسائه) في رواية أبي أسامة أجاز إلى نسائه أي مشى،
ويجيء بمعنى قطع المسافة، ومنه فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، أي أول من يقطع مسافة الصراط. قوله (فيدنو منهن) أي فيقبل ويباشر من غير جماع كما في الرواية الأخرى. قوله (فاحتبس) أي أقام، زاد أبو أسامة "عندها". قوله (فسألت عن ذلك) ووقع في حديث ابن عباس بيان ذلك ولفظه "فأنكرت عائشة احتباسه عند حفصة فقالت: لجويرية حبشية عندها يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ما يصنع". قوله (فلت لسودة بنت زمعة إنه سيدنو منك) في رواية أبي أسامة "فذكرت ذلك لسودة وقلت لها: إنه إذا دخل عليك سيدنو منك" وفي رواية حماد بن سلمة "إذا دخل على إحداكن فلتأخذ بأنفها، فإذا قال: ما شأنك؟ فقولي: ريح المغافير" قوله (والله لقد حرمناه) بتخفيف الراء أي منعناه. قوله (قلت لها اسكتي) كأنها خشيت أن يفشو ذلك فيظهر من كيدها لحفصة. وفي الحديث من الفوائد ما جبل النساء عليه من الغيرة. وأن الغيراء تعذر فيما يقع منها من الاحتيال فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان، وترجم عليه المصنف في كتاب ترك الحيل "ما يكره من احتيال المرأة من الزوج والضرائر" وفيه الأخذ بالحزم من الأمور وترك ما يشتبه الأمر فيه من المباح خشية من الوقوع في المحذور. وفيه ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها وتطيعها في كل شيء تأمرها به حتى في مثل هذا الأمر مع الزوج الذي هو أرفع الناس قدراً. وفيه إشارة إلى ورع سودة لما ظهر منها من التندم على ما فعلت لأنها وافقت أولا على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل، ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد من ذلك لحسم مادة شرب العسل الذي هو سبب الإقامة. لكن أنكرت بعد ذلك أنه يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر كان يشتهيه وهو شرب العسل مع ما تقدم من اعتراف عائشة الآمرة بذلك في صدر الحديث، فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك. ولم تجسر على التصريح بالإنكار، ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها "اسكتي" بل أطاعتها وسكتت لما تقدم من اعتذارها في أنها كانت تهابها وإنما كانت تهابها لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر منهن، فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها، وإذا أغضبتها لا تأمن أن تغير عليها خاطر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحتمل ذلك، فهذا معنى خوفها منها. وفيه أن عماد القسم الليل، وأن النهار يجوز الاجتماع فيه بالجميع لكن بشرط أن لا تقع
المجامعة إلا مع التي هو في نوبتها كما تقدم تقريره. وفيه استعمال الكنايات فيما يستحيا من ذكره لقوله في الحديث "فيدنو منهن" والمراد فيقبل ونحو ذلك، ويحقق ذلك قول عائشة لسودة" إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك، فقولي له إني أجد كذا" وهذا إنما يتحقق بقرب الفم من الأنف، ولا سيما إذا لم تكن الرائحة طافحة، بل المقام يقتضي أن الرائحة لم تكن طافحة لأنها لو كانت بحيث يدركها النبي صلى الله عليه وسلم ولأنكر عليها عدم وجودها منه، فلما أقر على ذلك دل على ما قررناه أنها لو قدر وجودها لكانت خفية وإذا كانت خفية لم تدرك بمجرد المجالسة والمحادثة من غير قرب الفم من الأنف، والله أعلم، أهـ ابن حجر.
1182 -
* روى ابن ماجه عن عائشة قالت: أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدخُلَ على نسائه شهراً فمكث تسعة وعشرين يوماً، حتى إذا كان مساء ثلاثين دخل عليَّ، فقلت: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً فقال: "الشهر كذا"، يُرسل أصابعه فيه ثلاث مراتٍ والشهر كذا، وأرسل أصابعه كلها وأمسك أُصبعاً واحداً في الثالثة.
1183 -
* روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة، حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1).
قال محقق الجامع: ذكر ابن كثير في تفسيره عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: "لا تخبري أحداً، وإن أم إبراهيم عليَّ حرام" فقالت: أتحرم ما أحل الله لك؟ قال: فوالله لا أقربها" قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، قال: فأنزل الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2) وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المستخرج". أهـ.
1182 - ابن ماجه (1/ 664) 10 - كتاب الطلاق- 24 - باب الإيلاء.
قال في الزوائد: إسناده حسن لأن عبد الرحمن بن أبي الرجال مختلف فيه. قال في التقريب: صدوق ربما أخطأ.
1183 -
النسائي (7/ 71) كتاب عشرة النساء، باب الغيرة.
يطؤها: يجامعها.
(1)
التحريم: 1.
(2)
التحريم: 2.
