الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المستطيلة للفطريات.
وبعد: فلعلك - أيها القارئ - ازددت يَقِينًا بصحة هذا الحديث، واطمأننت إلى أن الإذعان والقبول لما صح عن الرسول أحرى بالمؤمن
المُتَثَبِّت وَأَوْلَى، وفي كل يوم تتقدم فيه العلوم والمعارف البَشَرِِيَّةُ يظهر الله سبحانه من الآيات ما يدل على صِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَصِدْقِ معجزته الكبرى وهي القرآن وصدق الله حيث يقول:
اسْتِشْهَادُهُ لِمَزَاعِمِهِ بِحَدِيثٍ مُنْكَرٍ:
قال: وروى الطبراني في " الأوسط " عنه عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي مَلَكٌ بِرِسَالَةٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ فَوَضَعَهَا فَوْقَ السَّمَاءِ، وَرِجْلُهُ الأُخْرَى ثَابِتَةٌ فِي الأَرْضِ لَمْ يَرْفَعْهَا» .
وهذا الحديث منكر، وما دام حاله كذلك فلا يصح الاحتجاج به، ولا يصح أن يترتب عليه ما يهدف إليه المؤلف من الطعن في أبي هريرة من أنه يروي الروايات الخرافية.
وأما حديث " الترمذي " عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «العَجْوَةُ مِنَ الجَنَّةِ، وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ» ، فسيأتي الكلام عنه قريبًا إن شاء الله.
طَعْنُهُ فِي حَدِيثٍ يُعْتَبَرُ مِنْ مَحَاسِنِ الإِسْلَامِ:
قال في [ص 200]: وروى الحاكم وابن ماجه من حديثه بسند صحيح:
(1)[سورة فصلت، الآية: 53].
والجواب:
إن هذا الحديث بهذا اللفظ رواه البخاري في " صحيحه "(1) ولكنه عن جابر بن عبد الله لا عن أبي هريرة، ورواه من طرق أخرى عن جابر بنحو هذا في مواضع من كتابه (2) ورواه مسلم في " صحيحه " عن جابر من طرق عدة بنحو ما رواه البخاري، وهكذا يَتَبَيَّنُ لنا أن الحديث ثابت من غير طريق أبي هريرة، ولو أن الحديث كان من روايته وحده لما جاز له أن يتخذ منه تكأة للطعن فيه، فما بالك وقد ثبت عن غيره؟! إن هذا الحديث يعتبر من مفاخر الإسلام وتوجيهاته الرشيدة السديدة الصحية والاجتماعية، وإليك كلمة موجزة في شرح هذا الحديث كي تزداد يقينًا بسمو الإرشاد النبوي وأن أبا هريرة كان يستحق التكريم - لا التأنيب - لو أنه نقل هذه الآداب الإسلامية الحكيمة.
«خَمِّرُوا الآنِيَةَ» أَيْ غَطُّوهَا، ومن ذا الذي لا يدعو إلى تغطية آنية الطعام والشراب؟ أليس في تغطيتها صيانة لها عن القاذورات وسقوط الهوام والحشرات، وفي هذا ما فيه من حفظ الصحة والإبقاء على النفوس؟ وإذا كان المؤلف قد ران الحقد على قلبه حتى عَدَّ المحاسن مساوئ فليسأل رجال الطب وسيعلم علم اليقين سُمُوَّ هذا التوجيه الصحي النبوي!
«وَأَوْكِئُوا الأَسْقِيَةَ» الأسقية: القِرَبَ، أي اربطوها وشدوها بالوكاء وهو ما يربط به فَمَ القِرْبَةِ، وهذه الفقرة لا تقل في التوجيه الصحي عن سابقتها «وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ»: أي أغلقوها، ومن ذا الذي ينكر ما في إغلاق الأبواب من الفوائد والمصالح وحراسة الأنفس والأهل والولد والمال من أهل العبث والفساد والحيوانات الكاسرة والكلاب العقورة ولا سيما في البلاد الصحراوية والبدوية والقرى والدساكر؟.
(1) كتاب بدء الخلق، «باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم» .
(2)
كتاب بدء الخلق، «باب صفة إبليس» . كتاب الأشربة، «باب تغطية الإناء» . كتاب الاستئذان، «باب لا تترك النار في البيت عند النوم» ، و «باب غلق الأبواب في الليل» .
«وَاكْفِتُوا (1) صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ العِشَاءِ» أي ضموهم إليكم، والمعنى امنعوهم من الحركة والخروج من البيوت في هذا الوقت، وقد عَلَّلَ ذلك بقوله:«فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً» وقد روي من طريقين آخرين بلفظ «فإنَّ الشياطين» وَهُمْ المرادون من لفظ الجن في الرواية الأولى، ومِمَّا ينبغي أنْ يعلم أنَّ الشيطان في لغة العرب يطلق على المتمرد من الجن والإنس والحيوان، بل والهوام والطيور.
وشواهد ذلك كثيرة في لغة العرب، ومن ذا الذي يجهل ما عسى أن يلحق الأولاد عند المساء من مَرَدَةِ الجن والإنس والحيوانات والهوام؟ وهذا أمر مشاهد محسوس، وفي الرواية الأخرى «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أَوْ [قَالَ]: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ» أليس في هذا تنبيهًا إلى ما هو مشاهد من أن الحيوانات الكاسرة والهوام المؤذية التي من شأنها الاستتار نهارًا لا تلبث وقد شاهدت إقبال الظلمة أن تسرح وتخرج من مساربها وفي نفسها عرامة وشراسة فلا تصادف إنسانًا إِلَاّ آذته، والحديث لم يعين المراد من الشياطين أهم شياطين الجن أم شياطين الإنس أم شياطين الحيوان؟ فالحديث أَيًّا كَانَ محمله صحيح في معناه وسام في مغزاه.
«وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ» وقد قال أئمة الحديث وشراحه: إن هذا الإرشاد النبوي ليس خَاصًّا بالمصابيح بل يشمل إطفاء أي نار كنار الكانون والتنور، فانظر إلى مرونتهم في الفهم وعدم جمودهم ووقوفهم عند ظاهر النص.
وكان على المؤلف أن يذهب إلى البَاحِثِينَ الاِجْتِمَاعِيِّينَ - إن كان لا يقتنع بكلام شُرَّاحِ الحَدِيثِ - ليدلوه على سمو هذا الإرشاد النبوي، بل ليذهب إلى وزارة الداخلية وسيخبرونه بما تجره الفتيلة، والكانون، والتنور من حرائق وأضرار لا حصر لها.
ولعلك أيها القارئ المُنْصِف ازددت يقينًا إلى يقين بأن المؤلف بلغ من حقده
(1) بهمزة وصل وكسر الفاء ويجوز ضمها.