المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم: - الأعياد وأثرها على المسلمين

[سليمان بن سالم السحيمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية

- ‌الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الثاني: أعياد النصارى وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الرابع: أعياد العرب في الجاهلية وعاداتهم فيها

- ‌المبحث الأول: الدين السائد عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثالث: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثاني: مشروعية مخالفة الكفار

- ‌الفصل الأول: النهي عن مشابهة الكفار

- ‌المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أدلة تحريم التشبه بالكفار

- ‌المبحث الثالث: أخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع المشابهة في أمته

- ‌المبحث الرابع: أثر مشابهة الكفار

- ‌الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار

- ‌المبحث الثالث: أثر مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌الباب الثالث: الأعياد المشروعة وآثارها الحميدة

- ‌الفصل الأول: تحديد الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: الأعياد الزمانية الشرعية

- ‌المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى

- ‌المطلب الثاني الأدلة على أن أيام التشريق وعرفة أيام عيد

- ‌المطلب الثالث: يوم الجمعة

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية

- ‌الفصل الثاني: بيان أن الله تعالى أغنى المسلمين بأعيادهم الشرعية

- ‌المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية

- ‌المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن

- ‌المبحث الثالث: أثر الأعياد الشرعية في التكافل الاجتماعي

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين الأعياد الشرعية والأعياد الأخرى

- ‌الباب الرابع: الأعياد والمواسم المبتدعة وأثرها السيء

- ‌الفصل الأول: في البدعة

- ‌المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف البدعة في الاصطلاح

- ‌المبحث الثالث: أسباب انتشار البدعة

- ‌المبحث الرابع: أحكام البدع

-

- ‌الفصل الثاني: بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى

- ‌المبحث الثاني: البدع والمخالفات في الجمعة

-

- ‌الفصل الثالث: الأعياد الزمانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: يوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتما

- ‌المطلب الثاني: ـ اتخاذ عاشوراء عيداً:

- ‌المطلب الثالث: ـ السنة في يوم عاشوراء:

- ‌المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام:

- ‌المطلب الثاني: صور الاحتفال بالمولد:

- ‌المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد:

- ‌المطلب الرابع: الشبه التي اعتمد عليها من قال بالاحتفال بالمولد وردها:

- ‌المطلب الخامس: دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثالث: صلاة الرغائب

- ‌المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعتها

- ‌المبحث الرابع: الاحتفال بالإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج:

- ‌المطلب الثاني: صفة الاحتفال:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة على بدعيتها:

- ‌المبحث الخامس: الاحتفال بليلة النصف من شعبان

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك:

- ‌المطلب الثاني: الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان:

- ‌المبحث السادس: الاحتفال بليلة القدر

- ‌المطلب الأول: فة الاحتفال بها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌المبحث السابع: الاحتفال بعيد الأبرار

- ‌المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة

- ‌المطلب الأول: صفة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌الميحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير

- ‌المطلب الأول: متى احتفل به

- ‌المطلب الثاني: منزلته عند الرافضة والأدلة على ذلك:

- ‌المطلب الثالث: مظاهر الاحتفال به:

- ‌المطلب الرابع: الأد على بدعته

- ‌المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: منزلته عند الراف1ضة وصورة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بطلان هذا العيد:

-

- ‌الفصل الرابع: الأعياد المكانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: اتخاذ القبور أعيادا

- ‌المطلب الأول: زيارة القبور

- ‌المطلب الثاني: النهي عن اتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المبحث الثاني: اتخاذ الآثار أعياداً

- ‌المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعياداً

- ‌المبحث الرابع: المفاسد الناتجة عن تلك الأعياد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم:

‌المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم:

كما هو معلوم أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أحدثها المتأخرون، ليس لها أصل في دين الله ولا في شرع رسوله صلى الله عليه وسلم. وليس على إقامة الحفلات بمناسبة المولد دليل من كتاب ولا سنة، ولم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بها ولا وصى بها المسلمين، ولم يفعلها خلفاؤه الراشدون الذين هم خير الناس بعد الأنبياء، وأفضل هذه الأمة بعد نبيها، وهم أهل السبق والمبادرة إلى الخيرات بفعل المأمورات وترك المنهيات، ولو كان الاحتفال بالمولد سنة أو أمراً مستحباً لسبقونا إليه ولأظهروه للناس، وأحيوه كما أحيوه السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.

