الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الحرمين وأما الأقصى فلا، واستأنس بحديث جابر أن رجلا قال لِلْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال صل ههنا» (1) فمدار الفتوى في حديث جابر والسيدة ميمونة على أن من نذر الصلاة في مفضول أجزأه الصلاة في الأفضل ولا عكس» (2). وها نحن أولاء نرى أن الشافعي رحمه الله في " الأم " أوجب أداء النذر في المسجد الحرام دون المسجدين الآخرين المشرفين، مع أَنَّ الشافعي مِمَّنْ يرى صحة حديث «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» ، وعلى منطق المؤلف في البحث كان يلزم أَنْ نقول استناداً إلى رأي الشافعي في " الأم ": إنَّ فضيلة المسجدين: مسجد المدينة والأقصى غير ثابتة، وإِنَّ ذكرها في الحديث اختلاق، وهو منهج في البحث سقيم، لَمْ نَرَ له مثيلاً في القديم ولا في الحديث.
طَعْنُ أَبِي رَيَّةَ فِي حَدِيثٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَالرَدُّ عَلَيْهِ:
في [ص 131] ذكر تحت عنوان «اليد اليهودية في تفضيل الشام» حديث " الصحيحين " المرفوع ولفظه: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» . قال: روى البخاري: «هُمْ بِالشَّامِ» .
ونحن لا ننكر في أن بلاد الشام وغيرها من بلاد الإسلام قد وضعت فيها أحاديث كثيرة بداعي العصبية الوطنية، وقد سبق أئمة الحديث وصيارفته إلى بيان ذلك منذ مئات السنين، ولكن الذي ننكره على المؤلف الطعن في الأحاديث الصحيحة بالظن من غير تثبت، أو اعتمادا على تأويل مؤول للحديث.
وليس أدل على هذا من ذكره هذا الحديث واعتباره من صنع اليد اليهودية وأي فائدة تعود على اليهود من هذا وبلاد الشام ليست بلادهم وإنما هي بلاد العرب قبل أن تكون بلادا لهم؟ وهل يعقل من اليهود في سبيل التزلف إلى بني أمية أن يضعوا هذا الحديث الذي يدل على بقاء الإسلام وبقاء سلطانه، وبقاء هذه الطائفة الثابتة على الحق من الأُمَّة المحمدية إلى يوم القيامة؟ وكيف وهم يدعون أنهم شعب الله المختار - كذبا وزورا - وأنهم أحق الشعوب بالبقاء، لقد وصفهم المؤلف
(1)" عمدة القاري ": ج 7 ص 253.
(2)
" المُغني " و " الشرح الكبير ": ج 11 ص 352.
بالدهاء والمكر، فكيف يضعون أحاديث تعلي بنيان أعدائهم وتقوض بيتهم من أساسه؟ الحق أن المؤلف يريد منا أن نلغي عقولنا.
وهذا الحديث رواه الشيخان في " صحيحيهما "، رواه البخاري في (كتاب الاعتصام) عن المغيرة بن شعبة عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بلفظ:«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» . والرواية التي أشار إليها المؤلف رواها " البخاري " في باب بعد علامات النبوة ببابين، عن عمير بن هانئ أنه سمع معاوية يقول: سمعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»
(قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّامِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ).
ورواه مسلم في " صحيحه " عن ثوبان وعن المغيرة بن شعبة وعن معاوية وعن جابر بن عبد الله، وليس في رواية مسلم عن معاوية» قال معاذ:«وَهُمْ بِالشَّامِ» ورواه غير البخاري ومسلم.
ومِمَّا ينبغي أن يتنبه إليه أن قول معاذ ليس من الحديث المرفوع كما يوهم صنيع المؤلف، وإنما هو تأويل لمعاذ في الحديث، أما المرفوع فليس فيه هذه الزيادة، قال البدر العيني في " شرحه على البخاري ": وحديث مالك هذا - يعني - هذا - يعني مازل بن يخامر عن معاذ - غير مرفوع» وقد فسر البخاري هذه الطائفة فقال بعد إيراد الترجمة للحديث: «وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ» وعن علي بن المديني أنه قال: هم أصحاب الحديث، وهكذا روي عن الإمام أحمد وقيل غير ذلك نرى أن الأئمة من لدن الصحابة اختلفوا في تعيين المراد من هذه الطائفة فتخريج الإمام البخاري لهذه الرواية عن معاذ في فهم الحديث لا ينهض دليلا للطعن في الحديث الصحيح واعتباره من دسائس اليهود.
وكذلك قول بعض العلماء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في " صحيحه " عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» : أن المراد بهم أهل الشام، لا ينهض للطعن في الحديث وذكر مع أحاديث نبه العلماء على وضعها في قرن واحد.