الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجَوَابُ الإِجْمَالِيُّ عَلَى هَذِهِ الاِفْتِرَاءَاتِ وَالشُّبُهَاتِ:
«حقائق مستمدة من خصائص الرسول والصحابة ومن بعدهم تهدم آراء جولدتسيهر» .
الحقيقة الأولى:
نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه كما أوحي إليه من غير أن يزيد فيه حرفًا أو ينقص حرفًا، وتلقاه عنه الصحابة، وتفانوا في حفظه وفهمه، والعلم به ومع أنهم عرب خلص إلا أنهم لم يحيطوا علمًا بكل ما في القرآن فهناك المجمل الذي يحتاج إلى تفصيل، والمبهم الذي يحتاج إلى بيان وتفسير، والمشكل الذي يحتاج إلى إزالة ما فيه من إشكال، وهناك العام الذي يراد به الخصوص، والعام الذي يحتاج إلى تخصيص، والمطلق الذي يحتاج إلى تقييد، وهذه أمور لا يكفي فيها معرفة اللغة، ولا الإلمام ببعض قواعد الشريعة فكان لا بد لهم من الرجوع في تفسير هذه الآيات المشتملة على ذلك من المُشَرِّعِ وَالمُبَلِّغِ عن الله وهو النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، وصدق الله تبارك وتعالى في قوله:{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) وقوله: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (2) هذه واحدة.
وثانية: وهي أن المسلمين كانت تعرض لهم مشكلات دينية ودنيوية شأن كل جماعة [مُتَمَدِّنَةٍ] لها مطالب وحاجات، وانتقلت من حياة ساذجة بدوية إلى حياة أخرى تقوم على تشريعات إلهية في العقائد، والعبادات والمعاملات، والأخلاق، ونحوها، وعلى وحدة إسلامية، وجدت لهم آفاقًا في فهم العقائد والشرائع ولم يكن القرآن الكريم الذي هو أصل الدين ومنبع الصراط المستقيم بالتفصيل الذي يسعفهم بكل ما يحتاجون إليه في حياتهم الدينية والدنيوية، وما يجد لهم من أمور لم تكن معروفة لهم من قبل، لأن الله تبارك وتعالى كلف الأمة الإسلامية بحفظه فضلا عن فهمه
(1)[سورة النحل، الآية: 44].
(2)
[سورة النحل، الآية: 64].
والعمل به، فلو أن القرآن جاء مشتملاً على كل شيء على التفصيل لشق على الأمة حفظه بل ولما استطاعوا.
إِذًا كان لا بد لهم، لكي يعرفوا حكم الله فيما يعرض لهم من أمور دينية ودنيوية، ولكي يشبعوا رغبتهم في العلم بالقرآن وأسراره، والعلم بكل ما اشتمل عليه من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاقيات، وسياسات وغيرها، من الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعث مبشرًا ونذيرًا، ومعلما، وهاديا إلى الصراط المستقيم
ولقد استفاض وتواتر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان المرجع للمسلمين في كل شيء سواء في ذلك رجالهم ونساؤهم حتى لقد كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمورهم الخاصة التي تتعلق بالغسل، والحيض، والنفاس، وكيفية التطهر بل والاحتلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين لهم كل ذلك بصراحة عن غير خدش للحياء، ولا انتهاك لحرمات، وكانت النساء كثيرًا ما يستعن بأمهات المؤمنين في معرفة ما يمنعهن الحياء من المصارحة به، والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب في كل ذلك بما يوحى إليه به وهو الغالب والكثير أو بما يؤديه إليه اجتهاده، وهو صلى الله عليه وسلم كان يجتهد على ما عليه المحققون من العلماء، ولكن ما كان يقر على الخطأ في الاجتهاد وسكوت الوحي على ما اجتهد فيه يقوم مقام تقرير الله تعالى له على اجتهاده.
