المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما أثير من شبهات حول حديث الذباب: - دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين ط مكتبة السنة

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر:

- ‌[القِسْمُ الأَوَّلُ]: دِفَاعٌ عَنْ السُنَّةِ وَرَدِّ شُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ وَالكُتَّابِ المُعَاصِرِينَ:الدكتور الشيخ محمد محمد أبو شهبه

- ‌مُقَدِّمَةُ الكِتَابِ:

- ‌مَنْزِلَةُ السُنَّةِ مِنَ الدِّينِ:

- ‌مَثَلٌ مِنْ بَيَانِ السُنَّةِ لِلْقُرْآنِ:

- ‌اسْتِقْلَالُ السُنَّةِ بِالتَشْرِيعِ:

- ‌حُجِيَّةُ السُنَّةِ:

- ‌حَدِيثُ عَرْضِ السُنَّةِ عَلَى القُرْآنِ مَكْذُوبٌ:

- ‌عِنَايَةُ الصَّحَابَةِ بِالأَحَادِيثِ وَالسُّنَنِ:

- ‌النَّهْيُ عَنْ كِتَابَةِ الأَحَادِيثِ فِي العَصْرِ النَّبَوِيِّ:

- ‌كِتَابَةُ الأَحَادِيث بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تَدْوِينُ الأَحَادِيثِ تَدْوِينًا عَامًّا:

- ‌نَشَاطُ حَرَكَةِ التَّدْوِينِ:

- ‌الرِّحْلَةُ فِي سَبِيلِ العِلْمِ:

- ‌الأَطْوَارُ التِي مَرَّ بِهَا تَدْوِينُ الحَدِيثِ:

- ‌عِنَايَةُ المُحَدِّثِينَ بِالنَّقْدِ وَالدِّرَايَّةِ:

- ‌شُرُوطُ الرِّوَايَةِ المَقْبُولَةِ فِي الإِسْلَامِ:

- ‌عِنَايَةُ المُحَدِّثِينَ بِنَقْدِ الأَسَانِيدِ وَالمُتُونِ:

- ‌عِنَايَةُ المُحَدِّثِينَ بِفِقْهِ الأَحَادِيثِ وَمَعَانِيهَا:

- ‌الرِّوَايَةُ بِاللَّفْظِ وَالمَعْنَى:

- ‌نَقْدٌ إِجْمَالِيٌّ لِكِتَابِ أَبِي رَيَّةَ:

- ‌النَّقْدُ التَّفْصِيلِيُّ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ العُلَمَاءَ لَمْ يَعْنُوا بِالأَحَادِيثِ وَالرَدِّ عَلَيْهِ:

- ‌عِنَايَةُ المُحَدِّثِينَ بِنَقْدِ السَّنَدِ وَالمَتْنِ:

- ‌السِرُّ في اتِّئَادِ المُحَدِّثِينَ فِي نَقْدِ المُتُونِ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ الأَحَادِيثَ كُلُّهَا رُوِيَتْ بِالمَعْنَى:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ السَّبَبَ فِي تَوَاتُرِ القُرْآنِ كِتَابَتُهُ:

- ‌اِضْطِرَابُهُ فِي بَيَانِ السُنَّةِ مِنَ الدِّينِ:

- ‌تَجَنِّي المُؤَلِّفِ عَلَى سَيِّدِنَا عُمَرَ وَأَنَّهُ حَبَسَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ رِوَايَةِ الحَدِيثِ:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا»:

- ‌الرِّوَايَةُ بِالمَعْنَى لَمْ تُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى الدِّينِ:

- ‌حَدِيثُ التَّشَهُّدِ لَا اِضْطِرَابَ فِيهِ:

- ‌أَحَادِيثُ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ لَا اِضْطِرَابَ فِيهَا:

- ‌حَدِيثُ «أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» لَا تَحْرِيفَ فِيهِ:

- ‌حَدِيثُ الصَّلَاةِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ:

- ‌تَهَكُّمُ أَبِي رَيَّةَ بالمُحَدِّثِينَ وَتَجْهِيلِهِ لَهُمْ:

- ‌تَحَوُّطُ المُحَدِّثِينَ البَالِغِ فِي الرِّوَايَةِ بِالمَعْنَى:

- ‌اِعْتِمَادُ «أَبِي رَيَّةَ» عَلَى كَلَامِ المُسْتَشْرِقِينَ:

- ‌طَعْنُهُ فِي مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ:

- ‌خَلْطُ أَبِي رَيَّةَ بَيْنَ الوَضْعِ وَالإِدْرَاجِ:

- ‌طَعْنُ أَبِي رَيَّةَ فِي كَعْبِ الأَحْبَارِ وَالرَدِّ عَلَيْهِ:

- ‌طَعْنُهُ فِي وَهْبِ بْنَ مُنَبِّهٍ وَالرَدِّ عَلَيْهِ:

- ‌نَقْدُ المُحَدِّثِينَ لِلإِسْرَائِيلِيَّاتِ:

- ‌مَنْهَجُ أَبِي رَيَّةَ فِي البَحْثِ غَيْرُ عِلْمِيٍّ:

- ‌طَعْنُ أَبِي رَيَّةَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ يَشْهَدُ لَهُ القُرْآنُ الكَرِيمُ:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ الاِسْتِسْقَاءِ بِالعَبَّاسِ رضي الله عنه

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ حَدِيثَ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ…» مِنَ الإِسْرَائِيلِيَّاتِ:

- ‌طَعْنُ أَبِي رَيَّةَ فِي حَدِيثٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَالرَدُّ عَلَيْهِ:

- ‌زَعْمُ أَبِي رَيَّةَ أنَّ فِي الإِسْلَامِ مَسِيحِيَّاتٌ وَطَعْنُهُ فِي تَمِيمِ الدَّارِي:

- ‌حَدِيثُ الجَسَّاسَةِ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ:

- ‌أَحَادِيثُ الدَجَّالِ وَنُزُولُ المَسِيحِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ صَحِيحَةٌ:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ " الصَّحِيحَيْنِ " وَالرَدُّ عَلَيْهِ:

- ‌تَكْذِيبُهُ لأَحَادِيثِ شَقِّ صَدْرِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌أَحَادِيثُ شَقِّ الصَّدْرِ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ:

- ‌أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ

- ‌مَنْزِلَةُ الصَّحَابَةِ فِي الإِسْلَامِ:

- ‌عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ:

- ‌الصَّحَابِيُّ المَظْلُومُ:

- ‌عَدَمُ رِعَايَةِ أََبِي رَيَّةَ لِلأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ:

- ‌اِعْتِمَادُهُ فِي الأَحَادِيثِ عَلَى كُتُبِ الأَدَبِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا:

- ‌مُخَالَفَةُ أَبِي رَيَّةَ لِبَدَائِهِ العُقُولِ:

- ‌إِسْفَافُ أَبِي رَيَّةَ فِي نَقْدِ الصَّحَابِيِّ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌أَمْثِلَةٌ مِنْ هَذَا الإِسْفَافِ فِي النَّقْدِ:

- ‌طَعْنُهُ فِي كَثْرَةِ أَحَادِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌تَجَنَِّيهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَنَّهُ كَانَ مَزَّاحًا مِهْذَارًا:

- ‌مُزَاحُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُزَاحٌ عَالٍ مُفِيدٍ وَذِكْرُ أَمْثِلَةٍ مِنْهُ:

- ‌تَجَنِّيهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِاخْتِلَاقِ الأَحَادِيثِ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مُدَلِّسٌ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَوَّلُ رَاوِيَةِ اتُّهِمَ فِي الإِسْلَامِ:

- ‌تَصَيُّدُهُ رِوَايَاتٍ زَعَمَ أَنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ فِي مَزَاعِمِهِ:

- ‌افْتِرَاءَاتٌ عَلَى العُلَمَاءِ كَيْ يُثْبِتَ تَجْرِيحَ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌أَبُو هُرَيْرَةَ حَافِظٌ وَفَقِيهٌ:

- ‌اِعْتِمَادُ أَبِي رَيَّةَ فِي طُعُونِهِ عَلَى أَقْوَالِ المُسْتَشْرِقِينَ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ كَعْبَ الأَحْبَارِ لَقَّنَ أَبَا هُرَيْرَةَ الأَخْبَارَ المُلَفَّقَةَ المَكْذُوبَةَ:

- ‌اسْتِدْلَالُ أَبِي رَيَّةَ بِحَدِيثٍ مَوْضُوعٍ فِي الطَّعْنِ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌طَعُنُهُ فِي حَدِيثٍ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " بِسَبَبِ سُوءِ فَهْمِهِ لَهُ:

- ‌اسْتِدْلَالُهُ بِحَدِيثٍ فِي رَفْعِهِ نَكَارَةٌ وَوَهْمٌ:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ

- ‌افْتِرَاؤُهُ عَلَى مَالِكٍ فِي إِنْكَارِهِ بَعْضَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تَحْقِيقُ الحَقِّ فِي حَدِيثِ: «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ»:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثٍ فِي " صَحِيحِ البُخَارِيِّ

- ‌زَعْمُهُ فِي حَدِيثٍ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّهُ مِنَ الإِسْرَائِيلِيَّاتِ:

- ‌رَمْيُهُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِضَعْفِ الذَّاكِرَةِ وَاخْتِلَاقِ الأَحَادِيثِ:

- ‌مُتَابَعَةُ المُؤَلِّفِ لِلْمُسْتَشْرِقِينَ فِي كُلِّ مَا زَعَم:

- ‌تَصَيُّدُهُ وَتَحْرِيفُهُ بَعْضَ المَرْوِيَّاتِ كَيْ يُثْبِتَ نِسْيَانَ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌رَدُّ مَزَاعِمِهِ فِي حَدِيثِ «لَا عَدْوَى

