الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين يرجع إليهم في معرفة الصحيح من الضعيف والمقبول من المردود، ومن قواعدهم التي وضعوها: من روى حديثًا فعليه أَنْ يبرز سنده أو ينسبه إلى من خَرَّجَهُ، وإلا فليس له أَنْ ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَاّ بصيغة التضعيف كَقِيلَ وَرُوِىَ وَيُذْكَرُ ونحوها، وليس له أَنْ ينسبه إلى رسول الله بصيغة الجزم إِلَاّ إذا تحقق من صحته أو حسنه، وقد اعتمد المؤلف في كثير مِمَّا نقل على كتاب " الشعر والشعراء " وكتاب " ثمار القلوب في المضاف والمنسوب " و " مقامات بديع الزمان الهمذاني " و " المثل السائر " و " شرح نهج البلاغة " و " حياة الحيوان " للدميري و " نهاية الأرب " ونحوها، ولست بهذا أقصد [الإزدراء] بهذه الكتب ولا بأصحابها، ولكني أحب أَنْ أقول: إِنَّ كثيرين من العلماء يكونون ثقات في فنونهم، ولكنهم لا يُعْتَمَدُ عليهم في رواية الحديث، ومعرفة صحيحه من سقيمه، لأنهم ليسوا من رجاله وصيارفته، وإذا كان ابن اسحق - وهو إمام أهل المغازي - قد ضعفوه في رواية الحديث، على ما بين التأليف في الحديث والسير في القديم من سبب وثيق، فما بالك بغيره من أهل الأدب واللغة والمباحث العامة!
وإني لأهتبل هذه الفرصة لأُبَيِّنَ للباحثين وَأُنَبِّهَ المسلمين إلى أنَّ كتب الأدب والتواريخ والأخلاق والمواعظ ونحوها مشتملة على الكثير من الإسرائيليات والأحاديث المكذوبة التي هي دخيلة على الإسلام، وقد بَيَّنْتُ هذا في كتابي " الوضع في الحديث ورد شُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ والكتاب المعاصرين ".
مُخَالَفَةُ أَبِي رَيَّةَ لِبَدَائِهِ العُقُولِ:
ومن أجل أَنَّ المؤلف اعتمد على كتب الأدب ونحوها في النقل، ولا سيما في موضوع دقيق يتعلق بتاريخ صحابي جليل، وهو أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وأنه أخذ في البحث وهو متشبع بهوى خاص، فقد وقع في أخطاء نربأ بطالب مبتدئ أَنْ يقع فيها.
فمن ذلك ما ذكره في [ص 156] من التهكم بأبي هريرة وتسميته بشيخ المضيرة، قال نقلا عن كتاب " ثمار القلوب " للثعالبي: «وكان يعجبه المضيرة جِدًّا فيأكل مع معاوية، فإذا حضرت الصلاة صَلَّى خلف عَلِيٍّ رضي الله عنه، فإذا قيل له في ذلك قال:" مُضَيْرَةُ مُعَاوِيَةَ أَدْسَمُ وَأَطْيَبُ، وَالصَّلَاةُ خَلْفَ عَلِيٍّ أَفْضَلُ "
، وكان يقال له شيخ المضيرة» (1).
وكيف يصح هذا في العقول وعَلِيٌّ كان بالعراق ومعاوية كان بالشام وأبو هريرة كان بالحجاز، إذ الثابت أنه بعد أَنْ تولى إمارة البحرين في عهد عمر رضي الله عنه لم يفارق الحجاز، قال الإمام ابن عبد البر:«اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى البَحْرَيْنِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، ثُمَّ أَرَادَهُ عَلَى العَمَلِ فَأَبَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ يَسْكُنُ المَدِينَةَ وَبِهَا كَانَتْ وَفَاتُهُ» (2).
اللَّهُمَّ إِلَاّ إذا كان المؤلف يرى أَنَّ أبا هريرة أُعْطِيَ بساط سليمان أو كانت تُطْوَى له الأرض طَيًّا!!!.
وفي [ص 157] ينقل عن أحد المؤلفين في سيرة سيدنا أبي هريرة - بعد أَنْ أضفى عليه من الألقاب الفضفاضة ما أضفى - قوله: يظهر من هذه الحكاية وغيرها أنه مِمَّنْ حضر وقعة صفين وأنه كان يصانع الفئتين ثم قال: وَحَدَّثَ غير واحد أَنَّ أبا هريرة كان في بعض الأيام يصلي في جماعة عَلِيٍّ، ويأكل في جماعة معاوية، فإذا حمي الوطيس لحق بالجبل، فإذا سئل قال:«عَلِيٌّ أَعْلَمُ، وَمُعَاوِيَةُ أَدْسَمُ، وَالجَبَلُ أَسْلَمُ» .
وهل يؤخذ العلم من الحكايات ولا سيما في موضوع فيه اتهام وتجريح كهذا؟!! ولمن؟ لصحابي جليل من صحابة رسول الله - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - ثم من قال: إِنَّ أبا هريرة حضر موقعة صفين؟ الأجل أن تصحح أيها المؤلف المتجني وصاحبك الذي زعمت أنه محقق و ..... و ..... حكاية باطلة تركبان هذا المركب الصعب وتتمحلان هذا التمحل الشديد؟ ثم من «غير واحد» الذي حدث؟ ثم هل يصح في العقول أَنَّ أبا هريرة كان ينتقل بين الجماعتين ويصانع الفئتين ولا ينكشف أمره؟؟.
أدركونا يا أصحاب العقول، وصدق القائل:
(1) المُضَيْرَةُ: مريقة تطبخ باللبن المضير، أي الحامض. وربما خلط بالحليب، وكان من أطايب الأطعمة يومئذٍ.
(2)
" الاستيعاب ": ج 4 ص 209 هامش " الإصابة ".