الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" البداية والنهاية " لابن كثير، مِمَّا يُوهِمُ القَارِئَ أنه استبقى تلك الأحكام الجائرة من كتابه، مع أن ابن كثير قال في حديث:«الأُمَنَاءُ ثَلَاثَةٌ» بعد أن ذكر طُرُقَهُ: لا يصح من جميع وجوهه، وقال: وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة - يعني في فضل معاوية -
والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبه على نكارتها وضعف رجالها؟! وقد نَبَّهَ على وضعها اَيْضًا ابن الجوزي ووافقه السيوطي (1).
وأما ثانيًا: فلأن ابن عدي لم يذكر أن حديث «الأُمَنَاءُ ثَلَاثَةٌ» عن أبي هريرة، وإنما ذكره من رواية واثلة بن الأسقع، وحديث السهم اَيْضًا مروي عن أنس وعن ابن عمر، وهو بجميع طرقه موضوع، وهذا مِمَّا يَرُدُّ كَيْدَ المؤلف في نحره وافترائه على أبي هريرة.
وأما ما ذكره في [ص 189] من قوله: ولقد بلغ من مناصرته لبني أمية أنه كان يحث الناس على ما يطالب به عمالهم من صدقات، ويحذرهم من أن يسبوهم، ثم ذكر عن العجاج الرازي مقالة في ذلك لأبي هريرة، فكلام لا سند له يعتد به، وقد عزا الرواية إلى كتاب " الشعر والشعراء " وهو لا يوثق به في باب الرواية، ولو صحت الرواية عن أبي هريرة فليس فيها ما يشهد لما زعم، وإنما هو يحمل الروايات - بسبب ضغنه على أبي هريرة - ما لم تتحمل، وهي لا تخرج عن كونها نصيحة رجل مسلم بإخراج حق مفروض معلوم وهو الزكاة في الأموال، وفي الرواية أنه قال له: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيكَ بَعْضُ بُقْعَانِ الشَّامِ
…
» ثم فسرها بأنهم خدمهم وعبيدهم، وهذه العبارة لا تشعر بمناصرة بني أمية بل هي بالعكس تشعر بتألمه منهم وعدم الرضا عنهم، ولكنه الهوى يُعْمِي وَيُصِمُّ.
زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَضَعَ أَحَادِيثَ فِي ذَمِّ عَلِيٍّ:
في [ص 190] قال: «وضعه أحاديث على عَلِيٍّ» ثم نقل عن " شرج نهج
(1) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: ج 1 ص 216 - 219.
البلاغة " لابن أبي الحديد ما قاله أبو جعفر الإسكافي قال: «إنَّ معاوية حمل قومًا من الصحابة وقومًا من التابعين على رواية أخبار قبيحة على عَلِيٍّ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم في ذلك جَعْلاً فاختلقوا له ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.
ولا يخفى على باحث أن ابن أبي الحديد والإسكافي كلاهما شيعي متعنت، وكلاهما في مثل هذا لا يوثق به، ومعاوية - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - أفضل من أن يحمل الصحابة على وضع الأحاديث، والصحابة أكرم على أنفسهم من أن يكذبوا على رسول الله، وإذا كان المؤلف بصنيعه هذا يتملق الشيعة فليرح نفسه فما هُمْ مِمَّنْ يخدعون بهذا التملق الرخيص.
وأما ما ذكره من قدوم أبي هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة فلا نعلمه ولا نكاد نصدقه، وقد ذكر ابن عبد البر: أنه لما عاد من البحرين في عهد عمر رضي الله عنه ورغب إليه عمر أن يعود وَالِيًا عليها مرة أخرى فأبى، لم يزل بالمدينة حتى مات، وهذا هو الحق (1).
أما فضائل عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - و رضي الله عنه فهي كثيرة ومشهورة وقد روى أبو هريرة في فضائله أحاديث كثيرة مِمَّا يبعد غاية البعد مناصرته لمعاوية ومعاداته لِعَلِيٍّ، ويلقم المؤلف حَجَرًا.
وفي " الصحيحين " وغيرهما من ذلك شيء كثير، وفضائل سيدنا عَلِيٍّ أكثر من أن تحصى، وقد ألفت في ذلك كتب مستقلة ككتاب " الخصائص " للإمام النسائي، ولم يثبت في حق صحابي من الأحاديث الصحاح والحسان مثل ما ثبت في حقه، وهذا مِمَّا ندين الله تعالى عليه إرضاء لديننا وضمائرنا، واتباعًا لما التزمناه من قواعد البحث الحر النزيه، لا خوفًا من أحد ذي جاه ولا تزلفًا لأحد لأجل دنياه.
(1)" الاستيعاب ": ج 4 ص 209، على هامش " الإصابة ".