الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] [هَلْ أَدْخَلَ مُسْلِمَةُ أَهْلِ الكِتَابِ أَقْوَالاً مِنَ الإِنْجِيلِ عَلَى أَنَّهَا أَحَادِيثَ
؟]:
قال صاحب " ضحى الإسلام " ج 1 ص 340 ط أولى:
«كذلك أدخل مسلمة أهل الكتاب أقوالا من الإنجيل دست على أنها أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مثل الأستاذ " جولدتسيهر " لما دخل على النصرانية في الحديث، بحديث «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» وحديث، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ» فقد أخذ مما ورد في إنجيل متى: «أُعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا للهِ للهِ» ، وكذا الإمعان في تفضيل الفقراء على الأغنياء، فإذن هذا نظر نصراني، وقد ورد في الحديث «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهَا بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ» إلى آخر ما قال.
ومع أن صاحب " الضحى " رَدَّ على أصل الفكرة لكنه سكت عن هذه الأحاديث التي مثل بها، ولم يبين أنها أحاديث صحيحة، فكان من اللازم عَلَيَّ - وأنا أَرُدُّ الشبهات عن السُنَّةِ - أن أَرُدَّ رَدًّا وافيًا مبينًا أن هذه الأحاديث ليست كما زعم " جولدتسيهر " ومتابعوه، فأقول مستعينًا بالله:
[1]
إننا معاشر أهل الحديث - مع موافقتنا لجولدتسيهر في أن بعض الأفراد الإسرائيلية والمسيحية قد دس بعضها في الحديث، ولكنا نقول: إن علماء
الإسلام ونقاده بينوا ذلك قبل أن يوجد " جولدتسيهر " ومتابعوه ببضعة قرون، ومن قرأ ما كتبه العلماء المؤلفون في علوم الحديث ومصطلحه، والمؤلفون في «علم الرجال» ، والمؤلفون في " شروح الأحاديث "، والمؤلفون في " تخاريج الكتب " وما ألفه بعض العلماء الذين لهم بصر بالنقد، كابن كثير، وابن القيم، والذهبي، وشيخهم ابن تيمية وما ألفه الحافظ العراقي، وما ألفه الحافظ ابن حجر يقف على كثير مِمَّا بَيَّنُوا أن أصله من الإسرائيليات أو من غير الإسرائيليات، وقد وزنوا الروايات بميزان دقيق لا يحيف ولا يجور.
قال في " تدريب الراوي شرح تقريب النواوي: «وربما أسند الواضع كلاما لنفسه كأكثر الموضوعات، أو لبعض الحكماء أو الزهاد، أو الإسرائيليات (1)، كحديث " المَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالحمية رأس كل دواء " لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض الأطباء قيل: إنه الحارث بن كلدة طبيب العرب ومثله العراقي في " شرح الألفية " بحديث " حُبُّ الْدُّنْيَا رَأُسُ كُلِّ خَطِيْئَةٍ " قال: فإنه إما من كلام مالك بن دينار، كما رواه ابن أبي الدنيا في " مكايد الشيطان " بإسناده إليه، أومن كلام عيسى عليه السلام، كما رواه البيهقي في " الزهد "، ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم
…
" (2) وقد قال الإمام ابن تيمية في الحديث المزعوم «مَا وَسِعَنِي سَمَائِي وَلَا أَرْضِي، وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ» هو من الإسرائيليات، وليس له أصل معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن الذي ننكره عليه وعلى متابعيه أنهم استدلوا بأحاديث صحيحة، ولو أنهم مثلوا بما قبل به العلماء المحدثون النقاد لما كان لنا اعتراض عليهم، ولكن كيف؟! وهم يريدون الإفساد في السنة والتشكيك فيها جملة؟ وهذا هو غرضهم الأول من بحوثهم الاستشراقية.
[2]
ليس من الإنصاف في شيء أن نقول: إن ما وجد في الدين الإسلامي، ووجد في اليهودية أو النصرانية أن يكون مأخوذا منها، فقد توافق القرآن الكريم الذي
(1) الإسرائيليات: هي أقاويل بني إسرائيل التي تلقوها عن علمائهم وكتبهم، وما ذكروه في " تُلْمُودِهِمْ " وقد تُوُسِّعَ فيها فأصبحت تطلق على كل ما دخل الحديث من معارف أهل الكتاب، ومن العلماء من يفرق بين الإسرائيليات والمسيحيات.
