الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَظَرِيَّةُ المُسْتَشْرِقِينَ المُعَاصِرِينَ فِي الحَدِيثِ:
وقد أحسن مؤلف كتاب " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " فذكر لنا نظرية المستشرقين المعاصرين في الحديث، فقال في ص 131 وما بعدها: «وقد سادت في العصر الحديث في أوساطهم نظرية أخرى تخالف النظرية الأولى، وتتفق في نتيجتها مع وجهات النظر الإسلامية:
يقول " فينك " في بحث له عند الدور الذي قام به أهل الحديث بعد أن ذكر جهود المحدثين في دراسة الحديث ونقده: " إذا لم يستطع النقاد المسلمون لأسباب داخلية، وخارجية أن يميزوا كل الأجزاء غير الصحيحة من الحديث فإنه ليس من الحق أن نسلبهم كل الثقة، وذلك أن الحديث الإسلامي يحتوي على أساس صحيح، والرأي القائل بأن الحديث ليس إلا من وضع أهل القرنين الأول، والثاني، وأنه لا يدل إلا على ما صورته الأجيال الإسلامية لعصر الرسول وأصحابه، هذا الرأي يجهل كل الجهل ما لشخصية الرسول من تأثير كبير في المسلمين، والجهود التي تحاول إبطال آثار الرسول التاريخية في السنة والحديث، إنما جاءت من فهم تاريخي مادي، وهذا الفهم اَيْضًا لا يريد أن يتبين ما في القرآن من أمور إلهية اعتقادية ويرى أن ذلك يستقصى من آلاف الصور والمثل، والتأثيرات المختلفة والاختلاط بالشعوب الأخرى وغير ذلك، مما يؤدي في آخر الأمر إلى أن يكون تراث الإسلام مختلف الأشكال والألوان لا بصور رابطة متماسكة.
وهذه الأبحاث التي تقوم على مثل هذا النظر، وتدور حول هذه الفكرة، والتي يؤخذ منها «أن كل حديث فقهي موضوع حتى تقوم البينة على خلاف هذا» تكون نتيجتها الأخيرة فتح باب للشك لا نهاية له على أساس الفرض، والظن، وحينئذ لا يمكن أن نعتبر نَقْدًا ما، لأمر صحيح عام معتبر.
ومع هذا فكيف اتفق هؤلاء اتفاقًا عَاًّما في الأمور التي لا تتفق مع الرسول ومكانته مثل ما نراهم يتفقون على هذه المسألة المتناقضة تناقضًا قَوِيًّا، وهي مسألة
الغرانيق (1) في الوقت الذي نراهم يشكون فيما عداها.
والراوون المسلمون لا يعدون متعصبين لجانب واحد، هؤلاء الذين يروون مثل أن الرسول قال:«أَهْدَيْتُ لِلْعُزَّى شَاةً عَفْرَاءَ وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي» ويروون أن الرسول سمى أبناءه عبد العزى، وعبد مناف، والقاسم، ومثل كتابه لعبد الله بن جحش عند تل نخلة.
ثم هذه الأخبار التي تتناول بيت الرسول وأموره الشخصية مثل: قصة زينب بنت جحش، ومسألة الإفك، ومسألة حفصة، التي نجدها في كتب الحديث المعتمدة مما لا تقوم الحجج من أولئك ضد صحتها فإذا ما اعترف مَبْدَئِيًّا بأن الحديث فيه جزء صحيح فإنه يكون من قبيل الرأي الباطل أن يعترف هذه الأمور القليلة التي رواها المحدثون مما لا يتناسب مع الرسول - صحيحة، وأن ما عدا ذلك كله على عكس هذا حتى يقوم الدليل على صحته!!!
وفي الحق أن الاتفاق القويم في شكل حياة المسلمين في كل صغيرة وكبيرة، وفي كل قطر وبلد هو خير دليل على أن التحديث الذي دار حول التمسك بالسنة في كل وقت، وجعل ذلك غايته التي لا تتحول، ليس مَبْنِيًّا على الأفكار المتناقضة التي ساقتها الظروف وجمعتها الأجيال المتأخرة.
