المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار - الأعياد وأثرها على المسلمين

[سليمان بن سالم السحيمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية

- ‌الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الثاني: أعياد النصارى وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الرابع: أعياد العرب في الجاهلية وعاداتهم فيها

- ‌المبحث الأول: الدين السائد عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثالث: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثاني: مشروعية مخالفة الكفار

- ‌الفصل الأول: النهي عن مشابهة الكفار

- ‌المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أدلة تحريم التشبه بالكفار

- ‌المبحث الثالث: أخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع المشابهة في أمته

- ‌المبحث الرابع: أثر مشابهة الكفار

- ‌الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار

- ‌المبحث الثالث: أثر مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌الباب الثالث: الأعياد المشروعة وآثارها الحميدة

- ‌الفصل الأول: تحديد الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: الأعياد الزمانية الشرعية

- ‌المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى

- ‌المطلب الثاني الأدلة على أن أيام التشريق وعرفة أيام عيد

- ‌المطلب الثالث: يوم الجمعة

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية

- ‌الفصل الثاني: بيان أن الله تعالى أغنى المسلمين بأعيادهم الشرعية

- ‌المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية

- ‌المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن

- ‌المبحث الثالث: أثر الأعياد الشرعية في التكافل الاجتماعي

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين الأعياد الشرعية والأعياد الأخرى

- ‌الباب الرابع: الأعياد والمواسم المبتدعة وأثرها السيء

- ‌الفصل الأول: في البدعة

- ‌المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف البدعة في الاصطلاح

- ‌المبحث الثالث: أسباب انتشار البدعة

- ‌المبحث الرابع: أحكام البدع

-

- ‌الفصل الثاني: بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى

- ‌المبحث الثاني: البدع والمخالفات في الجمعة

-

- ‌الفصل الثالث: الأعياد الزمانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: يوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتما

- ‌المطلب الثاني: ـ اتخاذ عاشوراء عيداً:

- ‌المطلب الثالث: ـ السنة في يوم عاشوراء:

- ‌المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام:

- ‌المطلب الثاني: صور الاحتفال بالمولد:

- ‌المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد:

- ‌المطلب الرابع: الشبه التي اعتمد عليها من قال بالاحتفال بالمولد وردها:

- ‌المطلب الخامس: دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثالث: صلاة الرغائب

- ‌المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعتها

- ‌المبحث الرابع: الاحتفال بالإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج:

- ‌المطلب الثاني: صفة الاحتفال:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة على بدعيتها:

- ‌المبحث الخامس: الاحتفال بليلة النصف من شعبان

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك:

- ‌المطلب الثاني: الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان:

- ‌المبحث السادس: الاحتفال بليلة القدر

- ‌المطلب الأول: فة الاحتفال بها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌المبحث السابع: الاحتفال بعيد الأبرار

- ‌المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة

- ‌المطلب الأول: صفة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌الميحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير

- ‌المطلب الأول: متى احتفل به

- ‌المطلب الثاني: منزلته عند الرافضة والأدلة على ذلك:

- ‌المطلب الثالث: مظاهر الاحتفال به:

- ‌المطلب الرابع: الأد على بدعته

- ‌المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: منزلته عند الراف1ضة وصورة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بطلان هذا العيد:

-

- ‌الفصل الرابع: الأعياد المكانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: اتخاذ القبور أعيادا

- ‌المطلب الأول: زيارة القبور

- ‌المطلب الثاني: النهي عن اتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المبحث الثاني: اتخاذ الآثار أعياداً

- ‌المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعياداً

- ‌المبحث الرابع: المفاسد الناتجة عن تلك الأعياد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار

‌المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار

مع صراحة الأدلة ووضوحها في تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم فضلاً عن مشاركتهم فيها، نجد أن بعض المسلمين خالفوا تلك النصوص فحاكوا الكفار في أعيادهم وشاركوهم أفراحهم، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:"لتتبعنّ سنن من كان قبلكم"1.

وبالنظر إلى مشاركة بعض المسلمين للكفار في أعيادهم وأفراحهم نجد أنها لم تظهر ولم تعرف إلا بعد مضي القرون المفضلة، وذلك عندما توسعت الفتوحات الإسلامية وشملت كثيراً من بلدان العالم ودخل في الإسلام من أهل الديانات الأخرى من أضمر العداوة والكيد وأظهر الإسلام.

ومعلوم أن لكل ديانة ما يميزها عن الأخرى وخاصة في الاحتفالات التي يرون أن فيها إظهاراً لشعائر الدين، ومتى سنحت الفرصة لهؤلاء أظهروا تلك الشعارات، ولا سيما إذا توصلوا إلى بلاط السلاطين والحكام أو جاءت السلطة تحت أيديهم.

ويتجلى ذلك واضحاً في القرن الرابع الهجري، حيث انتشرت فيه أعياد الكفار والمشركين وأصبحت تقام طوال العام في ظل الدولة الفاطمية2 الرافضية الحاقدة.

1 تقدم تخريجه، ص (112) .