- ‌رَدُّ زَعْمِهِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ:

- ‌حَدِيثُ الشِّعْرِ وَتَحْقِيقُ الحَقِّ فِيهِ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ شِعْرًا:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَحْفَظْ القُرْآنَ:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ الوِعَاءَيْنِ وَزَعْمِهِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لأَحَادِيثَ أُخْرَى:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِي طَبَقَاتِ الصَّحَابَةِ وَلَيْسَتْ لَهُ فَضِيلَةٌ وَلَا مَنْقَبَةٌ:

- ‌زَعْمُهُ تَشَيُّعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَالرَدُّ عَلَيْهِ:

- ‌طَعْنُهُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ بِاخْتِلَاقِ الأَحَادِيثَ فِي فَضَائِلِ بَنِي أُمَيَّةَ:

- ‌خِيَانَةُ أَبِي رَيَّةَ لِلأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَضَعَ أَحَادِيثَ فِي ذَمِّ عَلِيٍّ:

- ‌خِيَانَتُهُ فِي النَّقْلِ:

- ‌تَشْكِيكُهُ فِي عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ:

- ‌تَنَاقُضُ أََبِِي رَيَّةَ فِي أَقْوَالِهِ:

- ‌ذِكْرُ أَبِي رَيَّةَ أَحَادِيثَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَعْنُهُ فِيهَا:

- ‌حَدِيثُ الذُّبَابِ وَبَيَانُ أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ نَبَوِيَّةٌ:

- ‌اسْتِشْهَادُهُ لِمَزَاعِمِهِ بِحَدِيثٍ مُنْكَرٍ:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثٍ يُعْتَبَرُ مِنْ مَحَاسِنِ الإِسْلَامِ:

- ‌المُؤَلِّفُ إِمَّعَةً فِيمَا يَقُولُ:

- ‌خَمْسُونَ صَفْحَةً كُلُّهَا سِبَابٌ وَاتِّهَامٌ:

- ‌جَهْلُ أَبِي رَيَّةَ بِاللُّغَةِ:

- ‌تِّهَامُهُ لِلْصِدِّيقِ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُهُ بَعْضَ الأَحَادِيثِ المُشْكِلَةِ:

- ‌حَدِيثُ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ:

- ‌حَدِيثُ سُجُودِ الشَّمْسِ:

- ‌حَدِيثُ الشَّيَاطِينِ المَسْجُونَةِ:

- ‌حَدِيثُ العَجْوَةِ وَكَوْنِهَا دَوَاءٌ:

- ‌حَدِيثُ إِدْبَارِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ سَمَاعِ الأَذَانِ:

- ‌حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه

- ‌تَصْدِيقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ فِي بَعْضِ مَا قَالَ:

- ‌اسْتِشْكَالُهُ حَدِيثَ: «مَتَى تَقُومَ السَّاعَةُ»:

- ‌أَحَادِيثُ المَهْدِيِّ المُنْتَظَرِ:

- ‌أَحَادِيثُ الخُلَفَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ:

- ‌أَحَادِيثُ الدَجَّالِ عِنْدَ أَبِي رَيَّةَ خُرَافَةٌ:

- ‌أَحَادِيثُ تَحْدِيدِ عُمُرِ الدُّنْيَا إِسْرَائِيلِيَّاتٌ بَاطِلَةٌ:

- ‌تَحْرِيفٌ فِي مَعْنَى حَدِيثٍ:

- ‌أَحَادِيثُ الفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ:

- ‌اِسْتِشْهَادُ أَبِي رَيَّةَ بِكَلَامِ السَيِّدْ مُحَمَّد رَشِيدْ رِضَا فِي " تَفْسِيرِهِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَا وَرَدَ فِي كَلَامِ السَيِّدِ مُحَمَّد رَشِيدْ وَأُسْتَاذِهِ الإِمَامِ:

- ‌اِفْتِرَاؤُهُ عَلَى الصَّحَابَةِ بِعَدَمِ عِنَايَتِهِمْ بِجَمْعِ الأَحَادِيثِ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ التَدْوِينَ يَلْزَمُ مِنْهُ التَوَاتُرُ:

- ‌زَعْمُهُ أَنَّ ابْنَ أَبِي سَرَحٍ أَوَّلَ كُتَّاَبِ الوَحْيِ:

- ‌تَخَرُّصَاتٌ لأَبِي رَيَّةَ فِي مَسْأَلَةِ تَدْوِينِ الحَدِيثِ:

- ‌كِتَابَةُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِلأَحَادِيثِ:

- ‌اِسْتِنْتَاجَاتٌ لأَبِي رَيَّةَ بِغَيْرِ مُقَدِّمَاٍت:

- ‌اِفْتِرَاضُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ أَثَارَةٌ مِنْ دَلِيلٍ:

- ‌اِسْتِنْتَاجٌ آخَرَ وَبَيَانُ خَطَئِهِ:

- ‌الصَّحَابَةُ بَشَرٌ وَلَكِنَّهُمْ فِي القِمَّةِ دِينًا وَخُلُقًا:

- ‌مَا حَدَثَ مِنَ الخُلَفَاءِ فِي قَبُولِ المَرْوِيَّاتِ تَحَوُّطٌ وَتَثَبُّتٌ لَا تَكْذِيبٌ:

- ‌زَعْمُ أَبِي رَيَّةَ أَنَّ تَأَخُّرَ التَّدْوِينِ كَانَ لَهُ ضَرَرٌ بَالِغٌ فِي الدِّينِ:

- ‌إِيجَازُهُ المُخِلُّ بِمَبْحَثِ العَدَالَةِ وَالضَّبْطِ لِحَاجَةٍ فِي نَفْسِهِ:

- ‌مُحَاوَلَةُ أَبِي رَيَّةَ التَّشْكِيكَ فِي الرِّوَايَاتِ الآحَاِدَّيِة بَلْ وَالمُتَوَاتِرَةِ:

- ‌رَدُّ المُؤَلِّفِ عَلَى أَبِي رَيَّةَ فِي زَعْمِهِ تَوَاتُرَ صَلْبِ المَسِيحِ عليه السلام

- ‌تَشْكِيكُهُ فِي القَوَاعِدِ المُقَرَّرَةِ وَتَحْرِيفُهُ لِلآيَاتِ:

- ‌رَمْيُهُ لِلْفُقَهَاءِ بِالتَعَصُّبِ لِمَذَاهِبِهِمْ، وَبَيَانُ الحَقِّ فِي هَذَا:

- ‌طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ: «أَلَا إِنَّنِي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»:

- ‌تَحْرِيفُهُ لِكَلَامِ الأَئِمَّةِ بِقَصْدِ التَّقْلِيلِ مِنْ شَأْنِ الأَحَادِيثِ:

- ‌إِفَاضَتُهُ فِي بَيَانِ مَوْقِفِ عُلَمَاءِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَعَدَمِ اِحْتِجَاجِهِمْ بِهَا:

- ‌القَائِلُونَ بِالاِحْتِجَاجِ بِالأَحَادِيثِ عَلَى القَوَاعِدِ النَّحْوِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ:

- ‌نَقْلُهُ عَنْ الإِمَامِ مُحَمَّد عَبْدُهُ إِنْكَارَ حَدِيثِ سِحْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌مِثَالٌ - مِنْ مَثَلٍ - يَدُلُّ عَلَى ضُحُولَةِ أَبِي رَيَّةَ فِي البَحْثِ:

- ‌الحَقُّ عِنْدَ أَبِي رَيَّةَ يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ:

- ‌نَفْيُهُ لِلأَحَادِيثِ المُتَوَاتِرَةِ وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى الحَافِظِ ابْنِ حَجَرَ:

- ‌عِنَايَةُ أَبِي رَيَّةَ بِذِكْرِ المَآخِذِ وَإِخْفَاءِ المَحَاسِنِ:

- ‌اِفْتِرَاؤُهُ عَلَى الإِمَامَيْنِ: البُخَارِيِّ وَابْنِ حَجَرَ:

- ‌ذِكْرُهُ لاِخْتِلَافِ أَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ:

- ‌تَحْمِيلُهُ لِكَلَامِ السَيِّدِ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا مَا لَمْ يَتَحَمَّلْ:

- ‌تَهَكُّمُ أَبِي رَيَّةَ بِذِكْرِ حَدِيثٍ اِتَّفَقَ عَلَيْهِ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ:

- ‌تَهْوِينُ أَبِي رَيَّةَ مِنْ شَأْنِ " الصَّحِيحَيْنِ " بَلْهَ غَيْرِهِمَا:

- ‌طَعْنُهُ فِي " مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ " وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ المَسَانِيدِ:

- ‌طَعْنُهُ فِي المُحَدِّثِينَ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْنُونَ بِغَلَطِ المُتُونِ:

- ‌مُحَاوَلَتُهُ الغَضَّ مِنْ شَأْنِ " صَحِيحِ البُخَارِي

- ‌غَمْزُهُ العُلَمَاءَ فِي قَوْلِهِمْ: «إِنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ» وَاِسْتِخْفَافُهُ بِهِمْ:

- ‌خِيَانَةُ أََبِِي رَيَّةَ لِلأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ:

- ‌تَشْكِيكُهُ فِي عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ:

- ‌سَبْقُ بَعْضِ المُحَدِّثِينَ النُقَّادِ لابِْنِ خَلْدُونَ فِي تَزْيِيفِ بَعْضَ المَرْوِيَّاتِ:

- ‌أَبُو رَيَّةَ طَوَّلَ كِتَابَهُ فِي غَيْرِ طَائِلٍ:

- ‌[القِسْمُ الثَّانِي]: بَعْضُ الشُّبَهِ الوَارِدَةِ عَلَى السُنَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَرَدِّهَا رَدًّا عِلْمِيًّا صَحِيحًا:

- ‌[1] [هَلْ أَدْخَلَ مُسْلِمَةُ أَهْلِ الكِتَابِ أَقْوَالاً مِنَ الإِنْجِيلِ عَلَى أَنَّهَا أَحَادِيثَ

- ‌[2] [رَمْيُهُمْ لِلْمُحَدِّثَينَ وَالطَّعْنِ بِالجُبْنِ وَالخَوْفِ]:

- ‌[3] [قَوْلُهُمْ إِنَّ المُحَدِّثِينَ لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي نَقْدِ المَتْنِ]:

- ‌[4] دَعْوَاهُمْ أَنَّ المُحَدِّثِينَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا كَثِيرًا لِبَحْثِ الأَسْبَابِ السِّيَاسِيَّةِ التِي قَدْ تَحْمِلُ عَلَى الوَضْعِ فِي الحَدِيثِ النَّبَوِي الشَّريفِ:

- ‌[5] تَشْكِيكُ المُسْتَشْرِقِينَ بِأَنَّ الأَحَادِيثَ الدَالَّةَ عَلَى الزَّكَاةِ وَأَنْصِبَتِهَا تُنَاقِضُ الحَقَائِقَ التَّارِيخِيَّةَ:

- ‌[6] دَعْوَاهُمْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ اتَّجَهَ إِلَى تَقْلِيلِ رِوَايَةَ الحَدِيثِ وَالرُّجُوعِ إِلَى القُرْآنِ وَحْدَهُ:

- ‌الجَوَابُ الإِجْمَالِيُّ عَلَى هَذِهِ الاِفْتِرَاءَاتِ وَالشُّبُهَاتِ:

- ‌الجَوَابُ التَّفْصِيلِي عَلَى الشُبَهِ التِي أَثَارَهَا المُسْتَشْرِقُونَ:

- ‌الشُّبْهَةُ الأُولَى:

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةِ:

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الشُّبْهَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌نَظَرِيَّةُ المُسْتَشْرِقِينَ المُعَاصِرِينَ فِي الحَدِيثِ:

- ‌نِهَايَةُ المَطَافِ:

- ‌أُمْنِيَاتٌ وَتَوْصِيَاتٌ:

- ‌أَحَادِيثَ ثَارَتْ حَوْلَهَا شُبَهٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا:

- ‌مَا أُثِيرَ مِنْ شُبُهَاتٍ حَوْلَ حَدِيثِ الذُّبَابِ:

- ‌أَحَادِيثُ سِحْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌نَتَائِجُ البَحْثِ:

- ‌تَوْصِيَاتٌ وَتَمَنِّيَاتٌ:

- ‌الفهرس التحليلي:

- ‌[القِسْمُ الأَوَّلُ]: دِفَاعٌ عَنْ السُنَّةِ وَرَدِّ شُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ وَالكُتَّابِ المُعَاصِرِينَ:

- ‌[القِسْمُ الثَّانِي]: بَعْضُ الشُّبَهِ الوَارِدَةِ عَلَى السُنَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَرَدِّهَا رَدًّا عِلْمِيًّا صَحِيحًا:

الفصل: ‌ما أثير من شبهات حول حديث الذباب:

الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ حِينَ يُولَدُ، إِلَاّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا» واعتباره من المسيحيات التي دست في الأحاديث، إلى غير هذه من الأحاديث التي أثيرت حولها الشبه، والله المستعان، وعليه التكلان.

‌مَا أُثِيرَ مِنْ شُبُهَاتٍ حَوْلَ حَدِيثِ الذُّبَابِ:

هذا الحديث رواه الإمام الجليل البخاري من طريقين:

الطريق الأولى: قال البخاري: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ (1)، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً» وفي رواية " «وَفِي الأُخْرَى شِفَاءً» بزيادة حرف الجر: «فِي» (2).

الطريقة الثانية: قال البخاري: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ - يعني ابن سيعد -، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، مَوْلَى بَنِي

(1) خالد بن مخلد - بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة، وفتح اللام - القَطَوَانِيُّ - بفتح القاف، والطاء، والواو، نسبة إلى قَطَوَانْ موضع بالكوفة، أبو الهيثم الكوفي من كبار شيوخ البخاري روى عنه بالمباشرة وروى عنه بالواسطة.

وقد اختلفوا فيه فمنهم من وَثَّقَهُ، ومنهم من تكلم فيه كالإمام أحمد بن حنبل وقال: له مناكير، وكل ما أخذوه عليه أنه كان يتشيع، والمتشيع لا يُرَدُّ حديثه إلا إذا كان داعية، والحديث يشهد لبدعته. أما إذا لم يكن كذلك فلا، ولا سيما إذا كان معروفًا بالصدق والأمانة كما حقق ذلك الحافظ ابن حجر في " شرح النخبة ". قال الحافظ: وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه، وأوردها في " كامله " وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا

» الحديث. أقول: أما غير هذا الحديث فقد وافقه في روايته غيره كما هنا فقد وافقه قتيبة بن سعيد وهو إمام كبير مُجْمَعٌ على توثيقه، وقد قال فيه الحافظ ابن حجر:«صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ» وهي من مراتب التوثيق عنده، وروى له الأئمة: مسلم والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وأبو داود في " مسند مالك "، فكلام من تكلم فيه معارض بتوثيق هؤلاء [" هدي الساري مقدمة فتح الباري ": ص 400 ط. السلفية، و" تقريب التهذيب ": ج 1 ص 213].

(2)

" صحيح البخاري ": - كتاب بدء الخلق - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم

.

ص: 331

زُرَيْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً» وفي رواية أبي ذر الهروي «وَفِي الأُخْرَى» (1) والحديث رواه اَيْضًا الأئمة: أحمد وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم.

رواية الإمام أحمد:

" الحديث رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وهو ابن سعيد القطان - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ» (2) وسنده صحيح.

وقال أحمد: حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هو ابن أبي هارون - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَأَتَانَا بِزُبْدٍ وَكُتْلَةٍ (3)، [فَأُسْقِطَ] ذُبَابٌ فِي الطَّعَامِ، فَجَعَلَ أَبُو سَلَمَةَ يَمْقُلُهُ بِأُصْبُعِهِ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا خَالُ مَا تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَنِي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَحَدَ جَنَاحَيِ الذُّبَابِ سُمٌّ، وَالآخَرَ شِفَاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» (4) وسنده صحيح.

رواية أبي داود:

والحديث رواه الإمام أبو داود في " سننه " اَيْضًا في: " كتاب الأطعمة - باب في الذباب يقع في الطعام " قال أبو داود: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ - عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ

(1)" صحيح البخاري ": - كتاب الطب - باب إذا وقع الذباب في الإناء.

(2)

" مسند أحمد ": ج 3 ص 34.

(3)

هكذا وقع في الأصل ولعله «كثبة» ، والكثبة - كما في " النهاية " القليل من اللبن.

(4)

" مسند أحمد ": ج 3 ص 67.

ص: 332

عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ فَلْيَغْمِسْهُ كُلُّهُ» (1).

رواية النسائي:

ورواه الإمام النسائي في " سننه " قال:

أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، [عَنْ] أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، [عَنِ النَّبِيِّ] صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا وَقَعَ (2) (*) الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ» (3). والسند صحيح

رواية ابن ماجه:

والحديث رواه الإمام ابن ماجه في " سننه " قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [قَالَ]: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ [قَالَ]: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ - أَيْ الخُدْرِيِّ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«فِي أَحَدِ جَنَاحَيِ الذُّبَابِ سُمٌّ، وَفِي الآخَرِ شِفَاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ، فَامْقُلُوهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» (4) وسنده صحيح.

وقال ابن ماجه: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، [قَالَ]: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ فِيهِ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الآخَرِ شِفَاءً» (5).

(1) انظر " عون المعبود شرح سنن أبي داود ": ج 3 ص 430.

(2)

ورد في الكتاب المطبوع [وَلَغَ] ولغ يلغ من باب نفع ينفع، وفي لغة من باب وعد بعد، وفي أخرى من باب ورث. اهـ. " المصباح المنير " أي شرب بأطراف لسانه، وأكثر ما يستعمل في ولوغ الكلب، وعلى هذا يكون استعماله في الذباب مجازًا، وقيل: ليس شيء من الطيور يلغ غير الذباب.

(3)

" سنن النسائي ": كتاب الفرع والعتيرة - باب الذباب يقع في الإناء: ج 7 ص 178، 179.

(4)

" سنن ابن ماجه ": كتاب الطب - باب يقع الذباب في الإناء.

(5)

المرجع السابق: حديث 3505.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) لم ترد رواية فيها (وَلَغَ) للذباب وإنما ورد ذلك في كتب اللغة. والرواية التي في " سنن النسائي (المجتبى) " ورد فيها (وَقَعَ) وليس (وَلَغَ)، انظر النسائي:" السنن "، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، 7/ 178، - كِتَابُ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ - الذُّبَابُ يَقَعُ فِي الإِنَاءِ، حديث رقم 4262، الطبعة الثانية: 1406 هـ - 1986 م. نشر مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب. كذلك ورد بلفظ (وَقَعَ) في " السنن الكبرى " للنسائي.

ص: 333

رواية الدارمي: (1)

قال الإمام الدارمي: خْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَيْدٍ بْنَ حُنَيْنٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَقَطَ الذُّبَابٌ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» (2).