ولما لم يرد شيء من ذلك، حيث لم يأمر به صلى الله عليه وسلم ولا فعله أصحابه ولا أحد من أهل البيت، ولا من سلف هذه الأمة الذين يعتد بهم كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وبقية أئمة السلف دل على أن فعله بدعة محدثة منكرة، مردودة على أصحابها؛ لأن كل بدعة ضلالة.

وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة الواردة في النهي عن البدع والإحداث في الدين، وإليك بيان ذلك.

- أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 1.

1 سورة الحشرة، آية (7) .

ص: 333

وفي تفسير هذه الآية يقول ابن كثير: " أي مهماً أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير، وإنما ينهى عن شر "1.

وقال البغوي: " هو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه "2.

ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أمته باتخاذ ليلة المولد عيداً فكان العمل بها بدعة، وهو من قبيل المحدثات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، ويبالغ في التحذير منها، وعلى هذا ففي الآية الكريمة أوضح دليل على المنع من اتخاذ ليلة المولد النبوي عيداً 3.

2 -

وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} 4.

قال ابن كثير: " أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهاجه، وطريقته، وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان.. "5.

3 -

قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 6.

1 تفسير ابن كثير (4/336) .

2 تفسير البغوي (4/318)، وانظر: تفسير القرطبي (18/17) .

3 انظر: الرد على الكاتب المفتون للشيخ حمود بن عبد الله التويجري (47) بتصرف.

4 سورة النور، آية (63) .

5 تفسير ابن كثير (3/307) .

6سورة المائة، آية (3) .

ص: 334

وهذا الاحتفال يعد استدراكاً على الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم، وبهذا يتبين بطلانه وخطورته على الدين.

4 -

قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1.

فهم القدوة والأسوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتفلوا بمولده صلى الله عليه وسلم ولو كان خيراً لسبقوا إليه.

وغير ذلك من عموم الآيات الواردة في النهي عن الإحداث والابتداع في الدين والحث على التزام ما جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

- ثانياً: من السنة:

1 -

حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه الذي جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"2.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ليس منه فهو رد"3.

1 سورة التوبة، آية (100) .

2 تقدم تخريجه، ص (219) .

3 تقدم تخريجه (220) .

ص: 335

فالاحتفال بالمولد محدث مبتدع فهو مردود، ولا سيما أن أربابه والدعاة إليه يجعلونه قربة يتقربون بها إلى الله عز وجل، وهذا الاعتقاد باطل بنص قوله صلى الله عليه وسلم.

والأدلة في هذا الشأن كثيرة، وما ورد فيه الكفاية لمن طلب الحق وبحث عنه.

- ثالثاً: من أقوال السلف:

قال الشاطبي عند عده للبدع التي تضاهي الشرعية: ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك 1.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليال شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد.. فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها 2.

وقال الفكهاني 3 عند ما سئل عن الاحتفال بالمولد: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله من أحد من علماء الأمة الذين هم

1 الاعتصام للشاطبي (1/39) .

2 مجموع الفتاوى (25/298) .

3 هو: عمر بن علي بن سالم بن عبد الله اللخمي الاسكندراني المعروف بتاج الدين الفكهاني فقيه، نحوي، مفسر، وله مصنفات في أشياء متفرقة، ولد سنة (654هـ) ، وكانت وفاته (734هـ)، وقيل (436) . انظر: البداية والنهاية (14/177) ، والديباج المذهب (2/80/81) .

ص: 336

القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطَّالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون. وقد نص على بدعية المولد بجميع صوره 1.

فالمولد إذا بدعة منكرة سواءً احتوى على محرمات من سماع، أو رقص وغيره، أو اقتصر على الاجتماع وإطعام الطعام، والمعروف أن البدعة تزيد ولا تنقص.

قال ابن الحاج بعد ما ذكر أن من جملة البدع المحدثة المولد وأنه احتوى على بدع ومحرمات: فانظر - رحمنا الله وإياك - إلى مخالفة السنة ما أشنعها وما أقبحها وكيف تجر إلى المحرمات، ألا ترى أنهم لما خالفوا السنة المطهرة، وفعلوا المولد لم يقتصروا على فعله، بل زادوا عليه من المحرمات والأباطيل المتعددة 2.