2 بدأت الدولة الفاطمية بدخول المعز محمد بن إسماعيل القاهرة سنة 362هـ، وهو بداية حكمهم في مصر وانتهت بوفاة العاضد سنة 567هـ. وحقيقة الدولة الفاطمية أنها دولة رافضية باطنية = وانتسابها إلى ولد علي رضي الله عنه انتساب باطل لا يصح. وأهل علم الأنساب من المحققين ينكرون دعوى ذلك النسب، فحقيقة مذهبهم الكفر المحض واعتقادهم الرفض، وقد قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: بأنهم من أفسق الناس ومن أكفر الناس، وإن من شهد لهم بالإيمان والتقوى أو بصحة النسب فقد شهد بما لا يعلم، وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها أنهم كانوا منافقين زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر. انظر ذلك في: البداية والنهاية (11/291ـ369) ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (35/120) ، وما بعدها، ووفيات الأعيان (3/117ـ118) .

ص: 133

وإن وجدت قبل ذلك بعض البوادر لإقامة بعض الاحتفالات فلم تكن على تلك الصورة التي كانت في زمن الدولة الفاطمية.

فقد ذكر القلقشندي1: " أن أول من رسم هدايا النيروز والمهرجان في الإسلام الحجاج بن يوسف الثقفي، ثم رفع ذلك عمر بن عبد العزيز، واستمر المنع فيه إلى أن فتح باب الهدية فيه أحمد بن يوسف الكاتب2 فإنه أهدى فيه للمأمون سفط3 ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه وكتب معه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد السادة "4.

قلت: ولعل ذلك لوجود بعض الفرس في الوزارة العباسية مما جعلهم يحتفلون بهذه المناسبة ولم يكن الاحتفال بالنيروز والمهرجان في هذا العصر بإظهار

1 هو: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله القلقشندي أديب فقيه، شافعي المذهب، توفي في جمادى الآخر سنة 821. انظر: شذرات الذهب (7/149) ، والأعلام (1/177) .

2 هو: أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح العجلي بالولاء، المعروف بالكاتب، من كبار الكتّاب من أهل الكوفة، ولي ديوان الرسائل للمأمون، توفي ببغداد سنة 213هـ. انظر: البداية والنهاية (10/280) ، والأعلام (1/72) .

3 هو: وعاء كالقفة. انظر: القاموس (865،1126) .

4 صبح الأعشى للقلقشندي (2/420ـ421) .

ص: 134

جميع شعارات الفرس التي كانوا يفعلونها في هذين العيدين، بل كان مقتصراً على الإهداء والرسائل.

ولما جاء العصر الفاطمي اتخذوا أعياداً وابتدعوا مواسم كثيرة وأصبحوا يحتفلون بها طوال العام وشابهوا وشاركوا الكفار في أعيادهم.

وقد ذكر المقريزي1 الأعياد والمواسم التي كانوا يحتفلون بها وهي على النحو التالي:

1 ـ رأس السنة

2 ـ أول العام.

3 ـ يوم عاشوراء

4 ـ مولد النبي صلى الله عليه وسلم.

5 ـ مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه

6 ـ مولد الحسن بن علي رضى الله عنه.

7 ـ مولد الحسين بن علي رضي الله عه.

8 ـ مولد فاطمة رضي الله عنها.

9 ـ مولد الخليفة الحاضر.

10 ـ ليلة أول رجب.

11 ـ ليلة النصف من رجب.

12 ـ ليلة أول شعبان.

13 ـ ليلة النصف من شبعان.

14 ـ غرة رمضان.

15 ـ ليلة الختم في رمضان.

16 ـ عيد الفطر.

17 ـ عيد الغدير.

1 هو: أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم الحسيني العبيدي البعلي الأصل القاهري، أبو العباس المعروف بابن المقريزي، كان متبحراً في التاريخ على اختلاف أنواعه، ولد سنة 766 هـ، وتوفي سنة 845 بالقاهرة. انظر: شذرات الذهب (7/254ـ255) ، والبدر الطالع (1/79ـ81) .

ص: 135

18 ـ كسوة الشتاء.

19 ـ كسوة الصيف.

20 عيد النحر.

21 ـ فتح الخليج.

22 ـ يوم النيروز.

23 ـ يوم الغطاس.

24 ـ يوم ميلاد المسيح عليه السلام.

25 ـ خميس العهد.

26 ـ عيد النصر1.

وسأقتصر على إيراد بعض الأعياد التي وقعت المشابهة والمشاركة من بعض المسلمين للكفار فيها، أما الأعياد المبتدعة والمواسم المحدثة فستكون في باب قادم إن شاء الله.

1 ـ الاحتفال برأس السنة:

كان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام؛ لأنها أول ليالي السنة، وابتداء أوقتها.

وكان من رسومهم في الاحتفال بهذه الليلة أن يقام حفل بذلك، وتعد الولائم الخاصة بهذه المناسبة من اللحوم والحلوى وتفرق على جميع أرباب الرتب وأصحاب الدواوين، حتى يعم ذلك جميع أهل القاهرة ومصر، وجميع الشعب2.

وعيد رأس السنة هو: أحد أعياد اليهود والذي نطقت به التوراة كما تقدم بيانه3.

