المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعيادا: - الأعياد وأثرها على المسلمين

[سليمان بن سالم السحيمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية

- ‌الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الثاني: أعياد النصارى وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الرابع: أعياد العرب في الجاهلية وعاداتهم فيها

- ‌المبحث الأول: الدين السائد عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثالث: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثاني: مشروعية مخالفة الكفار

- ‌الفصل الأول: النهي عن مشابهة الكفار

- ‌المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أدلة تحريم التشبه بالكفار

- ‌المبحث الثالث: أخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع المشابهة في أمته

- ‌المبحث الرابع: أثر مشابهة الكفار

- ‌الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار

- ‌المبحث الثالث: أثر مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌الباب الثالث: الأعياد المشروعة وآثارها الحميدة

- ‌الفصل الأول: تحديد الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: الأعياد الزمانية الشرعية

- ‌المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى

- ‌المطلب الثاني الأدلة على أن أيام التشريق وعرفة أيام عيد

- ‌المطلب الثالث: يوم الجمعة

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية

- ‌الفصل الثاني: بيان أن الله تعالى أغنى المسلمين بأعيادهم الشرعية

- ‌المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية

- ‌المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن

- ‌المبحث الثالث: أثر الأعياد الشرعية في التكافل الاجتماعي

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين الأعياد الشرعية والأعياد الأخرى

- ‌الباب الرابع: الأعياد والمواسم المبتدعة وأثرها السيء

- ‌الفصل الأول: في البدعة

- ‌المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف البدعة في الاصطلاح

- ‌المبحث الثالث: أسباب انتشار البدعة

- ‌المبحث الرابع: أحكام البدع

-

- ‌الفصل الثاني: بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى

- ‌المبحث الثاني: البدع والمخالفات في الجمعة

-

- ‌الفصل الثالث: الأعياد الزمانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: يوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتما

- ‌المطلب الثاني: ـ اتخاذ عاشوراء عيداً:

- ‌المطلب الثالث: ـ السنة في يوم عاشوراء:

- ‌المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام:

- ‌المطلب الثاني: صور الاحتفال بالمولد:

- ‌المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد:

- ‌المطلب الرابع: الشبه التي اعتمد عليها من قال بالاحتفال بالمولد وردها:

- ‌المطلب الخامس: دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثالث: صلاة الرغائب

- ‌المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعتها

- ‌المبحث الرابع: الاحتفال بالإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج:

- ‌المطلب الثاني: صفة الاحتفال:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة على بدعيتها:

- ‌المبحث الخامس: الاحتفال بليلة النصف من شعبان

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك:

- ‌المطلب الثاني: الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان:

- ‌المبحث السادس: الاحتفال بليلة القدر

- ‌المطلب الأول: فة الاحتفال بها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌المبحث السابع: الاحتفال بعيد الأبرار

- ‌المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة

- ‌المطلب الأول: صفة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌الميحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير

- ‌المطلب الأول: متى احتفل به

- ‌المطلب الثاني: منزلته عند الرافضة والأدلة على ذلك:

- ‌المطلب الثالث: مظاهر الاحتفال به:

- ‌المطلب الرابع: الأد على بدعته

- ‌المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: منزلته عند الراف1ضة وصورة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بطلان هذا العيد:

-

- ‌الفصل الرابع: الأعياد المكانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: اتخاذ القبور أعيادا

- ‌المطلب الأول: زيارة القبور

- ‌المطلب الثاني: النهي عن اتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المبحث الثاني: اتخاذ الآثار أعياداً

- ‌المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعياداً

- ‌المبحث الرابع: المفاسد الناتجة عن تلك الأعياد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعيادا:

‌المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعياداً:

كما تقدم أن العيد المكاني هو أن تقصد مكاناً ما للاجتماع فيه والإتيان إليه من وقت لآخر للعبادة أو لغيرها.

