الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الأدلة على بدعتها
لا شك في بدعية هذه الصلاة ولا سيما أنها أحدثت بعد القرون المفضلة وأن مبناها والأصل فيها حديث موضوع لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتخاذ بعض الناس لها موسماً وشعاراً بدعة منكرة تضاد الشريعة.
وما استدل به من قال باستحسانها فلا تقوم به الحجة وهو باطل مردود لما يلي:
1 -
أن العبادات توقيفية أي أنها لا تعرف إلا عن طريق الشرع وليس لأحد أن يعبد الله تبارك وتعالى إلا بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصلاة الرغائب مبناها على حديث موضوع فكيف يتعبد بحديث موضوع؟
2 -
أنها حدثت بعد القرون المفضلة فهي مخالفة لفعل الصحابة والتابعين وتابعيهم والسلف الصالح الذين هم خير الناس وأولى الناس باتباع سنته صلى الله عليه وسلم.
3 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام وهذا النهي بطريق النظر يشمل النهى عن صلاة الرغائب، فكان فعلها داخلاً تحت النهي.
4 -
أنها مخالفة لسنة السكون في الصلاة من جهة عد التسبيحات وعد سورة القدر ولا يتأتى العد في الغالب إلا بتحريك بعض الأصابع وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اسكنوا في الصلاة"1.
1 صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة (1/322) ، حديث (430) .
5 -
أنها مخالفة لسنة النوافل من جهة أن فعلها في البيوت أفضل من فعلها في المساجد إلا ما استثناه الشرع كصلاة الاستسقاء والكسوف وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"1.
6 -
أنها مخالفة لسنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في الصلاة.
7 -
أن القول بصحتها والعمل بها يؤدي إلى اعتقاد ما ليس بسنة سنة ويشجع على الابتداع في الدين حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
8 -
اشتمالها على أنواع من المكروهات في الشريعة مثل تأخير الفطور وأداء العشاء الآخرة، بلا قلوب حاضرة، والمبادرة إلى تعجيلها والسجود بعد السلام لغير سهو وأنواع من الأذكار والمقادير لا أصل لها إلى غير ذلك من المفاسد التي لا يدركها إلا من استنارت بصيرته وسلمت سريرته 2.
ويقول العز بن عبد السلام في ذلك: ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة أن العلماء الذين هم أعلام الدين وأئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وغيرهم ممن دوّن الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس
1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الآذان، باب صلاة الليل المسافرين، باب
استحباب صلاة النافلة في بيته (1/539-540) ، حديث (781) .
2 انظر: المساجلة العلمية العز بن عبد السلام وابن الصلاح حول الرغائب (6-9) ، والباعث لأبي شامة (47) ، وما بعدها واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/600-611) . والمدخل لابن الحاج (4/248) ، وما بعدها، والأمر بالاتباع للسيوطي (79-80) ، والبدعة وتحديدها وموقف الإسلام منها د/عزت عطية (293) .
الفرائض والسنن لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ولا دونها في كتابه ولا تعرض لها في مجالسه، والعادة تحيل أن تكون مثل هذه سنة، وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين وقدوة المؤمنين، وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن والحلال والحرام1.
وقال النووي عندما سئل عنها: هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكاراً مشتملة على منكرات فيتعين تركها والإعراض عنها وإنكارها على فاعلها. ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثيرة من البلدان ولا بكونها مذكورة في "قوت القلوب"2. وإحياء علوم الدين، ونحوهما فإنها بدعة باطلة.
وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرجوع إلى كتابه. فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 3. ولم يأمر باتباع الجاهلين ولا بالاغترار بغلطات المخطئين 4.
وقال ابن تيمية: " وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها، بل هي محدثة فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى.. والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء ولم يذكره واحد من السلف والأئمة أصلاً:5.
1 الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة للعز بن عبد السلام (9) ضمن المساجلة العلمية.
2 لمحمد بن علي بن عطية العجمي أبو طالب المكي زاهد واعظ، توفي سنة (386هـ)، انظر: شذرات الذهب (3/120) ، وكشف الظنون (2/136) .
3 سورة النساء، آية (59) .
4 فتاوى الإمام النووي المسماة بالمسائل المنثورة (62-63) . وانظر: المجموع (4/56) .
5 مجموع الفتاوى (26/132) ، والاختيارات الفقهية (121) ، والفتاوى الكبرى (1/177-178)، وانظر: المنار المنيف لابن القيم (95) ، ولطائف المعارف لابن رجب (123) ، والمدخل لابن الحاج (1/293) ، وتنبيه الغافلين (303) .
ومما يدل على بدعيتها أيضاً أنه لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به ولم يصح في فضل صوم رجب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم.
قال ابن حجر: ولم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث يصلح للحجة 1.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن تعظيم شهر رجب من الأمور المحدثة التي ينبغي اجتنابها، وان اتخاذ شهر رجب موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عند الإمام أحمد وغيره 2.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان 3. ويقول: " كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية " 4.
1 تبيين العجب بما ورد في فضل رجب (6)، وانظر: لطائف المعارف لابن رجب (123) .
2 اقتضاء الصراط المستقيم (2/624-625) .
3 ما يوضع فيه الطعام. انظر: النهاية والبداية لابن الأثير (1/280) .
4 مصنف ابن أبي شيبة كتاب الصوم، باب في صوم رجب (3/102) ، والحوادث والبدع للطرطوشي (129)، وقال الألباني: سنده صحيح: انظر: إرواء الغليل (1/192) .
قال الطرطوشي: " والذي بين أيدي الناس من تعظيمه إنما هو من بقايا الجاهلية "1.
فمما تقدم يتبين أن صلاة الرغائب من البدع المحدثة في الدين وأن تخصيص رجب بصيام، أو قيام دون غيره من الشهور أو تخصيصه بعبادة معينة واتخاذه موسماً لا أصل له في الإسلام، بل هو تشبه بأهل الجاهلية، حيث كانوا يعظمون شهر رجب دون غيره من الشهور.
بالإضافة إلى ما ينظم إلى ذلك من البدع المحرمة والمفاسد الظاهرة في أثناء هذا الاحتفال وأداء تلك الصلاة، فالعجب كل العجب ممن يتعبد الله عز وجل بغير ما شرع بمثل تلك البدع والمحدثات مخالفاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة. والله المستعان.
1 انظر: الحوادث والبدع للطرطوشي (130) .