1 الخطط للمقريزي (1/490) .

2 المصدر السابق.

3 انظر: أعياد اليهود من هذا البحث، ص (28) .

ص: 136

2 ـ الاحتفال بأول العام:

وفيه كان يقوم الخليفة بتفريق ما أعد لهذه المناسبة من الدنانير والمأكولات التي تعم الجميع وتعرف برسوم الركوب1.

وهذا الاحتفال هو أحد أعياد العرب في الجاهلية، حيث كانوا يحتفلون في أول العام في المحرم ويعظمون رؤساءهم فيه، كما يفعله الفرس أيضاً2.

وللأسف أن هذه البلوى سرت إلى بعض المسلمين إلى يومنا هذا، حيث تحتفل بعض الدول الإسلامية بهذه المناسبة، فتعطل الأعمال احتفالاً بتوديع عام ماض واستقبال عام جديد. وسيأتي زيادة تفصيل ذلك في الأعياد والمواسم المحدثة.

3 ـ الاحتفال بعيدي النيروز والمهرجان:

وهما أعظم أعياد المجوس كما تقدم3، وكانت الدولة الفاطمية تحتفل بذلك ومن عادتها فيه أن تعطل الأسواق ويقل سعى الناس في الطرقات، وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة أولادهم ونسائهم4.

وقد شاركهم بعض المسلمين في هذا الاحتفال فتراشوا بالماء على عادة الفرس فيه، حتى أصبح هذا العيد مجمعاً للمنكرات وفعل الفواحش من شرب الخمور والفسوق5.

1 المخطط للمقريزي (10/490) .

2 انظر: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية من هذا البحث، ص (88) .

3 انظر: أعياد المجوس في هذا البحث، ص (67) .

4 انظر: المخطط للمقريزي (1/490/493) .

5 انظر: المدخل لابن الحاج (2/50ـ54) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (308) .

ص: 137

ولم تتوقف المشابهة على المشاركة الخارجية، بل أثرت حتى على الفكر فتغني الشعراء بذلك فكتبوا إلى السلاطين وأهدوا إلى الأصدقاء بتلك المناسبة1.

ولا يزال الاحتفال بهذين العيدين إلى وقتنا الحاضر، حيث يحتفل الأعاجم في إيران بهذا العيد المجوسي ولا يقتصر الاحتفال والابتهاج بالفرس الموجودين هناك، بل يحتفل به أكثر من يدعي الإسلام هناك، ولا سيما الملوك والوزراء والأعيان وأرباب المدارس والكليات والجامعات وغيرهم.

ويظهرون الابتهاج والفرح والسرور والحفلات الممتعة والزينات والتهاني ما يفوق العد والوصف2.

4 ـ الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام:

وهو أحد أعياد النصارى، وقد شاركهم في الاحتفال به بعض المسلمين، حيث كانت الدولة الفاطمية تجعله من أهم المواسم لديها فتفرق فيه الهدايا والرسوم الخاصة بذلك والحلوى والسمك وغيرها، فيشمل جميع أرباب الدولة، وكانت توقد فيه الحوانيت والشوارع بالفوانيس ابتهاجاً بذلك3.

واستمرت المشابهة والمشاركة فيما بعد وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن ذلك ما يفعله كثير من الناس في أثناء الشتاء في أثناء كانون الأول

1 انظر: العقد الفريد لابن عبد ربه (6/282ـ283) .

2 تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين لابن حجر آل أبو طامي (151) .

3 الخطط للمقريزي (1/265ـ495) .

ص: 138

لأربع وعشرين خلت منه، ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام، فجميع ما يحدث فيه هو من المنكرات، مثل إيقاد النيران، وإحداث طعام، واصطناع شمع وغير ذلك.

فإن اتخاذ هذا الميلاد عيداً هو دين النصارى وليس لذلك أصل في دين الإسلام ولم يكن لهذا الميلاد ذكر أصلاً على عهد السلف الماضين، بل مأخوذ عن النصارى، وانضم إليه سبب طبيعي، وهو كونه في الشتاء المناسب لإيقاد النيران وأنواع مخصوصة من الأطعمة1.

وقد حكى المقريزي كيفية الاحتفال بميلاد المسيح في عصره، فقال أدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر موسماً جليلاً يباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري من ذلك لأولاده وأهله، وكانوا يسمونها الفوانيس وتعلق في الأسواق والحوانيت بأعداد تفوق الحد من الكثرة والملاحة ويتنافس الناس في المغالات بأثمانها2.

وبالنظر إلى كيفية احتفال أولئك بهذا العيد النصراني، نجد أنهم فعلوا عين ما يفعله النصارى، حيث كانت سنتهم فيه كثرة الوقود وتزيين الكنائس والبيوت والشوارع بالشموع الملونة والفوانيس المضيئة.

1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/516ـ517)، وانظر: الأمر بالاتباع للسيوطي (68ـ69) ، والمدخل لابن الحاج (2/59) .

2 انظر: الخطط للمقريزي (1/265) .

ص: 139

وما هذا الفعل إلا محاكاة للنصارى واتباعاً لهم في دينهم الباطل ولا يزال إلى يومنا هذا من يحتفل بهذا العيد من المسلمين ويشارك النصارى أفراحهم فيه.

