الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[(10)]
الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُ:
وهي «الشبهة العاشرة» .
والجواب عن هذه الشبهة:
[1]
ما استند إليه مما ذكره أهل الجرح والتعديل في بعض الضعفاء، والكذابين، والمغفلين فهو يشهد لنا، ويرجع بالنقض على كلامه، أليس فيه أكبر حجة على يقظة العلماء المعدلين، والمجرحين، وجهادهم في نفي الدخيل على الحديث، ورد الموضوعات، وعلى دقة أنظارهم، وَبُعْدِ غورهم في النقد، حتى إنهم ليعرفون دخيلة الشخص، وطويته مهما كان ظاهره صالحًا، ومهما حاول إخفاء ما في باطنه.
ومن شروطهم التي اشترطوها في الراوي العدل أن يكون عدل الظاهر، والباطن وهؤلاء الذين ورد فيهم قول أبي عاصم النبيل - لا عاصم بن نبيل - كما زعم الطاعن وقول يحيى بن سعيد الأنصاري هم فئة متزهدة، متصوفة، لا تميز بين الحلال والحرام، وبين ما يجوز وما لا يجوز، فأجازوا! الوضع في الترغيب والترهيب، أو هم فئة غلب عليهم الزهد والتصوف عن الحفظ، والتلقي والسماع من الشيوخ، فهم يَرْوُونَ كل ما يسمعون، فيقعون في الكذب وهم لا يشعرون، ومثل هؤلاء ما كان يؤخذ عنهم الحديث وهذا الكلام إنما يسوقه العلماء للتحذير من ضرر هؤلاء المغفلين (1) والأخذ منهم، وقد ساق هذا الكلام الإمام مسلم في " صحيحه " للتثبت في رواية الأخبار، والإعراض عن روايات المتهمين، والضعفاء، فيأتي المستشرقون فيحرفون الكلم عن مواضعه، ويجعلون من الفضيلة رذيلة، ومن المنقبة مذمة!!!
(1) المُغَفَّلُ: هو غير اليقظ، والذي لا يميز بين ما تجوز روايته، وما لا تجوز روايته، ولا يميز بين ما هو من حديثه وما ليس من حديثه وهؤلاء المغفلون يغلب على حديثهم الغلط، والخطأ.
[2]
ما ذكره عن زياد بن عبد الله البكائي قد خانه فيه التحقيق، أو علم الحق ولكنه دلس وكذب على العلماء، وزياد ليس بكذاب، ولا متهم بالكذب.
قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، حَدِيثُهُ حَدِيثَ أَهْلِ الصِّدْقِ» . وقال فيه الإمام أبو داود صاحب " السنن " نقلا عن ابن معين: «زيَادٌ البَكَّائِيُّ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ، ثِقَةٌ، وَكَانَ يُضََعِّفُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ أَثْبَتُ مَنْ رَوَى المَغَازِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ» وعبارة وكيع التي نقلها الطاعن رواها الترمذي في " كتاب النكاح " عن البخاري بسنده عن وكيع قال: «زِيَادُ مَعَ شَرَفِهِ يَكْذِبُ فِي الحَدِيثِ» ولكن الذي في " تاريخ البخاري " يخالف هذا، فقد روى بسنده عن وكيع قال:«زِيَادُ مَعَ شَرَفِهِ لَا يَكْذِبُ فِي الحَدِيثِ» وإذا اختلف كلام الناقل والمنقول عنه فالعبرة بالمنقول عنه، ودقة البخاري في النقل مستغنية عن التنبيه، ولا سيما إذا كان هناك ما يرجح كما هنا، فزياد لم يتهم بكذب قط، كما أن الحاكم أبا أحمد ساقه في " الكنى " بإسناده إلى وكيع كما نقله البخاري، والظاهر أن رواية الترمذي سقطت منها «لَا» (1).
وأيضا فقد روى له البخاري في - كتاب الجهاد - متابعة، وليس له في " صحيح البخاري "غيره وأخرج له الإمام مسلم في مواضع من كتابه " الصحيح " فلو كان كذابا أو متهما بالكذب لما أخرج له البخاري في المتابعات، ولما أخرج له مسلم في الأصول، وبحسب زياد توثيقًا له تخريج الشيخين له، وكفى بهما مزكيين وموثقين، على أنه إن وجد في الرواة كذابون فقد وجد أضعاف أضعافهم من الرواة الثقات العدول الضابطين.
