الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِهَايَةُ المَطَافِ:
وهذه الشبهات هي بعض ما وقفت عليه في " دائرة المعارف الإسلامية " التي ألفها المستشرقون ومعظمهم متعصبون وحاقدون على الإسلام والمسلمين، وفي " كتب المستشرقين " التي ترجمها العارفون باللغات التي ألفت بها، وفي " كتب الباحثين والمؤلفين المسلمين " الذين تابعوا المستشرقين في معظم ما قالوا، أو في بعض ما زعموا.
وهناك شُبَهٌ أخرى لم أقف عليها ولكني لن أكتفي بما قدمت، وسأجد وَأُغِذُّ السير (1) في البحث حتى أقف عليها وأرد على ما فيها مما فيه نيل من السٌنَّةِ وَالحَدِيثِ وأهله حتى يكون من هذا الكتاب، ومما سيجد ديوان حافل يستوعب كل ما قاله أعداء السنن والأحاديث من طعون فيها، مقرونة بالرد عليها رَدًّا عِلْمِيًّا صَحِيحًا فقد أخذت على نفسي من عهد الطلب أن أنصب من نفسي مدافعًا ومنافحًا عن الأصلين الشريفين: القرآن الكريم، وَالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
وهذا النوع من الجهاد من أعظم أنواع الجهاد في الإسلام، وإذا كنا في حاجة إلى ذلك في القديم والإسلام هو المسيطر على معظم العالم، وله السيادة التامة في الأرض - فنحن اليوم أشد حاجة إلى هذا اللون من الجهاد الواجب وفي الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم:«جَاهِدُوا [الْمُشْرِكِينَ] بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» رواه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح، والنسائي، وابن حبان والحاكم.
فقد تكالبت قوى الشر اليوم على المسلمين من كل جانب، وكشروا عن أنيابهم الحادة الشرسة، وكثيرًا ما يختلف الكفار فيما بينهم، ويحاول كل منهم إهلاك الآخر بشتى الوسائل، وليس أدل على ذلك مما هو قائم اليوم من خلاف بين المعسكرين: المعسكر الغربي المسيحي اسمًا، والمعسكر الشرقي الشيوعي
(1) يقال: [أغَذَّ] السَّيْرَ إذا أسْرَعَ. " القاموس ".
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
انظر " القاموس المحيط "، الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ): 1/ 336، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، الطبعة: الثامنة، 1426 هـ - 2005 م، نشر مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
اللاديني، وقد يهادن بعضهم بعضًا ريثما يوقع به الهزيمة والهلاك والدمار.
ولكن إذا كان الأمر متعلقًا بالإسلام والمسلمين فالكل سواء في عداوة الإسلام والمسلمين، وهذا ما يصدقه الواقع اليوم، وإذا كان بعضهم يتودد إلى المسلمين فلأجل مصالحهم، ومنافعهم الدنيوية.
وقد كنا نحفظ من كلام علمائنا الصادقين الأخيار الكبار: «إِنَّ الكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ» نعم - والله - إن الكفر ملة واحدة، وما أصدقها من كلمة ألقاها الله تبارك وتعالى على لسان أسلافنا العلماء الأبرار.
ويحاول بعض ضعفاء المسلمين اليوم ممن صنعهم الغرب أو الشرق على يديه أن يتملصوا من هذه الكلمة، ويعتبرونها من آثار التعصب، وما هي - عَلِمَ اللهُ - من التعصب في شيء، وإنما هي الحقيقة الصادقة والواقع الحق.
وليس أدل على ذلك مما وقع في فلسطين السليبة، فلولا الإنجليز وأعوانهم لما كان لليهود وجود في فلسطين وهم الذين مَكَّنُوا لهم من احتلالها، ولما قامت هذه الدويلة التي صنعها الإنجليز كان أول من اعترف بها روسيا الشيوعية فهل بعد ذلك يشك شاك في أن الكفر ملة واحدة؟!!.
وإذا كان الله أخذ الميثاق على العلماء من قديم الزمان أن يبينوا الحق ولا يكتموه وأن يجاهدوا في سبيل الحق وإزهاق الباطل فهذا البيان أوجب وأوجب على العلماء المسلمين الذين تكالبت على ديارهم، وعلى دينهم، وعلى كتابهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم دول الكفر والبغي، والعدوان.
فليشمر العلماء المسلمون فِي كُلِّ قُطْرٍ وَمِصْرٍ عن سواعدهم في سبيل إظهار محاسن دينهم، وشريعتهم، والدفاع عن كتاب ربهم وسنة نبيهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولنقابل باطلهم بحقنا وسفسطاتهم بِحُجَجِنَا، وَبَرَاهِينِنَا.
إن هذا الدين الإسلامي العظيم لم يقم على الراحة والكسل، والتواكل والدعة وإنما قام على الجهاد والكفاح، وحب الاستشهاد، والتضحيات بالنفس والأهل
والولد، والمال، وقام على الجهاد بالكلمة قبل أن يقوم على الجهاد بالسيف.
وإني لأهيب بإخواني، وأبنائي العلماء أن يقوم كل في مجال علمه وتخصصه بالمنافحة عن الإسلام، وعن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن علوم الإسلام وعن تراثه الذي لولاه لما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من تقدم فكري فالعالم مدين إلى الإسلام في هذا.
وبحسب العلماء المنافحين عن الإسلام، والدعاة إليه، والمظهرين لفضائله ومحاسنه - وما أكثرها - هذا التاج الذي تَوَّجَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيث قال:«العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» .
وإذا كان لا رتبة فوق النبوة، فلا شرف فوق وراثة هذه الرتبة، إن هذه الوراثة للأنبياء - وَاللهِ - لدونها كل ما في الدنيا من ملك، وسلطان وجاه ومال وأهل وولد.
«وبعد» فإن كان ما قلته صَوَابًا فمن الله وبتوفيقه، وإن كان فيما قلته خطأ فمني ومن الشيطان، والخير أردت {إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (1).
(1)[سورة هود، الآية: 88].