" حيث إن بعض البلاد الإسلامية تعتبر هذا اليوم إجازة رسمية، ويحتفل الناس بذلك وتعطل الدوائر الحكومية والشركات والتجار الكبار، تعظيماً لهذا اليوم واحتراماً له، فيقدمون الهدايا والتهاني إلى النصارى بهذه المناسبة كما يرسلون بطاقات التهنئة لمن كان منهم بعيداً"1.

5 ـ الاحتفال بعيد الغطاس:

هو أحد أعياد النصارى، وقد وقعت المشاركة في هذا العيد من بعض المسلمين منذ زمن، وفي ذلك يقول المسعودي2: " ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وقد حضرت سنة (330) ، ليلة الغطاس بمصر والأخشيد محمد بن طغج3 في داره المعروفة بالمختارة في الجزيرة الراكبة للنيل، والنيل يطيف بها، وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة، وجانب الفسطاط4 ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع.

1 تحذير المسلمين في الابتداع (150) .

2 هو: علي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودي مؤرخ رحالة بحاثة من أهل بغداد أقام في مصر وتوفي بها سنة (346هـ) . لسان الميزان لابن حجر (4/223) ، والأعلام (4/277) .

3 هو: محمد بن طغج بن جف أبو بكر الملقب بالإخشيد، مؤسس الدولة الإخشيدية بمصر والشام، ولد سنة (268هـ) . انظر: شذرات الذهب (2/337) ، والأعلام (6/174) .

4 هو: ضرب من الأبنية وعلم بمصر نسبة إلى فسطاط عمرو بن العاص الذي أقيم فيه. انظر: القاموس المحيط (879) ، ومعجم البلدان لياقوت (4/263) .

ص: 140

وقد حضر النيل في تلك الليلة مئات آلاف من الناس من المسلمين والنصارى، منهم في الزوارق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على الشطوط لا يتناكرون الحضور، ويحضرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف1.

وهي أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سروراً، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض مبرئ للداء2.

قلت: بئست هذه الليلة التي فيها إعانة للكفار على إظهار عقيدتهم الباطلة ومشاركتهم في فسوقهم الواضح، ولا يقع هذا الفعل إلا ممن ضعف إيمانه، وقل حياؤه من جهلة المسلمين وغوغاء العامة.

وهذا العيد هو أحد المواسم التي كانت تحتفل بها الدولة الفاطمية، ويشارك بعض المسلمين في ذلك فتنصب الخيام على السواحل، وتوقد الشموع ويحضر المغنون والملهون وتشرب الخمور، حتى يحين وقت الغطاس فينزل في البحر3.

ومما يحدث في هذا الموسم من مشاركة المسلمين ما ذكره ابن الحاج "من أن بعض المسلمين تشبه بالنصارى في ذلك من كونهم يزيدون فيه النفقة، ويدخلون فيه السرور على أولادهم بأشياء يفعلونها فيه، مما يزيد في تعظيم هذا

1 هو اللهو واللعب، وقيل الجلبة والإعلان باللهو. انظر: لسان العرب (9/283) ، مادة (قصف) .

2 مروج الذهب للمسعودي (1/357) .

3الخطط للمقريزي (1/265ـ266) .

ص: 141

الموسم، وبعض من انغمس في الجهل من المسلمين يغطس في تلك الليلة كما يغطسون، كما أنهم يزفون فيه بعض عيدان القصب وعليها الشموع الموقودة والفاكهة وغير ذلك مما فيه محاكاة للنصارى في باطلهم"1.

والبعض من المسلمين يدخلون أولادهم الحمام في هذا الوقت، ويزعمون أن ذلك ينفع الولد، وهذا هو دين النصارى، وهو من أقبح المنكرات المحرمة2.

6 ـ الاحتفال بخميس العهد:

وهو أحد أعياد النصارى، وقد شاركهم بعض المسلمين في الاحتفال بهذا العيد، حيث كانت الدولة الفاطمية، تضرب دراهم ودنانير، توزع على أهل الدولة بهذه المناسبة3.

ومن مشاركة بعض المسلمين في هذا العيد أنهم اتخذوا فيه أشياء لا تنبغي ووقعوا في منكرات عديدة، منها: خروج النساء إلى ظاهر البلد، وتخمير القبور، ووضع الثياب على السطح، وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب واختصاصه بطبخ عدس، أو صبغ بيض أو نحوه ذلك. واتخاذه موسماً لبيع البخور وشرائه، فكل هذا الفعل هو دين النصارى والصابئين.

1 المدخل لابن الحاج (2/59)، وانظر: تنبيه الغافلين لابن النحاس (309) .

2 الأمر بالاتباع للسيوطي (69) .

3 الخطط للمقريزي (1/450) .

ص: 142

ولهم في ذلك معتقدات، حيث يزعمون أن ذلك الفعل يدفع عنهم العين والكسل وأمراض الجسد وغير ذلك من الأمور الفاسدة التي فيها محاكاة لما يفعله النصارى في هذا العيد1.

