الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم
المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام:
…
المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام:
- أولاً: أصل المولد ونشأته:
من أعظم المواسم المبتدعة التي يحتفل بها كثير من المسلمين، الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، بل هو الأصل في تلك المواسم والاحتفالات الأخرى التي تتخذ للأولياء والصالحين والآباء والأبناء والموالد ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات منذ زمن بعيد، ولم يكن الاحتفال بالموالد مقتصراً على المسلمين، أو على مجتمع دون مجتمع بل كانت ظاهرة الاحتفال بالموالد معروفة من زمن العصور المتقدمة والسابقة للإسلام، فكان الفراعنة واليونان يحتفلون بالآلهة ويجعلون عيداً لظهورها1، وكذلك سائر الأديان الأولى.
ثم انتقل ذلك إلى المسيحية فكانوا يحتفلون بالموالد وأهم الموالد عند النصارى ميلاد المسيح عليه السلام، حيث يتخذونه عيداً فتعطل فيه الأعمال ويجعلونه يوم فرح وسرور، وذلك بإيقاد الشموع وصنع الطعام وارتكاب المحرمات وفعل المنكرات من شرب خمور وفعل فاحشة وغير ذلك من المهازل والقبائح.
ثم جاء بعض المنتسبين للإسلام فأخذوا يوم مولده صلى الله عليه وسلم عيداً مضاهاة للنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عليه السلام عيداً، فضاهوا النصارى فيما
1 الأدب اليوناني القديم ودلالته على عقائد اليونان ونظامهم الاجتماعي د / علي عبد الواحد الوافي (131) .
يفعلونه في هذا اليوم فأصبح يوم فرح وسرور وعيد يتكرر كل عام بمراسمه الخاصة.
من هنا كان أصل الاحتفال بالمولد النبوي وفي ذلك يقول السخاوي 1: " إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أوْلى بالتكريم وأجدر "2.
فهذا نص في المشابهة: وهو أن الاحتفال بالمولد النبوي أصله مأخوذ من النصارى ومن تشبه بقوم فهو منهم ".
وهو تحقيق لقوله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضب تبعتموهم "3. فهذا هو أصل المولد ونشأته.
- ثانياً: أول من أحدث المولد في الإسلام:
أجمع العلماء المنكرون لبدعة المولد والمؤيدون لها على أنه لم يحتفل صلى الله عليه وسلم بمولده ولم يأمر بذلك، ولم يحتفل صحابته ولا التابعون لهم، ولا تابعوا التابعين الذين هم خير الناس وأحرص الناس على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، ومضت القرون الثلاث التي شهد لها صلى الله عليه وسلم بالأفضلية على تلك الحالة لم يحتفلوا بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعرفوا ذلك.
1 هو: محمد عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي، مؤرخ وعالم بالحديث والتفسير، ولد سنة (831) بالقاهرة، وكانت وفاته بالمدينة سنة (902هـ) . انظر: البدر الطالع (2/184-187) ، والإعلام للزركلي (6/194) .
2 التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي (14) .
3 تقدم تخريجه (101) .
فلما كان أواخر القرن الرابع الهجري وقامت الدولة الفاطمية في مصر ظهر الاحتفال بالمولد النبوي لأول مرة في تاريخ الإسلام.
كما نقل ذلك المقريزي في خططه حيث ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يحتفلون بها ويتخذونها أعياداً في طوال السنة يوسعون فيها على الرعية، ويعظمون فيها العطاء والهبات.
وهي تربو على عشرين موسماً وعيداً كما تقدم بيانها 1 منها الموالد الستة التي ابتدعوها وأحدثوها وهي: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم ومولد الخلفية الحاضر. وكانت لهذه الموالد رسوم خاصة يفعلها الخليفة ويحتفل بها الشعب 2. وقد نص على ذلك أيضاً القلقشندي 3 وهو قول جماعة من المتأخرين 4.
