الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ـ اتخاذ عاشوراء عيداً:
وكما اتخذت الرافضة يوم عاشوراء مأتماً وحزناً اتخذته طائفة أخرى عيداً وموسماً للفرح والسرور.
وهم إما من النواصب 1 المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد والكذب بالكذب والشر بالشر والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء، كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم. فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح مقابلة لأولئك، وهي بدعة ثانية " 2.
ومما ورد في ذلك ما يلي:
1 ـ حديث "من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"3.
1 هم المغالون في بغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويطلق على الخوارج. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/301) والخطط للمقريزي (2/354) .
2 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/309-310) ، والفتاوى الكبرى (2/300) .
3 الموضوعات لابن الجوزي (2/203) ، وتنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة للكناني (2/157) ، والإسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا على القاري (222) ، وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (2/89)
2 ـ حديث "من اكتحل بالأثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً"1.
3 ـ ابتداع صلاة مخصوصة في يومه وليلته:
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله تعالى بمثل عبادة أهل السموات والأرض، ومن صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة قل هو الله أحد غفر الله له ذنبه خمسين عاماً ماض وخمسين عاماً مستقبلاً وبني له في المثل الأعلى ألف ألف منبر من نور"2.
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى لله يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي عشر مرات وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم استغفر سبعين مرة أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء.." الحديث 3.
وغير ذلك من البدع التي أحدثت في ذلك اليوم والتي لا أصل لها في دين الله عز وجل 4.
1 الموضوعات لابن الجوزي (2/203) ، وتنزيه الشريعة للكناني (2/157-158) ، والأسرار المرفوعة لملا على القاري (44) .
2 الموضوعات لابن الجوزي (2/122)، وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 المصدر السابق (2/122-123)، وقال: هذا حديث موضوع وكلمات الرسول عليه السلام منزهه عن مثل هذا التخليط والرواة مجاهيل. وانظر: الفوائد المجموعة للشوكاني (47)، وقال: موضوع ورواته مجاهيل. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (4/116) ، ليس في حديث عاشوراء حديث صحيح غير الصوم، وما يروى في فضل صلاة معينة فيه، فهذا كله كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة ولم ينقل هذه الأحاديث أحد من أئمة أهل العلم في كتبهم.
4 انظر: المدخل لابن الحاج (1/290-291) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (303) ، والإبداع في مضار الابتداع (271-272) .
وقد علل ابن الجوزي ذلك عند ذكر عاشوراء فقال: تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة، فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين، وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء إذ قال انه كفارة سنة، فلم يقتنعوا بذلك حتى أطالوا واعرضوا وترقوا في الكذب " 1.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عما يفعله الناس في عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وعزوا ذلك إلى الشارع فهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث صحيح أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟.
فأجاب " الحمد لله رب العالمين لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روي أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولا في كتب الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة.
وإنما حصلت هذه البدع في يوم عاشوراء؛ لأن الكوفة كان فيها طائفتان طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة، وإما جهال وأصحاب هوى.
1 الموضوعات لابن الجوزي (2/199) .
وطائفة ناصبة تبغض علياً وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى1.
فوضعت الآثار في الاحتفال بعاشوراء لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة فان هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع أولئك آثاراً تقتضي التوسع فيه واتخاذه عيداً وكلاهما باطل. فهؤلاء فيهم بدع وضلال وأولئك فيهم بدع وضلال، وإن كانت الشيعة أكثر كذباً وأسوأ حالاً 2.
فعلى هذا لا يجوز لأحد أن يغير شيئاً من الشريعة لأجل أحد وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المقابلة لبدع الرافضة.
وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض النواحي لمقابلة الرافضة، فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم ولا يبالي إلى أي الجهتين صاروا 3.
فمن جعل يوم عاشوراء مأتماً وحزناً ونياحة، أو جعله يوم عيد وفرح وسرور فقد ابتدع في الدين وخالف سنة سيد المرسلين.
1 الفتاوى الكبرى (2/295) ومجموع الفتاوى (25/299-301)، وانظر: لطائف المعارف لابن رجب (52) ، والمنار المنيف لابن القيم (111-113) والأمر بالاتباع للسيوطي (88-89) .
2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/622-623) .
3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/622-624) ، والأمر بالاتباع للسيوطي (89) .