7 ـ الاحتفال بعيد سبت الظلام الذي يسمونه سبت النور:

وهو أحد أعياد النصارى، وقد شاركهم في الاحتفال به بعض المسلمين، حيث كانوا يجمعون فيه أوراق الشجر على اختلاف أنواعها ويبيتونها في الماء ليلة السبت، ويزعمون أن ذلك يذهب عنهم الأمراض والأسقام، ويدفع عنهم السحر والعين. ومن ذلك زعمهم أن من كان فيه جرب2، أو حكة وأدهن في هذا اليوم بالكبريت، وقعد في الشمس عرياناً، أو غير مستور شفي مما به.

فترى النساء يفعلن ذلك ويجلسن من غير مئزر ولا سراويل، والرجال يرون كثيراً منهم في البر والبحر وغير ذلك، مما ينزه أهل العلم عن ذكر ما يفعل فيه من المنكرات، ولا حاجة لذكر الحال والتفصيل في ذلك فسق وفساد وانحلال أخلاق3.

1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/515ـ516) ، والمدخل لابن الحاج (2/54ـ56) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (308) ، والأمر بالاتباع للسيوطي (67ـ68) .

2 الجرب: بثر يعلوا أبدان الناس والإبل، انظر: لسان العرب (1/259) ، مادة (جرب) .

3 تنبيه الغافلين لابن النحاس (308ـ309)، وانظر: المدخل لابن الحاج (2/57ـ58) والأمر بالاتباع للسيوطي (68) .

ص: 143

8 ـ الاحتفال بيومي السبت والأحد:

فالسبت عيد الأسبوع عند اليهود، والأحد عند النصارى، وقد شاركهم بعض المسلمين في الاحتفال بهما، ومن أوجه المشابهة والمشاركة: تعطيل الدوائر والمحلات التجارية في بعض البلاد الإسلامية، وكونه يوم إجازة رسمية.

وما هذا الفعل إلا تعظيماً لهما مخالفين بذلك فعله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يتعمد مخالفة اليهود والنصارى بصومهما ويقول:"انهما يوماً عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم"1. فنص صلى الله عليه وسلم على مشروعية مخالفتهم في ذلك.

9 ـ الاحتفال باليوبيل الفضي واليوبيل الذهبي:

والمقصود باليوبيل الفضي: هو مرور خمسة وعشرين عاماً على حدث، أو أمر هام في البلاد.

والمقصود باليوبيل الذهبي: هو مرور خمسين عاماً على هذا الحدث، أو هذا الأمر الهام.

وهذا الاحتفال هو أحد أعياد اليهود كما تقدم2 التي كانوا يقيمونها بعد فترة زمنية على زراعة الأرض، حيث تكون السنة الخمسون يوبيلاً لليهود، أي عيداً لهم يقيمون فيه احتفالات ضخمة للتعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة.

فجاء بعض المسلمين فحاكوا اليهود في هذا الاحتفال فما يمضي خمس وعشرون على إنشاء مؤسسة، أو صناعة أو نحوها إلا ويتخذون ذلك اليوم

1 تقدم تخريجه، ص (30-31) .

2 انظر: أعياد اليهود من هذا البحث (27) .

ص: 144

يوبيلاً فضياً، وما يمر خمسون سنة إلا ويتخذون بهذه المناسبة عيداً، إنها السنن!.

ولم تقتصر المشاركة على هذا الحد، بل شاركهم بعض جهال المسلمين في احتفالاتهم التي يقيمونها في كنائسهم ودياراتهم1 التي يزعمون قدسيتها، ومنها دير الخوات وهو يقع بعكبرا2.

ويكون عيده الأحد الأول من الصوم وفي ذلك يقول الشابشتي3: " ويجتمع إليه من قرب منه من النصارى والمسلمين، فيعيد هؤلاء ويتنزه هؤلاء، وفي هذا العيد ليلة الماشوش4 وهي ليلة يختلط فيها النساء بالرجال، فلا يرد أحد يده عن شيء، ولا يرد أحد أحداً عن شيء، وهو من معادن الشراب ومنازل القصف، ومواطن اللهو"5.

قلت: وهذا هو حال أعياد النصارى وسائر أعياد الكفار عموماً، فمبناها على مثل هذه الليلة الساقطة، وما دعي أولئك إلى المشاركة إلا الخضوع

1 الديرخان النصارى، وهو كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم، وهي نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (16/105) ، ومعجم البلدان (2/495) ، والقاموس المحيط (506) .

2 بضم أوله وسكون ثانيه وفتح الباء الموحدة اسم بليدة بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. انظر: معجم البلدان لياقوت (4/142) .

3 هو: علي بن محمد الشابشتي أبو الحسن الندماء، اتصل بالعزيز صاحب مصر فولاه خزينة كتبه واتخذه نديماً وسميراً، توفي سنة (388هـ) . انظر: الأعلام (4/325) .

4 جاء في اللغة: المش، بمعنى الخلط. انظر: القاموس (781) ، ولسان العرب (6/347) ، مادة (مشش) .

5 الديارات للشابشتي (93) .

ص: 145

لشهوات النفس والهوى لما يحصل في هذه الاحتفالات من الاختلاط وشرب المسكرات ورقص النساء الفاجرات.

