المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد: - الأعياد وأثرها على المسلمين

[سليمان بن سالم السحيمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية

- ‌الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الثاني: أعياد النصارى وعاداتهم فيها

- ‌الفصل الرابع: أعياد العرب في الجاهلية وعاداتهم فيها

- ‌المبحث الأول: الدين السائد عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية

- ‌المبحث الثالث: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثاني: مشروعية مخالفة الكفار

- ‌الفصل الأول: النهي عن مشابهة الكفار

- ‌المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أدلة تحريم التشبه بالكفار

- ‌المبحث الثالث: أخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع المشابهة في أمته

- ‌المبحث الرابع: أثر مشابهة الكفار

- ‌الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار

- ‌المبحث الثالث: أثر مشابهة الكفار في أعيادهم

- ‌الباب الثالث: الأعياد المشروعة وآثارها الحميدة

- ‌الفصل الأول: تحديد الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: الأعياد الزمانية الشرعية

- ‌المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى

- ‌المطلب الثاني الأدلة على أن أيام التشريق وعرفة أيام عيد

- ‌المطلب الثالث: يوم الجمعة

- ‌المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية

- ‌الفصل الثاني: بيان أن الله تعالى أغنى المسلمين بأعيادهم الشرعية

- ‌المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية

- ‌المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن

- ‌المبحث الثالث: أثر الأعياد الشرعية في التكافل الاجتماعي

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين الأعياد الشرعية والأعياد الأخرى

- ‌الباب الرابع: الأعياد والمواسم المبتدعة وأثرها السيء

- ‌الفصل الأول: في البدعة

- ‌المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف البدعة في الاصطلاح

- ‌المبحث الثالث: أسباب انتشار البدعة

- ‌المبحث الرابع: أحكام البدع

-

- ‌الفصل الثاني: بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية

- ‌المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى

- ‌المبحث الثاني: البدع والمخالفات في الجمعة

-

- ‌الفصل الثالث: الأعياد الزمانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: يوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتما

- ‌المطلب الثاني: ـ اتخاذ عاشوراء عيداً:

- ‌المطلب الثالث: ـ السنة في يوم عاشوراء:

- ‌المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام:

- ‌المطلب الثاني: صور الاحتفال بالمولد:

- ‌المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد:

- ‌المطلب الرابع: الشبه التي اعتمد عليها من قال بالاحتفال بالمولد وردها:

- ‌المطلب الخامس: دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثالث: صلاة الرغائب

- ‌المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعتها

- ‌المبحث الرابع: الاحتفال بالإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج:

- ‌المطلب الثاني: صفة الاحتفال:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة على بدعيتها:

- ‌المبحث الخامس: الاحتفال بليلة النصف من شعبان

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك:

- ‌المطلب الثاني: الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان:

- ‌المبحث السادس: الاحتفال بليلة القدر

- ‌المطلب الأول: فة الاحتفال بها:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌المبحث السابع: الاحتفال بعيد الأبرار

- ‌المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة

- ‌المطلب الأول: صفة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته:

- ‌الميحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير

- ‌المطلب الأول: متى احتفل به

- ‌المطلب الثاني: منزلته عند الرافضة والأدلة على ذلك:

- ‌المطلب الثالث: مظاهر الاحتفال به:

- ‌المطلب الرابع: الأد على بدعته

- ‌المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: منزلته عند الراف1ضة وصورة الاحتفال به

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على بطلان هذا العيد:

-

- ‌الفصل الرابع: الأعياد المكانية المبتدعة

- ‌المبحث الأول: اتخاذ القبور أعيادا

- ‌المطلب الأول: زيارة القبور

- ‌المطلب الثاني: النهي عن اتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعياداً:

- ‌المبحث الثاني: اتخاذ الآثار أعياداً

- ‌المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعياداً

- ‌المبحث الرابع: المفاسد الناتجة عن تلك الأعياد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد:

‌المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد:

مع كون الاحتفال بالمولد بدعة، فإنها لا تخلو من المنكرات المحرمة، وهذا هو حال البدعة من حيث التمدد والتوسع فتتوالد وتعظم حتى تفسد العقيدة وتخرج صاحبها من الدين وهو لا يشعر بأنه عمل ذنباً بل يظن أن ذلك العمل فيه قربة وطاعة.