وهناك قول آخر: وهو أن أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هو صاحب إربل 5 الملك المظفر أبو سعيد كوكبري 6، كما نص على ذلك
السيوطي 7.
1 انظر: ص (123-124) .
2 الخطط للمقريزي (1/490-499) .
3 صبح الأعشى (3/498-491) .
4 انظر: أحسن الكلام لمحمد بخيت المطيعي (44) ، والإبداع في مضار الابتداع (126) ، ونفح الأزهار في مولد المختار لعلي الجندي (185-186) ، والقول الفصل في حكم الاحتفال بخير الرسل لإسماعيل الأنصاري (64) وكلمة الحق في الاحتفال بسيد الخلق لعبد الله بن زيد آل محمود (97-98) .
5 بالكسر ثم السكون قلعة حصينة ومدينة كبيرة وهي تعد من أعمال الموصل وبينهما مسيرة يومين، انظر: معجم البلدان (1/138) .
6 هو: الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن الأمير زين الدين علي كوحك التركماني، ولد سنة 549هـ، وتولى الملك بعد أبيه سنة 563هـ، وعمره 14 عاماً، اشتهر بعمل المولد، وكان يعمله سنة في الثامن من شهر ربيع وسنة في الثاني عشر لأجل الاختلاف الذي فيه، وكانت وفاته في ملقة إربل سنة (630) . انظر: البداية والنهاية (13/147) ، وشذرات الذهب (5/138-139) .
7 حسن المقصد في عمل المولد للسيوطي (42)، وانظر: الرد القوي للشيخ حمود التويجري (89) .
وجاء عن أبي شامة قوله: إن من أحسن ما ابتدع في زمانه ما كان يفعل في مدينة إربل من الاحتفال بالمولد النبوي، وكان أول من فعل ذلك بالموصل 1، الشيخ عمر بن محمد الملا 2 أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل 3.
وعلى هذا يكون إحداث المولد في القرن السادس، أو السابع الهجري.
وهذا القول مرجوح، فإحداث الملك المظفر للمولد في مدينة إربل لا ينافي هذا من أن أول من أحدثه في القاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ذلك، فإن الدولة الفاطمية قد انقضت بموت العاضد سنة 567هـ، وما كانت الموالد تعرف في دولة الإسلام قبل ذلك.
وما ذكره أبو شامة من أنه اقتدى بفعل الشيخ عمر بن محمد الملا، وهو أول من أحدثه لا يمنع أن يكون عمل المولد تسرب إليه من الفاطميين، لاسيما وأنهم قد استولوا على الموصل سنة 347هـ 4 هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فقد قيد أبو شامة تلك الأولوية بقوله: " أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر غالملا.. ".
1 بالفتح وكسر الصاد مدينة مشهورة بالعراق تقع على طرف دجلة ومقابلها من الجانب الشرقي نينوي. انظر: معحم البلدان (5/223) .
2 هو: عمر بن محمد بن خضر الإربلي الموصلي أبو حفص معين الدين، المعروف بالملا شيخ الموصل، كان مشهوراً في إقامة المولد، توفي (570هـ)، انظر: الأعلام (5/60-61) ، ومرآة الجنان لابن الجوزي (8/310) .
3 الباعث لأبي شامة (23-24) .
4 البداية والنهاية (11/247) .
وبهذا يتبين للقارئ أن أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من الموالد الدولة الفاطمية، كما نطقت بذلك كتب التاريخ والسير.
فعليهم تبعه ذلك، حيث جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها "1.
وأخذ عنهم عمر الملا، وأول من أحدثه في إربل الملك المظفر في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع.
وسواء كان أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي الفاطميون في القرن الرابع، أو صاحب إربل في القرن السابع، فالبدعة في الدين مرفوضة ولا تقبل من أحد لا في عصور متقدمة ولا متأخرة فهي مردودة على صاحبها كما نص على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
1 تقدم تخريجه، ص (222) .