ولا تزال المشابهة في استمرار فما ينعق ناعق من الغرب إلا وله صدى في بلاد المسلمين، ولا سيما في الأعياد والاحتفالات التي كثرت وتنوعت حتى شملت جميع أنواع الأعياد، فجعلوا لكل شيء عيداً أو يوماً واشترك في ذلك الكفار، والكثير من المسلمين ممن جهلوا حقيقة الدين الإسلامي ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وهم الذين أشربوا حب التبعية والتقليد ويزعمون أن ذلك من الرقي والتقدم.

فنجد هناك عيداً للأم وعيداً للعمال، وعيداً للوحدة، وعيداً للحزب، وعيداً للعلم، وعيداً للطفل، وعيداً للحب1 بل وحتى الشياطين أصبح لها عيد2.

كما جعلوا يوماً للمسرح ويوماً للسينما ويوماً للفن ويوماً للموسيقي، بل ويوماً للكذب3.

وما المانع إذا كان إحداث العيد متوقفاً على رغبة فئة معينة من الناس!.

وسأتكلم عن أهم هذه الأعياد شهرة في عصرنا الحاضر لتكون مثالاً للأعياد الأخرى ولنقف على حقيقتها والأصل فيها.

1 انظر: دائرة المعارف الأمريكية (178) .

2 المصدر السابق (968ـ971) .

3 هو اليوم الأول من شهر إبريل.

ص: 146

* ـ الاحتفال بعيد شم النسيم:

عيد شم النسيم هو أحد الأعياد المبتدعة، ويكون الاحتفال به في (11) إبريل من كل عام. ويتمثل الاحتفال به بالخروج إلى المنتزهات والمزارع وركوب البحر، أو النهر لاستنشاق الهواء، وشم النسيم والتمتع بتلك المناظر كما يزعمون، فيخرجون من المدن والقرى صغاراً وكباراً تاركين مصالحهم مرتكبين كثيراً من المنكرات؛ بسبب هذا الاحتفال.

ولنترك الوصف لمن شاهد هذا الاحتفال عن قرب وعايشه، الشيخ علي بن محفوظ، حيث قال: " وناهيك ما يكون من الناس من البدع والمنكرات والخروج عن حدود الدين والأدب في يوم شم النسيم، وما أدراك ما شم النسيم هو عادة ابتدعها أهل الأوثان لتقديس بعض الأيام تفاؤلاً به أو تزلفاً لما كانوا يعبدون من دون الله، فعمرت آلافاً من السنين حتى عمت المشرقين واشترك فيها العظيم والحقير والصغير والكبير ويا ليتها كانت سنة محمودة، فيكون لمستنها أجر من عمل بها، ولكنها ضلال في الآداب وفساد في الأخلاق.

حسبك أن تنظر في الأمصار بل في القرى، فترى في ذلك اليوم ما يزري الفضيلة ويخجل معه وجه الحياء من منكرات تخالف الدين وسوءات تجرح الذوق السليم وينقبض لها صدر الإنسانية.

الرياضة واستنشاق الهواء ومشاهدة الأزهار من ضرورات الحياة في كل آن لا في ذلك اليوم الذي تمتلئ فيه المزارع والخلوات بجماعات الفجار وفاسدي

ص: 147

الأخلاق فتسربت إليها المفاسد وعمتها الدنايا، فصارت سوقاً للفسوق والعصيان ومرتعاً لإراقة الحياء وهتك الحجاب. نعم لا تمر بمزرعة أو طريق إلا وترى فيه ما يخجل كل شريف ويؤلم كل حي، فأجدر به أن يسمى يوم الشؤم والفجور.

ترى المركبات والسيارات تتكدس بجماعة عاطلين يموج بعضهم في بعض بين شيب وشبان ونساء، وولدان ينزحون إلى البساتين والأنهار ترى السفن فوق الماء مملوءة بالشبان يفسقون بالنساء على ظهر الماء ويفرطون في تناول المسكرات وارتكاب المخازي، فاتبعوا خطوات الشيطان في السوء والفحشاء، في البر والبحر، وأضاعوا ثمرة الاجتماع، فكان شراً على شر ووبالاً على وبال.

تراهم ينطقون بما تصان الأذان عن سماعه ويخاطبون المارة، كما يشاءون من قبيح الألفاظ وبذي العبارات، كأنّ هذا اليوم قد أبيحت لهم فيه جميع الخبائث وارتفع عنهم فيه حواجز التكليف أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.

فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مواسمهم، والفاسقين الفاجرين في أماكنهم ويظفر بإحسان الله ورحمته. اهـ1.

1 الإبداع في مضار الابتداع (275ـ276) .

ص: 148

من هذا الوصف يتبين بدعية هذا الاحتفال وأن من يحتفل به فقد شارك اليهود والنصارى والملل الكافرة في باطلهم، فضلاً على اشتماله على مفاسد وقبائح لا يرضاها من في قبله ذرة إيمان أو صاحب عقل سليم.

