الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في فضل أمته
من المعلوم من الدين بالضرورة أن بعثته عليه الصلاة والسلام كانت إلى الإنس والجن، فالثقلان مكلفان برسالته إلى يوم القيامة، ومن ههنا فالعالمون كلهم أمته، لكن العلماء يفرّقون بين أمة الدعوة وأمة الاستجابة، فالإنس والجن عموماً هم أمة الدعوة، والذين استجابوا منهم فآمنوا وأسلموا هم أمة الاستجابة، وقد وردت في فضل أمة الاستجابة نصوص في الكتاب كقوله تعالى:
كما وردت نصوص في السنة:
1052 -
* روى الترمذي عن معاوية بن حَيْدة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "إنكم تُتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمُها على الله".
1053 -
* روى البخاري عن أبي موسى رفعه: "مثلُ المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجلٍ استأجر قوماً يعملون له عملاً يوماً إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجْرِك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم وخُذوا أجركم كاملاً، فأبوا وتركزا واستأجر آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطتُ من الأجْر، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: كل ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعَلْتَ لنا فيه فقال لهم: أكمِلُوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا فاستأجر قوماً أن يعملوا بقية يومهمْ، فعملوا بقية
(1) آل عمران: 110.
1052 -
الترمذي (5/ 226) 48 - كتاب تفسير القرآن-4 - باب "ومن سورة آل عمران" وقال: هذا حديث حسن.
وابن ماجه (2/ 1423) 37 - كتاب الزهد - 34 - باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأحمد في مسنده (5/ 2).
1053 -
البخاري (2/ 1433) 37 - كتاب الإجارة-11 - باب الإجارة من العصر إلى الليل.
يومهم حتى غابت الشمسُ واستكملوا أجر كليهما، فذلك مثلهُم ومثلُ ما قبلوا من هذا النور".
1054 -
* روى البخاري عن ابن عمر رفعه: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين العصر إلى غروب الشمس. أُوتيَ أهلُ التوراة التوراةَ فعملوا بها حتى انتصف النهار، ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أُوتي أهلُ الإنجيل الإنجيلَ فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطُوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهلُ الكتابين أي ربنا أعطيتَ هؤلاء قيراطين قراطين، وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً ونحن كنا أكثر عملاً قال الله تعالى: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا. قال فهو فضلي أوتيه من أشاءُ".
وفي رواية (1): "مثلكم ومثلُ أهل الكتابين كمثل رجلٍ استأجر أجراء، فقال: من يعمل لي من غدوةٍ إلى نصف النهار على قيراطٍ؟ فعملتِ اليهودُ، ثم قال: من يعملُ لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ؟ فعمِلتِ النصارى، ثم قال: من يعملُ لي من العصر إلى تغيُّب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاء؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء".
وفي أخرى (2): "قال إنما أجلكم في أجل مَنْ خلا من الأمم بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثلُ اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عُمالاً فقال: مني عملُ لي إلى نصف النهار على قيراطٍ قيراطٍ؟ " بنحوه.
دلت هذه النصوص على أن هذه الأمة أفضل الأمم وأكرمها، والمراد بها من تابع محمداً
1054 - البخاري (2/ 38) 9 - كتاب مواقيت الصلاة-17 - باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.
(1)
البخاري (4/ 445) 37 - كتاب الإجارة - 8 - باب الإجارة إلى نصف النهار.
(2)
البخاري (6/ 495) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء - 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
والترمذي (5/ 153)(45) كتاب الأمثال -7 - باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله.
صلى الله عليه وسلم وآمن به، والمراد بالأمم الأخرى من تابع الأنبياء الذين أرسلوا إليهم، فالمقارنة ههنا بين الأتباع المسلمين، أما الكافرون فلا وزن لهم أصلاً، فأتباع محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من أتباع موسى وعيسى وغيرهما من الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وقوله: (سبعون أمة) يشير إلى أن هناك سبعين أمة قد أرسل لها رسل: وبنو إسرائيل واحدة من الأمم، يفهم من ذلك كثرة الأمم التي أرسل لها رسل فالهنود أرسل لهم، والفرس أرسل لهم، والصينيون أرسل لهم، وغيرهم أرسل لهم، ولا يبعد أن يكون الهنود أُمماً، والصينيون أُمماً، وكل أمة منهم أرسل لها رسول، وتتبع روايات الأمم وعلى المقارنة بين الأديان يمكن أن يوصلانا إلى شيء في هذا الشأن إذا كان المتتبع والمقارن مسلماً، على أن المسألة في النهاية لا تخرج عن كونها من الظنيات ما دام الكتاب والسنة لم يفصلا. قال تعالى:
{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (1){وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (2){وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3){وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (4).