وقد نص على بدعيته جماعة من العلماء المحدثين منهم والمتقدمين 3، ولعل من المناسب أن أختم كلام العلماء في هذه البدعة بفتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الشأن والذي جاء فيها بعد نصه على عدم جوازه، وأنه من البدع المحدثة في الدين قوله: وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة

1 المورد في عمل المولد للفكهاني (20-22) .

2 انظر: المدخل لابن الحاج (2/10) .

3 منهم: ابن النحاس في تنبيه الغافلين (138) ، والشقيري في السنن والمبتدعات (138-139) ، ومحمد رشيد رضا في الفتاوى (4/1242-1243) ، ومحمد جمال الدين القاسمي في إصلاح المساجد من البدع والعوائد (114-115) ، والشيخ محمد ابن إبراهيم في فتاويه (3/48) ، وما بعدها، وأحمد بن حجر آل أبو طامي في تحذير المسلمين في عن الابتداع (184-190) وغيرهم كثير.

ص: 337

والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم "1.

ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، وفعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم 2.

فمما تقدم من الأدلة وأقوال العلماء يتضح لطالب الحق بدعية هذا الاحتفال وأنه لا أصل له في دين الله وهو مخالف لما جاء به صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.

1 صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء بيعة الخلفاء (3/1472-1743) ، حديث (1844) .

2 انظر: التحذير من البدع (4-5) .

ص: 338

والذي ينبغي للمسلم العاقل أن لا يغتر بكثرة المؤيدين لهذا الاحتفال؛ لأن الله سبحانه تعبدنا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بالاتباع ونهانا عن الابتداع والإحداث في الدين.

وما هذا الاحتفال إلا بدعة في الدين لم يعرفها سلف هذه الأمة، بل نشأت بعد القرون المفضلة، وانصراف كثير من الناس في هذا الزمان إلى مثل هذا الاحتفال ليس دليلاً على جوازه أو استحسانه، بل الحق ما كان موافقاً لما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن قل اتباعه والباطل ما خالفه وإن كثير أعوانه.

قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} 1.

ولقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان والعمل الصالح بأنهم قليل. فقال جل من قائل: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} 2.

كما أخبر جل وعلا أن كثيراً من الناس ينتحلون صفة الإيمان وهم في الحقيقة مشركون. قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 3. وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 4.

1 سورة الأنعام، آية (116) .

2 سورة ص، آية (24) .

3 سورة يوسف، آية (106)

4 سورة يوسف، آية (103) .

ص: 339

وما وجد من أهل العلم نسب إليه القول بالاحتفال بالمولد النبوي واستحسانه كابن حجر والسيوطي والسخاوي وغيرهم من العلماء الذين لهم باع في أصول العلم الشرعي وفروعه.

فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه عن المواسم المبتدعة من الموالد وغيرها: " وإذا فعلها قوم ذوي فضل فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهيتها، وأنكرها قوم كذلك، وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلوها فليس دونهم في الفضل فتكون حينئذٍ قد تنازع فيها أو لو الأمر فترد إذن إلى الله والرسول، وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها لا مع من رخص فيها، ثم إن عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاء التاركين المنكرين 1.

ومن ناحية أخرى فلعلها تكون زلة عالم، والحق يعرف بالدليل لا يعرف بالرجال وكثرة المؤيدين وفي ذلك قال الإمام مالك " ليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك "2.

والإنسان في مراحل علمه المختلفة تعتريه بعض الشبه في مسائل من العلم تجعله يخالف بسببها الحق، وحسب العالم في ذلك صدقه وتحريه الحق والبحث عنه، ولعله قد ظهر لمثل هؤلاء العلماء الحق فيما خالفوا فيه الدليل فرجعوا عن القول الباطل ولم نقف نحن عليه.

1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/610) .

2 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/91) .

ص: 340

والبدعة مهما عمل بها من عمل ومهما قال بها من قال، ومهما بقيت من زمن فلا تكون سنة في يوم من الأيام بل هي بدعة مذمومة حتى تزول.