ولا يقتصر الاحتفال بهذا العيد على هذه الصورة، بل خصصوا له أكلاً معيناً من الأطعمة والأشربة، كما أن هذا اليوم يعد يوماً شعبياً يشترك فيه الجميع مسلمين كانوا أو كفاراً، ولهم فيه اعتقادات سيئة1.

وبطلان هذا العيد واضح بين، وليس هذا منعاً من التنزه والتمتع والتفكر في آيات الله في هذا الكون، إنما الممنوع هو أن يكون ذلك في يوم بخصوصه من العام له مراسيم خاصة من حيث الأطعمة والأشربة والذهاب والرواح مما هو مثار للفسوق والتبرج كما تقدم.

عيد الأم:

ويكون الاحتفال به في يوم 21 مارس من كل عام. ومظاهر الاحتفال بهذا العيد تقديم الهدايا والتهاني إلى الأم وعادة ما يعبر عن ذلك بزهور أو شموع تقدم بين يديها، كما تكثر في هذا اليوم الخطابات والمكالمات الهاتفية، والزيارات التي تخصص لتلك المناسبة.

فهذا هو مظهر الاحتفال بعيد الأم فيا ترى ما هو الأصل في ذلك؟.

الأصل في تخصيص هذا اليوم للأم يرجع إلى سبب ديني نصراني، وهو أن عيسى عليه السلام له أم فقط ولا أب له. وهذا ما يعتقده بعضهم، ومنهم من

1 انظر: قاموس التقاليد والعادات المصرية أحمد أمين (193،195) .

ص: 149

افترى 1 على الله سبحانه، فاعتقد أنه جل وعلا أب لعيسى، ولكنه ليس من البشر - تعالى الله عما يقولون -.

وقيل أن السبب تربوي اجتماعي لدى الغرب، حيث عدد كبير من الأطفال لا أباء لهم معروفون، أو لهم أباء هجروهم وأهملوهم وأمهاتهم، أو أن علاقات الأبوة معهم كعلاقات الأجنبي بالأجنبي.

ولهذا السبب أو ذاك خصص الغرب يوماً للأم عيداً لها تكرم فيه بعد ملازمة الشعور بالإثم لهم بسبب مواقفهم منها.

فصار أبناء الغرب يجهدون أنفسهم ويجتهدون في إرضاء الأمهات والإهداء إليهن في ذلك اليوم، وتعج الدنيا بالمراسلات والمهاتفات والزيارات، ثم يأتي عكس ذلك في الغالب، أو ما يشبه عكسه في بقية العام على اعتبار أنها ليست يوماً أو أياماً للأم.

وبهذا قد تمت مقاومة وخز الضمير، فقد أخذت الأم حقها في يومها كاملاً، وتخلص الأولاد من عقدة التقصير، وذلك بأداء كامل الواجب في اليوم الوحيد المقنن المحدد.

وأهملوا احترام الوالدات ورعايتهن، ولم يصحب ذلك شعور بالتقصير قد يوقظ الضمير، فالضمير ارتاح ونام على وهم، وهو أن الأم صار لها يوم في العام أعطاه إياها المجتمع، وهم يقومون خير قيام بجميع الفروض في ذلك اليوم؛

1 كما حكى الله عز وجل ذلك في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} سورة المائدة، آية (18) .

ص: 150

وبذلك تضررت الأم والأمومة بهذه النتيجة أكثر مما استفادت، وصارت ضحية آثار التكريم النادر.

وما أكثر ما يسمع في الغرب أن أما عجوز أو شيخاً هرماً ماتا في منزلهما ومضت مدة من الزمن لم يدر بها أحد سوى الجيران فيما بعد على أثر الرائحة، أو ما شابه ذلك. وهكذا صار يوم الأم للتكفير عن عقوقها، وضياع حقوقها طوال العام1.

ولا يستبعد أن يكون عيد الأم امتداداً لعيد النساء الذي خصصه لهن المجوس فقصره أولئك على الأم لامتيازها على سائر النساء، فهذا هو الأصل في عيد الأم والنتيجة الحتمية؛ لذلك الاحتفال، وقد أبى من جهل حقيقة الدين الإسلامي من المسلمين مَنْ سيطرت عليه عقيدة التبعية والانبهار بالغرب، فقلدهم واقتفى أثرهم في هذا الاحتفال وزعم أن في ذلك حفاوة واحتراماً فضلاً عن كونه رقياً وتقدماً.

فإلى الذين يحتفلون بهذا العيد ويدعون إليه ويتبعون كل ناعق فيه إن في الدين الإسلامي الحنيف الغنية عن ذلك العيد، فلقد أكرم المرأة وصان آدميتها في كل الأيام، وليس بتخصيص يوم واحد من العام، وإنما أوصى بها خيراً على الدوام، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"استوصوا بالنساء خيراً" 2 وصية خالدة لها ولصالحها، كل ذلك لتعيش المرأة في ظل الإسلام معززة مكرمة.

1 انظر: العقلية الإسلامية وفكرة المولد لعلي بن محمد العيسى (125ـ126) .

2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب النكاح، باب الوصايا بالنساء (9/253) ، حديث (5186) ، وصحيح مسلم، كتاب الرضاع. باب الوصية بالنساء، (2/1090) ، حديث (1468) .