1055 -
* روى أحمد والبزار والطبراني عن أبي الدرداء: رفعه إن الله تعالى يقول: "يا عيسى إني باعث منْ بعدك أُمة إن أصابهم ما يُحبون حَمِدُوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم، قال يا رب: كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم؟ قال أعطيهم من حلمي وعلمي" فضل الله وحده على هذه الأمة هو الذي جعل لها هذا المقام عند الله، فعلى هذه الأمة أن تشكر، وعليها ألا تفتر ولا تبطر.
(1) فاطر: 24.
(2)
إبراهيم: 4.
(3)
النحل: 36.
(4)
غافر: 78.
1055 -
أحمد في المسند (6/ 450).
والبزار .. كشف الأستار (3/ 320).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 67)، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في "الكبير والأوسط"، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبي حليس يزيد بن ميسرة، وهما ثقتان.
يفهم من الحديث أن الفضل منوط بالعلم والحلم، فمن لم يعطه الله علماً ولا حلماً فلا فضل له.
نسأل الله العلم والحلم ونسأله أن يوفقنا لتحصيل ذلك.
1056 -
* روى الترمذي عن أنس رفعه: "مثلُ أُمتي مثلُ المطر لا يدري أوله خيرٌ أم آخره".
قد يفهم فاهم أن الخيرية في هذه الأمة مقصورة على الأجيال الأولى فجاء هذا الحديث ليصحح هذا الوهم. نعم: للأجيال الأولى فضل لا تلحقهم به أجيال أخرى.
1057 -
* روى البخاري ومسلم عن المغيرة رفعه: "لا يزالُ ناسٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللهم وهم ظاهرون".
1058 -
* روى الترمذي عن معاوية بن قرة عن أبيه رفعه: "إذا فسد أهلُ الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
1059 -
* روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رفعه (1): "لا يزال أهل الغرب
1056 - الترمذي (5/ 152) 45 - كتاب الأمثال 6 - باب حدثنا قتيبة.
قال في الفتح: هو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى درجة الصحة.
1057 -
البخاري (6/ 632) 61 - كتاب المناقب -28 - باب.
مسلم (3/ 1523) 33 - كتاب الإمارة -53 - باب قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم".
1058 -
الترمذي (4/ 485) 34 - كتاب الفتن - 27 - باب ما جاء في الشام وقال: هذا حديث حسن صحيح.
1059 -
مسلم (3/ 1535) 32 - كتاب الإمارة -53 - باب قوله صلى الله عليه وسلم "لا تال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم".
أهل الغرب: قال علي بن المديني: المراد بأهل الغرب: العرب. والمراد بالغرب، الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالباً، وقال آخرون: المراد به الغرب من الأرض، وقال معاذ: هم بالشام: وجاء حديث آخر: هم ببيت المقدس، وقيل هم أهل الشام وما وراء ذلك، قال القاضي: وقيل المراد بأهل الغرب، أهل الشدة والجلد. وغرب كل شيء حده. قاله النووي.
أقول: ظاهر الحديث أن المراد به ما كان غربي المدينة ويدخل في ذلك أجزاء من أفريقيا بالضرورة ومنها إفريقيا العربية والمغرب العربي الكبير جزء منها.
ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعةُ".
تدل هذه الأحاديث أن الحق مستمر في هذه الأمة وخاصة في بعض أقطارها، وقد جعل الله الشام ميزاناً يعرف به مقدار الخيرية في هذه الأمة، ومن تأمل حال فلسطين والأردن ولبنان وسورية حين تأليف هذا الكتاب عرف سوء الحال، وهذا يقتضي من أهل الخير في الشام أن يبذلوا مزيد جهد فجهادهم في الشام له انعكاساته على الأرض كلها.
1060 -
* روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه، ودعا ربهُ طويلاً، ثم انصرف إلينا فقال:"سألتُ ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحخدة، سألت ربي أن لا يُهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلك أُمتي بالغرق فأعطانيها، وسألتُه أن لا يجعل بأسهُم بينهم فمنعنيها".