وعلى هذا الأساس كان ينظر الصحابة إلى ما يصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم مِمَّا مَرَدُّهُ إلى التشريع بل وكانوا يجوزون في أمور دنياهم كأمور الحرب والسياسة أن تكون بوحي من الله، وليس أدل على هذا من قول الحُبَابِ بْنِ المُنْذِرِ للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر:«أَهَذَا مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَمَ أوْ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟» فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَلِ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ» فأشار عليه الْحُبَابُ (1) بمنزل آخر فنزل النبي على مشورته إذا لا بد بعد التسليم بهذا - ولا بد من التسليم - من أن نعتقد أنه كانت هناك ثروة طائلة تتعلق بتفسير القرآن الكريم وبيانه بشتى وجوه البيان، وبغير تفسير القرآن وبيانه من الأحكام التي استقلت السنة
(1) الحُبَابُ: بضم الحاء، وفتح الباء المخففة الممدودة، آخره باء موحدة.
الحقيقة الثانية:
حرص الصحابة رضوان الله عليهم حرصا بالغا عما يصدر عن الرسول المشرع صلى الله عليه وسلم، وإحلاله محل النفس والروح، وقد كان من دواعي حفظ الصحابة ما يرد عن الرسول وفهمه والعلم به، والعمل، وحرصهم عليه أمور:
والأحاديث ببيان أحكامها مما لم يجر له في القرآن الكريم ذكر، هذه الثروة الطائلة النافعة المفيدة هي ما تعرف بالأحاديث والسنن سواء أكانت قولية، أم فعلية، أم تقريرية.
الحقيقة الثانية:
حرص الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - حرصًا بالغًا عما يصدر عن الرسول المشرع صلى الله عليه وسلم، وإحلاله محل النفس والروح، وقد كان من دواعي حفظ الصحابة ما يرد عن الرسول وَفَهْمِهِ وَالعِلْمِ بِهِ، وحرصهم على أمور:
[1]
أ، التقوى ما كانت تنال إلا بالعمل بما جاء به والشرف ما كان ينال في الإسلام إلا بالتقوى وصدق الله:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1) والتقوى لا تنال إلا بالعمل بكتاب الله، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ثم كانت عنايتهم بحفظ سنن رسول الله مثل عنايتهم بحفظ كتاب الله تبارك وتعالى، ولما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأمير مكة في عصره: مَنْ اِسْتَخْلَفْتَ؟ قَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ:[فَاسْتَخْلَفْتَ] عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عز وجل، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ!!، قَالَ عُمَرُ:[أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ]: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» . رواه مسلم، وكان الواحد منهم يقول لصاحبه وهو ذاهب إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم «تَعَالَ نُؤْمِنْ سَاعَةً» .
[2]
إن كثيرًا من شرائع الدين، وما جاء عن سيد المرسلين قد ارتبط بحوادث مشهورة أو بحوادث خاصة ببعضهم أو بأسئلة من جهتهم إلى غير ذلك مما له أكبر الأثر في حفظ ما يتعلق به، وإذا كان هذا أمرًا معروفًا مُسَلَّمًا فلماذا يستبعد جولدتسيهر ومن على شاكلته من المستشرقين أن يحفظ الصحابة قدرًا كبيرًا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه ويبلغوها لمن جاء بعدهم، ومن بعدهم يبلغونها لمن بعدهم حتى وصلت إلينا كما تلقوها عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
[3]
حُبُّهُمْ للرسول صلى الله عليه وسلم حُبًّا صادقًا صار مضرب الأمثال، وَأَقَرَّ بِهِ الموافق والمخالف، حتى قال بعض [أَعْدَاءِ] الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية لقومه المشركين
(1)[سورة الحجرات، الآية: 13].
«وَاللهِ لَقَدْ أَتَيْتُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِمَا، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُحِبُّهُ أَصْحَابُهُ كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا» وإذا كان بلغ حبهم للرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتزاحمون على فضل وضوئه، وما يسيل منه وأنه ما كان يتنخم نخامة، ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه ووقع في يد رجل منهم فإلى أي حد نتصور أثر هذا الحب في حفظ حديثه وسننه، إن بعض الزعماء اليوم، ورجال السياسة يحفظ الناس من مأثور كلامهم الشيء الكثير، فكيف يستبعد مستبعد أن يحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الكثير والكثير ويبلغوه إلى من بعدهم على الفرق الشاسع ما بين النبوة والزعامة، وما بين الصحابة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وبين أتباع الزعماء
الحقيقة الثالثة:
نشاط الصحابة ومن بعدهم على العناية الفائقة بالسنة وجمعها وحفظها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأوفوا في ذلك على الغاية.