[3]
ما حكاه عن يزيد بن هارون أن أهل الحديث بالكوفة في عصره ما عدا واحدا كانوا مدلسين حتى السفيانان ذكرا بين المدلسين فكلام يسوقه أهل الجرح
(1)" تهذيب التهذيب ": جـ 3 ص 375 - 377، و " تقريب التهذيب ": جـ 1 ص 238 [قال أبو حذيفة شرف الدين حجازي - كان الله له -: «وفي " علل الترمذي الكبير " (2/ 974) قال محمد - يعني ابن إسماعيل البخاري: " زياد بن عبد الله البكائي صدوق» .
قلت: وهذا مما يؤيد ما ذهب إليه الشيخ أبو شهبة من أن «لَا» سقطت من طبعة " السنن " للترمذي والله أعلم].
لِيُنْتَبَهَ إِلَى المُدَلِّسِ فلا يؤخذ عنه ما رواه بالعنعنة إلا إذا أثبت أنه سمعه من المروي عنه، على أن التدليس لَيْسَ كَذِبًا، وإنما هو الرواية بعبارة موهمة تحتمل اللقاء، وعدم اللقاء والسفيانان: سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة تدليسهما من النوع المحتمل، الذي يزول بمجيئه من طريق آخر تفيد اللقاء والسماع وعلى هذا جرى أصحاب الصحاح وغيرهم في تخريج أحاديثهم وأحاديث من هم مثلهم على أن الكوفة ما هي إلا مصر من الأمصار الإسلامية أما غيرها من الأمصار فقد كان فيها الكثيرون من الرواة الذين لم يعرفوا بتدليس قط
وأما السفيانان فهما من كبار الأئمة وما أخذ عليهما ليس من النوع المرذول، فسفيان بن عيينة كان يدلس عن الثقات، وقد حكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا: يقبل التدليس ابن عيينة لأنه إذا دلس أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، وهذا ما رجحه ابن حبان وقال:«هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَاّ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ» (1).
وأما سفيان الثوري فكان تدليسه من قبيل إبدال الاسم بالكنية أو العكس، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ "، «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يُدَلِّسُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَلَيْسَ إِذَا دَخَلَ كُورَةً يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَهَا لَا يَكْتُبُونَ حَدِيثَ رَجُلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، وَإِذَا عُرِفَ الرَّجُلُ بِالاسْمِ كَنَّاهُ، وَإِذَا عُرِفَ بِالْكُنْيَةِ سَمَّاهُ؟، قَالَ: هَذَا تَزْيِينٌ لَيْسَ بِتَدْلِيسٍ» .
(1)" شرح ألفية العراقي ": جـ 1 ص 84.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) اسم الكتاب " معرفة علوم الحديث " للحاكم النيسابوري (المتوفى سَنَةَ 405 هـ)، حققه السيد معظم حسين، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الثانية: 1385هـ - 1966 م، وعن هذه الطبعة المصورة نشرته دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان. [الطبعة: الثانية: 1397هـ - 1977م].
ومهما يكن من شيء فقد احتاط أئمة الحديث في قبول رواية المدلس، وجعلوا من التدليس ما يجرح به راويه كتدليس التسوية بأن يحذف الراوي الضعيف ويبقى الثقة (1) ومنه ما لم يجرح به راويه (2) كالذي أثر عن السفيانين وبذلك ظهر أن ما تمسك به " جولدتسيهر " أوهام لا تغني عن الحق شيئًا.
…
(1) هذا أخطر أنواع التدليس لأنه بحذف الضعيف يصبح السند من رواية الثقة عن الثقة فربما يغتر به من لم يعلم فيصححه، ويحتج به وليس كذلك.
(2)
ومن أمثلة ذلك ما رُوِيَ عن أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد أبا بكر بن أبي داود السجستاني صاحب " السنن " وفيه تضييع للمروي عنه والمروي أيضًا، لأنه قد لا يتفطن له فيحكم عليه بالجهالة.