(2)
" تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي ": ص 187، 188.
لا شك في تواتره، وصونه عن أي تحريف والتوراة والإنجيل في بعض التشريعات، والأخلاقيات والقصص، فهل معنى هذا أنه مأخوذ منها؟ أعتقد أن الجواب بالنفي ومما ينبغي أن يعلم أن الشرائع السماوية مردها إلى الله سبحانه، وأن العقائد، والفضائل الثابتة، والضروريات التي لا تختلف باختلاف الأزمان، ولا باختلاف الرسالات أمور مقررة في كل دين وصدق الله:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (1) وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) وقال عز من قائل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ (3) وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .... } (4) لكن هذه الأصول، والفضائل، والأخلاقيات، والضروريات جاءت في الدين الإسلامي أوفى ما تكون وأكمل ما تكون، وأصلح ما تكون لكل زمان ومكان ولما كان الأمر كذلك فليس في العقل، ولا في الشرع ما يمنع أن تتوافق في بعض التشريعات، وفي بعض الأخلاقيات، وما حرف من الكتب السماوية السابقة لم يحرف جميعه. وقد كان القرآن الكريم - بحكم أنه سلم من التحريف والتبديل وتوفرت الدواعي والأسباب لوصوله إلى الأمة الإسلامية كما أنزله الله تبارك وتعالى مهيمنا أي شاهدا على الكتب السماوية السابقة، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه فهو باطل.
فمثلاً، مسألة العفو والتسامح جاءت بها النصرانية، وأكثر سيدنا عيسى عليه السلام من الدعوة إليها وذلك ليكون بمثابة التقليل من شأن الظلم، والتعدي على الدماء والأعراض، والأموال التي بلغ فيها اليهود الغاية.
(1)[سورة الشورى، الآية: 13].
(2)
[سورة الأنبياء، الآية: 25].
(3)
المراد بالكتاب الجنس فيشمل الكتب السماوية السابقة.
(4)
[سورة المائدة، الآية: 48].
ثم جاء الإسلام الدين العام الخالد فأباح الاقتصاص ومقابلة السيئة بالسيئة، ولكنه إلى جانب ذلك حَبَّبَ في العفو، وفي الترغيب في الصفح عن الإساءة في غير ما آية، فهل معنى هذا أن القرآن تأثر في هذا بالمسيحية في العفو والتسامح؟!
ومن ذلك تشريع إخفاء الصدقة، فهو أمر ليس خَاصًّا بالمسيحية، ولا بغيرها، وإنما هو من الأمور التي تتفق فيها الأديان، فهذا هو الله تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1) فكيف بعد هذا يدعي " جولدتسيهر " ومتابعوه أن ذلك من أثر المسيحية في الإسلام.
ومن ذلك تشريع تبجيل الفقير، والتنويه بشأنه ليست مسيحية صرفة كما زعم فالإسلام، واليهودية والنصرانية تشترك في ذلك، وقاعدة المجازاة على الأعمال أمر مشترك بين الأديان جميعا وصدق الله حيث يقول:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلَاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى} (2). والفقير والغني في هذا سواء، وقد يبلغ الفقير بصدق إيمانه، وإخلاصه وجهاده بنفسه، وبما قل من ماله ما لا يبلغه الغني، وقد يبلغ الغني الشاكر القائم بحقوق الله وحقوق العباد ما لا يبلغه الفقير، وقد بلغ بعض أثرياء المسلمين من الفضائل، والفضيلة والسبق ما لا يبلغه غيرهم من الفقراء وذلك كالصديق أبي بكر وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين، فالأمر إذا ليس أمر غنى وفقر.
وفي القرآن الكريم آيات ترفع من شأن الفقير ومنزلته عند ربه، قال تعالى في الأنصار رضوان الله عليهم:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3) وقال تعالى في شأن المهاجرين: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (4).
(1)[سورة البقرة، الآية: 271].
(2)
[سورة النجم، الآيات: 37 - 39].
(3)
[سورة الحشر، الآية: 9].
(4)
[سورة الحشر، الآية: 8].
