الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: أسباب انتشار البدعة
إن أسباب انتشار البدع كثيرة ومتعددة لا يمكن حصرها وتحديدها؛ ذلك لأنها تتغير وتتجدد وتظهر وتختفي بحسب الدوافع والموانع لها؛ لذا سأقتصر على أهمها باختصار، وهي كما يلي:
1 ـ الجهل بأدوات الفهم:
وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن الكريم عربياً لا عجمة فيه، جار في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب. كما قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1.
وغير ذلك من الآيات التي تبين أن القرآن نزل عربياً على أفصح عربي نطق بها محمد صلى الله عليه وسلم. فالشريعة لا تفهم ولا تعطي ما عندها إلا إذا فهم اللسان العربي، هذا وإن كان صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة، فجميع الأمم وعامة الألسنة في هذا الأمر تبع للسان العربي، وإذا كان كذلك فلا يفهم كتاب الله إلا من الطريق الذي نزل عليه، وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها وأساليبها، فيجب على كل مسلم أن يتعلم من اللسان العربي ما بلغه جهده حتى يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويتلو كتاب الله، وينطق به الذكر المفترض عليه من التكبير ونحوه 2.
1 سورة الزخرف، آية (3) .
2 انظر: الاعتصام للشاطبي (2/293ـ294) ، والبدعة والمصالح المرسلة للواعي (125ـ127) ، والرسالة للشافعي (48) .
ولكي يسلم من الانحراف عن الدين والوقوع في الابتداع، وكثير من وقع في البدعة بسبب جهله باللسان العربي.
2 ـ الجهل بالدين والسنة وعلومها:
مما يترتب على ذلك عدم التمييز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة؛ لذا فالمبتدعة لا يفرقون بين السنة والبدعة، فيعتمدون على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى الابتداع والتشويه للشرع والافتراء عليه، فردوا الأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، ويدعون أنها مخالفة للمعقول وغير جارية على مقتضى الدليل 1.
متناسين تحذيره صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه كما قال: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"2.
وكما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 3.
وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 4. وغير ذلك من الآيات الواردة في التحذير من مخالفته صلى الله عليه وسلم.
1 انظر: الاعتصام للشاطبي (1/224ـ231) ، والبدعة والمصالح المرسلة (152ـ153) .
2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم (1/202) ، حديث (110) ، وصحيح مسلم، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/10) .
3 سورة النور، آية (63) .
3 ـ اتباع الهوى:
ولقد ذم الله سبحانه وتعالى من يتبعون الهوى ويعرضون عن الحق الذي جاء به الشرع.
كما قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} 1.
وغير ذلك من الآيات الواردة في ذم الهوى وأصحابه.
وفي ذلك يقول الشاطبي رحمه الله: " لذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة مأخذ الافتقار إليها، أو التعويل عليها حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها وراء ذلك "3.
4 ـ اتباع المتشابه:
وذلك باتباعه وترك المحكم من الآيات والأحاديث وإلى ذلك يشير إلى قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} 4.
1 سورة النجم، آية (23) .
2 سورة الجاثية (23) .
3 الاعتصام للشاطبي (2/176) .
4 سورة آل عمران، آية (7) .
فهم يطلبون به أهواءهم لحصول الفتنة، فليس في نظرهم، إذاً في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمة، بل نظر من حكم بالهوى، ثم أتى بالدليل كالشاهد 1.
5 ـ القول في الدين بغير علم وقبول ذلك من قائله:
وذلك باتخاذ الناس رؤوساً جهالاً يقومون بالفتوى والتعليم، ويقولون في دين الله بغير علم، حيث تكثر الاستحسانات التي قوامها الأهواء والآراء.
كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"2. 3.
ولقد حذر سبحانه وتعالى من القول بغير علم وجعله محرماً كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 4.
فالآية تبين تحريم عموم القول في الدين بغير علم 5.
1 الاعتصام للشاطبي (1/221) .
2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (1/194) ، حديث (100) ، وصحيح مسلم، كتاب العلم، باب رفع القلم وقبضه (4/3058) ، حديث (2673) .
3 البدعة وأثرها السيئ (47) .
4 سورة الأعراف، آية (33) .
5 تفسير البغوي (2/158) .
6 ـ الغلو في الأشخاص:
وذلك بالتسليم لغير المعصوم صلى الله عليه وسلم والقول بعصمة الأئمة المتبوعين من الخطأ والتعصب لآرائهم الباطلة، أو تقديس الشيوخ باعتبار أن منازلهم تقارب منازل الأنبياء 1.
وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الغلو. فقال جل وعلا: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 2.
كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك. فقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله"3.
وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في النهي عن الغلو وأنه من أسباب الوقوع في الشرك والبدع بريد الشرك والموصلة إليه.
1 انظر: البدعة وتحديدها (245) ، والبدعة وأثرها السيئ في الأمة (48) .
2 سورة المائدة، آية (77) .
3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب أحاديث الأنبياء (6/478) ، حديث (3445) .