رواية البزار (3):

رَوَى البَزَّارُ بِسَنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةُ (4) أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَقَعَ ذُبَابٌ فِي إِنَاءٍ فَقَالَ (5) أَنَسٌ بِإِصْبَعِهِ فَغَمَسَهُ فِي الْمَاءِ ثَلاثًا وَقَالَ: بسم الله، وَقَالَ: «إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ» قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَرِجَاله ثِقَات» (6). قَالَ الهَيْثَمِي: «رِجَالُهُ رِجَالِ الصَّحِيحِ» (7)، وَرَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثُمَامَة فَقَالَ:«عَنْ أَبِي هُرَيْرَة» وَرَجَّحَهَا أَبُو حَاتِم، وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ:«الطَّرِيقَانِ مُحْتَمَلَانِ» .

(1) هو شيخ الإسلام بسمرقند أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي وهو صاحب " المسند " و " التفسير " و " الجامع "، و " المسند " مرتب على الأبواب لا على الصحابة وكانت وفاته عام 250 هـ.

(2)

كتاب الأطعمة - باب الذباب يقع في الطعام: ج 2 ص 98.

(3)

هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب " المسند الكبير المعلل "، ارتحل في آخر عمره إلى أصفهان والشام وغيرهما ينشر علمه. توفي بالرملة سَنَةَ اثنتين وتسعين ومائتين.

(4)

هو ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه.

(5)

فقال: أي فعل بإصبعه والقول يطلق على الفعل مجازًا.

(6)

" فتح الباري ": ج 10 ص 250 طبعة السلفية.

(7)

" مجمع الزوائد ": ج 5 ص 38.

ص: 334

الحَدِيثُ صَحِيحٌ وَفِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الصِحَّةِ:

ومن ثم نرى أن الحديث رواه سبعة من أئمة الحديث وسند كل منها صحيح فلا جرم أن أقول: إن حديث الذباب صحيح غاية الصحة، من ناحية السند، وأما من ناحية المتن فقد أثبت الطب الحديث بما لا يدع مجالاً للشك أن الحديث صحيح في معناه.

ولو أن الذين أجروا التجارب على الذباب حتى توصلوا إلى أن في الذباب مادة قاتلة للجراثيم التي تسبب الأمراض كانوا أطباء مسلمين لربما قال قائل: إنهم متحيزون للحديث ولكنهم جميعًا أطباء لا يمتون إلى الإسلام الحنيف بصلة، ولكن البحث وإثراء البحوث الطبية هو الذي حداهم إلى هذا، وكل ما فعله الأطباء المسلمون هو ترجمة ما أجراه الأطباء الأجانب من تجارب وما قاموا به من بحوث من المراجع العالمية فلهم من الله تعالى الجزاء الأوفى. (*).

وقوله: «فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً» : الفاء لتعليل الغمس ثم الطرح، وقد ورد في رواية " أبي داود "«فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ» بالتذكير، وكذلك جاء في بعض روايات " الجامع الصحيح "، وذلك لأن الجناح يذكر ويؤنث فالروايتان صحيحتان، وحقيقة الجناح للطائر ويقال لغيره على سبيل المجاز كما في قوله تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (1).

وقد وقع في رواية " أبي داود " - وصححه ابن حبان - من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة زيادة: «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» أقول: لأنه بمنزلة السلاح له. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري "(2): «وَلَمْ يَقَع لِي فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق [تَعْيِين] الْجَنَاح الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء مِنْ غَيْره، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الأَيْسَر فَعُرِفَ أَنَّ الأَيْمَن هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء، وَالْمُنَاسَبَة فِي ذَلِكَ ظَاهِرَة» . أقول: لأن جهة اليمين يكون فيها الخير، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم

(1)[سورة الإسراء، الآية: 24].

(2)

انظر: " فتح الباري ": ج 10 ص 251، طبعة السلفية.

----------------------

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) ورد في الكتاب المطبوع (أخرجه البزار ورجاله ثقات) وهذا التعليق لا علاقة بما سبق من الكلام، قد يكون خطأ طباعي فتجاوزته.

ص: 335

يحب التيامن في طهوره، وترجله، وفي شأنه كله، أما جهة الشمال ففيها الرمز إلى الشر، وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه ابن ماجه «أَنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» والمراد بالسم ما يحمله من الجراثيم التي تسبب الداء والمرض.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «دَاءٌ» أي سبب داء، «شِفَاءٌ» أي سبب شفاء وهذا كما أيدته وبينته التحليلات الطبية الحديثة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَفِي الآخَرِ شِفَاءٌ» في رواية أبي ذر الهروي أحد رواة " الجامع الصحيح «وَفِي الأُخْرَى» وهي صحيحة لأن الجناح - كما ذكرت آنِفًا يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

وقد جاءت بعض الروايات بدون ذكر حرف الجر: «وَالأُخْرَى شِفَاءً» وكذا جاء في رواية سليمان بن بلال بلفظ: «فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالآخَرِ شِفَاءً» وقد استدل به لمن يجيز العطف على معمولي عاملين مختلفين كالأخفش، وعلى هذا فيقرأ لفظ «الآخَرِ» بالجر، و «شِفَاءً» بالنصب وذلك على عطف الآخر على الأحد، وعطف شفاء على داء والعامل في إحدى حرف الجر «فِي» والعامل في «دَاءً» إن، وهما عاملان في الآخر، وفي شفاء

ص: 336

شَرْحُ حَدِيثِ الذُّبَابِ بِرِوَايَاتِهِ:

قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ

».

الذُّبَابُ: بضم الذال المعجمة وباءين موحدتين مع التخفيف. قال أبو هلال العسكري: الذُّبَابُ واحد والجمع ذباب كغربان والعامة يقولون ذباب للجمع وللواحد ذبابة بوزن قرادة وهو خطأ، وكذا قال أبو حاتم السجستاني: إنه خطأ.

وقال الجوهري اللغوي: الذباب واحده ذبابة، ولا تقل ذُبَانَةٌ، ونقل في " الحكم " عن أبي عبيدة معمر بن المثنى عن خلف الأحمر تجويز ما زعم العسكري أنه خطأ. وعلى هذا تكون ذبابة للواحدة ويجمع على ذباب، وجمع الجمع ذبان في الكثرة وفي القلة أذبة، وحكى سيبويه في الجمع اَيْضًا ذُبٌّ - بضم الذال المعجمة، وتشديد الباء (1)، وللذباب خواص، وصفات عجيبة وسمي ذبابا لكثرة ذبه ودفعه، وقيل لكثرة حركته واضطرابه وقد جاء ذكر الذباب في الكتاب الكريم قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (2). ويحكى أن بعض الخلفاء سأل الإمام الشافعي: لأَي عِلَّةٍ خَلَقَ اللَّهُ الذُّبَابَ؟ فَقَالَ: «مَذَلَّةٌ لِلْمُلُوكِ» ، وكان ألحت عليه ذبابة، وضايقته، فأخذ الجواب من الهيئة الحاصلة.

«إِنَاءِ أَحَدِكُمْ» هكذا جاءت هذه الرواية بلفظ «إِنَاءِ» وفي حديث " بدء الخلق " بدء الخلق المذكور آنفا جاء بلفظ «شَرَابِ» ووقع في حديث أبي سعيد الذي رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان:«إِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ» والتعبير بـ «الإِنَاءِ» أشمل لأنه يدخل تحته الطعام والشراب وسواء فيهما أن يكونا ساخنين أو باردين،

(1) انظر: " القاموس المحيط " مادة «ذَبَّ» ، و " المختار الصحاح " مادة «ذَبَّ» .

(2)

[سورة الحج، الآية: 73].

ص: 337

، وكذلك جاء بلفظ «الإِنَاءِ» في حديث أنس عند البزار.

«فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ» الأمر هنا أمر إرشاد لمقابلة الداء بالدواء، وفائدة قوله «كُلَّهُ» رفع توهم المجاز بغمس بعضه وفي رواية ابن ماجه «فَامْقُلُوهُ فِيهِ» من المقل وهو الغمس قال أبو عبيد:«أي اغمسوه في الطعام أو الشراب ليخرج الشفاء كما أخرج الداء وذلك بإلهام الله تعالى» .

«ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ» في رواية سليمان بن بلال التي في بدء الخلق «ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ» وقد وقع في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَقَعَ ذُبَابٌ فِي إِنَاءٍ فَقَالَ (1) أَنَسٌ بِإِصْبَعِهِ فَغَمَسَهُ فِي الْمَاءِ ثَلاثًا وَقَالَ: بسم الله، وَقَالَ: «إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ» .

وسيبويه لا يجيز ذلك ويقول: إن حرف الجر حذف وبقي العمل، وقد وقع ذكره صريحًا في الرواية الأخرى «وَفِي الأُخْرَى شِفَاءً» ويجوز أن يقرأ بالرفع فيهما يعني:«وَالآخَرِ شِفَاءٌ» على الاستئناف ويكون الآخر مبتدأ، وشفاء خبر.

الحَدِيثُ صَحِيحٌ سَنَدًا وَمَتْنًا:

ومما ذكرناه من الروايات في " صحيح البخاري " وفي كتب " سنن أبي داود السجستاني "، و" النسائي "، و " ابن ماجه "، و" ابن حبان " و " البزار " وغيرهم يتبين لكل منصف وباحث ينشد الحق ويطلبه أن حديث الذباب روي من طرق عدة وعن غير واحد من الصحابة.

ولم أجد لأحد من النقاد وأئمة الحديث طَعْنًا في سنده فهو في درجة عالية من الصحة، وكل ما وقع فيه من الطعن من بعض المتساهلين والجهلاء والمبتدعة إنما هو من جهة متنه ومدلوله وذلك بأن قالوا:

«كيف يكون الذباب الذي هو مباءة الجراثيم ويقع على القذارات فيه دواء؟

(1) ففعل أو أشار والقول يستعمل في الفعل وفي الإشارة وذلك كثير في الأحاديث.