ثم ذكر " فينك " بعض الأخطاء المشهورة التي وقع فيها جولدتسيهر، وأتباعه المتعصبين ونقدها نَقْدًا صَحِيحًا وخطأهم فيما ذهبوا إليه (2).
(1) هي قصة مختلقة اختلقها الزنادقة وأعداء الإسلام وخلاصتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم بمكة فلما بلغ قوله تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ اللَاّتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [سورة النجم، الآيتان: 19، 20]، ألقى الشيطان على لسانه «تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى» ، ولم ينتبه النبي صلى الله عليه وسلم ولا المسلمون حتى نبهه جبريل إلى ما كان، وهي قصة باطلة عقلاً ونقلاً، ومن أراد معرفة ذلك فليقرأ ما كتبته في " السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة " ج 1 من ص 375 - 387 ففيها ما يشبع ويقنع (*).
وقد بلغ من عدم أمانة المستشرق الفرنسي «بلاشير» (*) صاحب ترجمة للقرآن أنه دس هذا الكذب في النص القرآني عند ترجمته سورة النجم، وهذا مع كونه لا أمانة فيه هو كذب صراح على الله، ودس سمح رخيص مكشوف من «بلاشير» .
(2)
" نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " من ص 131 - 136.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، محمد أبو شُهبة: ص 236، الطبعة الثامنة: 1427 هـ، نشر دار القلم - دمشق. وانظر اَيْضًا:" رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى ضوء السنة النبوية الشريفة "، عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى، ص 105.
(**) ريجيس بلاشير ( Régis Blachère) م (1318 - 1393 هـ=1900 - 1973 م) من أشهر مستشرقي فرنسا في القرن العشرين ومن أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق. ولد في مونروج Mont rouge ( من ضواحي باريس). تعلم العربية في الدار البيضاء (بالمغرب الأقصى) وتخرج في كلية الآداب في الجزائر (1922م). عُيِّنَ أستاذاً في معهد الدراسات المغربية العليا في الرباط (1924 - 1935م) وانتقل إلى باريس محاضرا في السوربون (1938م)، فمديراً لمدرسة الدراسات العليا العلمية (1942م) وأشرف على مجلة "المعرفة" الباريسية، بالعربية والفرنسية. وألف بالفرنسية كتبا كثيرة ترجم بعضها إلى العربية، ونجح في فرض تدريسها في بعض المعاهد الثانوية الفرنسية. من كتبه:
1 -
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية في ثلاثة أجزاء، أولها مقدمة القرآن الكريم. ثم نشر الترجمة وحدها في عام 1957م ثم أعيد طبعها عام 1966م.
«التَّعْلِيقُ عَلَى كَلَامِ فِينِكْ» :
وفي الحق أن كلام " فينك " ومن وافقه يعتبر تَحَوُّلاً مهما في تاريخ الاستشراق، فبعد أن سادت نظرية " جولدتسيهر " التي وافقه عليها الكثيرون من المستشرقين حقبا من الزمان وجدنا من المستشرقين أنفسهم كـ " فينك " من يرد عليهم ويبطل نظريتهم في الحديث والمحدثين ويصدع بما هو الحق في الحديث، وهو أنه قام على أسس ثابتة ودعائم قوية تضرب في القدم إلى عهد النبوة وأنه ليس نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي كما زعم " جولدتسيهر " وفي الحق اَيْضًا أن ما قاله " فينك " وموافقوه يعتبر أقرب النظريات إلى الحقيقة التي صدع بها العلماء المسلمون ولا سيما المحدثون، وأنه يلتقي معها في النتيجة والغاية، أقول:
ومن الملاحظات الدقيقة التي لاحظها فينك على معظم المستشرقين أنهم اتفقوا على تصحيح قصة الغرانيق، وهي من أبطل الباطل، وأمحل المحال لأن فيها إِخْلَالاً بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم، وَطَعْنًا في نبوته صلى الله عليه وسلم على حين نجدهم يحكمون بالوضع أو يشككون على الأقل في أخبار صحيحة بل هي من أصح الصحيح كما زعموا في الحديث المتفق عليه «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَاّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» رواه البخاري ومسلم.