وللترمذي (1) عن خباب بن الأرت: "سألتُه أنْ لا يُهِلكَ أمتي بسنةٍ فأعطانيها، وسألته أن لا يُسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يُذيق بعضهم بأس بعضٍ فمنعنيها".
هذه الأمة مبتلاة ببعضها وموعودة بعدم الاستئصال غرقاً أو باجتياح كوني أو عالمي، وهذا لا ينافي أن يغرق بعض أجزائها أو تنزل ببعضها جوائحُ أو يسلط على بعضها الكفار فيغلبوهم أو يستأصلوهم فالمنفي هو الاستئصال، وهذا التاريخ شاهد وذلك معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم.
1061 -
* روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك. قال: مُرَّ بجنازةٍ فأُثْني عليها
1060 - مسلم (4/ 2216) 52 - كتاب الفتن وشراط الساعة-5 - باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض.
أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم: أي يستأصلهم، أو المراد دوام التسليط.
(1)
الترمذي (4/ 472) 34 - كتاب الفتن -14 - باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً في أمته وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
1061 -
البخاري (3/ 228) 23 - كتاب الجنائز -85 - باب ثناء الناس على الميت.
ومسلم (2/ 655) 11 - كتاب الجنائز -20 - باب فيمن يُثني عليه خير أو شر من الموتى.
خيراً. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبتْ" ومُرَّ بجنازة فأثني عليها (1) شراً. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبتْ وجبت وجبتْ". قال عمر: فدى لك أبي وأمي! مَرِّ بجنازة فأثنى عليها خيراً فقلت: وجبتْ وجبت وجبتْ. ومُرَّ بجنازةٍ فأثنى عليها شراً فقلت: وجبتْ وجبت وجبتْ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتُم عليه خيراً وجبت له الجنة. ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النارُ. أنتمْ شهداء الله في الأرض. انتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض".
1062 -
* روى البخاري عن عمر رفعه: "أيما مسلم شهد له أربعةُ نفرٍ بخيرٍ أدخله الله الجنة" فقلنا وثلاثة؟ قال: "وثلاثة" فقلنا واثنان فقال: "واثنان" ثم لم نسأله عن الواحد.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (2) فهذه الأمة أكرمها الله عز وجل بأن جعلها شهيدة على الأمم قبلها وعلى الأمم المعاصرة لها.
وقوله تعالى: (وسطاً) أي خياراً عدولاً. وذلك يدل على أن الشهيد من هذه الأمة هو من اجتمع له الخيرية والعدالة، فلا عبرة لشهادة غير الخيار العدول، وعلى هذا يحمل الحديثان اللذان مرا، فمن شهد له عدلان بالخيرية فتك علامة على أنه من أهل الجنة، ويُستأنسُ بذلك لفقه الحركة أنه من زكاه عضوان استحق أن ينال صفة العضوية.
1063 -
* روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله تعالى عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يومُ السبتِ، وكان
(1) فأثنى عليها خيراً، فأثنى عليه شراً: هكذا هو في بعض الأصول: خيراً وشراً بالنصب، وهو منصوب بإسقاط الجار، أي فأثنى بخير وبشر، وفي بعضها مرفوع، ومعنى الإثناء هو الوصف، يستعمل في الخير والشر، والاسم والثناء، قال في المصباح: يقال أثنيت عليه خيراً وبخير، وأثنيت عليه شراً وبشر، لأنه بمعنى وصفته.
1062 -
البخاري مطولاً (3/ 239) 23 - كتاب الجنائز -85 - باب ثناء الناس على الميت.
والترمذي (3/ 365) 8 - كتاب الجنائز -63 - باب ما جاء في الثناء الحسن على الميت.
والنسائي مطولاً (4/ 51) كتاب الجنائز - باب الثناء.
(2)
البقرة: 143.
1063 -
مسلم (2/ 586) 7 - كتاب الجمعة -6 - باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.
والنسائي (3/ 87) كتاب الجمعة، باب إيجاب الجمعة.
للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق".
1064 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، ثم هذا يومهم الذي فُرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فهم لنا فيه تبع فاليهود غداً والنصارى بعد غد".