ص: 338

وكيف يجمع الله الداء والدواء في الشيء الواحد؟ وهل الذباب يعقل حتى يقدم أحد الجناحين على الآخر؟!»!!!.

وهذا الحديث من الأحاديث التي أثيرت حولها الشبه من قديم الزمان فقد ذكره الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ رحمه الله وَأَثَابَهُ -، ولم يزد في الرد من أنه قال إن الحديث صحيح وإنه قد روي بغير هذه الألفاظ وذكر بسنده رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وقد ذكرتها آنفا.

ثم ذكر أن الطعن في الأحاديث بغير وجه حق يعتبر إنسلاخًا من الإسلام وتعطيلاً للأحاديث، وأن دفع الأخبار والآثار مخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولما درج عليه الخيار من صحابته والتابعين (1).

وبحسبه من الخير أنه أنكر على الطاعنين بلسانه، وبقلبه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يثيبه على غيرته على الأحاديث والسنن.

رَدُّ العُلَمَاءِ الأَوَائِلِ أَثَابَهُمْ اللهُ تَعَالَى:

وقد بذل بعض علمائنا الأوائل - أَثَابَهُمْ اللهُ - الجهد في رَدِّ هَذِهِ الشُّبَهِ فقال الإمام حَمَدُ بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البُسْتِيُّ أحد الأئمة الجماعين بين المعقول والمنقول المُتَوَفَّى سنة 388هـ: «تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَقَالَ: كَيْفَ يَجْتَمِعُ الشِّفَاءَ وَالدَّاءَ فِى جَنَاحَيْ الذُّبَابِ، وَكَيْفَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُقَدِّمَ جَنَاحَ الدَّاءِ (2)، وَيُؤَخَّرَ جَنَاحُ الشِّفَاءِ؟ وَمَا أَلْجَأَهُ إِلَى ذَلِكَ؟.

قال: «وَهَذَا سُؤَالُ جَاهِلٍ أَوْ مُتَجَاهِلٍ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الحَيَوَانِ قَدْ جَمَعَ الصِّفَاتِ الْمُتَضَادَّةِ. وَقَدْ أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنهَا وَقَهَرَهَا عَلَى الاجْتِمَاعِ وَجَعَلَ مِنْهَا قُوَى

(1)" تأويل مختلف الحديث ": ص 228، 229.

(2)

" فتح الباري ": جـ 10 ص 252: «حَتَّى يُقَدِّم جَنَاح الشِّفَاء» . وهو خطأ فصححته إلى ما ذكرته والظاهر أن في الشرح سقطًا، وقد جاء الاعتراض في " تأويل مختلف الحديث " على الصحة والله أعلم.

ص: 339

الحَيَوَانِ، وَإِنَّ الَّذِي أَلْهَمَ النَّحْلَةَ اِتِّخَاذَ البَيْتِ الْعَجِيبِ الصَّنْعَةِ لِلتَّعْسِيلِ فِيهِ، وَأَلْهَمَ النَّمْلَةَ أَنْ تَدَّخِرَ قُوتَهَا أَوَانَ حَاجَتِهَا، وَأَنْ تَكْسِرَ الحَبَّةَ نِصْفَيْنِ لِئَلَاّ تَسْتَنْبِتَ، لَقَادِرٌ عَلَى إِلْهَامِ الذُّبَابَة أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وَتُؤَخِّرَ آخَرَ» (1).

وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: المُتَوَفَّى سَنَةَ 597 هـ، سبع وتسعين وخمسمائة وألف للهجرة:«مَا نُقِلَ عَنْ هَذَا الْقَائِل لَيْسَ بِعَجِيبٍ، فَإِنَّ النَّحْلَة تُعَسِّلُ مِنْ أَعْلَاهَا وَتُلْقِي السُمَّ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَالْحَيَّةُ الْقَاتِلُ سُمُّهَا تَدْخُل لُحُومَهَا فِي التِّرْيَاقِ الَّذِي يُعَالَجُ بِهِ السُمَّ، وَالذُّبَابَةُ تُسْحَقُ مَعَ الإِثْمِد (2) لِجَلَاءِ البَصَر» .

وَذَكَرَ بَعْضُ حُذَّاقِ الأَطِبَّاءِ: «أَنَّ فِي الذُّبَابِ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الوَرَم وَالحَكَّةَ الْعَارِضَةَ عَنْ لَسْعِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ لَهُ، فَإِذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِيمَا يُؤْذِيهِ تَلَقَّاهُ بِسِلَاحِهِ، فَأَمَرَ الشَّارِعُ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الجَنَاحِ الآخَرَ مِنْ الشِّفَاءِ فَتَتَقَابَلُ المَادَّتَانِ فَيَزُولُ الضَّرَرُ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى» . (3).

وقال الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة:

«وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الذُّبَابِ عِنْدَهُمْ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ، وَالْحِكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلاحِ، فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيهِ، اتَّقَاهُ بِسِلَاحِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي جَنَاحِهِ الآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ، فَيُغْمَسُ كُلُّهُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، فَيُقَابِلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النَّافِعَةُ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا، وَهَذَا طِبٌّ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ كِبَارُ الأَطِبَّاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ، بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ الْعَارِفُ الْمُوَفَّقُ يَخْضَعُ لِهَذَا الْعِلَاجِ، وَيُقِرُّ لِمَنْ جَاءَ

(1)" فتح الباري ": جـ 10 ص 251، 252.

(2)

هو حجر أسود يميل إلى الزرقة يدق فيكتحل به.

(3)

" فتح الباري ": جـ 10 ص 252.

ص: 340

بِهِ بِأَنَّهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ، وَأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِوَحْيٍ إِلَهِيٍّ خَارِجٍ عَنِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إِذَا دُلِكَ مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا، وَسَكَّنَهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَاّ لِلْمَادَّةِ الَّتِي فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ، وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ الْمُسَمَّى شَعْرَةً بَعْدَ قَطْعِ رُؤُوسِ الذُّبَابِ [أَبْرَأَهُ](1).

الطِبُّ النَّبَوِيُّ مِمَّا أُوحِيَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

وقبل أن أذكر رأي الطب الحديث في حديث الذباب أحب أن أقول: إنني لست مع النابتة التي نبتت - وبعضهم من أهل العلم - فزعمت أن الطب النبوي من قبيل الأمور الدنيوية التي يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم فيها الخطأ، ويجعلونه من قبيل قصة تأبير النخل التي رواها الإمام مسلم في " صحيحه " عن أنس «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ - يعني النخل بوضع طلع الذكر على طلع الأنثى - فَقَالَ:" لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ ". قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا (2)، فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ:" مَا لِنَخْلِكُمْ؟ " قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: " أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ "».

وفي الرواية الأخرى عن رَافِعٍ بْنُ خَدِيجٍ قال: قَالَ: قَدِمَ [نَبِيُّ اللهِ] صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ (3) النَّخْلَ، يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ، فَقَالَ:«مَا تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَالَ:«لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا» فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ (4)، قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ

(1)" زاد المعاد في هدي خير العباد ": جـ 4 ص 111.

(2)

هو البسر الرديء الذي إذا يبس صار حسفًا.

(3)

يقال: أبر يأبر ويأبر - بكسر الباء الموحدة وضمها - كبذر يَبْذِرُ ويقال اَيْضًا: أَبَّرَ - بفتح الباء الموحدة المشددة - يُؤَبِّرُ تَأْبِيرًا وهو إدخال شيء من طلع النخلة الذكر في طلع الأنثى فتثمر بإذن الله تعالى.

(4)

«فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ» أي فأسقطت ثمرها. قال أهل اللغة: ويقال لذلك المتساقط النفض كالخبط =

ص: 341

دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ [رَأْيِي](1)، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ».

ولا أدري كيف يُقَالُ ذلك في حديث الذباب مع قوله صلى الله عليه وسلم فيه: «فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الآخَرِ دَوَاءً» ؟ وقد أتى رسول الله بـ «إِنَّ» التي هي للتأكيد!!!.

وكيف يكون هذا الأسلوب المؤكد من قبيل الظن والتخمين في أمر دنيوي؟!.

بل كيف يكون قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ» رواه الشيخان من قبل الظن والتخمين في أمر دنيوي؟!.

وفرق كبير في الأسلوب بين هذين الحديثين وأمثالهما من أحاديث الطب، وبين قصة تأبير النخل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقها مساق القطع واليقين وإنما ساقها مساق الرجاء «لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا» .

ومعظم أحاديث الطب - إن لم تكن كلها - إنما ساقها النبي صلى الله عليه وسلم مساق القطع واليقين مما يدل على أنها بوحي من الله سبحانه وتعالى.

والطب طبان: طب القلوب والأديان، وبه جاء الأنبياء والمرسلون - عَلَيْهِمْ الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وطب الأبدان، وهذا نوعان: نوع روحاني كالرقى والدعوات، ونوع مادي جسماني كالاستشفاء بالعسل والتمر والقسط الهندي والحبة السوداء والكمأة ونحوها.

= بمعنى المخبوط، وأنفض القوم فنى زادهم و «أَوْ» للشك.

(1)

قال العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم «مِنْ رَأْيِي» أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع، فأما ما قاله باجتهاده ورآه شرعًا فيجب العمل به وليس تأبير النخل من هذا النوع بل من هذا النوع المذكور قبله.

قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبرًا وإنما كان ظنا كما بينه في هاتين الروايتين والله أعلم.