أقول: وهكذا الشأن في معظمهم أنهم يصححون الموضوع ويضعفون الصحيح ولا حامل لهم في هذا وذاك إلا الهوى والتعصب، والاستجابة للحقد الدفين في نفوسهم على الإسلام وعلى نبي الإسلام، وعلى القرآن الكريم، وعلى السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
ومن الملاحظات الدقيقة اَيْضًا في كلام " فينك ": أن الرواة المسلمين لا يعدون متعصبين لجانب، فهم كما يَرْوُونَ الأحاديث الدالة على عصمة الرسول عن كل ما يخل بالنبوة وبالتوحيد يَرْوُونَ كذلك الأحاديث التي قد يكون فيها خدش للعصمة ولمقام النبي صلى الله عليه وسلم ولو أنهم اقتصروا على القسم الأول لما كان عليهم ضير، ولكنها الأمانة الفائقة في النقل وعدم إخفاء شيء من الروايات حتى لو كان فيه مساس
بالعقيدة الصحيحة أو فيه ما يخل بالعصمة.
ولكن ليس معنى هذا أنهم يَرْوُونَ وَلَا يُبَيِّنُونَ درجة ما يرون من الصحة أو الحس أو الضعف، أو الوضع كَلَاّ وَحَاشَا، إنهم يَرْوُونَ وَيُبَيِّنُونَ، أو يبين ذلك غيرهم من العلماء المحدثين فقد أجمع العلماء المحدثون وغيرهم على أن الحديث الموضوع لا يروى إلا مقترنًا ببيان وضعه، وإلا كان راويه العارف آثِمًا غاية الإثم.
" حديث موضوع بإجماع أهل العلم ":
ومما ينبغي أن يعلم أن الحديث الذي ذكره في أثناء كلامه وهو:
«أَهْدَيْتُ لِلْعُزَّى شَاةً عَفْرَاءَ وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي» وجعل مرجعه فيه كتاب " الأصنام " للكلبي: ص 19 " حديث مختلق موضوع بإجماع أهل العلم بالحديث.
وهو يحمل في ثناياه دليل وضعه، فقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فَضْلاً عما بعدها أمثل حياة عرفتها الدنيا: عقيدة وشريعة، وَعِلْمًا، وَعَمَلاً، وأخلاقًا وسلوكًا، هذا إلى قيام الأدلة العقلية والنقلية على استحالة ذلك، وقد ذكر هذا الحديث المزعوم المختلق " درمنغم " (*) في كتابه:" حياة محمد "(1) وهو تصديق لما ذكرت من أنهم يصححون الضعيف والموضوع ما دام ذلك يصادف هوى في نفوسهم ومثل ذلك ما روى زُورًا وَكَذِبًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تمسح بالصفراء (2) وقد أخطأ محمد حسين هيكل خطأ بَيِّنًا حينما أورد ذلك في كتابه: " حياة محمد ".
ومثل ذلك ما روى كَذِبًا وَزُورًا " أنه صلى الله عليه وسلم كان يشهد مع المشركين مشاهدهم فهذه وأمثالها من البلايا والطامات التي اشتملت عليها بعض الكتب التي لا يعتمد عليها في الرماية، وجاء بعض المستشرقين والذين تابعوهم من الكتاب المسلمين فنقلوها في كتبهم من غير تمحيص، وتحقيق.
وما بغض إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء ما بغض إليه عبادة الأصنام حتى التمسح بها
(1)" حياة محمد " لدرمنغم، ترجمة عادل زعيتر: ص 20.
(2)
الصفراء صنم كان في الجاهلية.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) درمنجم (درمنغهام) Dermenghem، E. مدير مكتبة الجزائر.