1065 -
* روى البخاري ومسلم عن عمران بن حُصين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إلى قوله {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} قال: أُنزلت عليه هذه وهو في سفرٍ، فقال:"أتدرُون أي يومٍ ذلك؟ " فقالوا: الله ورسوله أعلمُ، قال:"ذلك يوم يقول الله لآدم ابعثْ بعث النار فقال: يا رب وما بعث النار؟ قال: تسعمائةٍ وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة؟ " قال: فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قاربُوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية" قال: "فيؤخذ العددُ من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرَّقْمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير" ثم قال: "إني لأرجو أن تكونوا رُبع أهل الجنة" فكبروا ثم قال: "إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبروا ثم قال (1):
1064 - البخاري (3/ 354) 11 - كتاب الجمعة -1 - باب فرض الجمعة.
مسلم (2/ 586) 7 - كتاب الجمعة -6 - باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.
1065 -
البخاري مختصراً (11/ 388) 81 - كتاب الرقاق -46 - باب قوله عز وجل (إن زلزلة الساعة شيء عظيم). مسلم مختصراً (1/ 301) 1 - كتاب الإيمان -96 - باب قوله "يقول الله لآدم أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين".
الترمذي (5/ 323) 48 - كتاب تفسير القرآن -33 - باب ومن سورة الحج.
قاربوا وسددوا: المقاربة في الفعل: القصد والعدل، والسداد: الصواب من القول والفعل أي: اطلبوا القصد والصواب، واتركوا الغلو والإفراط
الرقمة: النقطة التي تكون في باطن عضدي الحمار، وهما رقمتان في عضديه. =
"إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبرُوا، قال: لا أدري قال الثلثين أم لا؟
وفي رواية عن عمران بن حُصين قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فتفاوت بين أصحابه في السير فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بهاتين الآيتين {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إلى قوله {عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} فلما سمع ذلك أصحابه حَثُّوا المطي وعرفوا أنه عند قوله يقوله، فقال:"هل تدرون أي يوم ذلك؟ " قالوا الله ورسوله أعلم، قال:"ذاك يوم ينادي الله فيه آدم فيناديه ربه فيقول: يا آدم ابعث بعث النار فيقول: يا رب؟ وما بعث النار، فيقول: مِنْ كل ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةُ وتسعون في النار وواحد في الجنة" فيئس القوم حتى ما أبدوا بضاحكةٍ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بأصحابه، قال:"اعملوا وأبشروا فوالذي نفسُ محمدٍ بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيءٍ إلا كثرتاهُ يأجوجُ ومأجوجُ ومنْ مات من بني آدم وبني إبليس" قال: فسُري عن القوم بعض الذي يجدون، فقال:"اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمدٍ بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة".
1066 -
* روى أحمد والترمذي عن أبي أمامة رفعه: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألف وثلاث حثيات من حثياته".
1067 -
* روى أحمد والترمذي عن بُريدة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1): "أهل الجنة
= أبدوا بضاحكة: يقال: ما أبدى القوم بضاحكة، أي: ما تبسموا حتى تبدو منهم السن الضاحكة فإن من تبسم بدت أسنانه، ويقال في المبالغة: ضحك حتى بدت نواجذه.
كثرتاه: تقول: كاثرته فكثرته: إذا غلبته بالكثرة، وكنت أكثر منه.
فسري: سري عن الحزين والمغموم ونحوهما: إذا كشف عنه ما به وزال.
1066 -
أحمد في المسند (5/ 268).
والترمذي (4/ 636) 38 - كتاب صفة القيامة -13 - باب [منه]. وقال: حديث حسن غريب.
حثيات: الحثيات جمع حثية- وهي الغرفة بالكف، ويقال: حثا يحثو ويحثي.
1067 -
أحمد في المسند (5/ 347).
عشرون ومائة صفٍ، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم".
1068 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رفعه "يدخل الجنة من أمتي زُمرةٌ هم سبعون ألفاً تُضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر" فقام عكاشةُ بن محصن الأسدي، فرفع نمرة عليه فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال:"اللهم اجعل منهم" ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال:"سبقك عكاشةُ".
1069 -
* روى مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كن يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلمٍ يهودياً أو نصرانياً فيقول: هذا فكاكُك من النار".