ومن أعظم المنكرات وأشنعها التي تقع في الاحتفال بالمولد النبوي الشرك بالله عز وجل الذي هو أعظم ذنب عصى به الله عز وجل.

فقد جاء في الحديث: " أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك "1.

وهو المنافي لكلمة التوحيد الموجب لسخط الله وعذابه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2.

ولا يقبل الله سبحانه وتعالى من صاحبه لا صرفاً ولا عدلاً 3 كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} 4.

1 صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب التفسير (8/492) ، حديث (4761) ، وصحيح مسلم كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده (1/90) ، حديث (86) ، واللفظ له.

2 سورة النساء، آية (48) .

3 الصرف التوبة وقيل النافلة، والعدل الفدية، وقيل الفرض، انظر: النهاية لابن الأثير (3/24) ، ولسان العرب (9/190-191) .

4 سورة الفرقان، آية (23) .

ص: 297

كل ذلك يقع في المولد بسبب الغلو في سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من دعائه والاستغاثة به، وطلب المدد والعون، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وغير ذلك من أمور العبادة التي لا تصرف إلا لله جلّ وعلا، بل إن البعض جعل الدنيا والآخرة له صلى الله عليه وسلم مخالفين بذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"1.

ومعرضين عن قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً:

"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم وإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله"2.

وإليك أيها القارئ نماذج من النثر والنظم الذي تُحيا به هذه الموالد ولا يخلو مولد منها حتى أصبح ذلك الفعل كأنه من السنن المأثورة التي يجب العمل بها، وتلاوتها في تلك الليلة التي يزعمون أنها توافق مولده صلى الله عليه وسلم.

فمن ذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم الأصل في المخلوقات، وانه خلق من نور الله ثم، خلق من هذا النور سائر المخلوقات. وقد أوردوا في ذلك حديثاً لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم يروونه:

1 سنن ابن ماجة، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي (2/1008) ، حديث (3029) ، وسنن النسائي كتاب المناسك، باب التقاط الحصى (5/268،269) ، ومسند الإمام أحمد (1/215) ، وصحيح ابن حبان (1011) ، والمستدرك للحاكم، كتاب المناسك (1/466) ، وقال صحيح ووافقه الذهبي، وقال النووي في المجموع (8/137) ، وشيخ الإسلام في اقتضاء الصراط (1/289) ، إسناده صحيح على شرط مسلم.

2 صحيح البخاري، كتاب الأنبياء (4/142) .

ص: 298

عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء، قال:"يا جابر إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة، حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لا لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء، ولا أرض ولا شمس ولا قمر.."1.

قال المناوي في مولده: وقد اشتمل اسمه الشريف على أربعة أحرف هجائية لكل حرف منها مزية ومقام، فالميم الأولى ما من نبي ولا رسول إلا خلق من نور طلعته البهية فهو أصل والكل منه فرع بلا شك، ولا إيهام.. " 2.

وقال في نظمه:

فالكل من نوره الرحمن أوجده

لولاه ما كانت الأفاق قد نظمت 3

وقال الميرغني: وأشهد أن سيدنا محمداً الذي من ميم اسمه امتدت سائر العوالم الخلقية 4.

وهذا القول بيّن البطلان، والحديث الوارد في ذلك موضوع مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1 انظر: المواهب اللدنية للقسطلاني (1/47) ، والمدخل لابن الحاج (2/34) ، وخطب ابن نباته (25-26) .

2 مولد المناوي (2-3) .

3 المرجع السابق.

4 الأسرار الربانية في مولد خير البرية (4) .

ص: 299

فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس هذا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا يعرف عن الصحابة، بل هو كلام لا يدرى من قائله 1.

