الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم
المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم
…
المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم
يتضح مما تقدم أن تحريم مشابهة الكفار عموماً في جميع أمورهم صغيرها وكبيرها من مطالب الشريعة، كما نصت على ذلك الأدلة وسنذكر في هذا الفصل بمزيد من البيان والتفصيل ما يتعلق بمشابهتهم في أعيادهم، لا سيما وان الشرع قد خص المسألة بأدلة خاصة فضلاً على ما تقدم من الأدلة العامة.
ومما ورد من الأدلة في تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ما يلي:
أولاً: من الكتاب:
1 ـ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} 1.
جاء عن بعض التابعين أن المراد بالزور في هذه الآية أعياد المشركين2. وفي رواية عن ابن سيرين3 أن المراد به "يوم الشعانين"4.
1 سورة الفرقان، آية (72) .
2 منهم أبو العالية وطاوس وابن سيرين والضحاك، والربيع بن أنس ومجاهد وغيرهم. انظر: تفسير ابن كثير (3/328ـ329) ، وتفسير البغوي (3/378) .
3 هو: أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري، مولى أنس بن مالك، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان فقيهاً إماماً غزيراً بالعلم ثقة ثبتاً علامة في التعبير، توفي رحمه الله سنة 110هـ. انظر ترجمته: سير أعلام النبلاء (4/606) ، والجرح والتعديل (7/280) .
4 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/426) ، والأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع للسيوطي (71) .
وقال عكرمة1: "لعب كان في الجاهلية يسمى بالزور"2، وقيل:"أن الزور هو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل: الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل"3.
وقال قتادة4: "المراد لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم"5.
قلت: وأعياد الكفار من الباطل ومشاركتهم فيها إعانة لهم على فعل ذلك الباطل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقول هؤلاء التابعين أنه أعياد الكفار، ليس مخالفاً لقول بعضهم: أنه الشرك أو صنم كان في الجاهلية، ولقول بعضهم: أنه مجالس الخنا، وقول بعضهم أنه الغناء؛ لأن عادة السلف في تفسيرهم، هكذا يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه، أو لينبه به على الجنس.
ووجه تفسير التابعين المذكورين أن الزور: هو المحسن المموه حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة.
1 هو: أبو عبد الله عكرمة البربري المدني، مولى ابن عباس، أصله من البربر من علماء التابعين، ومن المتبحرين بالتفسير، من كبار تلاميذ ابن عباس، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا تثبت عنه بدعة، وتوفي (104هـ) . انظر ترجمه: تقريب التهذيب (397) ، وتذكرة الحافظ (1/95) .
2 تفسير القرطبي (13/79ـ80) .
3 تفسير ابن كثير (3/328) ، وتفسير البغوي (3/378) .
4 هو: قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري الأعمى، أحد العلماء التابعين من أحفظ الناس، وكان فقيهاً وعالماً بالتفسير، توفي رحمه الله سنة (117هـ) وعمره 57هـ سنة. انظر ترجمته: البداية والنهاية (9/313) ، وتقريب التهذيب (453) .
5 تفسير البغوي (3/378) . وانظر: فتح القدير للشوكاني (4/89) .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" 1 لما كان يظهر مما يعظم به مما ليس عنده. فالشاهد بالزور يظهر كلاماً يخالف الباطن؛ ولهذا فسره السلف تارة بما يظهر حسنه لشبهة، أو لشهوة وهو قبيح الباطن. فالشرك ونحوه: يظهر حسنه للشبهة، والغناء ونحوه يظهر حسنه للشهوة.
وأما أعياد المشركين فجمعت الشبهة والشهوة، وهي باطل إذ لا منفعة فيها للدين، وما فيها من اللذة العاجلة، فعاقبتها إلى الألم، فصارت زوراً وحضورها شهودها.
وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده 2.
وهذا هو ما وقع فيه كثير من المسلمين فلم يقتصر على المشاهدة والتهنئة بل شاركوا في إقامة الأعياد والاحتفال، حتى أصبح لا فرق بين المسلم والكافر في كيفية إقامة مثل هذه الاحتفالات، بل الجامع لهم الفرح والسرور في ذلك.
2 ـ قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} 3.
1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب النكاح، باب المتشبع بما لم ينل (9/317) ، حديث (5219) ، وصحيح مسلم كتاب اللباس والزينة، باب النهى عن التزوير في اللباس (3/1681) ، حديث (2129) .
2 اقتضاء الصراط المستقيم (1/429) . وانظر: الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع للسيوطي (71) .
3 سورة الحج، آية (67) .
