الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية
- العيد المكاني: كما هو معلوم أن العيد مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسماً للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة، أو لغيرها 1.
وكما حدد الشارع الأعياد الزمانية نجده قد حدد الأعياد المكانية وهي تلك الأماكن التي يقصدها المسلمون في موسم الحج وهي ما تعرف بالمشاعر.
والحج في اللغة: القصد وكثرة الاختلاف والتردد.
وقيل: كثرة القصد إلى معظم 2.
وفي الاصطلاح: قصد مكة للنسك في زمن مخصوص 3.
ومواطن هذا النسك: البيت الحرام، ومنى وعرفة، ومزدلفة. أمكنة فاضلة ومشاعر معظمة تؤدى فيها هذه العبادة استجابة لأمر الله وابتغاء لمرضاته، وتلك هي الأعياد المكانية التي شرعها الله عز وجل لأهل الإسلام.
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم: " فالمسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله تعالى عيداً للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام التعبد فيها عيداً "4.
1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/660) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (1/190) .
2 القاموس المحيط (234) .
3 كشاف القناع للبهوتي (2/375) ، والمغني لابن قدامة (3/217) ، وفتح الباري لابن حجر (3/378) ، ونهاية المحتاج للرملي (3/226) ، والتعريفات للجرجاني (82) .
4 إغاثة اللهفان (1/190) .
- وقد وردت هذه الأماكن في الكتاب والسنة:
فقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} 1.
وإلى منى يشير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} 3.
فالأيام المعدودات هي أيام التشريق، وهي أيام منى ورمى الجمار4.
أما السنة فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة،
1 سورة آل عمران، آية (97) .
2 سورة البقرة، آية (198-199) .
3 سورة البقرة، آية (203) .
4 تفسير البغوي (1/178) ، وتفسير ابن كثير (1/245) .
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية 1.
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب..
ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف.. فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس..
ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بآذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بآذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبر وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس.. حتى أتى الجمرة".
1 كانت قريش في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام، مزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزونها ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف بالمشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزونه فتجاوزه صلى الله عليه وسلم إلى عرفات لأن الله تعالى قد أمره بذلك في قوله:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أي سائر الناس العرب غير قريش، حيث كانت تقف بالمزدلفة؛ لأنها منه الحرم، ويقولون: نحن أهل الله في بلدته، فلا نخرج منه. انظر: تفسير البغوي (1/175) ، وابن كثير (1/243) ، وفتح القدير للشوكاني (1/204) .
وفي رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نحرت ههنا ومنى كله منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف" 1.
وهذا الحديث يدل على الأماكن المذكورة وهي عرفات ومزدلفة ومنى فلم يشرع الله سبحانه وتعالى مكاناً يقصد للعبادة والتقرب فيه إلا هذه الأماكن وماعداها فمبتدع محدث.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم يشرع الله تعالى للمسلمين مكاناً يقصد للصلاة إلا المسجد، ولا مكاناً يقصد للعبادة إلا المشاعر، فمشاعر الحج كعرفة ومزدلفة ومنى تقصد بالذكر والدعاء والتكبير، لا الصلاة، بخلاف المساجد فإنها هي التي تقصد للصلاة، وما ثم مكان يقصد بعينه إلا المساجد والمشاعر وفيها الصلاة والنسك، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 2.
وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة، ولا الدعاء ولا الذكر إذ لم يأت في شرع الله ورسوله قصدها لذلك وإن كان مسكناً لنبي أو منزلاً أو ممراً 3.
1 صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/886-892) ، حديث (1218) .
2 سورة الأنعام، آية (162-163) .
3 مجموع الفتاوى لابن تيمية (27/503-504) .
فمما تقدم يتضح أن أعياد المسلمين الزمانية منحصرة في سبعة أيام يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى، ويوم عرفة وأيام التشريق.
والأعياد المكانية منحصرة في مواضع الحج ومشاعره المعظمة البيت الحرام وعرفة ومزدلفة ومنى، فمن اتخذ عيداً مكانياً أو زمانياً سوى هذه فقد أحدث في الدين وابتدع وتشبه باليهود والنصارى والمشركين الذين قد أمرنا بمخالفتهم كيف لا وقد أبطل الإسلام أعيادهم وعوضننا عنها بتلك الأعياد الزمانية والمكانية والتي مبناها على إخلاص العبادة وتجريدها للخالق سبحانه.