ص: 151

وقد أكد صلى الله عليه وسلم تلك العناية بالأم خصوصاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك"1.

فتقدير الأم والحفاوة بها في كل زمان ومكان لا يقتصر على تخصيص يوم واحد لها من العام، ثم تنسى بعد ذلك، وليس من البر أن يفعل مثل هذا. وبهذا يتبين بدعية هذا العيد وبطلانه.

عيد الميلاد:

ويكون هذا الاحتفال بكل سنة تمضى من حياة الفرد فمثلاً يحتفل الوالدان بمرور سنة على ميلاد ابنهما وفي السنة الثانية يحتفلون بمرور سنتين على ميلاده، وهكذا.

وكذلك الأب والأم والأخوة الكل يحتفل بالعيد على هذا المنوال، ويكون الاحتفال في اليوم الذي يوافق ولادة المحتفل به.

والعادة في هذا الاحتفال إقامة الزينات ودعوة الأقارب والأصدقاء، فيصطحب كل منهم هدية لصاحب هذا العيد.

" ويكون الاحتفال بتجهيزات خاصة معروفة قوامها الحلوى، والتي تعرف بحلوى الميلاد وهي عبارة عن قطعة حلوى دائرية الشكل وترفع إلى عدة أدوار

1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحابة، (10/401) ، حديث (5871) ، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب بر الوالدين (4/1974) ، حديث (2548) .

ص: 152

تعلوها الشموع المضاءة، والتي تمثل سنوات عمر المحتفل به إن كان صغيراً وبعدد العقود إن كان كبيراً، فمثلاً إذا كان عمره أربع سنوات وضعوا أربع شمعات، وإذا كان كبيراً وعمره ستون سنة مثلاً، وضعوا ست شمعات على أساس أن كل عقد من عمره له شمعة واحدة1.

ثم بعد ذلك يجتمعون حول هذه المائدة، ويكون المحتفل به في وسطها أمام تلك الشموع، ثم يطفي هذه الشموع بنفخه إياها وسط ترديد الحضور لعبارة " هابي بيرت دي تويو " ومعناها ميلاد سعيد، ومعنى ذلك أن المحتفل به قد مضى من عمره عدد تلك الشموع.

ويختلف الاحتفال في هذا العيد بحسب الحالة الاجتماعية وعمر المحتفل به.

وهذا العيد من الأعياد التي أحدثها الغرب، والأصل فيه أنه لما حصل في بعض المجتمعات الصناعية التفكك الاجتماعي والأسرى، وضاقت القيم الدينية وزيفت تعاليم النصرانية واليهودية، وصارت الدنيا هي دينهم وديدنهم، أوجدت ضمن ما أوجد مناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الشخص ليكون مناسبة سنوية لا تتكرر كثيراً لإظهار روح المودة والمحبة والمشاركة التي فقدت جذوتها، أو خفت بين أفراد الأسرة والأقارب والأصحاب والجيران، وهو يوم أشبه بيوم التكفير، أو الإبقاء المحدود على رموز المحبة والتراحم التي فقدت2.

ويشترك في الاحتفال بهذا العيد كثير من المسلمين تعبيراً عن الفرحة وإظهار المحبة والمودة للمحتفل به.

1 انظر: قاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين (252) .

2 انظر: العقلية الإسلامية وفكرة المولد (128) .

ص: 153

فإلى الذين يحتفلون بهذه الأعياد ويدعون إليها إن الدين الإسلامي، قد حد للمسلمين من الأعياد الشرعية ما يغنيهم عن ذلك؛ لأن شرع الله عز وجل كامل ومشتمل على جميع النواحي، كما في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 1.

" وكل هذه الأفعال بدع مستهجنة وعوائد مستقبحة وحوادث لا يرضاها الله ورسوله ولا أحد عنده غيرة على دينه، وفيها من تعظيم مواسم أهل الكتاب وتغبيطهم بدينهم الباطل والتشبه في أفعالهم القبيحة شرعاً وعرفاً ما لا يحتاج في تقبيحه إلى دليل، ولا يتوقف فيه إلا من ضل عن سواء السبيل، وهو من أفحش البدع وأقبح المناكير، ومن يضلل الله فما له من هاد"2.

فالواجب على المسلم أن تكون له شخصيته المتميزة وأن يعتز بدينه ولا يكون أسيراً لتقليد الغرب ومشابهة الكفار على أن تكون تلك الشخصية بمقتضى شريعة الله، حتى يكون متبوعاً لا تابعاً، وأسوة لا متأسياً.

كما أن في ذلك مضاهاة للأعياد الشرعية، وشرع دين لم يأذن به الله كما قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 3.

1 سورة المائدة، آية (3) .

2 تنبيه الغافلين لابن النحاس (309) .

3 سورة الشورى، آية (21) .

ص: 154

ولا يمكن أن يتخلص المسلمون من مركب النقص وإحساس غلبة الأعداء وموجة التبعية التي تجتاحهم اليوم والتي تكمن في التشبه بالغرب الكافر من قبل ضعاف الإيمان زاعمين أن ذلك من سعة الأفق، إلا إذا عادوا إلى الكتاب والسنة وتمسكوا بهما.

ص: 155