ص: 342

ووظيفة النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وبالذات هو طب القلوب والأديان، ولكن شريعته وَسُنَّتُهُ قد اشتملت على الكثير من طب الأبدان سواء أكان روحانيًا أم جسمانيًا، وليس أدل على ذلك مما اشتمل عليه الصحيحان:" صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " وغيرهما من كتب الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع من " كتاب الطب " ضمن كتبها، وقد جمع بعض العلماء المحدثين في ذلك كتبًا مستقلة، ككتاب " الطب النبوي " لأبي نعيم، وكتاب " الطب النبوي " للسيوطي، وكتاب " الطب النبوي " لابن القيم.

والذي يهمني من كل هذا أن أنزع من نفوس النابتة التي نبتت فزعمت أن الطب النبوي من قبيل الأمور الدنيوية التي تحتمل الخطأ والصواب - هذا الزعم الباطل الذي لم يقم عليه دليل، بل قامت ضده كثير من الأدلة.

ففي حديث أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ، فَقَالَ:«اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ:«اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ - يعني فلم يبرأ - فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلاً» فَسَقَاهُ - يعني في المرة الرابعة - فَبَرَأَ. أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي

ويعجبني في هذا المقام ما قاله الإمام أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية قال رحمه الله وأثابه: «وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَاهُنَا أَمْرًا آخَرَ نِسْبَةُ طِبِّ الأَطِبَّاءِ إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ طِبِّ الطَّرْقِيَّةِ (1) وَالْعَجَائِزِ إِلَى طِبِّهِمْ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ حُذَّاقُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [بِالطِّبِّ] مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ قِيَاسٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ تَجْرِبَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ إِلْهَامَاتٌ، وَمَنَامَاتٌ، وَحَدْسٌ صَائِبٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أُخِذَ كَثِيرٌ مِنْهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ» .... إلى أن قال:

(1) يريد بعض المتصوفة الذين لا علم لهم بالطب.

ص: 343

وَأَيْنَ [يَقَعُ] هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ، فَنِسْبَةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الطِّبِّ إِلَى هَذَا الْوَحْيِ كَنِسْبَةِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُلُومِ إِلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الأَنْبِيَاءُ بَلْ هَاهُنَا مِنَ الأَدْوِيَةِ الَّتِي تَشْفِي مِنَ الأَمْرَاضِ مَا لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا عُقُولُ أَكَابِرِ الأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهَا عُلُومُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ وَأَقْيِسَتُهُمْ مِنَ الأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ، وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَقُوَّةِ الْقَلْبِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالالْتِجَاءِ إلَيْهِ، وَالانْطِرَاحِ وَالانْكِسَارِ بَيْنَ يَدْيِهِ، وَالتَّذَلُّلِ لَهُ، وَالصَّدَقَةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالاسْتِغْفَارِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّفْرِيجِ عَنِ الْمَكْرُوبِ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَدْوِيَةَ قَدْ جَرَّبَتْهَا الأُمَمُ عَلَى اخْتِلَافِ أَدْيَانِهَا وَمِلَلِهَا، فَوَجَدُوا لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي الشِّفَاءِ مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمُ أَعْلَمِ الأَطِبَّاءِ، وَلَا تَجْرِبَتُهُ، وَلَا قِيَاسُهُ.

وَقَدْ جَرَّبْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْ هَذَا أُمُورًا [كَثِيرَةً]، وَرَأَيْنَاهَا تَفْعَلُ مَا لَا تَفْعَلُ الأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ، بَلْ تَصِيرُ الأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ عِنْدَهَا بِمَنْزِلَةِ أَدْوِيَةِ الطَّرْقِيَّةِ، عِنْدَ الأَطِبَّاءِ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَانُونِ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ، لَيْسَ خَارِجًا عَنْهَا، وَلَكِنَّ الأَسْبَابَ مُتَنَوِّعَةٌ، فَإِنَّ الْقَلْبَ مَتَى اتَّصَلَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَمُدَبِّرِ الطَّبِيعَةِ وَمُصَرِّفِهَا عَلَى مَا يَشَاءُ كَانَتْ لَهُ أَدْوِيَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الأَدْوِيَةِ الَّتِي يُعَانِيهَا الْقَلْبُ الْبَعِيدُ مِنْهُ الْمُعْرِضُ عَنْهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الأَرْوَاحَ مَتَى قَوِيَتْ، وَقَوِيَتِ النَّفْسُ وَالطَّبِيعَةُ تَعَاوَنَا عَلَى دَفْعِ الدَّاءِ وَقَهْرِهِ، فَكَيْفَ يُنْكَرُ لِمَنْ قَوِيَتْ طَبِيعَتُهُ وَنَفْسُهُ، وَفَرِحَتْ بِقُرْبِهَا مِنْ بَارِئِهَا، وَأُنْسِهَا بِهِ، وَحُبِّهَا لَهُ، وَتَنَعُّمِهَا بِذِكْرِهِ، وَانْصِرَافِ قُوَاهَا كُلِّهَا إلَيْهِ، وَجَمْعِهَا عَلَيْهِ، وَاسْتِعَانَتِهَا بِهِ، وَتَوَكُّلِهَا عَلَيْهِ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهَا مِنْ أَكْبَرِ الأَدْوِيَةِ، وَأَنْ تُوجِبَ لَهَا هَذِهِ الْقُوَّةُ دَفْعَ الأَلَمِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يُنْكِرُ هَذَا إِلَاّ أَجْهَلُ النَّاسِ، وَأَغْلَظُهُمْ حِجَابًا، وَأَكْثَفُهُمْ نَفْسًا، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ حَقِيقَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ أَزَالَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ دَاءَ اللَّدْغَةِ عَنِ اللَّدِيغِ الَّتِي رُقِيَ بِهَا، فَقَامَ حَتَّى كَأَنَّ مَا بِهِ قَلَبَةٌ (1).

فَهَذَانِ نَوْعَانِ مِنَ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ، نَحْنُ بِحَوْلِ اللَّهِ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمَا بِحَسْبِ الْجَهْدِ وَالطَّاقَةِ، وَمَبْلَغِ عُلُومِنَا الْقَاصِرَةِ، وَمَعَارِفِنَا الْمُتَلَاشِيَةِ جِدًّا، وَبِضَاعَتِنَا الْمُزْجَاةِ، وَلَكِنَّا

(1) القَلَبَةُ: داء أو ألم يتقلب منه صاحبه.

ص: 344

نَسْتَوْهِبُ مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَنَسْتَمِدُّ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهُ الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ» (1).

رَأْيُ الطِبِّ الحَدِيثِ فِي حَدِيثِ الذُّبَابِ:

وقد شاء ربك العالم بما كان وبما يكون أن يظهر سر هذا الحديث، وأن يتوصل بعض نطس (2)(*) الأطباء إلى أن في الذباب مادة قاتلة للميكروبات فبغمسه في الإناء تكون هذه المادة سَبَبًا في إبادة ما يحمله الذباب من الجراثيم التي ربما تكون عالقة به، أو تكون في جوفه، وبذلك أصبح ما قاله العلماء الأقدمون - تَجْوِيزًا - حقيقة مقررة.

مُحَاضَرَةٌ قَيِّمَةٌ لأَحَدِ الأَطِبَّاءِ المُسْلِمِينَ فِي " جَمْعِيَّةِ الهِدَايَةِ الإِسْلَامِيَّةِ ":

وإليكم ما ذكره أحد الأطباء المصريين العصريين في محاضرة بـ " جمعية الهداية الإسلامية "(3) بالقاهرة قال رحمه الله رَحْمَةً وَاسِعَةً -:

يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضها بأطرافه، ويأكل بعضًا آخر، فتتكون في جسمه مادة سامة يسميها علماء الطب «مبعد البكتيريا» وهي تقتل كثيرًا من جراثيم الأمراض، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية، أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتيريا هذا، وأن هناك خاصية في أحد الجناحين هي أنه يحول مبعد البكتيريا إلى ناحيته.

وعلى هذا إذا سقط الذباب في طعام أو شراب وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه فإن أقرب مبعد لتلك الجراثيم وأول واق منها هو مبعد البكتيريا الذي يحمله الذُّبَابُ

(1)" زاد المعاد في هدي خير العباد ": جـ 4 ص 11، 12.

(2)

.....................

(3)

هي جمعية كانت تقوم بنشاط كبير في الدعوة إلى الله، والمنافحة عن الإسلام. وكان رئيسها أستاذنا الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين، الذي تولى مشيخة الأزهر الشريف حقبة من الزمن، وكنت أحد أعضائها وكانت لها مجلة وكنت أشترك في تحريرها.

----------------------

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) لم يقع التعليق على الهامش رقم (2). نطس: رَجُلٌ نَطْس ونَطُسٌ ونَطِسٌ ونَطِيس ونِطاسِيٌّ: عَالِمٌ بالأُمور حَاذِقٌ بِالطِّبِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ بِالرُّومِيَّةِ النِّسْطاسُ، يُقَالُ: مَا أَنْطَسَه

والنُّطُسُ: الأَطباء الحُذَّاق. وَرَجُلٌ نَطِس ونَطُس: لِلْمُبَالِغِ فِي الشَّيْءِ. وتَنَطَّسَ عَنِ الأَخبار: بَحَثَ. وَكُلُّ مُبالغ فِي شَيْءٍ مُتَنَطِّس. وتَنَطَّسْتُ الأَخبار: تَجَسَّسْتُها. والنَّاطِسُ: الْجَاسُوسُ. وتَنَطَّس: تَقَزَّزَ وتَقَذَّرَ. والتَنَطُّسُ: الْمُبَالَغَةُ فِي التَّطَهُّرِ. والتَنَطُّس: التَقَذُّرُ]. انظر: " لسان العرب " لابن منظور: 6/ 232، الطبعة الثالثة: 1414 هـ، نشر دار صادر - بيروت.