وقد سئل السيوطي عن هذا الحديث فأجاب بقوله: ليس له إسناد يعتمد عليه 2. ويبطله قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس بنو آدم وآدم من تراب" 3.

ودعوى أنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله، فهذا كذب وبهتان يرده قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} 4.

وهذا القول يشبه قول النصارى في المسيح عليه السلام وهو من الغلو والإطراء المذموم وفي ذلك يقول شيخ الإسلام عند الكلام على اعتقاد النصارى في المسيح ووجوده: وظن النصارى يضاهي ظن طائفة من غلاة المنتسبين إلى الإسلام وغيرهم، الذين يقولونّ إن ذات النبي صلى الله عليه وسلم كانت موجودة قبل خلق آدم. ويقولونّ إنه خلق من نور رب العالمين ووجد قبل خلق آدم وأن الأشياء خلقت منه حتى قد يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم جنس قول النصارى في المسيح، حتى قد يجعلون مدد العالم منه، ويروون في ذلك أحاديث كلها كذب.. 5.

1 مجموعة الرسائل والمسائل (1/164) .

2 الحاوي للفتاوى (1/323-325) ،

3 سنن أبي داود كتاب الأدب، باب التفاخر بالأحساب (4/331) ، حديث (5166) ، وسنن الترمذي كتاب المناقب، باب فضل الشام واليمن (5/735) ، حديث (3956)، وقال: حديث حسن غريب، ومسند الإمام أحمد (3/361) ، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع (5/111) .

4 سورة الكهف، آية (110) .

5 الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (2/300-201) .

ص: 300

فهذا هو حال تلك الموالد وقصصها التي تقرأ في الاحتفال مبناها على مثل هذا الحديث الذي لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم فضلاً عن ذلك الاعتقاد الباطل المأخوذ من عقيدة النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام، وما أوردته هنا مثال على ذلك.

ومن ألهمه الله حسن البصيرة والعقل السليم أدرك أن مثل هذا الكلام لا يصح ولا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم، حيث إن بطلانه واضح بالعقل والنقل.

ولقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في نقده لمثل هذه الأحاديث الواردة في هذا الشأن: " فهذه الأحاديث وأمثالها، مما هو كذب وفرية عند أهل العلم لا سيما إذا كانت معلومة البطلان بالعقل، بل مستحيلة في العقل ليس لأحد أن يرويها ويحدث بها إلا على وجه البيان لكونها كذباً، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" 1. 2.

ومن الأشعار التي يتغنون بها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ويرددونها في هذه المناسبة، وقد غالوا فيه صلى الله عليه وسلم حتى أعطوه ما لله من الحقوق، ما جاء في بردة المديح للبوصيري 3. وهي من أشهر هذه الأشعار:

1 صحيح مسلم المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/9) .

2 مجموع الفتاوى (28/371) .

3 هو: محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شاعر وأشهر شعره البردة، ونسبته إلى بوصير من أعمال بني سويف بمصر ولد سنة (608)، وتوفي (696هـ) . انظر: الأعلام للزركلي (6/139) ، ومعجم المؤلفين (10/28) .

ص: 301

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به

سواك عند حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي

إذا الكريم تجلى باسم منتقم

فإن من وجودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم 1

من تأمل هذه الأبيات أدرك ما انطوت عليه من الشرك بالله عز وجل المنافي للتوحيد والمحبط للعمل فمن ذلك:

1 -

أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذٌ إلا هو جل وعلا.

2 -

أنه دعاه وناداه بالتضرع، وإظهار الفاقة، والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله وذلك هو الشرك في الألوهية.

3 -

سؤاله منه أن يشفع له في قوله: "ولن يضيق رسول الله جاهك بي.." وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه وهو الجاه والشفاعة عند الله وهذا هو الشرك 2.

ولقد أعرض قائل هذه الأبيات ومن يتغنى بها: يا أكرم الخلق.. عن قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} 3.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك نفع أحد ولا ضره، وإنما المالك للنفع والضر هو الله عز وجل.

1 قصيده البردة (172) ، ضمن مجموعة مولود شرف الأنام. مع ملاحظة أن هذه الأبيات ليست متتابعة في القصيدة.

