الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَاّ أنْ يكون المراد تملك حق الاستمتاع بها وهو معنى الزواج، فهذه خمس روايات ليس بينها تَضاَدٌّ أو تناقض، وباقي الروايات الثمانية بعضها بلفظ:«أَنْكَحْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُقْرِئَهَا وَتُعَلِّمَهَا» وبعضها بلفظ: «أَمْكَنَّاكَهَا بِمَا مَعَكَ» إلخ
…
وبعضها بلفظ: «خُذْهَا بِمَا مَعَكَ» وهكذا يَتَبَيَّنُ لك جَلِيًّا أنَّ الروايات الثمانية ليس بينهما كبير فرق يسوغ للمؤلف أنْ يرمي السُنَّةَ بمنكر من القول، فيزعم أنها وصلتنا مغيرة مبدلة! على أنَّ طريقة العلماء المُحَقِّقِينَ في هذا الحديث وأمثاله هو الترجيح وبذل الجهد في التَحَرِّي والبحث عن حقيقة اللفظ الذي صدر من الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، ولعلماء الحديث وجهابذته - وراء قواعد النقد الظاهرة - مَلَكَةٌ خاصة وَحَاسَّةٌ دقيقة بهما ينفذون إلى معرفة اللفظ الذي هو أليق بالصدور عن الرسول، وهذا هو ما فعله الأئمة تُجَاهَ الروايات في هذا، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: «هَذِهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ،
…
فَالصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّظَرُ إِلَى التَّرْجِيحِ وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ [رِوَايَةُ] مَنْ رَوَى " زَوَّجْتُكَهَا " وَأَنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ
…
». ولما نقل المؤلف كلام ابن دقيق العيد وقف عند «مخرج الحديث» وترك الباقي، وغير خَفِيٍّ على القارئ الفطن السِرَّ في تركه لعجز الكلام، لأنه يهدم ما يريد أنْ يصل إليه، وكذلك لما نقل كلام العلائي ترك من آخره قوله:«ولكن القلب إلى ترجيح رواية الترويج أميل لكونها رواية الأكثرين، ولقرينة قول الرجل الخاطب زوجنيها يا رسول الله» فلماذا تركت هذا أيها الأمين؟! وقال الحافظ ابن حجر: «نعم، الذي تحرر مِمَّا قدمته أن الذين رووا بلفظ التزويج أكثر عددا مِمَّنْ رواه بغير لفظ التزويج ولا سيما وفيهم من الحفاظ مثل مالك، ورواية سفيان بن عيينة «أنكحتكها» مساوية لروايتهم ومثلها رواية زائدة (1).
وهكذا يَتَبَيَّن لنا أن لا ضرر دينيا بسبب الرواية بالمعنى كما يريد أن يصوره المؤلف ما دامت الألفاظ متوافقة أو متقاربة، وما دام طريق الترجيح بين الروايات يؤدي بالمجتهد إلى الوصول إلى الحق والصواب.
حَدِيثُ الصَّلَاةِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ:
ذكر حديث البخاري في " صحيحه " عن ابن عمر أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال يوم
(1)" فتح الباري ": جـ 9 ص 176.
الأحزاب: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَاّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» . الحديث، ومقالة الحافظ ابن حجر في شرح الحديث:«كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع النُّسَخ عِنْد الْبُخَارِيّ، وَوَقَعَ فِي جَمِيع النُّسَخ عِنْد مُسْلِم «الظُّهْر» مَعَ اِتِّفَاق الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَلَى رِوَايَته عَنْ شَيْخ وَاحِد بِإِسْنَادٍ وَاحِد، وَقَدْ وَافَقَ مُسْلِمًا أَبُو يَعْلَى وَآخَرُونَ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ اِبْن سَعْد
…
وَأَمَّا أَصْحَاب الْمَغَازِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا الْعَصْر» وإلى هنا اقتصر المؤلف على كلام الحافظ، وتتمة كلام ابن حجر «وكذلك وافق البخاري الطبراني والبيهقي في " الدلائل " وهذا كله يؤيد البخاري، وقد جمع بعض العلماء بين الرواتين باحتمال أنْ يكون بعضهم قبل الأمر كان صَلَّى الظهر وبعضهم لم يصلها، فقيل لمن لم يصلها: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ» ولمن صَلَاّهَا «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ» ، وجمع بعضهم: باحتمال أنْ تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقيل للطائفة الأولى: الظهر، وللطائفة الثانية: العصر وكلاهما لا بأس به .. إلى أنْ قال: ثم تأكد عندي أنَّ الاختلاف في اللفظ من حفظ بعض رُوَاتِهِ .. أو أنَّ البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف مذهبه في تجويز ذلك، بخلاف مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيراً .. لكن موافقة أبي حفص السلمي له - أي البخاري - تؤيد الاحتمال الأول وهذا كله من حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة والعصر لطائفة متجه
…
».
فها نحن أولاء نرى أنَّ الحافظ ابن حجر رَدَّ الوهم في رواية " البخاري " بين أنْ يكون من أحد الرُوَاةِ، أو من البخاري نفسه مع ترجيح الاحتمال الأول، فجاء المؤلف فنقل من كلام الحافظ الاحتمال الثاني مقتضباً عما قبله وعما بعده، وترك من كلام الحافظ ما قاله العلماء في التوفيق بين الروايتين، ولا يخفى على القارئ الفطن ما يريده المؤلف من هذا الاقتضاب المُخِل والذي يبغى من ورائه إظهار أئمة الحديث - ولا سيما أميرهم البخاري - بمظهر غير الضابطين المثبتين.
ولو سلمنا أنَّ إحدى الروايتين من قبيل الوهم فهل يؤدي هذا إلى تغيير الحُكْم المستفاد من الحديث؟ اللَّهُمَّ لا.
وبعد أنْ سرد ما زعم أنه يؤيده خلص إلى هذه النتيجة الخاطئة: فقال في [ص 70]: «لما كانت أحاديثه صلى الله عليه وسلم قد جاء نقلها بالمعنى - كما بَيَنَّا من قبل - وأنهم قد أباحوا لِرُوَاتِهَا أنْ يزيدوا فيها ويختصروا منها وأنْ يُقَدِّمُوا وَيُؤَخِّرُوا في ألفاظها -