الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: ـ السنة في يوم عاشوراء:
يوم عاشوراء من الأيام الفاضلة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها، فجاء في الحديث الصحيح عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا الدهر كله، وصيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.
وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" 1.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم، عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان"2.
فالسنة إذاً في اليوم هذا الصيام فحسب وقد صامه صلى الله عليه وسلم وأخبر بفضل صيامه كما في الحديث السابق وأمر بصيامه، فقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة.
1 ـ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء. وأن رسول صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان فلما افترض رمضان. قال صلى الله عليه وسلم: "إن عاشوراء من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه"3.
1 صحيح مسلم كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء (2/818-819) ، حديث (1162) .
2 صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (4/245) ، حديث (2006) ، وصحيح مسلم، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (2/797) ، حديث (1132) .
3 صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (2/792-793) ، حديث (1126) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال:"ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه"1. وعنه أيضاً قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " بصوم يوم عاشوراء العاشر" 2.
فهذه هي السنة في يوم عاشوراء ومن اتخذه عيداً ويوم فرح وسرور فقد شابه اليهود في ذلك فقد كانوا يتخذونه عيداً.
كما جاء ذلك في الحديث الصحيح:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود وتتخذه عيداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فصوموه أنتم"3.
وفي رواية لمسلم: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم"4.
ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيداً أمر بمخالفتهم فقد جاء في الحديث.
1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (4/244) ، حديث (2004) ، واللفظ له. وصحيح مسلم، كتاب الصيام (2/795) ، حديث (1130) .
2 سنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في عاشوراء، أي يوم هو (2/128) ، حديث (755)، وقال: حديث حسن صحيح.
3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصوم (4/244) ، حديث (2005) .
4 صحيح مسلم، كتاب الصيام (2/796) ، حديث (1131) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع". قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع"1. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوماً وبعده يوماً" 2.
قال ابن رجب: وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيداً، وعلى استحباب صيام أعياد المشركين فإن الصوم ينافي اتخاذه عيداً فيوافقون في صيامه مع صيام يوم آخر، وفي ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضاً فلا تبقى فيه موافقة لهم في شيء بالكلية" 3.
فإذاً يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكي يسلم من المشابهة في ذلك.
ولقد ذكر العلماء أن صوم يوم عاشوراء على ثلاث مراتب:
1 ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر لحديث "صوموا قبله يوماً وبعده يوماً".
1 صحيح مسلم، كتاب الصوم (2/797،798) ، حديث (1134) .
2 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الصيام (4/287) .
3 لطائف المعارف (52) .
2 ـ صوم التاسع والعاشر لحديث "إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع".
3 ـ إفراده بالصوم أي صوم عاشوراء وحده، للأحاديث الدالة على تأكيد صومه" 1.
فهذه هي السنة في يوم عاشوراء، أما ما يفعله بعض الناس في عاشوراء من اتخاذ طعام خارج عن العادة، أو تجديد لباس أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به، أو قصده بالذبح، أو الاكتحال أو الاختضاب أو الاغتسال أو زيارة المساجد والقبور ونحو ذلك. فهذا من البدع المنكرة المستحدثة في الدين التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين 2.
ومن هنا تتجلى وسيطة مذهب أهل السنة والجماعة فلا إفراط ولا تفريط إنما هو تمسك بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وامتثال لأمره ورجاء لثواب الله تعالى، فلم يتخذوا هذا اليوم مأتماً وحزناً، كما اتخذته الرافضة، حيث جعلته يوم نياحه وتألم فنصبوا العداوة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدثوا بدعاً ومراسم فيه يجددونها في كل عام حتى أصبحت سمة لهذا اليوم، تثير الاستغراب ويمقتها صاحب العقل السليم زاعمين أن ذلك نصرة لآل البيت وأنه من الدين فرتبوا على فعله الثواب العظيم.
1 انظر: زادا المعاد لابن القيم (2/76) ، وفتح الباري (4/246) .
2 انظر: مجموع الفتاوي لابن تيمية (25/312) ، والفتاوى الكبرى (3/301-302)
ومن أطلع على التاريخ أدرك حقيقة أولئك القوم فهم الذين خذلوا الحسين رضي الله عنه وآل البيت 1 فابتدعوا ذلك تعويضاً لما فعله أسلافهم وتكفيراً لما صدره منهم.
ولم يكن مذهب أهل السنة والجماعة اتخاذه يوم فرح وسرور كما اتخذه بعض الجهال، أو الذين ابغضوا علياً وآل البيت رضوان الله عليهم فقابلوا البدعة بالبدعة، ووضعوا الأحاديث في أفضليته، وانه يوم فرح وسرور فتنقصوا آل البيت.
وبهذا يتبين أن الحق هو ما عليه أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة بأن تعظيم يوم عاشوراء يكون بالصوم فقط. ولا يكون بالفرح والسرور، أو المآتم والحزن. فهو وسط بين ضلالتين.
1 البداية والنهاية (8/170-171) .