2 تيسير العزيز الحميد (222) .

3 سورة الأنعام، آية (17) .

ص: 302

وقد غلا غلواً مفرطاً بقوله: " فإن من وجودك الدنيا وضرتها

وشاركه في هذا الغلو من يرددها، حيث أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يملكه إلا الله خالق السموات والأرض القائل:{وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} 1.

فهذا القول شرك وكفر صريح حيث جزم أن من جود النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا والآخرة ولم يكتف بذلك حتى أضاف علم اللوح والقلم إليه صلى الله عليه وسلم، ذلك العلم الذي استأثره الله لنفسه.

وبهذا الفعل خالف قوله صلى الله عليه وسلم فيما حكاه عنه الله عز وجل: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} 2.

وقوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} 3.

وجاء في مولد المناوي:

والكائنات لأجل المصطفى خلقت

دنيا وأخرى جميعاً من ملاحته

هو أول الخلق سر العالمين به

كذا جميع البرايا من بدايته

لولاه ما أوجد الله الوجود ولا

قد كان ما كان إلا من كرامته 4

وقال أيضاً:

أنا العبد الذليل وأنت جاه

أنا في العالمين سواك مالي

أنا يا مصطفى كثرت ذنوبي

وأرجو العفو في من مولى الموالى

1 سورة الليل، آية (13) .

2 سورة الأنعام، آية (50) .

3 سورة الأعراف، آية (188) .

4 مولد المناوي (18) .

ص: 303

..

فكن بي شفيعاً يا مصطفانا

وعوناً في المهمات الثقال

فمن لي ارتجيه لكشف ضري

غوثي في الشدائد والنوال 1

قال الميرغني:

لوذوا به ثم قوموا

صلى الله عليه 2

وجاء في الأنوار القدسية:

فيك قد أحسنت ظني

يا بشير يا نذير

فأغثني يا ملاذي

في مهمات الأمور 3

وقد اكتفيت بتوضيح ما ورد في بعض أبيات البوصيري من الشرك والضلال وما سقته بعد ذلك من الأبيات فهي على نظيرها في الحكم، والله الهادي إلى الصواب.

فهذا الغلو وهذا الإطراء هو الذي وقعت فيه النصارى إلا أن هؤلاء لم يقولوا ثالث ثلاثة أو أن محمداً صلى الله عليه وسلم إله، ولكن صرفوا ما كان لله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فماذا تركوا لله جل وعلا.

فهذه هي عين دعوة النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام، لكن اختلف الاسم ووافق المضمون، وتغيير المسميات لا يغير الحقائق. وهذا هو حال الشيطان لإيقاع بني آدم في براثن الشرك والكفر والعياذ بالله.

1 المصدر السابق (27-28) .

2 الأسرار الربانية (26) .

3 الأنوار القدسية في مولد المصطفى خير البرية (10) .

ص: 304

يوضح ذلك ما قاله البوصيري:

دع ما دعته النصارى في نبيهم

وأحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم 1

أي: قل ما شئت من القول، ولا تقل: ثالث ثلاثة، أو أنه إله أو ابن إله، وفي ذلك يقول الشيخ سليمان بن عبد الله 2: عندما تناول بعض أبيات البرعي 3 وهي على نظير تلك الأبيات ما نصه:

" وهذا بعينه هو الذي ادعته النصارى في عيسى عليه السلام إلا أن أولئك أطلقوا عليه اسم الإله، وهذا لم يطلقه ولكن أتى بلباب دعواهم وخلاصتها، وترك الاسم، إذ في الاسم نوع تمييز فرأى الشيطان أن الإتيان بالمعنى دون الاسم أقرب إلى ترويج الباطل وقبوله عند ذوي العقول السخيفة، إذ كان من المتقرر عند الأمة المحمدية أن دعوى النصارى في عيسى عليه السلام كفر، فلو أتاهم بدعوى النصارى اسماً ومعنى لردوه وأنكروه، فأخذ المعنى وأعطاه البرعي وأحزابه، وترك للنصارى وإلا فما ندري ماذا أبقى هذا المتكلم الخبيث للخالق تعالى وتقدس من سؤال مطلب أو تحصيل مأرب، فالله المستعان 4.