ص: 345

في جوفه قريبًا من أحد جناحيه، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه وقد استشهد بما جاء في أحد المجلات الطبية المتخصصة فقال:

" مَجَلَّةُ التَّجَارِبِ الطِبِيَّةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ ":

«وقد جاء في مجلة التجارب الطبية الإنجليزية عدد 1307 سَنَةَ 1927 ما ترجمته: لقد أطعم الذباب من زرع ميكروبات بعض الأمراض، وبعد حين من الزمن ماتت تلك الجراثيم واختفى أثرها وَتَكَوَّنَ في الذباب مادة سَامَّةً تسمى " بكتريوفاج " ولو عملت خلاصة من الذباب لمحلول ملحي لاحتوت على " بكتريوفاج التي يمكنها إبادة أربعة أنواع من الجراثيم المولدة للأمراض.

وقد كتب بعض الأطباء الغربيين نحو ذلك، وبذلك ظهر أن هذا الحديث الذي انتقده بعض ضعفاء الدين وذوي الأهواء والملاحدة وَعَدُّوهُ حَدِيثًا مَوْضُوعًا من أظهر المعجزات العلمية على صدق الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -».

" كَلِمَةُ الطِبِّ المُعَاصِرِ وَالأَحْدَاثِ ":

ولما ثارت عجاجة الخلاف في مصر القاهرة بين علماء الحديث والدين المنتصرين للحديث والمدافعين عنه، وبين بعض الأطباء الذين علموا ظاهرًا من الحياة الدنيا المكذبين لأن يكون في الذباب دواء، وقد استمرت هذه المعركة الكلامية بضعة شهور، ما بين " مجلة الدكتور " وغيرها من المجلات الإسلامية كمجلة " الأزهر " ومجلة " لواء الإسلام " - قيض الله للحديث من ينافح عن صحة الحديث وصدق معناه من الأطباء أنفسهم وبذلك «قطعت جهيزة قول كل خطيب» وقد كتب طبيبان فاضلان (1) ونطاسيان بارعان من نطس الأطباء بَحْثًا قَيِّمًا جِدًّا حول حديث الذباب مُدَعَّمًا بالأدلة، وَذَكَرَا المراجع العلمية التي رَجَعَا إليها في إثبات صدق هذا الحديث بما لا يدع مجالاً للشك وإليكم هذا البحث المدعم بالتجارب بنصه.

(1) سيأتي اسمهما عن كثب، وكنا نود من الأطباء الذين تطاولوا على الحديث بألسنة حِدَادٍ أن يكونوا مثل هذين الطبيبين البارعين وأن لا يدسوا أنوفهم فيما لا علم لهم به {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33]، [الزمر: 23، 36]، [غافر: 33].

ص: 346

" كَلِمَةُ الطِبِّ فِي حَدِيثِ الذُّبَابِ ": (1)

البحوث والمراجع العلمية تؤيد الحديث الشريف: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، [ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ]، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً» .

" تحقيق علمي د. محمود كمال، ود: محمد عبد المنعم حسين ":

كثر التعرض لهذا الحديث، وخصوصًا من جانب أطباء مكذبين للحديث، لعلمهم بأن الذباب ينقل العدوى والجراثيم الحاملة للمرض، ونحن نعلم أن من الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو صحيح، وما هو مكذوب، وكان على فقهاء الحديث أَنْ يُبَيِّنُوا الصحيح، ويستبعدوا المكذوب (2)، وتمسك رجال الحديث والفقهاء الأعلام بصحة الحديث لاستناده للثقات من الرواة وتمسك بعض الأطباء بالناحية الصحية وكذبوا الحديث، وكنا نود أن نفهم الحديث على أسس ثلاثة:

[1]

عدم التعرض لصحة الحديث فهذا من اختصاص فقهاء الحديث، والعلماء الذين درسوا العلم والحديث، وهم أعلم كيف يستبعدون الأحاديث المكذوبة.

[2]

محاولة البحث العلمي بافتراض صحة الحديث للوصول إلى حقائق أنبأنا عنها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (3) قرآن كريم.

[3]

عدم الخوض في موضوع مادة الحديث قبل الرجوع إلى المراجع العلمية الكافية عن الحشرات، وعن طفيليات الحشرات، لهذا رأينا بعد قراءة الموضوع والمجادلات المتبادلة بين الفريقين في الصحف والمجلات منذ مدة طويلة أن نحاول

(1) نشر هذا البحث القيم في " مجلة الأزهر "، عدد رجب لسنة 1378 هـ.

(2)

أقول: وهذا هو ما قام به أئمة الحديث وعلماء النقد كما بينت ذلك بالدليل في هذا الكتاب.

(3)

[سورة النجم، الآيتان: 3، 4].

ص: 347

أن نرد الحق إلى نصابه، ذلك أن بعضنا بعد قراءة آراء فقهاء الحديث عن صحة الحديث، لم يتردد في تصديقه وحاول أن يرجع إلى المراجع العلمية التي تؤيد صحة الحديث.

مَا جَاءَ فِي المَرَاجِعِ العِلْمِيَّةِ:

وقد جاء في المراجع العلمية أن الأستاذ الألماني " بريفيلد " من جامعة " هال " بألمانيا وجد في عام 1871 م أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الطفيليات سماها: " أموزا موسكي " من عائلة " أنتر موفترالي " من تحت فصيلة " سيجومايسيس " من فصيلة " فيكو مايسيس "، ويقضي هذا الفطر حياته في الطبقة الدهنية داخل بطن الذبابة، على شكل خلايا خميرة مستديرة، ثم يستطيل ويخرج على نطاق البطن بواسطة الفتحات التنفسية، أو بين المفاصل البطنية وفي هذه الحالة يصبح خارج جسم الذبابة، وهذا الشكل يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر، وتتجمع بذور الفطر في داخل الخلية إلى قوة معينة تمكن الخلية من الانفجار وإطلاق البذور خارجها، وهذا سيكون بقوة دفع شديدة لدرجة تطلق البذور إلى مسافة حوالي 2سم من الخلية بواسطة انفجار الخلية، واندفاع السائل على هيئة رشاش ويوجد دائمًا حول الذبابة الميتة والمتروكة على الزجاج مجال من البذور لهذا الفطر ورؤوس الخلية المستطيلة التي يخرج منها البذور موجودة حول القسم الثالث والأخير من الذبابة على بطنها وظهرها، وهذا القسم الثالث، أو الأخير دائمًا يكون مرتفعًا عندما تقف الذبابة على أي مسند لتحفظ توازنها، واستعدادها للطيران، والانفجار كما ذكرنا يحدث بعد ارتفاع ضغط السائل داخل الخلية المستطيلة إلى قوة معينة، وهذا قد يكون مسببًا من وجود نقطة زائدة من السائل حول الخلية المستطيلة وفي وقت الانفجار يخرج من السائل والبذور جزء من السيتوبلازم من الفطر.

كما ذكر الأستاذ " لانجيرون " أكبر الأساتذة في علم الفطريات في عام 1945 م أن هذه الفطريات كما ذكرنا تعيش في شكل خميرة مستديرة داخل أنسجة الذبابة وهي تفرز أنزيمات قوية تحلل، وتذيب أجزاء الحشرة الحاملة للمرض ومن

ص: 348

جهة أخرى تم في سَنَةِ 1947 م عزل مادة مضادة للحيوية بواسطة " آدنشتين " و " كوك " من إنجلترا، و " رولبوس " من سويسرا في سَنَةِ 1950 م تسمى:" جافاسين " من فطر من نفس الفصيلة التي ذكرناها، والتي تعيش في الذبابة، وهذه المادة المضادة للحيوية تقتل جراثيم مختلفة، من بينها الجراثيم السالبة والموجبة لصبغة جرام، وجراثيم الدوسنتاريا والتيفويد، وفي سنة 1948 م عزل " بريان " و " كورنيس " و " هيمخ " و " حيفيريس " و " مايكون " من بريطانيا مادة مضادة للحيوية تسمى:" كلوتينيزين " من فطريات من نفس فصيلة الفطر الذي يعيش في الذبابة، وتؤثر على الجراثيم السالبة لصبغة جرام من بينها جراثيم الدوسنتاريا والتيفويد.

وفي سنة 1949 م عزل " كوكس " و " فارمر " من انجلترا، و " حرمان " و " دوث ". و " أتلنجر " و " بلاتنر " من سويسرا مادة مضادة للحيوية، تسمى " أنياتين " من فطريات من صنف الفطر الذي يعيش في الذبابة، تؤثر بقوة شديدة على جراثيم جرام موجب، وجرام سالب، وعلى بعض فطريات أخرى ومن بينها جراثيم الدوسنتاريا، والتيفويد، والكوليرا.

ولم تدخل هذه المواد المضادة للحيوية بعد الاستعمال الطبي، ولكنها فقط من العجائب العلمية لسبب واحد، وهو أنها بدخولها بكميات كبيرة في الجسم قد تؤدي إلى حدوث بعض المضاعفات، بينما قوتها شديدة جِدًّا، وتفوق جميع مضادات الحيوية المستعملة في علاج الأمراض المختلفة، وتكفي كمية قليلة جِدًّا لمنع معيشة، أو نمو جراثيم التيفويد، والدوسنتاريا، والكوليرا، وما يشبهها.

وفي سَنةَ ِ1947 م عزل " موفنيش " مواد مضادة للحيوية من مزرعة الفطريات الموجودة على جسم الذبابة، ووجد أنها ذات مفعول قوي في بعض الجراثيم السالبة لصبغة جرام مثل جراثيم التيفويد، والدوسنتاريا وما يشبهها وبالبحث عن فائدة الفطريات لمقاومة الجراثيم التي تسبب أمراض الحميات التي يلزمها وقت قصير للحضانة وجد أن واحد جرام من هذه المواد المضادة للحيوية يمكن أن يحفظ أكثر من 100 لتر لبن من التلوث من الجراثيم المرضية المزمنة، وهذا أكبر دليل على

ص: 349

القوة الشديدة لمفعول هذه المواد.