وعلى غرار ما جاء في القرآن الكريم جاءت الأحاديث النبوية في " الصحيحين " وغيرهما من كتب الأحاديث والسنن.
وإذا كان الأمر كذلك فقد انهار الأساس الذي عليه بنى " جولدتسيهر " ومتابعوه رأيهم. فانهار كل ما مثلوا به، وإليكم بيان منزلة الأحاديث الذي ذكرها للتمثيل لفكرته.
[3]
أما حديث «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، فَأَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» فهو جزء من الحديث الشريف «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّهُ
…
» وقد رواه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم بالأسانيد الصحيحة المتصلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وقد أخرجه اَيْضًا الترمذي في " كتاب الزهد " وأخرجه النسائي في " القضاء "" وفي الرقاق ".
والحديث الثاني: حديث عبد الله بن مسعود عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا
…
» وقد رواه البخاري ومسلم اَيْضًا (2) وهو حديث صحيح لا مطعن فيه في سنده، ولا في متنه والمراد به تحذير المسلمين من القيام بالفتن والثورات إذا ما وجدوا من الحكام استئثارًا بشيء من أمور الدنيا ومنعهم بعض حقوقهم، أو وجدوا منهم أمورًا ينكرونها مما يتعلق بالدين ما لم يروا كفرا بَوَاحًا عندهم فيه من الله برهان كما في الحديث الآخر الذي رواه الشيخان (3) في " صحيحيهما "، وَالأَثَرَةُ بفتح الهمزة والثاء الاستئثار عليهم بحقوقهم أو ببعضها وهي نظرة حكيمة، فلو أن الإسلام أباح القيام في وجوه الحكام والأمراء لأدنى جور لصار المجتمع الإسلامي سلسلة من الدماء، إذ ما من حاكم مهما بلغ
(1)" صحيح البخاري ": - كتاب الأذان - باب من جلس ينتظر الصلاة وفضل المساجد. " صحيح مسلم ": - كتاب الزكاة - باب فضل إخفاء الصدقة.
(2)
" صحيح البخاري ": - كتاب الفتن - باب قول النبي: سترون بعدي أثرة تنكرونها. و " صحيح مسلم ": - كتاب الإمارة - باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة، واستئثارهم.
(3)
المرجعين السابقين.
من العدل إلا وله هنات، ثم مَنْ مِنَ الحكام والأمراء من يكون مَرْضِيًّا عنه غاية الرضا من كل الرعية؟! والناس شأنهم كما قال الله:{فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (1).
والمراد بإعطائهم حقهم، أن يعطوهم ما ألزمهم به الشارع الحكيم نحوهم من حق خاص أو عام، كحق الزكاة والخروج في الجهاد، والإنفاق في سبيل الله، وتمكينهم من تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، والسمع والطاعة لهم ما لم يروا كُفْرًا بَوَاحًا عندهم من الله فيه برهان، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم:" وَالعَدْلَ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الذِي لَكُمْ " أي تسألون الله عز وجل أن يوفي الحق الذي لكم من الغنيمة والفيء، ونحوهما مما هو من حقوق الرعية على الراعي، ولا تقاتلوهم لاستيفاء حقكم، وكلوا أمرهم، إلى الله، وسينتصر الله تعالى لكم، ويقضي عليهم.
وهذا المعنى الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث غير المعني الذي أراد السيد المسيح صلى الله عليه وسلم من قوله: «أُعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا للهِ للهِ» (2). ولو سلمنا أنه هو فليس بلازم أن يكون مأخوذا منه، فكل من نبينا محمد عليه الصلاة والسلام والسيد المسيح عليه الصلاة والسلام نبي يوحى إليه من ربه، ويكون من الأمور التي توافقت فيها الشرائع وبحسبنا ما ذكرته آنفا في هدم الأساس الذي بنى عليه " جولدتسيهر " دعاواه، وادعاءاته وأما حديث «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهَا بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ» فقد رواه الإمام أحمد والترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد قلت: إنه من الجائز جِدًّا أن تتوافق بعض الشرائع في مثل هذا وهو تكريم الفقراء، وبيان فضلهم، وذلك بشرط إيمانهم وصلاحهم، وتقواهم، واستقامتهم وتحملهم الشدائد، وصبرهم على المكاره، وإلا فالأغنياء الشاكرون مقدمون عليهم.