1 قصيدة البردة (155) ، ضمن مجموعة مولد شرف الأنام.

2 هو: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ولد في الدرعية، وكان عالماً في التفسير والحديث والفقه - وشى به بعض المنافقين إلى إبراهيم باشا عندما غزا الدرعية فأحضره وأظهر بين يديه آلات اللهو والمنكر إغاظة له، ثم أخرجه إلى المقبرة وأمر العساكر أن يطلقوا عليه الرصاص جميعاً فمزقوا جسده، وكان ذلك في سنة (1233) رحمه الله. انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد (1/212-213) ، والأعلام (3/129) .

ص: 305

وما أوردته هنا ما هو إلا مثال لما يردد في الاحتفال بالمولد من أشعار ومدائح ولا يخلو مولد من ذلك ولا سيما قصيدة البردة، بل إن جل من يحضر المولد يحفظها عن ظهر قلب.

فلا أدرى هل يجهلون معاني تلك الأبيات وما انطوت عليه من كفر وشرك وتنقص لله في ألوهيته وربوبيته، فبذلك يكونون جهله مقلدين لا يفقهون ما يقولون على حد قوله تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 1.

أم إنه الهوى والإعراض عن السنة وحب البدعة والخرافة على حد قول الشاعر:

يقضى على المرء في أيام محنته

حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

ومن المنكرات الأخرى:

1 -

أحياؤه بالرقص والغناء الشركي الخليع، وبعرائس الحلوى المزينة وبعلب القمار وغير ذلك من الأعمال السيئة 2.

2 -

ومنها: انتهاك حرمة المساجد بتقذيرها وكثرة اللغط فيها ودخول الأطفال حفاة أو بالنعال فلا يكاد يتيسر لأحد إقامة الشعائر في مسجد يعمل فيه مولد.

3 -

ومنها: خروج النساء متبرجات مع اختلاطهن بالرجال إلى حد لا يؤمن معه وقوع الفاحشة.

1 سورة الزخرف، آية (23) .

2 انظر: صراع بين الحق والباطل لسعد صادق (124) .

ص: 306

4 -

ومنها: استعمال الأغاني وآلات الطرب على الوجه المحرم بالإجماع وغير ذلك مما يفسد أخلاق الأمة ويبعث في نفوس الشبان روح العشق والميل إلى الفجور.

5 -

ومنها قراءة القرآن على غير الوجه المشروع فيرجعون فيه كترجيع الغناء غير مراعين فيه ما يجب له من الأدب.

6 -

ومنها: طلب الرياء بعمل هذا المولد والتنافس فيه، فترى الأغنياء يتنافسون في الليالي التي يحيونها بأسمائهم وكل يجتهد أن تكون ليلته أحسن الليالي 1.

فهذه بعض المنكرات التي تحصل في بدعة المولد وأصحاب الموالد يعرفون من المفاسد المترتبة على هذا الاحتفال أكثر مما ذكرنا، ولكن هذا هو حال البدعة، عندما تتشربها القلوب حتى تقضي على الدين فهي كالنار في الهشيم، وبهذا يصبح الاحتفال بالمولد مبدأة للفساد وجمع لكل رذيلة وسفاهة، وهذا الفعل لا يطرد في كل مولد، بل يختلف من بلد إلى بلد، ومن جماعة إلى أخرى على حسب قوة الدعاة إليه.

ولكن لا يخلو في الغالب احتفال من الاحتفالات بالمولد من وقوع الشرك والمعاصي فيه وذلك بسبب تلك المدائح والأشعار التي يرددونها، والأعمال التي يمارسونها.

1 انظر: الاتباع والنهي عن الابتداع (251-253) ، والمدخل لابن الحاج (2/2002) ، والمورد في عمل المولد للفكهاني (24-25) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (306-307) ، ومنكرات المآتم والموالد لجماعة من علماء الأزهر (57-58) ، والسنن والمبتدعات للشقيري (139) .

ص: 307