الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن
لقد اشتملت الأعياد الإسلامية على سنن مثلى وصفات جليلة اتسمت بالشمولية التي جعلت المرء المسلم يعمل لدنياه وآخرته موفقاً بين مطالب الروح ومطالب الجسد.
وإليك صوراً من هذه السنن تبين ذلك فمنها:
1 ـ مشروعية التجمل للأعياد:
لقد شرع الله سبحانه وتعالى للمسلمين في أعيادهم التجمل في الملبس والهيئة؛ وذلك ليظهر المسلم بالمظهر الذي يليق به من نظافة الملبس ونقاء القلب؛ وذلك تأكيد لعوامل الألفة بين المسلمين وإمعاناً في إزالة أسباب النفرة والكراهة فيما بينهم، ولا سيما في تلك المجامع الدينية وما هذا إلا امتثال لأمره عز وجل:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1.
وكما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"2.
1 سورة البقرة، آية (222) .
2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة (2/356) ، حديث (877) ، وصحيح مسلم، كتاب الجمعة (2/579) ، حديث (844) .
وعن أبي سعيد الخدري قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن وأن يمس طيباً إن وجد"1.
وعن مالك عن نافع "أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن ليغدو إلى المصلى"2.
وقال ابن قدامة 3: يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر 4.
وعن سعيد بن المسيب أنه قال: " سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال "5.
وجاء في التجمل أيضاً: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من استبرق 6 تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الجمعة، باب الطيب، للجمعة (2/364) ، حديث (880) وصحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة (2/581) ، حديث (846) .
2 موطأ مالك، كتاب العيدين، باب العمل في غسل العيدين (1/177) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب غسل العيدين (3/278) ، والمصنف لعبد الرزاق، باب الاغتسال يوم العيد (3/309) ، حديث (5853) .
3 هو: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الدمشقي من الأئمة الأعلام في الفقه وأصوله والتفسير والحديث، ولد سنة (541هـ)، وكانت وفاته (626هـ) . انظر: كتاب الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/133) .
4 المغني لابن قدامة (2/37) .
5 المصنف لعبد الرزاق، باب الاغتسال في يوم العيد (3/309) ، حديث (5750) ، والشافعي في الأم (1/205) ، ورواه الفريابي في أحكام العيدين (14) ، وقال الألباني في إرواء الغليل (3/104) ، إسناده صحيح.
6 هو ما غلظ من الحرير والإ بريسم، انظر: النهاية لابن الأثير (1/47) .
يا رسول الله ابتع هذه، تجمل بها للعيد والوفود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما هذه لباس من لا خلاق له" فلبث عمر ما شاء أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأقبل بها عمر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنك قلت: "إنما هذه لباس من لا خلاق له" وأرسلت إلي هذه الجبة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبيعها أو تصيب بها حاجتك"1.
فالتجمل يوم العيد كان عادة متقررة بينهم، ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم فعلم بقاؤها 2.
وعن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر يوم الجمعة: "ما على أحدكم لو اشتري ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوب مهنته"3.
وعن نافع أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه 4.
فهذه النصوص تدل على مشروعية التجمل ومس الطيب والغسل في الأعياد الإسلامية، وفي ذلك ترويح للنفس والجسد.
1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب في العيدين والتجمل فيه (2/439) ، حديث (948) ، وصحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة (3/1639ـ1640) ، حديث (2068) .
2 حاشية السندي على النسائي (3/181) .
3 سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة (1/348) ، حديث (1095) ، وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب اللبس للجمعة (1/282ـ283) ، حديث (1078) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/181) .
4 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب الزينة للعيد (3/281) ، وقال ابن حجر في الفتح (2/439) ، إسناده صحيح.
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي: وأحب أن يلبس الرجل أحسن ما يجد في الأعياد الجمعة والعيدين ومحافل الناس ويتنظف ويتطيب 1.
2 ـ الفرح والسرور في الأعياد:
أباح الله سبحانه وتعالى للمسلمين إظهار الفرح والسرور في أعيادهم ابتهاجاً بذلك وترويحاً للنفس، وقد أشارت الأدلة إلى ذلك فمنها:
أـ عن أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"2.