(1)[سورة التوبة، الآية: 58].
(2)
مما ينبغي أن يعلم أن الغربيين يستدلون بهذا القول على الفصل بين الدين والدولة. وهذا إن جاز وفي غير الإسلام فلن يجوز ذلك في دين الإسلام الذي جاء بكل ما يسعد العباد في دينهم ودنياهم وما من شأن من شؤون الدولة من معاملات، وسياسات، واقتصاديات، ومعاهدات، وولايات، وزراعات، وصناعات، وتجارات
…
إلا ونجد ذلك مبينًا في القرآن الكريم، أو السنة النبوية.
مُنَافِقًا (1) - قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ (2)، تَحْتَ رَعُوفَةٍ (3) فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ " قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم البِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ:«هَذِهِ البِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا (4)، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا (5) رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ» قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ (6)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفَلَا - أَيْ تَنَشَّرْتَ؟ (7) - فَقَالَ: «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا» .
وقد روى الإمام البخاري حديث السحر في كتب وأبواب أخرى من " صحيحه "(*): وراه في كتاب (بدء الخلق) باب 17. وفي (كتاب الأدب) باب 56. وفي (كتاب الدعوات) باب 57، تكرير الدعاء. ورواه البخاري في (كتاب الأدب) عن شيخه الحميدي، عن سفيان بن عيينة تخريج الحديث. وقد روى حديث سحر
(1) لا خلاف بين قوله هذا: «مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ» وبين قوله في رواية أبي أسامة عن هشام: قال: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ». لأنه كان من اليهود أصلاً فيكون حليفًا لبني زريق فنسب إليهم، وإن كان من بني زريق أصلاً فلهم في اليهود حلف في الجاهلية، فلما جاء الإسلام نبذ الأنصار حلفهم وبذلك تتوافق الروايات ولا تتخالف.
(2)
الطلع أو الطلعة هو ما يكون في جوز الخف أو الخف وهو ما يعرف في اللغة بالكُفَرِيِّ فيؤخذ من طلع الذكر ويوضع على طلع النخلة الأنثى فيثمر بإذن الله تعالى وإلا كان شيصًا، وذكر: صفة لجف لأن هذا الوعاء يقال للنخلة الذكر وللنخلة الأنثى.
(3)
رَعُوفَةٌ:، ويقال: رَاعُوفَةٌ بزيادة الألف. قال أبو عبيد: هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت يجلس عليها الذي ينظف البئر وهي أولى من قول بعضهم: حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه ليجلس عليه المستقي.
(4)
أُرِيتُهَا: يعني في المنام، ورؤيا الأنبياء وحي.
(5)
في الكلام محذوف، والتقدير: وكأن رؤوس نخلها.
(6)
كذا في رواية ابن عيينة وفيها اَيْضًا: «حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ» وفي رواية ابن نمير عند " مسلم "، وفي رواية أبي أسامة عن " الشيخين " أنه لم يستخرج وقد رجح ابن بطال رواية ابن عيينة لأنه أحفظ وأضبط، ثم قال: ويحتمل أن يكون المراد بالاستخراج المثبت هو استخراج الجف، وبالاستخراج المنفي ما كان في وسط الجف، ويعكر على هذا أن في بعض الروايات أنهم استخرجوا ما في الجف وكان فيه تمثال من شمع للنبي صلى الله عليه وسلم وبه عقد وإبر مغروزة، والذي يترجح عندي - واللهُ أَعْلَمُ - أن المثبت هو استخراج الجف وما فيه، والاستخراج المنفي عدم إشاعته وإعلانه بين الناس حتى لا يثير بينهم شَرًّا وهو أولى من جمع ابن بطال، ولا يرد عليه أي اعتراض.
(7)
تنشرت أي استعملت النشرة، بضم النون وسكون الشين المعجمة وهي ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحر أو مَسًّا من الجن، وقد أجمعت الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعملها.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر: " دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري " للشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، ص 239، (1108) - 20 من حديث عائشة رضي الله عنها، الطبعة الثانية: 1404 هـ - 1984 م نشر مؤسسة الرسالة. بيروت - لبنان.