أما بخصوص تلوث الذباب بالجراثيم المرضية كجراثيم " الكوليرا " و " التفويد " و " الدوسنتاريا " وغيرها التي ينقلها الذباب بكثرة. فمكان هذه الجراثيم يكون فقط على أطراف أرجل الذبابة أو في بُرَازِهَا وهذا ثابت في جميع المراجع البكتريولوجية، وليس من الضروري ذكر أسماء المؤلفين أو المراجع لهذه الحقيقة المعلومة.

ويستدل من كل هذا على أنه إن وقعت الذبابة على الأكل فستلمس الغذاء بأرجلها الحاملة للميكروبات المرضية: التيفويد، أو الكوليرا، أو الدوسنتاريا، أو غيرها وإذا تبرزت على الغذاء سيلوث الغذاء اَيْضًا كما ذكرنا بأرجلها.

أما الفطريات التي تفرز المواد المضادة للحيوية والتي تقتل الجراثيم المرضية الموجودة في براز الذبابة وفي أرجلها - فتوجد على بطن الذبابة ولا تنطلق مع سائل الخلية المستطيلة من الفطريات، والمحتوي على المواد المضادة للحيوية إلا بعد أن يلمسها السائل الذي يزيد الضغط الداخلي لسائل الخلية، ويسبب انفجار الخلية المستطيلة، واندفاع البذور والسائل.

نَتِيجَةُ البَحْثِ المُوَفَّقَةِ:

وبذلك يحقق العلماء بأبحاثهم تفسير الحديث النبوي الذي يؤكد ضرورة غمس الذبابة كلها في السائل، أو الغذاء إذا وقعت عليه لإفساد أثر الجراثيم المرضية التي تنقلها بأرجلها أو ببرازها، وكذلك يؤكد الحقيقة التي أشار إليها الحديث، وهي: أن في أحد جناحيها داء أي (أحد أجزاء جسمها الأمراض المنقولة بالجراثيم المرضية التي حملتها) وفي الآخر شفاء وهو المواد المضادة للحيوية التي تفرزها الفطريات الموجودة على بطنها والتي تخرج وتنطلق بوجود سائل حول الخلايا المستطيلة للفطريات.

ص: 350

تَعْلِيقِي عَلَى هَذَا البَحْثِ المُدَعَّمِ بِالمَرَاجِعِ وَالتَّجَارِبِ:

وإنها - وَأَيْمُ الحَقِّ - لنتيجة موفقه حَقًّا، وقاطعة في الدلالة على صدق هذا الحديث الذي طَبَّلَ من أجله أعداء السنن والأحاديث وَزَمَّرُوا من أمثال النظام وأتباعه من المستشرقين، والقساوسة وبعض أرقاء الدين من المسلمين وما ذهب إليه الدكتوران الكبيران، والطبيبان النطاسيان، مِنْ حَمْلِ أَحَدِ الجَنَاحَيْنِ الذي فيه الداء على بعض أجزاء جسم الذبابة، وحمل الجناح الآخر الذي فيه الدواء على ما يوجد على بطنها من الفطريات وهي المواد المضادة للحيوية والقاتلة للجراثيم والتي تنطلق وتخرج بسبب وجود سائل حول الخلايا المستطيلة للفطريات. لتأويل قريب مستساغ وجار على سنن اللغة العربية وكم لهذا التأويل من أمثلة كثيرة في الأحاديث النبوية، فجازى الله هذين الطبيبين العالمين حَقًّا اللذين أظهرا شَيْئًا من أسرار اللهِ، في شيء من أضعف خلق الله وهو الذباب ومن يدري؟ فلعله لولا هذه المادة التي تتكون في جسم الذباب، والتي تقتل الجراثيم العالقة بالذباب، والتي تكون في بُرَازِهَا لكان الذباب أداة سحق وهلاك للناس، ولا سيما في البلاد الفقيرة والمتخلفة، وهذا من رحمة الله بالخلق وصدق الله تبارك وتعالى حيث يقول:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (1).

الحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام:

وبعد إجراء التجارب والبحوث العلمية الطبية من عام 1927 م الذي نشر فيه أول بحث يتعلق بما في الذباب من دواء في " المجلة الطبية الإنجليزية " وتوالت التجارب والبحوث إلى وقتنا هذا يتبين بكل جلاء ووضوح.

أَنَّ حَدِيثَ الذُّبَابِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

وبعد: فلعلك أيها القارئ الفطن والباحث المتبصر قد ازددت يقينًا بصحة هذا الحديث رواية ودراية - يعني من جهة المعنى وصدقه - واطمأننت إلى أن

(1)[سورة الأعراف، الآية: 156].

ص: 351

الإذعان والقبول لما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرى بالمؤمن المتثبت وأولى وفي كل يوم تتقدم فيه العلوم والمعارف البشرية يظهر الله تبارك وتعالى من الآيات الأنفسية والآفاقية والكونية ما يدل على صدق القرآن الكريم، وصدق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وصدق الله حيث يقول:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ (1) الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (2) بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين!!!

تَوْضِيحٌ وَتَنْبِيهٌ:

أحب أن أقول إن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم «فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ» وفي قوله «ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ» إنما هو للإرشاد والتعليم وليس على سبيل الوجوب.

وأيضًا فليس في الحديث أمر بالشرب من الشراب، ولا أمر بالأكل من الطعام بعد الغمس والإخراج بل هذا متروك لنفس كل إنسان فمن أراد أن يأكل منه أو يشرب بعد فله ذلك، ومن عافت نفسه ذلك فلا حرج عليه في ذلك، والشيء قد يكون حَلَالاً ولكن تعافه النفس، وذلك كالضب فقد كان أكله حَلَالاً، ومع ذلك عافته نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأكل منه، لأنه لم يكن بديار قومه، ثم أليس فيما أرشد إليه المُشَرِّعُ الحَكِيمُ صلى الله عليه وسلم، والموحي إليه من رب العالمين ما يعتبر حِفْظًا للمال من الإضاعة؟! بلى، والله.

إن الكثيرين من الناس في البيئات الفقيرة لا يريقون الشراب ولا الطعام الذي سقط فيه الذباب، وإنما يخرجونه، ثم يشربون منه ويأكلون ولا يرون في ذلك حَرَجًا، وتعافه نفوسهم لأنهم لم يحصلوا على هذا الشراب أو الطعام إلا بعد الكد والتعب والعرق، وقد رأيت بعيني من يفعل ذلك، وهو راض بما صنع قرير العين

(1) الضمير يعود على القرآن ويدخل اَيْضًا السُنَّةُ النَّبَوِيَّةُ التي هي شارحة للقرآن ومفسرة له، والتي تعتبر الأصل الثاني من أصول التشريع.

(2)

[سورة فصلت، الآية: 53]. ومعنى شهيد: عليم وخبير لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

ص: 352

بطعامه وشرابه.

ومما ينبغي اَيْضًا أن أوضحه وأنبه إليه أننا معاشر العلماء المحدثين حينما ننتصر للحديث الشريف الصحيح رواية ومعنى، ليس معنى هذا أننا لا نحض الناس على مقاومة الذباب، وتطهير البيوت والمنازل، والشوارع والطرقات، وعلى حماية طعامهم وشرابهم منه، كَلَاّ وَحَاشَا، فالإسلام دين النظافة بكل ما تحتمله هذه الكلمة من معان ودين الوقاية من الأمراض والشرور، وقد جاء الإسلام بالطب الوقائي كما جاء بالطب العلاجي، وسبق إلى بعض ما لم يعرف ولم يتوصل إليه إلا في العصور الحديثه، ثم أليس في الحديث الصحيح الذي رواه " البخاري " و " مسلم " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خَمِّرُوا الآنِيَةَ - أي غطوها - وَأَوْكِئُوا الأَسْقِيَةَ - يعني اربطوا أفواهها حتى لا يتقذر الماء أو تدخل فيه بعض الحشرات الضارة -، [وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ]، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ العِشَاءِ» الحديث، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى صيانة أطعمتنا، وصيانة أوعية مياهنا والمحافظة على أولادنا الصغار من ظلمة الليل، وما عسى ينالهم في الظلمة من أذى أو شر وقد بلغ من سفاهة بعض الذين حكموا على الحديث بالكذب من الأطباء ومن الجهلاء أدعياء العلم أنهم رموا العلماء المنتصرين لصحة الحديث مبنى ومعنى " بِالذُّبَابِيِّينَ " ولا يضيرنا معاشر العلماء إِنْ نُرْمَى بِمَا يَسُوءُ وَيُؤْلِمُ فِي سَبِيلِ دَعْوَتِنَا إِلَى اللهِ ومنافحتنا عن كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أين ما ينال العلماء والدعاة اليوم مما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رميه بالكذب حِينًا والشعر حِينًا آخر، والكهانة حِينًا ثالثا، وما نال أصحاب رسول الله - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - في سبيل نشر الإسلام وفي سبيل دعوتهم، إن ما نال من جاء بعدهم لا يبلغ عُشْرَ مِعْشَارِ ما نالهم من الأذى والسباب والسفاه ثم ما رأى هؤلاء الذين كانوا يريدون منا أن نسارع إلى تكذيب الأحاديث الصحاح أو توهينها لأية شبهة، ثم جاء العلم والطب الحديث فكشف عما تنطوي عليه هذه الأحاديث الصحاح مثل حديث الذباب، من أسرار اعتبرها المنصفون والعقلاء ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؟!.

ص: 353