قال الصنعاني 3: وفيه دليل على أن إظهار السرور في العيد مندوب وان ذلك من الشريعة التي شرعها الله لعباده إذ إبدال الجاهلية بالعيدين المذكورين دلالة على أنه يفعل في العيدين المشروعين ما تفعله الجاهلية في أعيادها، وإنما خالفهم في تعيين الوقتين، والمراد من أفعال الجاهلية ما ليس محظوراً ولا شاغلاً عن طاعة 4.
1 الأم للشافعي (1/206) .
2 تقدم تخريجه، ص (88،125) .
3 هو: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني الكحلاني، ثم الصنعاني المعروف بالأمير، من علماء اليمن، وكان مجتهداً ومحدثاً، ولد سنة (1099) وكانت وفاته (1182هـ) . انظر: البدر الطالع (2/133ـ139) .
4 سبل السلام للصنعاني (2/502) .
ب ـ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث 1 فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني. وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا"2.
ـ والحديث يشير إلى فوائد منها:
1ـ مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى.
2 ـ وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين 3 كما جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذٍ "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة"4.
ولكن بعض الناس يطلق لنفسه العنان في الاحتفال بالأعياد الإسلامية من حيث الفرح والسرور واللعب والغناء وإحضار آلات الطرب والموسيقي مستدلاً بالأحاديث الواردة في جواز اللعب في العيد على إباحة الغناء والسماع.
1 بالضم موضع في نواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية. انظر: معجم البلدان لياقوت (1/451) .
2 صحيح البخاري مع فتح الباري (449) ، (2/440) ، كتاب العيدين.
3 فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/443) .
4 مسند الإمام أحمد (6/116) ، وصححه الألباني كما في الأحاديث الصحيحة (4/443) .
وبالنظر إلى الأحاديث الواردة في جواز اللعب والغناء والفرح في أيام العيد نجد أنه لا دليل لهم في ذلك.
حيث جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث، وقالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا ب كر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا".
فقولها: "ليستا مغنيتين" قال ابن حجر نقلاً عن القرطبي 1. أي ليستا ممن يعرف بالغناء، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن.
وقد استدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة رضي الله عنها بهذا القول " فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما اللفظ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة، وعلى الحداء، ولا يسمى فاعله مغنياً، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح 2.
1 هو: أحمد بن عمر بن إبراهيم أبو العباس الأنصاري القرطبي، فقيه مالكي من رجال الحديث يعرف بابن المزين، ولد سنة (578)، وكانت وفاته بقرطبة (656هـ) . انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (1/240) ، والبداية والنهاية (13/226) .
2 فتح الباري، شرح صحيح البخاري ((2/443) ، ومن أراد استيفاء الأدلة في تحريم الغناء وسماعه فليرجع إلى الكلام على مسألة السماع لابن القيم، وإغاثة اللهفان (1/224ـ268) .
وهذا كاف في الرد على من استدل بأحاديث الباب على إباحة الغناء وسماعه.
3 ـ مشروعية التكبير وذكر الله في الأعياد:
من شعائر الأعياد الإسلامية التكبير فيها لما في ذلك من التوحيد لله عز وجل وإخلاص العبادة والانقياد له بالطاعة، حيث يهتف المسلمون بذلك امتثالاً لقوله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} 1.
وذلك شكراً لله عز وجل أن مكنهم بفضله ومنته من صيام رمضان وقيامه وإن سهل لهم أداء فريضة الحج.
ومما يدل على مشروعية التكبير ما جاء عن أم عطية أنها قالت: "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته"2.
قال الخطابي 3: " الحكمة من التكبير في هذه الأيام هو أن الجاهلين كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له وعلى اسمه عز وجل 4.
1 سورة البقرة، آية (185) .
2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة (2/462) ، حديث (971) .
3 هو: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، فقيه محدث، ولد سنة 319هـ، وكانت وفاته في 388هـ. انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (3/1018ـ1020) .
4 انظر: فتح الباري 02/461ـ462) .
وجاء استحباب الإكثار من الصلاة على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ"1.
وفي ذلك يقول ابن القيم: " ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم، فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكرِه وحمدِه وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته 2.
1 سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة (1/275) ، حديث (1047) ، وسنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب في فضل الجمعة (1/345) ، حديث (1085) ، وسنن النسائي، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة (3/91ـ92) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجمعة، باب ما يؤمر في ليلة الجمعة ويومها (3/248ـ249) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الجمعة (2/278) ، وقال حديث صحيح ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (1/179) .
2 زاد المعاد لابن القيم (1/376) .