الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو يكون علمه من أبي هريرة أو أنس، وليس تجويز أن أبا هريرة أخذه عن كعب ثم رفعه بأولى من تجويز أن يكون كعب أخذه منه، ولا سيما وقد جاء في القرآن ما يشهد لما رواه، وَسُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شارحة للقرآن وَمُبَيِّنَةٌ لَهُ.
اسْتِدْلَالُ أَبِي رَيَّةَ بِحَدِيثٍ مَوْضُوعٍ فِي الطَّعْنِ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ:
قال في [ص 174] وروى الحاكم في " المستدرك " ورجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ، وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ العَرْشِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ» قَالَ: «فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا» قال: وهذا الحديث من قول كعب ونصه: إنَّ للهِ دِيكاً
…
إلخ.
والجواب:
أنَّ متن هذا الحديث قد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع وأحرى به أن يكون موضوعًا، والحاكم معروف بالتساهل في التصحيح، وَمِمَّا يدل على عدم ثبوته اَيْضًا ما قاله ابن قيم الجوزية في " جواب الأسئلة الطرابلسية " بعد سرده جملة من أحاديث الديك قال: «وَبِالجُمْلَةِ فَكُلُّ أَحَادِيثِ الدِّيكِ كَذِبٌ إِلَاّ حَدِيثًا وَاحِدًا:
" إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا "» (1)
وإذا كان الحديث مُخْتَلَقًا مَوْضُوعًا فلا يثبت عن أبي هريرة ولا عن رسول الله، وبذلك انهار الأساس الذي بَنَى عليه كلامه، ويكون قول كعب إن ثبت من الإسرائيليات المبثوثة في كتب أهل الكتاب.
طَعُنُهُ فِي حَدِيثٍ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " بِسَبَبِ سُوءِ فَهْمِهِ لَهُ:
قال في [ص 174] وروى أبو هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«النِّيلُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» (2) وهذا القول رواه كعب إذ قال: أربعة أنهار
(1)" كشف الخفاء ومزيل الألباس ": ج 1 ص 414.
(2)
قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم ":ج 17 ص 176 «اعْلَمْ أَنَّ سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ غَيْرُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ =
الجنة وصفها الله عز وجل في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن في الجنة.
والجواب:
إنَّ الحديث الذي رواه أبو هريرة صحيح غاية الصحة وهو في " صحيح مسلم " بلفظ: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلُّهَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» ، والحديث ليس على حقيقته كما ذهب إليه بعضهم، وإنما الكلام على سبيل التشبيه، وأن هذه الأنهار تشبه أنهار الجنة في صفتها وعذوبتها وكثرة خيراتها ونفعها للناس، وقيل: إن في الكلام حَذْفًا، والتقدير من أنهار أهل الجنة ففيه تبشير من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن الله سينجز له وعده وسينصره وسيظهر له دينه على الأديان حتى يبلغ مواطن هذه الأنهار الأربعة وغيرها - إذ ذكرها على سبيل التمثيل لا الحصر - وهذا ما كان فلم يمض قرن من الزمان حتى امتد سلطان الإسلام من المحيط الأطلسي إلى بلاد الهند، وأيا كان التأويل فالحديث مستساغ لغة وشرعًا وقد كان الصحابة بذكائهم وصفاء نفوسهم وإحاطتهم بالظروف والملابسات التي قيل فيها هذا الحديث وأمثاله يدركون ما يريده النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من مثل هذا الحديث الذي قد يشكل ظاهره على البعض، ولذلك لم يؤثر عن أحد منهم - على ما كانوا عليه من حُرِيَّةَ الرأي والصراحة في القول استشكال مثل هذا الحديث.
وأما ما ذكره عن كعب فقد عزاه إلى " نهاية الأرب " وهو لا يعتمد عليه في ثبوت الأحاديث، وكلامه إن ثبت فهو محمول اَيْضًا على التشبيه، وبقليل من التأمل يَتَبَيَّنُ لنا أن ادِّعَاءَ تأثر أبي هريرة فيما رواه بكعب بعيد، ولا يعدو أن يكون تظننًا وتخمينًا، فالحديثان متغايران والأقرب أن يكون كلام كعب تفسيرًا لحديث أبي هريرة
= فَأَمَّا سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اللَّذَانِ هُمَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فِي بِلَادِ الأَرْمَنِ فجَيْحَانَ نَهْرُ المَصِيصَةِ وَسَيْحَانَ نهر إذنه وَهُمَا نَهْرَانِ عَظِيمَانِ جِدًّا. وَأَمَّا قَوْلُ [الْجَوْهَرِيِّ](*) فى " صحاحه ": جيحان نهر بالشام فَغَلَطٌ
…
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَيْحَانَ وَكَذَلِكَ سَيْحُونُ غَيْرُ سَيْحَانَ»، ثم أنكر على عياض تسويته بين سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) الجوهري، وليس (الأزهري) انظر " الصحاح " للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار: 5/ 2091، الطبعة الرابعة: 1407 هـ - 1987 م، نشر دار العلم للملايين. بيروت - لبنان.