ذكر كثرة يأجوج ومأجوج في سياق أنه يذهب من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار يفيد أن يأجوج ومأجوج كثيرون بالنسبة لأهل الأرض وأنهم مع كثرتهم كافرون ولو أننا تأملنا شعوب الأرض التي لا زالت كافرة والتي تشكل أكثرية مطلقة بالنسبة لأهل الأرض فإننا نجد شعوب الكتلتين الشرقية والغربية وبعض شعوب شرقي آسيا ومنهم الشعب الصيني فهل يدخل هؤلاء جميعاً في هذه التسمية؟
ذهب بعض علماء نجد أن الشعوب الآرية كلها يمكن أن تدخل في هذه التسمية
= والترمذي (4/ 683) 39 - كتاب صفة الجنة -13 - باب ما جاء في صفة أهل الجنة. وقال حديث حسن.
وابن ماجه (2/ 1434) 37 - كتاب الزهد -34 - باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والمستدرك (1/ 82).
1068 -
البخاري (11/ 406) 81 - كتاب الرقاق- 50 - باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب.
مسلم (1/! 97) 1 - كتاب الإيمان -94 - باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب.
زمرة: الزمرة: الطائفة من الناس والجماعة منهم.
نمرة: النمرة، جمعها: أنمار وهي ثوب مخطط أو منقط بسواد.
سبقك بها عكاشة: قيل لم يدعُ له كما دعا لعكاشة حتى يغلق هذا الباب فلربما طلب منه ثالث أو رابع أو عاشر لا يستحق ذلك فيقع في الحرج والله أعلم ولمي قل له لست منهم أدباً.
1069 -
مسلم (4/ 3119) 49 - كتاب التوبة -8 - باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله.
والغربيون عامة من الشعوب الآرية، وذهب بعضهم إلى أن يأجوج ومأجوج هم سكان ما وراء جبال تركستان، وعلى هذا فإنه يدخل في ذلك التتار والمغول والصينيون، ولعل المتأمل لا يستبعد بعد ما ذُكِرَ الحديثُ أن يكون يأجوج ومأجوج هم كل هؤلاء تناسلوا من أصل واحد، وفي الإسلام متسع لكل الشعوب، ومن أسلم نجا.
1070 -
* روى أحمد والترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مِنْ أمتي من يشفعُ للفئام من الناس، ومنهم مني شفع للقبيلة، ومنهم من يشفعُ للعصبة، ومنهم من يشفعُ للرجل حتى يدخلوا الجنة".
1071 -
* روى الترمذي عن عبد الله بن أبي الجدعاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثرُ من بني تميم" قلنا: سواك يا رسول الله؟ قال: "نعم سواي".
1072 -
* روى مسلم عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة من عباده، قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذ أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حيٌّ فأهلكها وهو ينظرُ، فأقر عينهُ بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره".
1073 -
* روى البزار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1): "أنا حظكُم مِنَ
1070 - أحمد في المسند (3/ 63).
والترمذي (4/ 627) 38 - كتاب صفة القيامة -12 - باب منه. وقال: هذا حديث حسن.
القثام: الجماعة الكبيرة من الناس.
العصبة: الجماعة منا لناس.
1071 -
الترمذي (4/ 626) 38 - كتاب صفة القيامة -13 - باب منه. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
1072 -
مسلم (4/ 1712) 43 - كتاب الفضائل -8 - باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها.
قبض نبيها: أي توفاه.
الفرط والسلف: المتقدم وكل عمل صالح قدمه يسمى سلفاً.
1073 -
البزار: كشف الأستار (3/ 321) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 68). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أبي حبيبة الطائي، وقد صحح له الترمذي حديثاً، وذكره ابن حبان في الثقات.
الأنبياء وأنتم حظي من الأمم".
1074 -
* روى أبو داود والحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".
رأس كل مائة سنة: أولها. يجدد لها دينها: قال المناوي: أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر أهله، ويكسر أهل البدعة ويذلهم. قال ابن كثير: والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم. أقول: فليس شرطاً أن يكون المجدد واحداً ولكن قد يكون، وشاهد الحال انه ما انقطع المجددون من هذه الأمة بدليل بقاء الإسلام وعلومه وتجدد حيويته والعلماء مختلفون في تعيين المجددين في كل عصر ولا حرج في ذلك، ولأهل الفضل فضلهم، على أن معرفتنا بالمجدد مهمة من حيث إن ذلك يعطي لكلامه وزناً خاصاً.
والذي جعل العلماء يحتملون أن يكون المجدد واحداً أو أكثر هو كلمة (من) في الحديث فهي تحتمل الواحد والجمع.
* * *
1074 - أبو داود (4/ 109) كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، وهو حديث صحيح. والمستدرك (4/ 522).