فمن قصد قبراً في وقت مخصوص ومعلوم وجعل له موسماً ينتابه من وقت لآخر فقد اتخذه عيداً؛ وذلك أن القبوريين يقصدونها ويجتمعون عندها في مواسم معينة، ولا سيما الأيام الفاضلة، أو التي يزعمون فضلها وهذا هو بعينه الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا تتخذوا قبري عيداً". وهو داخل تحت قوله أيضاً: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبورهم أنبيائهم مساجد".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وذلك أن بعض القبور يجتمع عندها في يوم من السنة ويسافر إليها أما في المحرم، أو رجب أو شعبان أو ذي الحجة أو غيرها. وبعضها يجتمع عنده في يوم عاشوراء، وبعضها في يوم عرفة وبعضها في النصف من شعبان، وبعضها في وقت آخر، بحيث يكون لها يوم من السنة، تقصد فيه ويجتمع عندها فيه كما تقصد عرفة أو مزدلفة ومنى في أيام معلومة من السنة، وكما يقصد المصلي المصر يوم العيدين، بل ربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أهم وأشد 1.

1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/729-730) .

ص: 438

قلت: وفي الغالب أن هذه الزيارة وتلك الاجتماعات المحددة والمعنية في السنة تكون يوم ولادة صاحب القبر أو وفاته، حيث يذهب في هذا التاريخ إلى مرقده فيجتمع عنده، وتقام المراسم الخاصة بذلك الاحتفال وهو ما يعرف بالموالد والأعراس.

وذلك أن أرباب القبور يزعمون أن زيارة الولي أو الصالح والاحتفال به هو الدليل الأكبر والشاهد الملموس على أن هذا الولي "صاحب القبر" مازال يعيش في قلوب الناس، يكرمونه ويدعونه، ويلتمسون لديه العون على حل مشاكلهم وأن هذا العمل طاعة وقربة يثاب فاعلها، كما يحصل لهم في هذا الاحتفال اللهو والمجون والفسحة والتسلية بحجة أنه يوم عيد لصاحب القبر.

وإليك مثالاً لتلك الموالد وطريقة إحيائها، وما يفعل فيها وليكن هذا المثال الاحتفال بمولد البدوي 1 الذي يعد من أعظم الأولياء عند زواره والاحتفال به من أكبر المواسم التي تشد إليها الرحال، ليتضح فيه جلياً كيف اتخذ قبره عيداً ووثناً، يعبد من دون الله والعياذ بالله.

وذلك أن مراسم الاحتفال تكون في ساحة المسجد وحوله ويقصده الناس من جميع الجهات فتقدم فيه النذور والقربات وتقام فيه الصلوات، وتعقد المجالس والحلقات، فتزدحم مدينة طنطا بالزائرين بهذه المناسبة، وتضرب

1 هو: أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني أبو العباس البدوي، المتصوف صاحب الشهرة في الديار المصرية وإليه تنسب الطريقة الأحمدية، كما يعرف بأبي اللثامين السطوحي، وأصله من المغرب، ولد سنة (596هـ) ، وطاف البلاد وأقام بمكة والمدينة ودخل مصر، وكانت وفاته بطنطا (675هـ) . انظر: شذرات الذهب (5/345) ، والطبقات للشعراني (1/162) ، والأعلام (1/175) .

ص: 439

الصواني والخيام حول هذا المشهد ويشارك في هذا الاحتفال أصحاب الشعوذة والراقصات والعازفون لعرض أعمالهم على الجماهير الحاضرة. وتقوم الدولة بتنظيم هذا الاحتفال، وحفظ الأمن، والنظام فيصدر تصريح بإقامته من وزارة الأوقاف من كل عام، ويستمر لمدة سبعة أيام.

وإليك وصفاً لهذا الاحتفال وما يقع فيه كما يحكيه محمد فهمي عبد اللطيف حيث قال: إذا ما صدر التصريح بإقامة المولد الأحمدي وأعلن ذلك في كآفة البلاد، توافد الناس من شتى الجهات في الموعد المحدد، فيقيمون الخيام ويضربون السرادقات في ساحة المولد، ويرضى أصحاب العوائد بدفع أي أجر يطلبه منهم المالكون للأرض لإقامة خيامهم عليها، وتقام الخيام والسرادقات الخاصة، بأهل الريف حول ساحة المولد والضواحي المجاورة لها، أما الخيام والسرادقات الخاصة بالحكومة وشيوخ الطرق وأرباب العوائد فإنها تقام في الساحة، وتسمى هذه البقعة بالسحابة

وبالقرب من الساحة تقام سارية خشبية عالية تسمى بالصاري ويقدر متوسط ما يقام من الخيام عادة في هذا المولد بنحو خمسة آلاف خيمة.

