الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سِتِّينَ وَلَا إِمَارَةَ الصِّبْيَان» يريد يزيد بن معاوية فقد تولى سَنَةَ ستين ونحن نعلم ما فعله معاوية كي يجعل ولاية العهد لابنه، فهل يعقل أن يكون من يقول هذا القول متشيعًا لبني أمية ولا سيما معاوية؟؟ وإذا كان مروان أو غيره كانوا ينيبونه في غيبتهم، فليس ذلك لتملقه أو تشيعه لهم وإنما ذلك كان لفضله ومنزلته، وليس أدل على هذا من القصة التي رواها ابن سعد (1) بسنده عن الوليد بن رباح قال: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: «وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بوالٍ، وَإِنَّ الوَالِيَ لَغَيْرُكَ فَدَعْهُ - يعني حين أرادوا أن يدفنوا الحسن مع جده رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنَّكَ تَدَخَّلُ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ، إِنَّمَا تُرِيدُ بِهَذَا إِرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْكَ» - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ -
فأقبل عليه مروان مغضبًا فقال: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: إِنَّك أَكْثَرْتَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» الحديث، وَإِنَّمَا قَدِمْتَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَسِيرٍ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: «قَدِمْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ زِدْتُ عَلَى الثَّلَاثِيْنَ، فَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَأَدُورُ مَعَهُ فِي بُيُوتِ نِسَائِهِ، وَأَخْدُمُهُ، وَأغْزُو مَعَهُ، وَأَحُجُّ، [وَأُصَلِّي خَلْفَهُ]، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ - وَاللهِ - سَبَقَنِي قَوْمٌ بِصُحْبَتِهِ فَكَانُوا يَعْرِفُونَ لُزُومِي لَهُ، فَيَسْأُلُونَنِي عَنْ حَدِيثِهِ، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَلَا - وَاللهِ - لَا يَخْفَىَ عَلَيَّ كُلُّ حَدِيثٍ كَانَ بِالمَدِينَةِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلَةً، وَمَنْ أَخْرَجَهُ مِن المَدِينَةِ أَنْ يُسْاكِنَهُ» قَالَ الرَّاوِي: فَوَاللهِ مَا زَالَ مَرْوَانُ بَعْدَ ذَلِكَ كَافًّا عَنْهُ.
فلو كان أبو هريرة مُتَشَيِّعًا لبني أمية ومتطفلاً على موائد معاوية - كما زعم المؤلف - فهل يعقل أن يرد مروان - وهو من بيت الحُكْمِ - هذا الرَدَّ؟ ولو كان ما ذكره أبو هريرة عن نفسه ليس بصحيح، فهل كان مروان يسكت عنه ويتقيه بعد هذا؟
طَعْنُهُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ بِاخْتِلَاقِ الأَحَادِيثَ فِي فَضَائِلِ بَنِي أُمَيَّةَ:
ومن افتراءات المؤلف ما ذكره في [ص 181] وما بعدها حيث قال:
ولم يكن ما قدم أبو هريرة لمعاوية جهادًا بسيفه أو بماله، وإنما كان جهاده أحاديث ينشرها بين المسلمين، يخذل بها أنصار عَلِيٍّ ويطعن عليه ويجعل الناس
(1)" البداية والنهاية ": ج 8 ص 108، و" الإصابة ": 4، ترجمة أبي هريرة.
يبرأون منه، وَيُشِيدُ بفضل معاوية، وقد كان مِمَّا رواه أحاديث في فضل عثمان ومعاوية وغيرهما مِمَّنْ يمت بأواصر القربى إلى آل أبي العاص وسائر بني أمية، ثم شرع يذكر بعض هذه الأحاديث.
وأحب أن أقول للمؤلف ومن على شاكلته: ليس أدل على نزاهة أبي هريرة والصحابة جميعًا - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - وعدالتهم، وأنهم لا يتقولون على رسول الله ما لم يقله مِمَّا قاله العلماء - وقد نقله المؤلف في كتابه - قالوا: «إنه لم يصح في فضائل معاوية حديث، ولو كان من الصحابة - كما زعم هذا المفترى - لَرَوَوْا في فضله أحاديث وحملت عنهم، ولاعتبرها الأئمة
صحيحة باعتبار سلامة أسانيدها، ولكن لم يقع شيء من هذا» وأما الأحاديث التي عرض لها المؤلف في فضائل معاوية فأغلبها موضوع وقد نَصَّ على ذلك العلماء، وَمِنَ المُضْحِكِ المُبْكِي أن المؤلف بلغ من أمره أنه يتوهم أن الحديث إذا كان موضوعًا فواضعه هو من روى عنه من الصحابة وهو جهل جاهل فالآفة مِمَّنْ جاء بعد الصحابة من الرواة، ولو أن الأمر كما توهم لعاد ذلك بالتجريح على أكثر الصحابة.
وأما ما عرض له من الأحاديث فإليك مفصل الحق فيها:
أما حديث أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ مَا تَأْمُرُنَا؟ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ» وهو يشير إلى عثمان، فقد قال ابن كثير - وهو من أئمة النقد في الإسلام - رواه أحمد وإسناده جَيِّدٌ حَسَنٌ، ولا أدري أية غرابة في هذا وأية تهمة وعثمان ذو النورين صِهْرُ رَسُولِ اللهِ، وصاحب السوابق في الإسلام وصاحب المآثر والمفاخر، وفضائله أكثر من أن تحصى، خرجها أصحاب " الصحيحين "، وغيرهما، وليس من شك في أن الرجل قتل مظلومًا، وأن مثيري الفتنة أجرموا في حقه وحق الإسلام، فإذا روى أبو هريرة رضي الله عنهما سمعه من رسول الله في شأن هذه الفتنة وحضه على أن يكونوا في صف عثمان، يأتي أَبُو رَيَّةَ فينكر عليه ويرميه بالوضع والاختلاق، واللهُ ورسوله والمؤمنون يعلمون أنه براء من ذلك.