الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ المَوْعِدُ، إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً مِسْكِينًا، أخدُم رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ يَبْسُطْ ثَوْبَهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي " فَبَسَطْتُ ثَوْبِي حَتَّى قَضَى حَدِيثَهُ، ثُمَّ ضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ».
قال مسلم: إن مالكًا انتهى حديثه عند انقضاء قول أبي هريرة ولم يذكر في حديثه الرواية عن النَّبِيِّ: من بسط ثوبه
…
ولا ريب أن رواية مالك هي الصحيحة لأن الكلام بعد ذلك مفكك الأوصال ولا صلة بينه وبين الذي قبله.
مُتَابَعَةُ المُؤَلِّفِ لِلْمُسْتَشْرِقِينَ فِي كُلِّ مَا زَعَم:
وإليك جوابنا عن هذه المزاعم الباطلة:
1 -
إن هذا ليس من بنات أفكاره وإنما هو كلام «جولدتسيهر» المستشرق اليهودي عدو الإسلام والمسلمين، أَبُو رَيَّةَ لم يكن إِلَاّ بوقاً يُرَدِّدُ كلام هذا اليهودي، وإنْ كان - والحق يقال - أَعَفَّ من المؤلف، وإليك ما قاله جولدتسيهر لترى أنَّ المؤلف تابعه حذو النعل بالنعل قال: وقد اختلق الناس قصة تُبَرِّرُ اعتقادهم بعصمة ذاكرته عن الوقوع في الخطأ فقالوا: إنَّ النَّبِي لفه بيده في بُرْدَةٍ بسطت بينهما أثناء حديثهما، وبذلك ضمن أبو هريرة لنفسه ذاكرة تحفظ كل ما سمع
…
إلخ ما قال (1).
وقصة بَسْطِ الرِّدَاءِ مروية في " الصحيحين " وغيرهما من كُتُبِ السُنَّةِ المعتمدة (2) وليس في العقل ولا النقل ما يخالفها، بل جاء الواقع مُؤَيِّدًا لهذا حتى شهد له بِقُوَّةِ الحفظ الصحابة ومن جاء بعدهم من أهل العلم وَعَدُّوا هذا من المعجزات النبوية الظاهرة، ومن خصائص أبي هريرة أخرج البخاري في " التاريخ "والبيهقي في " المدخل " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ بْن عُمَارَة بْنِ حَزْم أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِس فِيهِ مَشْيَخَة مِنْ الصَّحَابَة بِضْعَة عَشَر رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَة يُحَدِّثهُمْ عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِالْحَدِيثِ فَلَا يَعْرِفهُ
(1) انظر " دائرة المعارف الإسلامية ": ص 408 المجلد الأول.
(2)
" فتح الباري ": ج 1 ص 73، 74. و" مسلم بشرح النووي ": ج 16 ص 52، 53.
بَعْضهمْ، فَيُرَاجِعُونَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفُوهُ، ثُمَّ يُحَدِّثهُمْ بِالْحَدِيثِ كَذَلِكَ حَتَّى فَعَلَ مِرَارًا، فَعَلِمْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة أَحْفَظ النَّاس».
وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة «إِنْ كُنْتَ لأَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ وَأَعْرَفَنَا بِحَدِيثِهِ» قال الترمذي: حسن، وقصته مع مروان وكاتبه مشهورة (1) وقال الشافعي - وهو إمام في المعقول والمنقول -:«أَبُو هُرَيْرَة أَحْفَظ مَنْ رَوَى الْحَدِيث فِي عَصْره» فهل من البحث الصحيح والمنطق السليم أن ندع كلام هؤلاء الأئمة ونأخذ بكلام المُسْتَشْرِقِينَ ومتابعيهم؟.
2 -
محاولة المؤلف التشكيك في قصة بَسْطِ الثَّوْبِ وَالرِّدَاءِ بأن الإمام مسلمًا قال: إن مالكًا انتهى حديثه عند قول أبي هريرة الموقوف عليه ولم يذكر قصة البسط، وزعمه أن رواية مالك هي الصحيحة لأن الكلام بعد ذلك مفكك الأوصال ولا صلة بينه وبين الذي قبله
…
محاولة فاشلة تنم عن جهل عميق بمقصد مسلم وطريقة المُحَدِّثِينَ، وعن بغض دفين لأبي هريرة حمله على أن يُحَرِّفَ الكلم عن مواضعه، والذي في " صحيح مسلم " أن الزُّهْرِي راوي الحديث عن ابن المسيب عن أبي هريرة قد روى عنه الحديث ثلاثة: مالك وسفيان بن عيينة ومعمر، أما مالك فقد اقتصر على كلام أبي هريرة وهو دفاعه عن نفسه وبيان الأسباب التي هيأت الإكثار، وأما سفيان ومعمر فقد ذكرا قصة الثوب ومقالة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فالقصة وردت عن الزُّهْرِي من طريق ابن عيينة ومعمر وناهيك بهما إمامين جليلين، وكذلك وافق سفيان بن عيينة ومعمر في ذكر القصة إبراهيم بن سعد وحديثه عند البخاري (2).
وأما كون قصة الثوب مقتضبة عما قبلها فشيء لا وجود له إِلَاّ في وهم قائله لأنها وثيقة الصلة بما قبلها، ذلك أن أبا هريرة بعد أن بين أن تفرغه من الشواغل الدنيوية وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسباب الحاملة له على الإكثار، ناسب أن يذكر سببا آخر وهو عدم نسيانه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه له، على أن قصة بسط الثوب قد وردت مستقلة في " صحيح البخاري " من طرق عدة صحيحة عن أبي هريرة واعتبرها الأئمة من فضائل أبي هريرة ومن المعجزات النبوية قال الحافظ في " الفتح ": «وَفِي هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ - حَدِيثُ " يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ "
…
وَ «حَدِيثُ بَسْطِ
(1)" الإصابة في [تمييز] الصحابة "[لابن حجر العسقلاني]، ترجمة أبي هريرة.
(2)
«كتاب المزارعة» ، باب ما جاء في الغرس.