وفي اليوم الأول للمولد يطوف مأمور البوليس بطنطا في موكب من الجنود معلناً افتتاح المولد، ويسمى هذا الموكب بركبة الحاكم.

ومن أول ليلة للمولد تقام حلقات الذكر حول الصاري، ويعتبر هذا الصاري جامعة المناكر والمفاسد، وللناس فيه عقائد عجيبة مريبة، فبينما يعتقد بعضهم أن زيارة هذه الخشبة تعادل زيارة السيد البدوي نفسه إذ يعتقد آخرون

ص: 440

أن السيد يجلس فوقها أيام المولد ليشرف على زواره ويتعرف عليهم. ويجزم الكثيرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم يزور هذه الخشبة فجر يوم الاثنين قياماً بواجب السيد البدوي عليه.

ولن يروعك في حياتك أسوأ مما تشهد من هول حول هذا الصاري، إذ يتراكم حوله خليط من الكتل البشرية على حال لا ترضي عاقلاً من العقلاء ولا متديناً بأي دين، فيختلط الرجال بالنساء والكبار بالصغار، ويتحلق حول الصاري كثير من المساليب والحمقى ورواد الفسوق، وكبار العصاة المجرمين المدمنين للحشيش وما إليه من الكيوف، ويسمي العامة هؤلاء بالمجاذيب، ويعتقدون أن لهم عند ربهم ما يشاءون، وينخرط هؤلاء كل ليلة في مجالس الذكر التي يقيمونها حول هذا الصاري وهي أشبه ما تكون بحفلات الرقص الخليع..

وقبل هذا يعمدون حال وصولهم إلى ضريح البدوي، فيطوفون به طواف القدوم على نحو ما يفعل القاصدون لحج بيت الله الحرام ويقولون أن هذه كانت سنة الشيخ عبد العال خليفة السيد، ولهم في هذا الاحتفال بدع شتى 1.

من هذا العرض لصورة الاحتفال بمولد البدوي يتضح لنا كيف اتخذ قبره عيداً ووثناً حيث جعلوا له وقتاً معيناً وموسماً محدداً ينتابونه فيه.

1 انظر: السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر لمحمد فهمي عبد اللطيف (131-136) ، وقاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين (387-388) .

ص: 441

وهذا الفعل محاكاة لليهود والنصارى باتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، حيث يقصدون العبادة عندها، وهو بعينه ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، فأرباب الموالد لا يقصدون المشاهد والقبور إلا طلباً للبركة أو الاستغاثة أو الدعاء، فيذبحون لها ويطوفون بها ويمرغون الخدود على أعتابها، وهذا الفعل محادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم مناف لكلمة التوحيد؛ لأن العبادة لا تكون إلا لله عز وجل، ومن صرف نوعاً من أنواعها فقد وقع فيما يناقض "لا إله إلا الله".

وما يفعله أولئك نابع من عقيدة أن الأولياء لهم التأثير في الكون "كما يزعم الصوفية"، وأن الاحتفال بموالد الأولياء والعكوف على قبورهم من الدين وأنه قربة، فالذين لا يحتفلون بالأولياء ولا يزورون قبورهم ولا يقدمون النذور لها محجوبون من رحمة الله وبركته، بل من لم يفعل هذه الموالد قد يسلب منه الإيمان وتصيبه الأمراض والأسقام؛ بسبب امتناعه أو اعتراضه على حد زعمهم.

ولا تظن أن هذا القول تجن على أصحاب الموالد، أو هو من نسج الخيال، بل هذه هي حقيقة تلك الاحتفالات ولنسمع ما يرويه الشعراني 1 في طبقاته معللاً سبب حضوره لمولد سيده البدوي في كل عام، حيث قال: " وسبب حضوري مولده كل سنة أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي 2 رضي

1 هو: عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني أبو محمد من علماء المتصوفين صاحب الطبقات الكبرى، ولد في قلقشند بمصر سنة (898هـ)، وكانت وفاته بالقاهرة سنة (972هـ) . انظر: شذرات الذهب (8/732) ، والأعلام (4/180) .