1184 -
* روى أبو يعلي عن أم سلمة قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أزواجه كل غداةٍ فيسلم عليهن، فكانت منهن امرأة عندها عسلٌ، فكان إذا دخل عنها أحضرت له منه شيئاً فيمكث عندها، وإن عائشة وحفصة وجدتا من ذلك. فلما دخل عليهما قالتا: يا رسول الله إنا نجد منك ريح مغافير. فترك ذلك العسل.
1185 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعددها علينا شيئاً.
أقول: إن حادثة التخيير من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم بل هي أعظم رد على أعدائه، فالرسول عليه الصلاة والسلام مهمته الارتقاء بالنفس البشرية ابتداء من أهل بيته إلى أن يعم الخير كل الناس. ومن أعظم أنواع الارتقاء أن يتمحض الإنسان للآخرة فتكون تطلعاته وأعماله أخروية فلما أراد أزواجه أن ينزلن عن هذا الأفق الرفيع كان الهجران ثم التخيير بين البقاء والطلاق، وأن تخير الجميع بمن في ذلك عائشة وحفصة فذلك يدل على أن الأمر رباني أولاً وأخيراً. وإلا فمن يقف هذا الموقف لولا الثقة المطلقة بالله ولولا أنه منفذ لأمر الله.
قد يقال إن التوسع في المباح جائز، وإنما طلبن أمراً جائزاً، فنجيب أن من الكمال لمن يلي أمور الناس أن يعيش كأدناهم في الرزق حتى لا ينساهم في صولة السلطان، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون لما ولوا الخلافة، وكذلك فعل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، ولكن ليس ذلك من الواجبات، وكثيراً ما يفسد أمور الناس أنهم يطالبون أمراءهم بالاخشيشان متناسين الزمان والمكان والاستعداد، في كثير من الأحيان يكون توسع الأمراء جائزاً فهذا الذي لا نرى فيه حرجاً ولكن الكمال هو الأول (1).
1184 - قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أبو يعلي وفيه موسى بن يعقوب الزمعي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله ثقات.
1185 -
البخاري (9/ 367) 68 - كتاب الطلاق-5 - باب من خير أزواجه.
مسلم (2/ 1104) 18 - كتاب الطلاق -4 - باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية.
فلم يعددها علينا شيئاً: فلم يعتبره طلاقاً.
وأما حادثة الجمل فسنتعرض لها أثناء الكلام عن الإمام علي رضي الله عنه وهذه بعض روايات في شأنها مما له صلة بعائشة رضي الله عنها:
1186 -
* روى أحمد والبزار عن قيس بن أبي حازم: أن عائشة لما نزلت على الحوأبِ سمعت نُباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "أيتكُنَّ ينبحُ عليها كلاب الحوأب" فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله أن يُصلح بك بين الناس.
وفي رواية لأحمد (1) قال: لما أقبلت عائشة، فلما بلغت مياه بني عامر ليلا، نبحت الكلاب فقالت: أي ماءٍ هذا؟ قالوا: ماءُ الحوأبِ. قالت: ما أظنني إلا راجعةً. قال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "كيف بإحداكن تنبحُ عليها كلابُ الحوأب".
1187 -
* روى البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لنسائه: "ليتَ شعري أيتكن صاحبةَ الجمل الأدَّبَبِ، تخرج فينبحُها كلاب حوأب يُقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت".
1186 - أحمد في مسنده (6/ 97) وابن حبان: موارد الظمآن (1831).
البزار: كشف الأستار (4/ 94)، والحاكم (3/ 130) وصححه ووافقه الذهبي.
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 334)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.
وأورده الحافظ في الفتح (13/ 45) وقال: أخرج هذا أحمد وأبو يعلي والبزار، وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح، وقال الحافظ ابن كثير في البداية (6/ 212) بعد أن ذكره من طريق الإمام أحمد: وهذا إسناد علىش رط الصحيحين ولم يخرجوه.
والحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري فيما نقله عنه ياقوت في معجم البلدان، وقال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية.
(1)
أحمد في مسنده (6/ 52).
1187 -
البزار: كشف الأستار (4/ 94).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 234) وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات.
الجمل الأديب: الأدبُّ وهو الكثير وبر الوجه.
1188 -
* روى البخاري أن عمار بن ياسر قال على المنبر: (إني أعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة) يعني عائشة رضي الله عنها. قال ذلك قُبيل موقعة الجمل بعد خروج عائشة على عليٍّ رضي الله عنه.
أقول: إن هذه النصوص التي ذكرناها التي تذكر أن عماراً تقتله الفئة الباغية والنصوص الواردة في ذم الخوارج كل ذلك يدل على أن الحق والصواب كان بجانب علي رضي الله عنه وإنما يشفع للمواقف الأخرى النيات والاجتهاد، وذلك ينفع من صحت نيته وتحقق إخلاصه وعائشة رضي الله عنها كانت من هؤلاء يقيناً، ولعل كلام عمار في ذلك وهو من أشد الناس على الخارجين على علي رضي الله عنه يدل على أن هناك إجماعاً على ذلك (1).
* * *
1188 - البخاري (7/ 106) 62 - كتاب فضائل الصحابة-30 - باب فضل عائشة رضي الله عنها.