فهذا هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يرحل في سماع حديث من راويه عن النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملاً، ويشتري بعيرًا لذلك، رواه البخاري تعليقًا، وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يبلغه الحديث عن أحد الصحابة فيذهب إليه ليسمعه منه فوجده نائمًا فيتوسد رداءه على بابه تسفي الريح عليه التراب فخرج الصحابي فوجده: فقال: «مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟، هَلَاّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟» ، فيقول:«أَنَا أَحَقُّ أَنْ [آتِيَكَ]» ، فيسمع منه الحديث وينصرف وأمثال جابر بن عبد الله وأمثال ابن عباس رضي الله عنهما كثيرون وكثيرون من الصحابة.
وكذلك حافظ على العناية بالسنن والأحاديث من جاء بعدهم من التابعين روي عن سعيد بن جبير أنه يكون مسافرًا مع ابن عباس فيسمع منه الحديث فيكتبه في مقدمة الرحل حتى إذا نزل قيده في كتابه.
الحقيقة الرابعة:
ما امتاز به علماء الإسلام من لدن الصحابة إلى أن تم جمع السنة وتدوينها تدوينا عاما من حفظ لألفاظها، وفهم لمعانيها، وتفقه لأحكامها، ومناهضتهم لحركة
الوضع في الحديث، وتعقبهم للكذابين والوضاعين، والكشف عن عوارهم وعارهم حتى أظهروهم على حقيقة أمرهم، فتجنبهم الناس، ولم ينخدعوا بظواهرهم.
قال العلامة أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة: «لما لم يمكن أحدا أن يزيد في القرآن أخذ أقوام يزيدون في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله قومًا يذبون عن النقل ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح، وما يخلي الله منهم عصرا من الأعصار» .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيَّ المتوفى (سنة 161 هـ): «الْمَلَائِكَةُ حُرَّاسُ السَّمَاءِ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ حُرَّاسُ الأَرْضِ» ، وروي عن عبد الله بن المبارك المتوفى (سنة 181) أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ المَوْضُوعَةُ!! فقال: «تَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ» (1). وذكر الإمام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " أَنَّ الخَلِيفَةَ الرَّشِيْدُ أَخَذَ زِنْدِيقاً لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ:«أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا؟» فَقَالَ الرَّشِيْدُ: «فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ (2)، وَابْنِ المُبَارَكِ يَنْخُلَانِهَا، فَيُخْرِجَانِهَا حَرْفاً حَرْفاً» .
وروي عن ابن المبارك: «لو هم رجل في الصحراء أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون: كذاب» .
فهذه النقول تدل على يقظة أهل الحديث ورجاله للكذابين والوضاعين وقعودهم لهم بالمرصاد، وعلى تزييفهم لما وضعوه والإبانة عنه، وبذلك ردوا كيدهم في نحرهم كل هذه الحقائق وغيرها مما لا يتسع المقام لذكرها تؤدي إلى العلم، بل والاعتقاد أن الأحاديث النبوية والسنن قامت على عمد ثابتة، ودعائم قوية، وأنها ليست كما يزعم جولدتسيهر من آثار التطور الديني، والاجتماعي والسياسي للمسلمين، ولا أدري كيف تكون جل الأحاديث من آثار التطور مع اتفاق الأمصار الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في معظم العبادات والتشريعات في المعاملات
(1) جمع جهبذ - بكسر الجيم - وهو العالم الناقد البصير ز
(2)
هو الإمام العالم الحافظ شيخ الإسلام إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي المتوفى سَنَةَ 185 أو 186.
وغيرها فلو أن الأمر أمر تطور، كما زعموا - وبئس ما زعموا - لما اتفقوا هذا الاتفاق، ومعظم الخلافات في الفروع الفقهية إنما ترجع لاعتبارات أخرى معظمها يرجع إلى طريقة الاجتهاد، واختلاف أنظارهم في الدليل الواحد، وإلى أن بعض الأحاديث قد تكون في مصر ولا تكون في مصر آخر، وذلك لأن بعض الصحابة كان معهم من الأحاديث ما ليس عند الآخرين، ثم إننا لا نعتبر العصر الأول عصر طفولة في الفقه كَلَاّ وَحَاشَا، وإنما نعتبره عصر الاكتمال الديني والتشريعي، ومهما اختلف العلماء في الفروع فمرجعهم في الأحكام إلى الكتاب الكريم، والسنة النبوية، أو القياس عليهما، أو الإجماع.
