الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: أخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع المشابهة في أمته
ومع ورود الأدلة في النهى عن مشابهة الكفار ومشاكلتهم، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع من كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشير وذراعاً بذراع فقيل يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك"1.
2 ـ وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبٍ تبعتموهم. قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "2.
والسنن بفتح السين والنون هو الطريق، ويجوز في السين الضم والكسر3.
قال النووي والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب: التمثيل بشدة الموافقة لهم في المعاصي والمخالفات 4.
1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم"(13/300) ، حديث (7319) .
2 المصدر السابق (13/300) ، حديث (7320) ، وصحيح مسلم، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (4/2054) ، حديث (2669) .
3 القاموس المحيط (1558) .
4 شرح صحيح مسلم للنووي (16/219-220) .
قال القاضي عياض 1: "الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه".
وقال ابن بطال2: "علم صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم"3.
وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من استنان هذه الأمة بمن قبلها من الأمم خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذم لمن يفعله، كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الاشراط والأمور المحرمات.
فعلم أن مشابهتها لليهود والنصارى وفارس والروم مما ذمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو المطلوب4.
وقد صدق صلى الله عليه وسلم حيث وقع ما أخبر به من ذلك الاتباع ولا سيما في هذا العصر الذي أصبح فيه التقليد والمشابهة سمة لأهله ولم يبق شيء مما فعله أعداء الإسلام إلا ويفعل مثله في كثير من أقطار المسلمين ولم ينج من ذلك إلا من رحم الله وهم القليل.
1 هو: الحافظ أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المالكي، إمام وفقيه بلاد المغرب، كان عالماً بالحديث وعلومه، والنحو واللغة، توفي سنة (544هـ) . انظر ترجمته: تذكرة الحفاظ للذهبي (4/1304) .
2 هو: علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال أبو الحسن، عالم بالحديث من أهل قرطبة، توفي سنة (449هـ) . انظر في ترجمته: شذرات الذهب (3/283) ، والأعلام للزركلي (4/285) .
3 انظر: فتح الباري لابن حجر (13/301) .
4 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/147) .
وكما أخبر صلى الله عليه وسلم عن اتباع سنن من كان قبلنا واقتفاء أثرهم فقد أخبر أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة متبعين سنته مقتفين أثر الصحابة والسلف الصالح إلى أن تقوم الساعة.
وقد دلت الأحاديث على ذلك، فمنها:
1 ـ عن المغيرة بن شعبة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"1.
2 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"2.
3 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق وظاهرين إلى يوم القيامة"3.
وغير ذلك من الأحاديث التي جاء فيها التزام طائفة من أمته صلى الله عليه وسلم بالحق ولا يضرها من خالفها.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فعلم بخبره الصدق أنه في أمته قوم مستمسكون بهديه، الذي هو دين الإسلام محضاً وقوم منحرفون إلى شعبة من
1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق (13/293) ، حديث (7311) ، وصحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين (3/1523) ، حديث (1921) .
2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} (13/442) ، حديث (7460) ، وصحيح مسلم، كتاب الإمارة (3/1524) ، حديث (1037) .
3 صحيح مسلم، كتاب الإمارة (3/1524) ، حديث (1923) .
شعب اليهود، أو إلى شعبة من شعب النصارى، وإن كان الرجل لا يكفر بكل انحراف، بل وقد لا يفسق أيضاً، بل قد يكون الانحراف كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ.
وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان؛ فلذلك أمر العبد بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلاً"1.
قلت: فإخباره صلى الله عليه وسلم كما تقدم جاء في معرض النهي والتحذير واتخاذ أسباب الوقاية؛ وذلك بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثر السلف الصالح والحذر من الابتداع في الدين، واتقاء أسباب الضلالة والغواية.
1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/70) .