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير ذلك أنه قال: عيداً.
قال قتادة ومجاهد1: موضع قربان يذبحون فيه، وقيل: موضع عبادة، وقيل: مألفاً يألفونه.
والمنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد لعمل خير أو شر، ومنه مناسك الحج2.
قلت: ومعنى العيد مأخوذ من المعاودة سواء أكان زماناً، أو مكاناً. والآية شاملة لذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الآية: فالأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي نصت عليها الآية وهي: كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، بل الأعياد هي أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره3وكما في قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} 4. أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم وذلك أن اللام تورث
1 هو: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي المخزومي، مولاهم من التابعين، ومن كبار المفسرين، وكان فقيهاً عالماً، ثقة كثير الحديث، توفي سنة (103)، وعمره (83) . انظر ترجمته: تقريب التهذيب (2/229) ، وتذكرة الحفاظ (1/92) .
2 انظر: تفسير البغوي (3/297) ، وتفسير ابن كثير (3/221ـ234) .
3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/471) .
4 سورة المائدة، آية (48) .
الاختصاص، فان كان لليهود عيد، وللنصارى عيد، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم 1.
ثانياً: من السنة:
1 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبان فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"2.
وجه الدلالة:
أن العيدين جاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال:"قد أبدلكم بهما يومين آخرين" والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.
فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما" يقتضي ترك الجمع بينهما لا سيما. وقوله: "خيراً منهما" يقتضي الاعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية 3.
ومن هنا يتضح النهي عن إحياء مثل هذه الأعياد، أو المشاركة فيها لصريح نهيه صلى الله عليه وسلم.
1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/446) .
2 تقدم تخريجه (88) .
3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/432ـ434) .
2 ـ عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. قال نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ينحر إبلاً في بوانة 1 فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هل فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا؟ قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم"قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر فيه معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم"2.
وجه الدلالة:
إن هذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان أعياد أهل الجاهلية ومحل أوثانهم معصية لله سبحانه.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً، وإن كان أولئك الكفار قد اسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيداً، بل يذبح فيه فقط، فقد ظهر أن ذلك سداً للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لأحياء أمر تلك البقعة، وذريعة إلى اتخاذها عيداً.
وفي هذا نهى شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان، سواءً أكان عيداً مكانياً أو زمانياً3.
1 بوانة: بضم أوله وتخفيف الواو هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر. انظر: معجم البلدان لياقوت (1/505) .
2 سنن أبي داود، كتاب الإيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء، بالنذر (3/238) ، حديث (3313) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب النذور، باب من نذر أن ينحر بغير مكة (10/83) . وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (4/180) ، إسناده صحيح.
3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/440ـ444) .
3 ـ ما جاء عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة"1.
ذكر في هذا الحديث أن الجمعة لنا، كما أن السبت لليهود والأحد للنصارى واللام تقتضي الاختصاص، فأوجب ذلك أن يكون كل واحد مختصاً بما جعل له، ولا يشركه فيه غيره، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت، أو عيدهم يوم الأحد خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي، فكذلك في العيد الحولي، إذ لا فرق بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي، أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك 2.
4 ـ ما روى كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها أسألها أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت: كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم"3.
1 تقدم تخريجه، ص (30-31) .
2 اقتضاء الصراط المستقيم (1/451) .
3 مسند الإمام أحمد (6/323ـ324) ، والحاكم في المستدرك، كتاب الصوم "ترغيب صيام يوم السبت والأحد "(1/436) . وقال صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وجه الدلالة:
إن هذا الحديث نص في شرع مخالفتهم في عيدهم1. فالسبت عيد اليهود والأحد عيد النصارى وهما يوما فرح وسرور عندهم.
ثالثاً: من الآثار:
1 ـ ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم"2.
2 ـ كما جاء عنه أيضاً أنه قال: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم"3.
3 ـ وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت، وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة"4.
4 ـ عن محمد بن سيرين قال: "أتى علي رضي الله عنه بهدية النيروز فقال ما هذه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز قال: فاصنعوا كل يوم فيروزاً، قال أبو أسامة: كره رضي الله عنه أن يقول نيروزاً"5.
1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/453) .
2 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجزية، باب كراهية الدخول على أهل الذمة (9/234) ، ومصنف عبد الرزاق، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة (1/411) ، حديث (1609) . وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/455) ، إسناده صحيح.
3 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجزية (9/234) .
4 المصدر السابق (9/234)، وقال شيخ الإسلام: إسناده صحيح. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/457) .
