الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعياداً
1.
وذلك مثل أن يقصد شجرة أو حجراً أو بقعة ويخصها بالعبادة وهي لا فضل لها في الشريعة أصلاً ولا فيه ما يوجب تفضيلها، بل هي كسائر الأمكنة أو دونها.
فقصد تلك الأمكنة أو قصد الاجتماع عندها لصلاة أو دعاء أو ذكر ونحوه ضلال بين البطلان 2.
وذلك أنه نظير ما كان يتخذه المشركون من الأصنام والأوثان التي كانوا يقصدونها للتقرب إلى الله عندها، حيث كان لكل قوم صنم أو وثن أو تمثال في بقعة معينة يقصدونه ويخصونه بالزيارة في مواسم معينة من السنة كما ذكر الله ذلك في كتابه حيث قال:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} 3.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " يقول الله مقرعاً للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان واتخاذهم لها بيوتاً مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن عليه السلام 4.
1 إن اتخاذ مثل ذلك أعياداً شرك أكبر وذلك أن الأعياد المحدثة تتفاوت في حكمها فمنها البدعي ومنها الشركي كهذه.
2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/642) .
3 سورة النجم، آيات (19-22) .
4 تفسير ابن كثير (4/253) .
فكانت هذه الأصنام اللات والعزى ومناة أشهر الطواغيت عند العرب، حيث اتخذوها أعياداً يقصدونها في وقت محدد من العام. وقد نهينا عن مشابهة الكفار كيف والعيد من أهم خصائص الدين؟.
ومن اتخذ شيئاً في ذلك فقد اتخذ له ذات أنواط لما جاء في الحديث عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 1. لتركبن سنن من كان قبلكم} 2.
وذات أنواط كما ذكر الأزرقي 3 شجرة عظيمة يعظمها أهل الجاهلية ويذبحون لها ويعكفون عندها يوماً وكان من حج منهم وضع زاده عندها ويدخل بغير زاد تعظيماً لها 4.
1 سورة الأعراف، آية (138) .
2 سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب لتركبن سنن من كان قبلكم (4/475) ، حديث (2180)، وقال: حديث حسن صحيح. ومسند الإمام أحمد (5/218) ، والمصنف لعبد الرزاق، باب سنن من كان قبلكم (11/369) ، حديث (20763) ، والسنة لأبي عاصم بتحقيق الألباني (1/37) ، حديث (76)، وقال الألباني: إسناده حسن.
3 محمد بن عبد الله بن أحمد محمد بن الوليد بن عقبة، أبي الوليد الأزرقي مؤرخ يماني الأصل، توفي سنة (250هـ) . انظر: الفهرست لابن النديم (162) ، والأعلام (6/222) .
4 أخبار مكة للأزوقي (1/130)، وانظر: تفسير القرطبي (7/73) ، ومعجم البلدان لياقوت (1/273)، وقال: إنها قريبة من مكة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين أو الشرك بعينه 1.
وفي ذلك يقول الطرطوشي: انظروا - رحمكم الله تعالى - أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها ويرجون البرء والشفاء من قبلها ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها 2.
وقال الحافظ أبو شامة: عند ذكره للبدع: ومنها ما قد عم به البلاء، من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة من كل بلد يحكى لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحد ممن اشتهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائص الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي بين عيون وشجر وحائط 3.
وبهذا يتضح أن الاعتقاد بمثل هذه الأشياء من الأنصاب التي هي من عمل الشيطان وقد أمر الله سبحانه وتعالى باجتناب ذلك وعلق الفلاح بهذا الاجتناب. فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/644) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (1/205) .
2 الحوادث والبدع للطرطوشي (33) .
3 الباعث على إنكار البدع لأبي شامة (25-26)، وانظر: الأمر بالاتباع للسيوطي (53) .
وَالْمَيْسِرُ1 وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ2 رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3
قال ابن القيم: فمن الأنصاب ما قد نصبه الشيطان للمشركين من شجرة أو عمود أو وثن أو قبر أو خشبة أو عين ونحو ذلك.
والواجب هدم ذلك كله ومحو أثره، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه بهدم القبور المشرفة وتسويتها بالأرض، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته 4 "5.
فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواءً كانت البقعة شجرة أو عين ماء أو قناة جارية، أو جبلاً أو مغارة، وسواءً قصدها ليصلي عندها أو ليدعوا عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسك عندها بحيث
1 هو: القمار واللعب بالقداح. انظر: النهاية لابن الأثير (5/296) ، والقاموس المحيط (643) .
2 القداح التي كانت في الجاهلية عليها مكتوب الأمر والنهي، افعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها في وعاء له، فإذا أراد سفراً أو أمراً مهماً أدخل يده وأخرج منها زلماً فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله. انظر: النهاية لابن الأثير (2/311) .
3 سورة المائدة، آية (90) .
4 صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر (2/666) ، حديث (969) .
5 إغاثة اللهفان لابن القيم (1/209) .
يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عيناً ولا نوعاً 1.
وذلك أن التفضيل، والتخصيص من حكم الشارع ولا يجوز التعبد إلا بما جاء به الشرع فمن خصص مكاناً للتعبد عنده فقد اتخذه عيداً وخالف شريعة سيد المرسلين التي جاءت بإخلاص العبادة لله وحده ونبذ الشرك ومظاهرة، وما يكون وسيلة إليه.
1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/644) .