2 محمد الشناوي شيخ الشعراني، توفي بالقاهرة سنة (932هـ) . انظر: الطبقات الكبرى للشعراني (1/120-122) .

ص: 442

الله عنه أحد أعيان بيته رحمه الله، قد كان أخذ عليّ العهد عند القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه وسلمني إليه بيده فخرجت اليد الشريفة من الضريح، وقبضت على يدي وقال سيدي يكون خاطرك عليه وأجعله تحت نظرك فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر يقول: نعم ثم أني رأيته بمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول: زرناً بطنطا ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك 1.

هذه بعض الأسرار التي جعلت عبد الوهاب الشعراني يهتم بمولد سيده ويمضى أيضاً في تخريفاته وتعليلاته لحضور المولد، ولا تستغرب فهذا حال من استحوذ عليه الشيطان واتبع الهوى، حيث قال:"تخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة 948، وكان هناك بعض الأولياء، فأخبرني أن سيدي أحمد رضي الله عنه، كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح ويقول أبطأ عبد الوهاب ما جاء"2.

ولم يكتف الشعراني بذلك حتى زعم أن الأحياء والأموات يحضرون الاحتفال بمولد سيده عند ضريحه، بل ويحضره النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والأولياء 3.

وقد استطرد الشعراني في سرد هذا الهراء وهذه الحكايات الخرافية في الدعوة إلى حضور مولد سيده البدوي ولننظر في حال من ينكر المولد،

1 الطبقات الكبرى للشعراني (1/161) .

2انظر: المصدر السابق (1/161) .

3 انظر: المصدر السابق (1/161) .

ص: 443

أو حضوره عند الشعراني حيث قال: أخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه أن شخصاً أنكر حضور مولده فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعره تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بسيدي أحمد رضي الله عنه. فقال: بشرط ألا تعود فقال: نعم فرد عليه ثوب إيمانه.

فهذه نتيجة من ينكر مولد البدوي، أو يمتنع عن حضوره كما يزعم الشعراني أما من يحضره فالبدوي يحفظه ويرعاه ويشمله بشفاعته ويغفر خطيئته حيث قال: وعزّة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا تاب وحسنت توبته 1.

بمثل هذا الهراء والكذب الصراح انتشر صيت البدوي، وهذا هو أسلوب كآفة الصوفية الدراويش في إثبات كرامات من يزعمون له الولاية وبهذه الدعايات الخرافية الأسطورية استطاعوا أن يجعلوا لمولد البدوي قداسة في النفوس المريضة كأنها قداسة الحج إلى بيت الله الحرام بل أشد.

" ومن الذي لا يتلهف على حضور مولد البدوي بعد أن يعلم أنه كما يزعم الشعراني وأضرابه يكون مجمعاً للنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والصالحين من مشارق الأرض ومغاربها ومن وراء البحار والجبال، ومن الذي يجرؤ على أن يتطاول فينكر ما يقع في هذا المولد من المآثم والمناكر أو يجحد النفحات والبركات بعد أن يسمع قصة " السبعين الأسودين " 2. وحكاية: الشوكة التي اعترضت في

1 المصدر السابق (1/162) .

2 المصدر السابق (1/161-162) .

ص: 444

حلق العالم تسعة أشهر " 1. وأسطورة " الفقيه الذي سلب العلم والإيمان " إلى آخر ما يهرف به الشعراني وأمثاله 2

ويتجلى من كلام الشعراني عقيدة تفضيل الولي على النبي، وذلك أن الأنبياء يحجون إلى البدوي في مولده، ولا يستغرب مثل هذا من الصوفية فقد ادعوا ما هو أعظم من ذلك من الألوهية والربوبية.