آثاره: بمعاونة محمد الفاسي: قصص من فاس، وقصص جديدة من فاس (باريس 28)، وله:" حياة محمد "، وهو خير ما صنفه مستشرق عن النبي، ويرجع إليه -1926 علماء المسلمين (باريس 1929، والطبعة الثانية 1950 وقد نقله إلى العربية الأستاذ عادل زعيتر و " قصص القبيلة " (1945)، و " أروع النصوص العربية "(باريس 1951)، و " تكريم أولياء الإسلام في المغرب "(باريس 1954)، و " محمد والسنة الإسلامية "(باريس 1955)، و " سيرة الأولياء المسلمين "(الجزائر 1956)
…
وغيرها [انظر " معجم أسماء المستشرقين "، يحيى مراد، ص 508، الطبعة بدون تاريخ، كتب عربية].
كان يبغضه غاية البغض وينهى من يتمسح بها عن ذلك.
رَوَى البَيْهَقِي بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: «كَانَ صَنَمٌ مِنَ النُّحَاسٍ يُقَالُ لَهُ إِسَافُ، وَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ نَائِلَةُ، تَمَسَّحُ بِهِمَا الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا. فَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْسُّهُ» ، قَالَ زَيْدٌ فَطُفْنَا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لأَمُسَنَّهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَكُونُ فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَمْ تُنْهَ» قَالَ زَيْدٌ: فَوَالَّذِي أَكْرَمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا قَطُّ حَتَّى اللهُ تَعَالَى بِالذِي أَكْرَمَهُ بِالَّذِي أَكْرَمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ.
" حديث موضوع آخر بإجماع أهل العلم ":
وأما الحديث الآخر الذي ذكر المستشرق المنصف " فينك " للاستدلال به على أن الرواة المسلمين غير متعصبين لجانب واحد: أنهم يَرْوُونَ «أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم (1) سَمَّى أَوْلَادَهُ عَبْدَ العُزَّى، وَعَبْدَ مَنَافٍ، وَالقَاسِمَ» فهو حديث موضوع بإجماع أهل العلم بالحديث، وفي سنده الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المَنْبِجِيِّ (2) ثم الكوفي قال فيه البخاري:«لَيْسَ بِثِقَةٍ كَانَ يَكْذِبُ» وروى عباس عن يحيى «لَيْسَ بِثِقَةٍ كَانَ يَكْذِبُ» وقال أبو داود: «كَذَّابٌ» وقال ابن عدي: «مَا أَقَلَّ مَا لَهُ مِنَ المُسْنَدِ، إِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ أَخْبَارٍ» .
أقول: ومعظم [الإخباريين] يَرْوُونَ الغث والسمين، ولا يميزون بين الحسن والضعيف لأن همهم جمع الأخبار، فهم كحطاب ليل (3) وعلماء الحديث إذا قالوا: فلان إخباري يعنون أنه ليس من أهل الحديث الذين يوثق بهم، ويعتمد عليهم.
وقال النسائي: «الهَيْثَمُ مُنْكَرُ الحَدِيثِ وَالذِي رَوَى فِي تَسْمِيَةِ أَوْلَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مُحَالٌ أَنْ يَصْدُرَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم
(1) الصلاة والسلام مني لا من فينك وضعتها بين شرطتين.
(2)
مَنْبِجِي كمجلس - بفتح الميم وسكون النون، وكسر الباء الموحدة آخر جيم بلد ببلاد الشام.
(3)
وذلك لأن حاطب الليل لا يميز بين الغث والسمين، والنافع والضار وقد يضع يده على عقرب فتلدغه.
وَسَلَّمَ -» ثم قال: «وَقَدْ رَوَاهُ الهَيْثَمُ عَنْ هِشَامِ بْنَ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ وَهَذَا مِنْ افْتِرَاءِ الهَيْثَمِ عَلَى هِشَامٍ وَاللهُ أَعْلَمُ» .
