الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: أحكام البدع
لا شك في أن البدع كلها محرمة مذمومة بإطلاق، ولا بدعة حسنة كما تقدم تقرير ذلك، ولكن هذه البدع تتفاوت، وذلك بحسب إخلالها في الدين، وهي قسمين: بدعة مكفرة. وبدعة غير مكفرة.
فضابط البدعة المكفرة: من أنكر أمراً مجمعاً عليه متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة، من جحود مفروض، أو فرض ما لم يفرض، أو إحلال محرم، أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه، من نفي أو إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل به رسله، كبدعة الجهمية 1 في إنكار صفات الله عز وجل، والقول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله، وإنكار أن يكون الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلم موسى تكليماً وغير ذلك.
وكبدعة القدرية 2 في إنكار علم الله عز وجل، وأفعاله وقضائه وقدره وغير ذلك من الأهواء.
1 أتباع الجهم بن صفوان الضال المبتدع، قال الذهبي: هلك في زمان التابعين، وما علمته روى شيئاً، لكنه زرع شراً عظيماً، وكان هلاكه سنة 128هـ.
2 انظر عن القدرية وفرقها: الملل والنحل للشهرستاني (54) ، والبرهان في معرفة عقائد أهل الأديان للسكسكي (50) ، وعون المعبود (12/452ـ453) ، وشرح صحيح مسلم للنووي (1/150ـ151) ، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/384ـ385) .
ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله، فهذا مقطوع بكفره، بل هو أجنبي عن الدين من أعدى أعدائه، وآخرون مغررون ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم وإلزامهم 1.
أما ضابط البدعة الغير مكفرة، فهي: ما لم يلزم منها تكذيب بالكتاب ولا بشيء مما أرسل الله به رسله، بل ناتجة عن نوع تأويل وشهوات نفسانية 2.
وقد ذكر الشاطبي رحمه الله " أن البدع تنقسم باعتبار تفاوت درجاتها إلى كبائر وصغائر، وأشار إلى أن ضابط التفريق بينهما هو ضابط التفريق بين كبائر الذنوب وصغائرها، حيث قال: "وأقرب وجه يلتمس لهذا المطلب ما تقرر في كتاب الموافقات 3، أن الكبائر منحصرة في الإخلال بالضروريات المعتبرة في كل ملة، وهي: الدين والنفس والنسل والعقل والمال. وكل ما نص عليه راجع إليها وما لم ينص عليه جرت في الاعتبار والنظر مجراها، وهو الذي يجمع شتات ما ذكره العلماء، وما لم يذكروه مما هو في معناه، فكذلك نقول في كبائر البدع ما أخل منها بأصل من هذه الضروريات فهو كبيرة، وما لا فهو صغير" 4.
1 معارج القبول للشيخ الحكمي (2/503ـ504) .
2 انظر: المصدر السابق (2/504) .
3 انظر الموافقات (2/4) .
4 الاعتصام (2/57) .
فعلى هذا يكون التفريق بين البدع المكفرة وغير المكفرة، وبين كبائر البدع وصغائرها أن البدعة إذا كانت ناتجة عن إنكار وجحود، كما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهي مكفرة، وإن كانت ناتجة عن تأويل فهي غير مكفرة، ثم إن هذه البدع غير المكفرة متفاوتة، فإن كانت البدعة متعلقة بالضروريات الخمس فيهي كبيرة، وإلا فهي صغيرة.
ويجب التنبيه إلى أن هذه ليست قاعدة مطردة مع كل أحد، بل تختلف بحسب حال المبتدع من حيث علمه وجهله، ودعوته إلى البدعة من عدمها، وإصراره عليها، أو عدم إصراره، فقد يكون للصغيرة حكم الكبيرة، وغير المكفرة حكم المكفرة بحسب تلك الأحوال 1.
1 انظر: موقف السنة والجماعة من أهل الأهواء (1/105ـ106) ، والاعتصام للشاطبي (2/58ـ62) .