وليس أدل على أن عصر النبي صلى الله عليه وسلم هو عصر الاكتمال الديني والفقهي من قول الله تبارك وتعالى في حَجَّةِ الوَدَاعِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ [أَمْرَيْنِ] لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» رواه مالك في " الموطأ " بلاغًا، ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقوله صلى الله عليه وسلم:«قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَاّ هَالِكٌ» (*).
فما من حكم يطلبه المسلمون في دينهم ودنياهم مهما تقدمت العصور والأزمان. إلا ويجدونه في القرآن فإن لم يجدوه في القرآن ففي السُنَّةِ. فإن لم يجدوه في السُنَّةِ قاسوا على ما في القرآن، أو على ما في السُنَّةِ، وإلا اجتهدوا في معرفة الحكم في حدود القواعد الأصولية المستنبطة من القرآن والسُنَّةِ، والاجتهاد في الإسلام باق إلى يوم القيامة، ولكن له شروط لا بد من توافرها فيمن يجتهد حتى يكون أهلا للاجتهاد، وليس الاجتهاد في الإسلام بَابًا يدخله أي أحد، ومن لوازم كون الإسلام دينًا عامًا للناس جميعا، وباقيًا خالدًا إلى يوم القيامة أن يكون باب الاجتهاد مفتوحًا، باقيًا إلى يوم القيامة حتى يكون فيه كفاء حاجات البشر في دينهم ودنياهم، وصدق من قال:«تَحْدُثُ لِلْنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الفُجُورِ» (**).
(1)[سورة المائدة، الآية: 3].
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) لم ترد لفظة (المحجة) في " المستدرك "، انظر " المستدرك " للحاكم النيسابوري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، 1/ 175، حديث رقم 331، الطبعة الأولى: 1411 هـ - 1990 م، نشر دار الكتب العلمية - بيروت.
(**) قول مأثور عن الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «يُحْدِثُ النَّاسُ فُجُورًا فَتَحْدُثُ لَهُمْ أَقْضِيَةٌ» ، انظر " تفسير القرطبي " تحقيق هشام سمير البخاري، 16/ 181، طبعة سنة 1423 هـ - 2003 م، نشر عالم الكتب. بيروت - لبنان. وانظر اَيْضًا:" شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك "، محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري، 4/ 71، تحقيق طه عبد الرءوف سعد، الطبعة الأولى: 1424 هـ - 2003 م، نشر مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة. كذلك ينسب القول إلى عمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، انظر " الفروق " للقرافي، 4/ 179، الطبعة بدون تاريخ، نشر عالم الكتب. بيروت - لبنان.
وتقسيم الأطوار التي مر بها التشريع الإسلامي إلى عصر الطفولة وعصر الشباب وعصر الكهولة فالاكتمال لا ينطبق على الشرع الإسلامي لأن أصوله هي الكتاب والسنة، والإجماع والقياس، وإنما ينطبق على المذاهب الإنسانية، والقوانين الوضعية.
والمستشرقون أو معظمهم لا ينظرون إلى التشريعات الإسلامية على أنها تشريعات إلاهية من لدن عليم حكيم وإنما ينظرون إليها على أنها كغيرها من المذاهب البشرية والقوانين الوضعية، فمن ثم وقعوا في مثل هذه الأخطاء.
نعم قد يكون حصل التطور في تدوين كتب الفقه والأحكام وهذه سنة الله في العلوم تبدأ قليلة ثم تكثر، وصغيرة ثم تكبر، فالفقه مبناه على التشريع الإلهي من كتاب وسنة وإجماع وقياس، ولكن فيه جهود كبيرة للفقهاء على توالي العصور في الفهم، والترجيح، واستنباط الأحكام والآداب.
وإذا رجعت إلى أي كتاب من كتب الفقه على كثرتها، وتعدد مذاهب أصحابها في الاجتهاد والاستنباط تجدها ممتلئة بالآيات القرآنية، والأحاديث والسنن النبوية، والله أعلم.
***