الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الأدلة على بدعيتها:
لا شك أن الإسراء والمعراج من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة الدالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم وعظم منزلته عند ربه جل وعلا، كما أنها من الدلائل على قدرته عز وجل وعلوه على خلقه. قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1.
وقد جاءت الأخبار الصحيحة وتواترت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماء ورأى من آيات ربه ما رأى 2 وهي من أكبر معجزاته صلى الله عليه وسلم.
ولكن ذلك لا يبرر الاحتفال بالإسراء والمعراج، فقد مكث صلى الله عليه وسلم بعد هذه المعجزة ولم يثبت أنه احتفل بها، أو أمر بذلك، ولم يفعلها أحد من صحابته ولا تابعيهم من السلف الصالح الذين هم أحرص الناس على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم. فضلاً على أنه لم يثبت في تخصيص شهر رجب بعبادة خاصة، كما تقدم بيانه.
فالاحتفال بهذه الليلة وجعلها موسماً يقام كل عام بدعة محدثة تضاهي المواسم الشرعية.
وذلك أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة"3.
1 سورة الإسراء، آية (1) .
2 انظر: التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز بن باز (7) .
3 تقدم تخريجه، ص (219) .
وغير ذلك من الأحاديث الواردة في النهي عن البدع والمحدثات في الدين.
فتخصيص يوم السابع والعشرين وليلته بعبادة أو احتفال لا دليل عليه، ولا أفضلية لتلك الليلة على سائرها من الليالي حتى تختص بها.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه كما نقل عنه تلميذه ابن القيم: " ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لاسيما ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها؛ ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان، ولا ذلك المكان بعباده شرعية "1.
وقال الزرقاني 2: وأما ليلة الإسراء فلم يأت في أرجحية العمل فيها حديث صحيح ولا ضعيف؛ ولذلك لم يعينها صلى الله عليه وسلم لأصحابه ولا عينها أحد من الصحابة بإسناد صحيح ولا يصح إلى الآن ولا إلى أن تقوم الساعة فيها شيء، ومن قال فيها شيئاً فإنما قال من كيسه لمرجع ظهر له استأنس به؛ ولهذا تصادمت الأقوال فيها وتباينت ولم يثبت، الأمر فيها على شيء، ولو تعلق بها نفع للأمة ولو ذره لبينه لهم نبيه صلى الله عليه وسلم 3.
وبهذا يتبين أن الاحتفال بها وتعظيمها ليس من الإسلام في شيء فضلاً على ما يقع في هذا الاحتفال من الاختلاط والمفاسد ما قد علم.
1 زاد المعاد لابن القيم (1/58) .
2 هو: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المالكي فقيه محدث، ولد بالقاهرة سنة (1055)، وتوفي فيها (1122هـ) . انظر: معجم المؤلفين (10/124) ، والرسالة المستطرفة للكتاني (143) .
3 شرح المواهب اللدنية للزرقاني (6/9)، وانظر: التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز بن باز (7-9) .