الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ذهب إليه علماء مذهبهم - ولو كان من المُتَأَخِّرِينَ - أو يعارضون الحديث بحديث آخر ولو كان غير معروف عند أئمة الحديث .... إلخ ما نقله على كتاب " توجيه النظر ".
ومن الحق أَنْ نقول:
إن هذا الكلام فيه جانب حق وجانب باطل، أما جانب الحق فهو أن بعض متأخري الفُقَهَاءِ قد يحملهم لمذاهبهم على هذا أو شيء منه ونحن لا ننكر أن في أي طائفة - مهما كانت - الحَسَنُ والرَدِيءُ والجامد والمرن.
أما جانب الباطل فهو التعميم وإيهام القارئ أن الفُقَهَاءَ كلهم على هذا والحق أن فِي الفُقَهَاءِ كثيرين لم يخضعوا إِلَاّ للدليل وإني لأجد في بعض كتب المذاهب ترجيحًا لغير مذهبهم إذا كان دليله قَوِيًّا ثم إنه مِمَّا ينبغي أن يعلم أن الفُقَهَاءَ المُتَقَدِّمِينَ كأصحاب المذاهب وتلامذتهم لم يكونوا متعصبين ولا متعنتين وإنما يتبعون الدليل، وليس أدل على هذا من أنهم كانوا يأخذ بعضهم عن بعض، وأنه صح عن كل واحد من الأئمة الأربعة - كما ذكره الشاطبي في " موافقاته " - أنه كان يقول:«إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاضْرِبُوا بِقَوْلِي عَرْضَ الحَائِطِ» وكثيرًا ما نجد في مذهبي الصاحبين - أبي يوسف ومحمد - ما يخالف قول أستاذهما وإمامهما أبي حنيفة رحمه الله، وقد رجع أبو يوسف في مسائل عن مذهب إمامه لما ناظره الإمام وظهر له أن الحق معه، وكذلك فعل الإمام محمد لما تتلمذ على الإمام مالك في الحجاز واطلع على أحاديث وروايات لم يطلع عليها في العراق وهذا غاية التسامح ورحابة الصدر في الاجتهاد والبحث.
والشأن في المؤلف الذي ينشد الحق أن يلتزم جادة الإنصاف لا أن يجعل من نفسه منتصرًا لطائفة ومعاديا للأخرى وأن يصدر أحكامه من غير مجازفة وإسراف وإلا فليدع التأليف لأهله.
طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ: «أَلَا إِنَّنِي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» :
في [ص 251] ذكر طعن رجال الأثر في حديث عرض السُنَّة على القرآن -
وهو موضوع كما نبهنا إليه - ثم قال ورووا حديثا هذا نصه: «ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه
…
» وهذا من أعجب العجب لأنه إذا كان النَّبِيِّ أوتي مثل الكتاب أي مثل القرآن ليكون تمامًا على القرآن لبيان دينه وشريعته فلم لم يعن - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بتدوينه وكتابته قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى كما عني بتدوين القرآن؟ ولم ينه عن كتابته بقوله: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ» وهل يصح أن يدع الرسول نصف ما أوحي إليه يعدو بين الأذهان بغير قيد: يمسكه هذا وينساه ذاك وهل يكون الرسول - بعمله هذا - قد بَلَّغَ الرسالة على وجهها وأدى الأمانة إلى أهلها؟
الرَدُّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الطَّعْنِ:
أقول: إن محاولته إثبات أن حديث «أَلَا وَإِنِّي
…
» موضوع لهي من أعجب العجب، والحديث ثابت رواه أبو داود في " سننه " عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أَلَا وَإِنِّي قد أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ الحِمَارُ الأَهْلِيُّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ إِلَاّ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا» (1). فالحديث ثابت من جهة النقل والرواية، ومعناه ثابت من جهة العقل والدراية، والكتاب الكريم يُؤَيِّدُهُ، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (2) وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3). أما قوله: «فلم يعن
…
إلخ» فمنطق عجيب حَقًّا، فقد بينت آنفا السر في نهي النَّبِيِّ عن كتابة الأحاديث في عهده وهو خشية التباس بعضه بالقرآن، ولما كانوا عليه من الأمية وَعَدَمِ تَيَسُّرِ الكتابة والقرآن معجز، فالمحافظة على لفظه واجب ولا كذلك السُنَّة فالمعول عليه فيها المعنى لا اللفظ، وهل يلزم من عدم الأمر بتدوين الأحاديث أن لا تكون معتنى بها، وأن لا تكون هي الأصل الثاني للتشريع؟
(1)" تفسير القرطبي ": ج 1 ص 37، 38.
(2)
[سورة النحل، الآية: 44].
(3)
[سورة الحشر، الآية: 7].