وبتلك الدعاوى أصبح مئات الألوف من أتباع السيد يرهبون التخلف عن مولده، ويخشون إن هم قصروا في عادة من عاداتهم نحوه، أو أبطأوا في النذور والقرابين أن يبطش بهم حتى استدعى الأمر من بعض الذين لا يملكون الأموال التي تفي بمتطلبات ذلك الاحتفال أن يقترضوا بالربا للقيام بالزيارة وحضور المولد.

فالفقراء يستدينون للإيفاء بتلك النذور والقربات والعمال يكدحون فيضيقون على أنفسهم، مع وجود الحاجة إلى ذلك المال من أجل الإيفاء بلوازمها.

مثل هذا العمل هو الذي أثار مشاعر حافظ إبراهيم حتى قال أبياته المشهورة التي ينتقد فيها تلك الحال:

أحياؤنا لا يرزقون بدرهم

وبألف ألف ترزق الأموات

من لي بحظ النائمين بحضرة

قامت على أرجائها الصلوات

1 المصدر السابق (1/161-162) .

2 انظر: السيد البدوي ودولة الدراويش (124) ، والسيد البدوي بين الخرافة والحقيقة الدكتور / أحمد صبحي منصور (309) .

ص: 445

يسعى الإمام لها ويجري حولها

بحر النذور وتقرأ الآيات

ويقال هذا القطب باب المصطفى

ووسيلة تقضي به الحاجات 1

وبهذا العمل أصبح مشهد البدوي تشد إليه الرحال ويفعل عنده ما يفعل عند المشاعر من أعمال الحج من طواف وذبح وغيره، بل أصبح البعض يطلق عليه الكعبة مضاهاة للبيت الحرام، بل قد يفضله البعض الآخر كما يدل عليه قوله قائلهم:

هو الجوهر المكنون في معدن الرضا

بأسراره حلت شموس الحقيقة

هو الكعبة الفراء إذ الغراء بالتياذه

تحط الخطايا عن أناس وجنة 2

وحتى يقتنع الزوار بأن ضريح البدوي كالكعبة تماماً رصع أرباب الموالد ودعاة الوثنية مقامه بحجر أسود يتمسح ويتبرك به.

وفي ذلك يقول صاحب الجواهر السنية ومن كراماته، أي البدوي أن حجراً أسود مثبتاً في ركن قبته تجاه وجه الداخل من الجهة اليمنى، وفيه موضع قدمين شاع بين الناس وذاع واستفاض وملأ البقاع والأسماع أنه أثر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من زار الأستاذ يتبرك بمحل القدمين 3.

قلت: فصاروا يتمسحون به كما كانت العرب في الجاهلية تفعل بالأحجار والأوثان والأصنام التي كانوا ينصبونها.

1 ديوان حافظ إبراهيم (318) .

2 البدوي بين الحقيقة والخيال (293) ، نقلاً عن الجواهر السنية لعبد الصمد الأحمدي (119) .

3 المصدر السابق (294) ، نقلاً عن الجواهر السنية للأحمدي (83) .

ص: 446

أما النذور فهي الهدف الأسمى لسدنة الضريح والدعاة إليه سواءً كانت تلك النذور عيناً أو نقداً. وقل أن يخلو ضريح من صندوق للنذور وذلك أن المناسك والمشاعر حوله لا تنتهي إلا بإيداع بعض الأموال فيه.

وعجل البدوي الذي يجهز ويطاف به حول الضريح في موكب معروف ومشهور 1.

وقد بلغت قيمة ما أودع من الحصيلة النقدية في صندوق ضريح البدوي في عام 1984م مليوناً، و 200 ألف جنيه، والنذور العينية في حدود هذا المبلغ، فضلاً على ما يحصل من اختلاس أو تلاعب في الأموال قبل إيداعها 2.

من أجل هذه السيولة المالية جاءت المحافظة على مثل هذه الأضرحة وتلك المشاهد والدعوة إلى أحياء الموالد لها، إضافة إلى ما يزعمون أن فيها رواجاً للتجارة الاقتصاد.