وفي ذلك يقول الحكمي 1: " اعلم أن البدع كلها مردودة ليس فيها شيء مقبولاً، وكلها قبيحة ليس فيها حسن، وكلها ضلال ليس فيها هدى، وكلها أوزار ليس فيها أجر، وكلها باطل ليس فيها حق 2.

وما بدعة المولد إلا إحدى البدع المتباينة التي عمت وطمت والتي أحدثها أعداء الإسلام من الفاطميين الحاقدين، وأرباب التصوف الجهال المارقين، فلم يعرفها سلف هذه الأمة، وخيرها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، ثم تسللت وانتشرت حتى عمت كثيراً من المسلمين فقلّد بعضهم بعضاً في تلك البدعة، وكما قيل:" الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض "3.

ولاسيما في هذا العصر، حتى أصبح ذلك العمل شعاراً يدل على المحبة لسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم في زعمهم، ولم يكن ذلك الفعل مقتصراً على الجهلة والعوام، ومن لا يعرف الدليل ولا يفقهه بل إن بعضاً ممن ينتسبون إلى العلم أصبحوا دعاة سوء وضلال إلى مثل هذا الاحتفال، معرضين عن كتاب الله وسنة نبيه وأقوال سلف هذه الأمة، باحثين عن إشباع رغباتهم وشهواتهم بالأكل والشرب والهوى واللعب، الذي يحصل لهم في ذلك الاجتماع فلا حول

1 هو: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي فقيه أديب حافظ، ولد بجيزان سنة (1342هـ) وكانت وفاته بمكة المكرمة سنة (1377) . انظر: الأعلام (2/159) .

2 معارج القبول للحكمي (2/616) .

3 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/150) .

ص: 341

ولا قوة إلا بالله {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} 1.

وأخيراً فخلاصة القول في الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أنه باطل وبدعة منكرة لما يلي:

1 -

أنه بدعة في الدين محدثة، وكل بدعة ضلالة، ولن يستطيع الذين يرون إقامته أن يقيموا عليه دليلاً من الشرع.

2 -

أنه مشابهة للنصارى في احتفالهم بمولد المسيح بن مريم عليه السلام، وقد نهينا عن التشبه بهم، ومن الغريب أن احتفال النصارى بمولد عيسى عليه السلام، بدعة ابتدعها النصارى أيضاً فأصبح الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة مركبة.

3 -

ما يقع فيه من المنكرات والمحرمات والتي أعظمها الشرك بالله جل وعلا والتي لا يخلو منها مولد من الموالد.

ومن المعلوم أن البدعة لا تقف عند حد معين بل تزيد وتتوسع وذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي أصبح أصلاً في ابتداع موالد أخرى للأولياء والصالحين والآباء والأبناء.

وذلك اتباعاً لأول من أحدث المولد النبوي، وهم الفاطميون، حث أحدثوا معه موالد أخرى لآل البيت كفاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم، بل وللحاكم الحاضر أيضاً.

1 سورة الحج، آية (46) .

ص: 342

ومن أطلع على حال العالم الإسلامي اليوم أدرك ذلك، بحيث لا يكاد يمر أسبوع واحد دون اجتماع بعض الناس حول ولي من الأولياء فيهرع البعض منهم من الأقاليم النائية لحضور مولد ذلك الولي، وغالباً ما يكون هذا الاحتفال عند قبره، بل توسعوا في ذلك حتى امتدت إلى الاحتفال بمولد كل عظيم في نظر العامة وإن كان من الملحدين بحجة أنه ولي من الأولياء، ولا يقتصر هذا الفعل على بلد دون بلد، بل كل بلد من البلدان، أو إقليم من الأقاليم له أولياؤه الذين يحتفل بهم.

ولم يكتفوا بهذا الحد، بل سرى ذلك إلى الاحتفال بمولد الآباء والأبناء والأحفاد وأفراد الأسرة فأصبح أرباب هذه الموالد كل يوم في عيد. فضلاً عن المواسم المبتدعة الأخرى.

وعلى هذا فبدعة الاحتفال بالمولد النبوي هي بداية سلسلة متصلة لموالد أخرى ابتداءً من الولي وصاحب الطريقة، وانتهاءً بالاحتفال بمولد الولد والحفيد وسنأتي على بيان بعض تلك الاحتفالات في الأعياد المكانية ليقف القارئ على حقيقة تلك البدعة وما آلت إليه. والله المستعان.

ص: 343