5 السنن الكبرى، كتاب الجزية (9/235) ، واقتضاء الصراط المستقيم (1/458) .
وجه الدلالة:
في هذه الآثار نص صريح على وجوب مخالفة الكفار في أعيادهم وعدم مشاركتهم فيها.
فعمر نهى عن تكلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم، أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم أليست الموافقة في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟، أو ليس عمل بعض أعمال أعيادهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟.
وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه، أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟.
ثم قوله: " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم" أليس نهينا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه، فكيف بمن عمل عيدهم1.
أما عبد الله بن عمرو فيقتضي كلامه أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار وإن كان الأول ظاهر لفظه.
أما علي رضي الله عنه فكره موافقتهم في اسم العيد الذي ينفردون به فكيف بموافقتهم في العمل2 وفي هذا يقول البيهقي: الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً3.
فموافقتهم في أعيادهم من أسباب سخط الله تعالى؛ لأنه إما محدث أو منسوخ4.
1 مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/325) ، واقتضاء الصراط المستقيم (1/457) .
2 انظر: المصدر السابق (1/459ـ460) .
3 انظر: السنن الكبرى للبيهقي (9/235) .
4 انظر: الأمر بالاتباع للسيوطي (70ـ71) .
رابعاً: الإجماع:
فلقد جاء في شروط عمر رضي الله عنه، التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم " أن أهل الذمة لا يخرجون صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين ولا يظهرون أعيادهم، وذكر منها الباعوث والشعانين، ولا يظهرون النيران في أسواق المسلمين
…
"1.
ولقد نقل الاتفاق شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها، مظهراً لها؟ 2.
وإليك بعض أقوال العلماء في النهي عن مشابهة الكفار ومشاركتهم في أعيادهم:
1 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا نتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل ينهي عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات، غير هذا العيد، لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم"3.
1 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية (9/202)، وانظر: أحكام أهل الذمة (2/724ـ725) .
2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/454) .
3 المرجع السابق (2/517)، وانظر: مجموع الفتاوى (25/319) .
قال ابن الحاج1: وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له، ورآه من تعظيم عيده وعوناً له على مصلحة كفره، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم
…
ولا يعانون على شيء من دينهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره2.
وقال ابن كثير عند حديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم؛ لأن الله تعالى شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرح له الدين العظيم القويم الشامل الكامل، الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حييّن لم يكن لهما شرع متبع، بل لو كانا موجود ين، بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المكرمة المعظمة، فإذا كان الله تعالى قد منّ علينا بأن جعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، فقد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرح لهم أولاً.
1 هو: محمد بن محمد أبو عبد الله العبدري المعروف بابن الحاج المغربي الفاسي، كان فقيهاً وعارفاً بمذهب مالك، قدم القاهرة وسمع بها الحديث وحدث بها، وكانت وفاته فيها سنة (737هـ) وعمره 80 عاماً. انظر: الديباج المذهب (2/321ـ322) ، الدرر الكامنة (4/234) .
2 المدخل لابن الحاج (2/47ـ48)، وانظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/725) .
ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلاً ولا كثيراً ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم1.
وقال ابن النحاس 2: " واعلم أن أقبح البدع وأشنعها موافقة المسلمين للنصارى في أعيادهم بالتشبه بهم في مأكلهم وأفعالهم والهدية إليهم وقبول ما يهدونه من مأكلهم في أعيادهم، وقد عاني هذه البدعة أهل بلاد مصر، وفي ذلك من الوهن في الدين، وتكثير سواد النصارى والتشبه بهم ما لا يخفى.
وقد تكون المهاداة في الأعياد سبباً للتآلف بينهم وبين من يهدون إليه من المسلمين وتربية المودة والمحبة، وقد قال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} 3.
فالواجب على كل قادر أن ينكر على أهل الذمة التظاهر بأعيادهم ومواسمهم، ويمنع من أراد من المسلمين التشبه بهم في شيء من أفعالهم ومأكلهم وملابسهم ومخالطتهم فيها، ومن يضلل الله فلا هادي له، وهو على كل شيء قدير4.
1 البداية والنهاية لابن كثير (2/134) .
2 هو: أحمد بن إبراهيم بن محمد، أبو زكريا، محي الدين الدمشقي، المعروف بابن النحاس فرضي فاضل فقيه شافعي مجاهد، توفي رحمه الله في معركة مع الأفرنج سنة (814هـ) . انظر: شذرات الذهب (7/105) ، ومعجم المؤلفين (1/142) .
3 سورة المجادلة آية (22) .
4 تنبيه الغافلين لابن النحاس (307ـ310) .