فعلم أن النظرة مادية صرفة من بعض القائمين على هذه الأضرحة وتلك الموالد، ولم يلتفتوا إلى الجانب الديني أو المحافظة على العقيدة السليمة ونبذ

1 انظر: الفتاوى لمحمود شلتوت (238-239) ، والسيد البدوي بين الحقيقة والخرافة (296) ، وقال الدكتور / عبد الواحد في كتابه غرائب النظم والتقاليد والعادات (79) ، وله عجول تسمى عجول السيد تربي بعناية فائقة وينزلها الفلاحون منزلة تقرب من منزلة التقديس، فلا يمسها أحد بأذى حتى ولو أكلت من غير ملك صاحبها، أو تسببت في الأضرار بآدمي، ويحجون بها إلى طنطا عند اقتراب مولد السيد البدوي ليذبحوها أمام ضريحه.

2 انظر: الله توحيد وليس وحده لمحمد الأنور أحمد البلتاجي (303-305) ، نقلاً عن جريدة الأهرام العدد (35819) ، في 14/4/1405هـ الموافق 6 يناير 1985م، والحياة الاجتماعية في الفكر الإسلامي، الدكتور / أحمد شلبي (220) .

ص: 447

الشرك، فضلاً عن علمهم بأن هذه الموالد مبدءة للمفاسد الأخلاقية ومجمع لكل رذيلة، وجلب المصالح للمجتمع كما يزعمون أو لبعض الأفراد لا يبرر مثل هذا العمل المنافي للدين الحنيف والأخلاق المستقيمة، فيتحتم إبطال هذه الموالد وهدم تلك الأضرحة والمشاهد، والقاعدة الشرعية تنص على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

فمما تقدم من هذا العرض لمولد البدوي وما يفعل عند ضريحه يتضح كيف اتخذ وثناً يعبد من دون الله، وأصبح يحج إليه كما يحج إلى الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة، حيث جعلوه متصفاً بصفات المشاعر التي تؤدى فيها أعمال الحج فوصفوه بالكعبة الغراء، وأنه يقصد للزيارة وتقام فيه الشعائر كما تقدم فيه النذور والقربات والتي تكون بمقابل الهدي، وبتلك الدعاوى والصفات اكتسب هذه المشابهة، بل قد يكون أعظم عند أربابه

مما حدا بالسخاوي وهو في القرن التاسع أن يذكر قول الغوغاء 1 " جاء الحجاج السنة لسيدي أحمد من الشام وحلب ومكة.. أكثر من حجاج الحرمين "2.

وما يفعل عند قبر البدوي يفعل عند قبر غيره من الأولياء المزعومين من حيث الطواف، والتمسح بأعتابها، والنذر، وغير ذلك من أمور العبادات التي لا تصرف إلا لله، وقد وقفت على ذلك وليس من رأى كمن سمع، وقلّ أن

1 ضعفاء العقول والجهلة من الناس. انظر: القاموس المحيط (1015) .

2 التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي (176) .

ص: 448

تجد بلداً إسلامياً إلا وله أولياءه المزعومون الذين تشد إليهم الرحال ويطاف على مشاهدهم وتقدم إليهم النذور والقربات وتجعل لهم الموالد والأعياد.

" بل إن لغالب الأضرحة مواسم وأعياداً أسبوعية خلاف الموالد تسمى بالحضرة كليلة الثلاثاء ويومه للإمام الحسين رضي الله عنه، وليلة السبت ويومه للإمام الشافعي رحمه الله، وهكذا لكل ولي عندهم وقت معلوم تجتمع فيه العامة والخاصة من الرجال والنساء ومعهم الأطفال لزيارته على الوجه المعروف 1.

والقبور التي أفتتن بها الضلال واتخذوها أعياداً أكثر من أن تحضر 2 وما أوردته هنا ما هو إلا غيض من فيض، والله المستعان.

1 الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ (185) .

2 للإطلاع على أمثلة من ذلك. انظر: تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم المباركات لأبي حسين نور الدين علي بن أحمد السخاوي الحنفي. ونزهة الأنصار في فضل علم التاريخ والأخبار المشهور بالرحلة الورثيلانية لحسين بن محمد الوريثلاني. ومساجد مصر وأولياؤها الصالحون للدكتورة سعاد ماهر محمد. والتصوف في تهامة لمحمد بن أحمد العقيلي.

ص: 449