وقال أبو حاتم: «مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، مَحَلُّهُ الوَاقِدِي» يعني في الضعف وكونه متروك الحديث، وقال العجلي «كَذَّابٌ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ» وقال يعقوب بن شيبة «كَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأُمُورِ النَّاسِ وَأَخْبَارِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الحَدِيثِ بِالقَوِيِّ وَلَا كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي صِدْقِهِ» ، وقال الساجي:«سَكَنَ مَكَّةَ. وَكَانَ يَكْذِبُ» وقال الإمام أحمد: «وَكَانَ صَاحِبَ أَخْبَارٍ وَتَدْلِيسٍ» ، وقد ذكره ابن السكن، وابن شاهين، وابن الجارود، والدارقطني في الضعفاء.
وَكَذَّبَ الحديث لكون الهيثم تكلم فيه جماعة منهم الطحاوي في " مشكل الحديث " والبيهقي في " السنن " والنقاش، والجوزجاني، فيما صنفا من الموضوعات وغيرهم وكانت وفاة الهيثم سَنَةَ ست ومائتين كما ذكر المسعودي في " مروج الذهب " وقيل كانت وفاته سَنَةَ سبع ومائتين (1) فهل يشك أحد بعد كل ما قدمنا أن هذا الحديث مختلق موضوع مكذوب؟.
وأما قول " فينك "«وإذا لم [يَسْتَطِعْ] النُقَّادُ المسلمون لأسباب داخلية وخارجية أن يميزوا كل الأجزاء غير الصحيحة من الحديث فإنه ليس من الحق أن نسلبهم كل الثقة، ذلك أن الحديث الإسلامي يحتوي على أساس صحيح» فلست على وفاق معه في هذا، فما من رواية رويت إلا وَبَيَّنَ العلماء درجتها من الصحة أو الحسن أو الضعف، والوضع ولكن الوقوف على ذلك يحتاج إلى صبر وأناة وإلى طول بحث وقراءة، وليس أدل على هذا من أن الكتب المتكاثرة التي ألفت في بيان الحديث الصحيح، والكتب المتكاثرة في بيان الأحاديث الحسان، والكتب المتكاثرة في بيان الأحاديث الضعاف، والكتب الكثيرة التي ألفت في بيان الأحاديث الموضوعة ولكن استيعاب ذلك والوقوف عليه يحتاج إلى صبر وأناة طويلين.
(1)" لسان الميزان " للحافظ ابن حجر: جـ 6 ص 209، 210.
وقد سبق أَنْ بَيَّنْتُ في الردود السابقة السبب في أن المحدثين لم يبالغوا في نقد المتن مثل ما بالغوا في نقد الأسانيد وأنهم لم يتوسعوا في الأول مثل ما توسعوا في الثاني، وأن العلماء النقاد المحدثين كانوا على حق في اتئادهم وحذرهم في نقد المتون لأن المتن قد يكون من الأحاديث المتشابهة، وقد يكون المتن من الأسرار التي أظهرها الله فيما بعد، وقد يكون المتن من قبيل المجاز لا من قبيل الحقيقة إلى غير ذلك من الوجوه التي ذكرتها.
ونرجو بفضل الله ثم جهود العلماء المسلمين في الحاضر، رد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين الذين نصبوا من أنفسهم أَبْوَاقًا لَهُمْ، ونشاط العلماء المحدثين في خدمة السنن والأحاديث أن يفيء الكثيرون من المستشرقين من تلاميذ " جولدتسيهر " إلى كلمة الحق في هذا الموضوع الهام والخطير الذي يتعلق بالأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام وهي السنن والأحاديث النبوية.
وأن يسلموا بالحق الظاهر الواضح، وأن يصدعوا به كما صدع " فينك " وموافقوه في هذا، وهو أن الأحاديث النبوية قامت على أصول ثابتة وأسس راسخة ترجع إلى عصر النبوة، وليست نتيجة للتطور الديني، والسياسي والاجتماعي.
والله الموفق والمعين.
***